صادق مجلس الشيوخ الفرنسي ، أول أمس ، على قانون يتم بموجبه “الاعتذار ” للحركى، وإقرار تعويضات مالية لهم نظير المعاناة التي تعرضوا لها في فرنسا . وتأتي هذه الخطوة عشية المشاورات المبرمجة يوم 31 جانفي الجاري بالجزائر بين الأمناء العامين لوزارة خارجية الجزائر وفرنسا، عقب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، فهل وراء ذلك رغبة داخلية فرنسية في التشويش على أي تهدئة .
كان السفير الجزائري محمد عنتر داود ،خلال عودته يوم 6 جانفي الجاري لمزاولة مهامه ولقائه بمديرة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، قد أبلغ الجانب الفرنسي بموافقة السلطات الجزائرية على عقد مشاورات سياسية في الجزائر يوم 31 جانفي 2022 على مستوى الأمناء العامين لوزارتي الشؤون الخارجية”.
كما ناقش الطرفان مسألة عقد الدورة الخامسة للجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى بالجزائر التي تأجل انعقادها منذ مدة طويلة على خلفية البرودة في العلاقات بين البلدين . وعشية انطلاق هذه المشاورات بين البلدين بعد قطيعة دامت عدة أشهر ، على خلفية الأزمة التي أحدثتها تصريحات الرئيس الفرنسي والتي كانت وراء استدعاء السفير الجزائري من باريس ، اختيار مجلس الشيوخ الفرنسي الذي يرأسه حزب اليمين ، تمرير قانون يتم بموجبه ” الاعتذار” للحركى وإقرار تعويضات مالية لصالحهم بفعل ما سمي بـ ” المعاناة ” التي تعرضوا لها في فرنسا ، بعد استقلال الجزائر .
ولا يمكن أن يكون برمجة مثل هذا القانون بمحض الصدفة ، حتى وان كان مجدول في أجندة أنشطة البرلمان منذ عدة أشهر ، خصوصا وأن حزب اليمين يهيمن على تركيبة مجلس الشيوخ الفرنسي وعلى رئاسته . فهل وراء ذلك محاولة ” التشويش ” على انطلاق أول مشاورات سياسية بين البلدين ، عقب الأزمة الدبلوماسية التي دامت عدة أشهر ، والمبرمج أن تحتضنها الجزائر يوم 31 جانفي الجاري ، بعد موافقة الجزائر على الطلب الفرنسي بذلك ؟. صحيح أن قضية الحركى ، هو شأن داخلي فرنسي ، لكن تمرير قانون في هذا التوقيت بالذات ، يكشف عن تعامل فرنسي بمكيالين في ” ملف الذاكرة “، بحيث تعترف باريس بمعاناة الحركى وتعتذر لهم مقابل تعويضات أيضا ، وترفض في نفس الوقت ” الاعتذار ” للجزائريين والتعويض عما اقترفته في حقهم من تشريد وتهجير ونفي واغتصاب وابادة وأيضا بتجاربها النووية في الصحراء الجزائرية .
ولا يترك مجلس الشيوخ مجالا للشك ، من خلال تمرير قانون الاعتذار للحركى ،بعد 60 سنة، أن باريس توظف قضايا الذاكرة وتستغلها عندما يتعلق الأمر بحساباتها السياسية والانتخابية الداخلية ،بحيث يسعى اليمين من وراء مرشحته للرئاسة فاليري بيكراس، ربح أصوات أبناء الحركى والأقدام السود ،في الرئاسيات القادمة ، وتتجاهلها وتدير ظهرها عندما يتعلق الأمر بالاستجابة للمطلب الجزائري في ضرورة الاعتذار عن الجرائم الاستعمارية في حق الجزائريين طيلة قرن ونيف .
يأتي هذا الاستغلال لـ “الذاكرة ” من قبل الساسة الفرنسيين ، من أجل تحقيق مآرب انتخابية ، في وقت ادعى في الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، أن الجزائر أقامت بعد استقلالها عام 1962 “ريعا للذاكرة” يحافظ عليه “النظام السياسي-العسكري”، بينما تثبت القوانين التي سنها البرلمان الفرنسي والحكومة الفرنسية ، على غرار قانون تمجيد الاستعمار ، أن باريس لها باع طويل في استغلال ” ريع الذاكرة “، وذلك للحيلولة دون أن ترى فرنسا ماضيها الاستعماري في المرآة ، ولذلك ظلت تتعامل مع مطالب الجزائريين في الاعتراف والاعتذار عن جرائمها بـ “الكيل بمكيالين ” والسعى دوما للقفز عليها .