نسرين جعفر – الخبر
يرى الخبير الأممي عبد الحميد صيام أن الولايات المتحدة أُجبرت على الخروج من أفغانستان لأنها وجدت نفسها في حرب خاسرة لا محالة، مؤكدا أن الخروج الأمريكي المذل سينهي تدخلات واشنطن بالجيوش على الأرض، معتبرا أن طالبان تعلمت الدرس وستحاول بناء حكومة موسعة تشاركيه لإعادة بناء البلاد المدمرة.
مع وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان هل التقديرات الأمريكية كانت خاطئة؟
يبدو أن التقديرات الأمريكية كانت تنتظر سقوط أفغانستان في يد طالبان عاجلا أم آجلا، لكن تقديراتهم كانت تتوقع أن السقوط سيكون خلال 90 يوما وهذا تقدير خاطئ، ويبدو أنهم استمدوا معلوماتهم من مصادر حكومية أفغانية، خاصة من الرئيس أشرف غني الذي أكد للأمريكان أن الجيش قادر على مواجهة طالبان والصمود مدة طويلة، وبالتالي أحس الأمريكان أن الجيش حتى لو أنه سيهزم في النهاية، إلا أنه سيصمد على الأقل ثلاثة شهور من ولاية إلى ولاية. والظاهر أن الجيش الأفغاني هزم معنويا قبل أن يهزم ميدانيا، فعندما شاهد تلك الولايات تسقط الواحدة بعد الأخرى والناس ينضمون إلى طالبان وأن الكثير من المسؤولين تركوا مناصبهم وهربوا إما إلى باكستان أو إلى أماكن أخرى، انهارت معنوياته وأصبح كل يبحث عن سلامته الشخصية، وبالتالي انهار الجيش بسرعة خارقة، حيث لم يستمر الصمود 90 يوما بل لم يصمد حتى 9 أيام. وباعتقادي هذه التقديرات الأمريكية ستتم مراجعتها لمعرفة أين الخلل؟ من يتحمل مسؤولية التقديرات الخاطئة؟
لكن كيف تركت الولايات المتحدة أفغانستان لطالبان رغم أنها حاربت الحركة لمدة عشرين سنة؟
الحقيقية أن الولايات المتحدة لم تترك أفغانستان على هواها، بل أجبرت على الخروج لأنها وجدت نفسها في حرب خاسرة لا محالة، ذلك يذكرنا بقضية الاتحاد السوفييتي عندما عرف في حربه في أفغانستان للسيطرة على البلاد وفرض حكومة شيوعية ماركسية أنه لن يربح المعركة، خطط بطريقة علمية مدروسة كيف ينسحب منها بأقل الخسائر. الآن الولايات المتحدة عملت الشيء نفسه، فمنذ أن تم توقيع الاتفاقية بين واشنطن وطالبان كان من المعروف أنها جاءت وصولا إلى حقيقة دامغة نتيجتها أن أفغانستان لا يمكن أن يحكمها الأمريكان، لا يمكن أن يستمر حكم الأمريكان ولا عملاؤهم، فهم بدأوا يبحثون عن مخرج وجاء المخرج بسرعة مهولة، حيث خرجت الولايات المتحدة مهزومة ومدحورة وهربت من المطار ومن سقف السفارة الأمريكية مثلما هربت من سايغون عام 1975، وبالتالي إنها هزيمة أخرى للولايات الأمريكية رغم كل ما يقال إنها حققته. ماذا حققت؟ لا أعرف أين هي النتائج التي حققتها فقد كانت هناك حركة إرهابية واحدة اسمها القاعدة هزمت في أفغانستان لكنها انتشرت في كل بقاع العالم وأنشأت قواعد أخرى، بل وأنتجت مجموعات متطرفة أكثر بكثير من القاعدة، وكل ذلك نتيجة ما حصل في أفغانستان عام 2001 وما بعد ذلك.
هناك من يرى أن الهدف من الانسحاب الأمريكي خلق بؤرة توتر في المنطقة، ما رأيك في هذا الطرح؟
الانسحاب العسكري ليس له تفسير آخر سوى أن الولايات المتحدة لم تتحمل الخسائر المادية والاقتصادية وخسائر الأرواح والجرحى، فقد خرجت من أفغانستان بعد 20 سنة فقدت فيها أكثر من 5 آلاف قتيل نصفهم من الجنود ونصفهم من الشركات الخاصة التي كانت تعمل مع الجيش الأمريكي، وكان هناك أكثر من 20 ألف جريح وأكثر من ترليون دولار صرفت.
أفغانستان تحولت إلى موقع استنزاف للميزانية الأمريكية دون أن تكون هناك فرصة أو أمل لتغيير المعادلة على الإطلاق، لذلك هذا خروج المهزوم وليس المنتصر ولا يحتاج إلى تفسير وجود مؤامرة أو القول إنها وضعت طالبان لتكون بؤرة توتر لتبقى المنطقة في حالة اضطراب وزعزعة، هذا غير صحيح مثلما قلت سابقا، طالبان تحاول بناء حكومة موسعة تشاركية وتعمل على بناء البلاد المدمرة، وهي بحاجة لمساعدات إنسانية كثيرة، هناك 18 مليون أفغاني ينتظرون المساعدات الدولية و3 ملاين و700 ألف طفل لا يذهبون إلى المدارس، الأحوال الإنسانية في أفغانستان تثير الأسى، وما تريده الحكومة الجيدة هو كيفية إعادة بناء البلاد والبنى التحتية خاصة في التعليم والمواصلات والتجارة والاستثمار وكيفية ضبط زراعة الخشخاش الذي ينتج الأفيون وهذه قضية حياتية في أفغانستان. التحديات كثيرة.. لا أعتقد أن الولايات المتحدة انسحبت لخلق زعزعة في المنطقة.
هل يمكن القول إذا إن زمن التدخلات العسكرية الأمريكية قد انتهى بعد فشل تجربتها في أكثر من دولة؟
أعتقد أن خروج الجندي الأمريكي بهذه الطريقة المذلة من أفغانستان سيأتي على نهاية التدخلات اللوجستية بالجيوش على الأرض، ولا أعتقد أن يعود الجيش الأمريكي لينزل في منطقة أخرى على الأرض، من الممكن أن تكون هناك عمليات جراحية ينفذها الجيش ويعود، لكن أن يكون هناك احتلال وتواجد أمريكي عسكري قوى لمدة طويل لا أعتقد ذلك.
الحروب الآن تدخل مرحلتها الرابعة، ليس هناك جيوش مقابل جيوش، هناك تكنولوجيا واتصالات وتجسس وتدخلات سيبرانية وفضاء خارجي وأساليب جديدة للسيطرة، أهمها السيطرة الاقتصادية، وهذا يشكل هاجسا للولايات المتحدة نظرا لما تمثله الصين الدولة الصاعدة، ومواجهتها لن تكون بعمليات عسكرية بل باتخاذ خطوات واسعة لمواجهة قوة الصين التي تندفع لأخذ موقع الولايات المتحدة خلال خمس أو عشر سنوات لا نعلم بالتحديد ولكنها في اتجاه أن تكون الدولة الأعظم في العالم.
وماذا عن أفغانستان، هل نتوقع دخولها في أحلاف عسكرية بعد تحولها إلى إمارة إسلامية؟
من المبكر أن نتحدث عن أحلاف وتكتلات عسكرية، نحن نعتقد أن طالبان تعلمت الكثير وستبني حكومة مختلفة، وهذا ما جاء في مؤتمراتهم الصحفية وبياناتهم، أنهم يبحثون عن توافق داخل البلاد لأنهم يريدون أن يبنوا دولة حقيقية تتعامل مع المستقبل، لا تطرد أحدا ويكون فيها مجال لتعدد الآراء وحقوق المرأة أيضا، لذلك من المبكر أن نعرف إذا ما كانت أفغانستان ستدخل في تحالفات جديدة، لكن من المؤكد أنها ستعيد النظر في من هو الصديق ومن يمكن أن تعتمد عليه، وأنا أعتقد شخصيا أنه ستكون لها علاقات مميزة على الأقل مع روسيا والصين وربما مع تركيا وباكستان وقطر بالتحديد التي وقفت معهم طوال هذه الفترة، ولكن لن يكون هناك نوع من التحالفات العسكرية، بالمقابل من الممكن أن تكون هناك اتفاقيات سياسية أو تجارية اقتصادية .