نشأة القانون الدولي الإنساني – The Development of International Humanitarian Law

يُحاول البشر الفِرِار بِحياتهم من ويلات الحرب، التي غالباً لايكون لهم علاقةً بها، ويكون  المواطنون هم الخاسرُ الأكبر في هذه المعارك الطاحنة. وفي الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات باحترام القوانين الدولية التي تَحْكُم سير الحروب، تستمر الأطراف المتحاربة بحصد الأرواح بلا توقف، ودون مبالاة بهذه القوانين. يضاف إلى ذلك تدني وعي الشعوب بهذه القوانين التي تضمن لهم الحماية الدولية، فهل سألت من قبل عن ماهية تلك القوانين وأحكامها!؟ وعلى من تسري؟ هل تساءلت عن مدى فعاليتها وإمكانية الاحتكام إليها؛ لحمايتك وحماية الآخرين من ويلات الحروب؟!

يُعتبر القانون الدولي الإنساني قسماً رئيسياً من القانون الدولي العام، إلا أنه كنظام إنساني لا يُحَرِّمْ ولا يُجَرِّمْ الحرب، ولا يبحث في مدى شرعيتها، إلا أنه يعمل على ترشيدها والحد من آثارها الوخيمة على الأبرياء ولذلك؛ يتشكل القانون الدولي الإنساني من مجموعة قواعد واتفاقيات قانونية دولية، مكتوبة وعرفيّة، تسري أثناء النزاعات المسحلة الدولية وغير الدولية؛ تهدف إلى حظر وتقييد وسائل وأساليب القتال لأغراض إنسانية، مع توفير الحماية والمساعدة لضحايا النزاعات المسلحة من المدنيين وسواهم من غير المقاتلين أو العاجزين عن القتال، فالقانون الإنساني يتنازعه مبدآن متقابلان، أولهما مبدأ الضرورة الحربية ؛والذي يسعى إلى تحقيق أهداف الحرب بإضعاف العدو والانتصار عليه، وثانيهما مبدأ الإنسانية الذي يهدف إلى وقف كل ما يتجاوز الضرورة الحربية من أفعال محظورة بكفالة حماية من لا يشارك في القتال أو أصبح عاجزاً عنه.

واليوم سنعرض لكم نشأة وتعريف هذا القانون الذي خُصْصِ لتنظيم والحد من الحروب بغرض حماية الذات الإنسانية.

نشأة القانون الدولي الإنساني

لم تكن بداية القانون الدولي الإنساني بالشكل الذي نعرفه اليوم، فلم توضع قواعد دولية للحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية إلا منذ 150 عام تقريباً. إلا أنه كما لم يُوْجَدْ مُجتمع على مَرِّ التاريخ بدون قواعد خاصة به، كذلك لم توجد حرب بدون قواعد خاصة بها – أياً كانت درجة وضوحها – ، تغطي اندلاع الأعمال العدائية وانتهاءها وكيفية إدارتها.

ففي البداية كانت القواعد غير مكتوبة، قائمة على الأعراف التي تنظم النزاعات المسلحة، ثم ظهرت بالتدريج معاهدات ثنائية لتبادل الأسرى بدرجات مختلفة من التفضيل، كما كانت هناك أيضاً لوائح تصدرها الدول لقواتها كـ “ليبر كود Lieber Code”. وهكذا كان القانون الساري حينذاك على النزاعات المسلحة محدوداً سواء من حيث الزمان أو المكان، بمعنى أنه كان يسري على معركة واحدة أو نزاع بعينه. كما كانت هذه القواعد تختلف باختلاف الزمان والمكان والمعنويات والحضارة.

ولعل من أقدم القوانين والشرائع التي نظمت الحرب، تلك التي وضعها السامريون قبل ألفي عام قبل الميلاد “شرائع حمورابي” وأقروا فيه ضرورات إعلان الحرب، والتحكيم بين الخصوم، وحصانة للمفاوضين، ومعاهدات الصلح.

كما قدمت الحضارة المصرية (الأعمال السبعة للرحمة الحقيقية) كتعاليم إلهية تلتزم بها الجيوش. ناهيك عن كثير من النصوص القديمة كالمهابهاراته والكتاب المقدس والقرآن الكريم وغيرها، التي وضعت قواعد معينة تدعوا إلى احترام الخصم.

ويعتبر كتاب “الوقاية” الذي كُتب قرب نهاية القرن الثالث عشر في ذروة فترة الحكم العربي للأندلس، مدونة حقيقية لقواعد الحرب.

وفي مطلع القرن الثامن عشر وبداية عصر النهضة في أوربا، بدأت معها نهضة في الفكر الإنساني الأوربي، فبدأت الأصوات الرافضة لنظرية الحرب العادلة والحرب الشاملة، فاستنكر العديد من المفكرين هذه الحروب ولعل أبرزهم الفقيه مونتيسكيو Montesquieu الذي أوضح بأنه يجب على الأمم تبادل أكبر قدر من الخير أثناء السلم وأقل قدر من الشر زمن الحرب واعتبر بأن القتل الذي يلي المعارك محل استنكار من جميع الأمم.

كما عبر الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau في نظريته ”العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي” إلى ضرورة التفرقة بين المقاتل والمسالم، وإيجاد تعريفات واضحة للضرورة العسكرية معبراً “إن الحرب ليست علاقة بين إنسان وإنسان، وإنما علاقة بين دولة ودولة، والأفراد ليسوا أعداء إلا بصفة عرضية، لا كأفراد أو مواطنين ولكن كجنود، وعداؤهم ليس على أساس أنهم أشخاصا وطبيعة هذه الخلافات لا يمكن أن تشكل علاقة حقيقية.. إن نهاية الحرب تكون بتحطيم الدولة المعادية، مع الحق في قتل المدافعيم عنها ما دامت الأسلحة في أيديهم، غير أنه بمجرد إلقاء الأسلحة واستسلامهم، منهين بذلك كونهم أعداء أو أدوات للعداء. فإنهم يعودون من جديد ليصبحوا بشراً لا يحق لأي إنسان الاعتداء على حياتهم…”.

ظلت الأمور تسير على ما عليه حتى صدور كتاب تذكار سولفيرينو عام 1863 – والذي كان نقطة مفصلية لتدوين قواعد القانون الدولي الإنساني، وذلك لما قدم كاتبه هنري دونان فيه من فكرتين إنسانيتين ثوريتين في ذاك الوقت للتخفيف من ويل الحرب – ، حيث عُقدت لجنة خاصة تتألف من الجنرال ديفور Guillaume-Henri Dufour، وغوستاف مونييه Gustave Moynier، والطبيبين تيودور مونوي Théodore Maunoir و لويس أبيا Louis Appia، وهنري دونان Henry Dunant بالإضافة إلى ممثلو 16 بلداً آخر، لتنظيم مؤتمر في جنيف لمناقشة مقترحات هنري دونان بناءاً على أحداث معركة سولفيرينو. وأوصى هذا المؤتمر بإنشاء “جمعيات وطنية للإغاثة” وطلب إلى الحكومات أن تمنح الحماية والمساندة لهذه الجمعيات، كما أعرب المؤتمر علاوة على ذلك عن أمله في أن تعلن الدول المحاربة منذ وقت السلم، حياد المعازل الصحية والمستشفيات الميدانية أي لايجوز مهاجمتها، وأن تمتد هذه الحماية لتشمل الموظفين الصحيين بالجيوش والمساعدين الطوعيين والجرحى أنفسهم، وأن تختار الحكومات علامة مميزة. مشتركة للأشخاص والأعيان الذين يمنحون الحماية. الأمر الذي كان نواة لتشكيل معاهدة جنيف عام 1864، التي كانت بمثابة تدوين وتعزيز للقوانين والأعراف القديمة، الجزئية والمبعثرة، التي كانت تنظم الحرب وتحمي الجرحى والأشخاص الذين يقومون برعايتهم وذلك في معاهدة متعددة الأطراف.

جنيف الأولى 1864 أول إتفاقيات القانون الدولي الإنساني:

إعتُمدت إتفاقية جنيف المتعلقة بتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان بتاريخ،1864-8-22، إبان المؤتمر الدبلوماسي الذي دعت إليه الحكومة السويسرية بمبادرة من لجنة جنيف “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”. مَثَّلت هذه الإتفاقية نقطة البداية في مسيرة تدوين أحكام القانون الدولي الإنساني. فقد إحتوت على المبادىء الإنسانية الأساسية التي تضمن الحماية والمعاملة الإنسانية للجرحى والمرضى التابعين للقوات المسلحة خلال الحرب البرية، إضافة إلى تقديم الرعاية والمساعدة لهم دون تمييز، وحماية المحاربين الجرحى عند نقلهم والإعتناء بهم. كما ألزمت الإتفاقية المتحاربين بتوفير الحماية للطواقم والمنشآت الطبية ورجال الدين الملحقين بالقوات المسلحة. ومن أجل توفير الحماية اللازمة لضحايا النزاعات المسلحة؛تضمنت الإتفاقية المذكورة أحكاماً تقضي بحمل شارة مميزة هي عبارة عن صليب أحمر، موضوع على أرضية بيضاء. فإذا وضعت أو حملت هذه الشارة أثناء النزاع المسلح وكانت مرئية، إعُتُبِرَ إستخدامها دعوة للحق في الحماية. ومنذ ذلك الوقت، إعتمد المبدأ القاضي بتحييد المستشفيات العسكرية، وطواقم وعربات الخدمات الطبية، وبقائها خارج دائرة النزاع.

تلت هذه الإتفاقية عدة اتفاقيات ومعاهدات منها ما كان مكمل ومنها ما كان مُعَّدِلْ ومنقح لاتفاقيات سابقة كاتفاقية جنيف الثانية 1906 التي تتكيف مع اتفاقية جنيف الأولى من حيث المضمون إلا أنها لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.

تعريف القانون الدولي الإنساني

رغم تعدد تعريفات القانون الدولي الإنساني، ألا أنها أجمعت على حقيقة واحدة، مفادها أن هدف هذا القانون هو حماية الأشخاص الذين يعانون من ويلات الحروب.

فمنهم من عَرَّفَ القانون الدولي الإنساني بـ : مجموعة قواعد القانون الدولي التي تستهدف، في حالات النزاع المسلح، حماية الأشخاص الذين يعانون ويلات هذا النزاع، وفي إطار أوسع حماية الأعيان التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية (التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية.

فيما عرّفَ الدكتور عامر الزمالي القانون الدولي الإنساني بأنه: فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح بما انجر عن هذا النزاع من آلام، كما تهدف إلى حماية الأموال التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية.

وتُعَّرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر القانون الدولي الإنساني بأنه: مجموعة القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية. كما يُعْرَفْ القانون الدولي الإنساني أيضا باسم قانون الحرب، أو قانون النزاعات المسلحة.

ويمكن تعريفه بأنه: مجموعة من القواعد العرفية والمكتوبة، هدفها الأساسي هو حماية الأشخاص الذين ليس لهم علاقة بالحرب أو كفو عنها، بالإضافة إلى الأموال والأعيان والأماكن التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية أثناء النزاعات المسلحة. ولا يسري القانون الدولي الإنساني إلا على النزاعات بين الدول، ولا يشمل الاضطرابات الداخلية، وهو يسري على كافة الأطراف على نحو متماثل، بغض النظر عن من بدأ القتال.

القانون الدولي الإنساني بعد الحرب العالمية الأولى:

اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1918 – 1914 وعملت خلالها اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعناية بالجرحى والمصابين في ميادين القتال البرية والبحرية، حسب الإتفاقيات المذكورة والمبرمة، إلا أن على الرغم من ذلك انتهت الحرب بما يزيد عن 37,508,686 ما بين قتيل وجريح ومفقود.

عبرت هذه الخسارات الفادحة عن ضرورة ملحة لتطوير قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني وتضمينها العبر المستفادة من تجربة هذه الحرب. الأمر الذي دعا المجتمع الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى بحث في انتهاكات الحرب، لمضاعفة جهودهم لتطوير قواعد القانون الدولي الإنساني، وتوسيع نطاق الحماية الذي يوفرها هذا القانون لضحايا النزاعات المسلحة. فولدت معاهدة جنيف الثالثة بعام 1929-7-27 مكملة للاتفاقيتين السابقتين وغير لاغية لهما. وجاءت المعاهدة في اتفاقيتين:

الأولى: اعتمدت على تطوير اتفاقية جنيف لعام 1864 و 1906 لتحسين  حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان، وجسدت صيغة جديدة ومعدلة لهما. ومن المسائل المستحدثة في هذه الإتفاقية حماية طائرات النقل الطبي المعدة لأغراض إنسانية، إضافة إلى الإعتراف بحق الدول في إستخدام شارة الهلال الأحمر، وشارة الأسد والشمس  الأحمرين، بدلاً عن شارة الصليب الأحمر.

أما الثانية: فكانت أول ميثاق دولي يناقش معاملة أسرى الحرب ويسن القوانين المتعلقة بهم. فوردت 77) سبع وسبعين( مادة تناقش أهم ما يتصل بحماية الأسير وتوفير الحماية له، فغطت بعض جوانب النقص على صعيد الأحكام المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، التي وردت في متن لائحة الحرب البرية الملحقة بإتفاقيتي لاهاي الثانية والرابعة لعامي 1899 و 1907. وتعنى هذه الإتفاقية بحماية الحقوق الإنسانية، توفير الحماية للأسرى وقت النزاعات المسلحة، وخصوصاً توفير المعاملة الإنسانية لأسرى الحرب، الحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم وإحترام شخصيتهم وشرفهم، وعدم تعريضهم للإهانة، وعدم التمييز بينهم (بإستثناء التمييز الإيجابي) بسبب الرتبة أو الصحة أو الجنس. إضافة إلى ذلك، تضمنت الإتفاقية أحكاماً تلزم الدول الأطراف بإنشاء مراكز إستعلامات عن أسرى الحرب، والسماح لمندوبي الدولة الحامية بزيارة المعسكرات المحتجزين فيها.

القانون الدولي الإنساني بعد الحرب العالمية الثانية

رغم خسائر الحرب العالمية الأولى التي فاقت 37 مليون ما بين قتيل وجريح ومفقود، إلا أن المجتمع الدولي لم يَستشعر خطر الحرب الداهم على المدنيين إلا في الحرب العالمية الثانية

التي خلفت 60 مليون شخص، 37 مليون منهم على الأقل مدنيين، وهو ما يمثل أكثر من 5,2% من سكان العالم يومها.

الأمر الذي خلف مأساة كانت العامل الأساس في اتخاذ قرار صياغة اتفاقيات جنيف لعام 1949 حيث سعت الاتفاقيات إلى سد ثغرات في القانون الدولي الإنساني كشفها النزاع. فأبرقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ شباط 1945 كلاً من الحكومات، وجمعيات الصليب الأحمر الوطنية، بأنها تنوي مراجعة اتفاقيات جنيف القائمة آنذاك، واعتماد اتفاقيات جديدة، وهي في غمرة تساؤلات عدة بشأن موقع القواعد الإنسانية في حقبة اتسمت باندلاع الحرب الشاملة.

نظمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤتمراً تحضيرياً لجمعيات الصليب الأحمر الوطنية في جنيف بقصد دراسة الاتفاقيات التي تحمي المدنيين في وقت الحرب، كان ذلك في أيلول 1945، ومؤتمراً للخبراء الحكوميين في عام 1947. وانصب مؤتمر الخبراء هذا على مراجعة اتفاقيتي جنيف، بغية الخروج بمنظور بشأن “الجرحى والمرضى” و “أسرى الحرب”، والعمل قبل أي شيء آخر، على تحضير اتفاقية جديدة بشأن ظروف المدنيين وحمايتهم في أوقات الحرب.

وبتاريخ 12 آب 1949، أعلن المؤتمر الدبلوماسي المنعقد بيانه الختامي ملحقاً به إتفاقيات جنيف الأربع المنقحة والمعتمدة من التاريخ نفسه إضافة إلى الإتفاقية الرابعة على الشكل التالي:

– اتفاقية جنيف الأولى: لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان.

– اتفاقية جنيف الثانية: لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.

– اتفاقية جنيف الثالثة: بشأن معاملة أسرى الحرب.

– اتفاقية جنيف الرابعة: بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.

القانون الدولي الإنساني في ظل الحرب الباردة

نجح النظام العالمي في إبعاد شبح الحرب الشاملة رغم أنَّ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1963 كادت تتحول إلى مواجهة مخيفة، إلا أنَّ التحدي الأبرز الذي ميزَّ تلك المرحلة هو تعدد ساحات المواجهة المسلحة بين المعسكرين، ومنها الحرب الكورية وحرب كاتانغا بالكونغو، وحرب اليمن. وبالرغم من الاصطلاح على كثير من مبادئ الإنسانية مثل: حماية الجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار وأسرى الحرب والمدنيين وتوفير الحماية لأفراد ووحدات ووسائل نقل الخدمات الطبية، ظهر في القانون الدولي الإنساني ثغرات خطرة مثل آليات سير العمليات القتالية، وحماية السكان المدنيين من آثار هذه العمليات. ما استلزم إعلان البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، مكملين لاتفاقيات جنيف (1949) ولا يحلان محلها.

فتضمن البروتوكول الإضافي الأول: توسيع مفهوم النزاع المسلح الدولي – الأعمال العدائية بين الدول – ليشمل حركات التحرر الوطني أيضًا. وأعاد تعريف ما الذي يعد هدفاً مشروعاً للهجوم العسكري، حيث حظر الهجمات العشوائية أو الانتقامية على الأشخاص المدنيين والأعيان المدنية، والأعيان التي لا غنى عنها لحياة المدنيين: كمصادر المياه، وأماكن العبادة، والبيئة الطبيعية، كما حظر البروتوكول اتخاذ المقاتلين صفة مدنية. وصنف أي انتهاك لهذا الحظر على أنه جريمة حرب. كما نصّ البروتوكول على بعث لجنة لتقصي الحقائق في حالات الخرق الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.

البروتوكول الإضافي الثاني: أرسى – للمرة الأولى – قواعد تطبق خلال النزاعات المسلحة غير الدولية، وهي تلك النزاعات المسلحة التي تدور على أراضي دولة بين القوات المسلحة لها ومجموعات مسلحة متمردة تسيطر على جزء من أراضي هذه الدولة وتعمل تحت قيادة مسؤولة. مفرقاً بذلك حالات الاضطرابات والتوتر الداخلية مثل الشغب وأعمال العنف العرضية النادرة، وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة التي لا تعد منازعات مسلحة. كما عُزِّزَ بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة حتى لا يكون القانون الإنساني وسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة.

القانون الدولي ونشأة المحكمة الجنائية الدولية

كشفت المجازر التي شهدتها الحرب الأهلية في رواندا ويوغوسلافيا السابقة قصور القانون الدولي الإنساني في تناول الجرائم ضد الإنسانية، ولعلَّ الاضطرابات الداخلية تُشكل أحد التحديات الكبيرة للقانون الدولي الإنساني، بحكم غموض نصوصه في البروتوكول الثاني. فهو يُوكل تناول مثل هذه الاضطرابات للقوانين المحلية؛ وذلك بغية الحفاظ على سيادة الدول، ولا يُدخلها في نطاق اختصاصه إلاَّ إذا كانت تنظيمات مسلحة هي من يقود الاضطرابات أو التمرد ضدَّ النظام السياسي القائم، ولعل أبرز مثل هو ما حصل مع قبائل الهوتو والتوتسي في راوندا، وكذلك الحرب اليوغسلافية.

ولذلك شَكَّلَتْ الأمم المتحدة محكمتين خاصتين بوراندا و يوغسلافيا، ولوضع آلية دائمة لملاحقة مجرمي الحرب تم إنشاء محكمة الجنايات الدولية بموجب اتفاقية روما الموقعة عام 1998. ونُصبت المحكمة رسمياً في تموز 2002 وفق تكليف دولي يُؤهلها للبت في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية المرتكبة منذ عام 2003. وسنتحدث عن مهام المحكمة الجنائية الدولية ومهامها بالتفصيل في مقال مقال لاحق.

أخيراً يمكن القول أن ممارسات الحرب لدى الشعوب البدائية تُظهر في مجملها أنواعاً شتى من القواعد الدولية للحرب المعروفة في الوقت الحاضر من قواعد للتمييز بين أنواع الأعداء، وقواعد تحدد ظروف الحرب وشكلياتها وسلطة بدئها وإنهائها، وقواعد تصف حدود المشاركين فيها ووقت ومكان وأساليب شنها، بل وقواعد تحرم الحرب برمتها، إلا أنَّ التقدم التقني والعسكري يُنبئ بأنَّ ضحايا الحرب سيكونون أكثر في المستقبل، ولعل ألبرت أنشتين صدق حينما قال ذات مرة إنَّه لا يعرف كيف ستكون هناك حرب عالمية ثالثة لكنه يشك في أنَّ هناك من سيعيشيون بعدها ليشهدوا الحرب الرابعة.

فعلى الرغم من أنَّ الأغلبية الساحقة من دول العالم وقعت اتفاقيات جنيف وملاحقها، إلا أنَّ الحروب ظلت تتسبب في مآسي جمة للمدنيّين الذين يُشكلون في حالاتٍ كثيرةَ أغلب ضحايا الصراعات المسلحة. وخاصة مع التطور في كفاءة الأسلحة في حصد الأرواح.

فهل سيبقى تطور القانون الدولي الإنساني وليد الكارثة؟!

المصادر والمراجع:

القانون الدولي الإنساني، إجابات عن أسئلتك، مطبوعات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC، تشرين الأول 2002

ضوابط سير الأعمال العدائية في القانون الدولي الإنساني، العقون ساعد، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم القانونية تخصص قانون دولي إنساني، جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2014-2015.

تذكار سولفرينوا

نزار أيوب، القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، سلسلة تقارير قانونية 32، أيار 2003

عامر الزمالي، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، الطبعة الأولى

سعدون عبد الأمير جابر، مقال بعنوان القانون الدولي الإنساني ومراحل تطوره، موقع الحوار المتمدن

شريف عتلم، محاضرات في القانون الدولي الإنساني، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2001

اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة

 فيليب شبوري مدير القانون الدولي،اتفاقيات جنيف لعام 1949: أصولها وأهميتها الراهنة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر،12-08-2009،

القانون الدولي الإنساني، موسوعة الجزيرة 

مي عبد الغني، في البدء كانت سولفيرينو: قصة نشأة القانون الدولي (قانون الحرب)، مقال منشور على موقع ساسة بوست بتاريخ 17 يناير,2015. 

البروتوكول الثاني لإتفاقيات جنيف 1977، اللجنة الدولية للصليب الأحمر 

ويكيبيديا الموسوعة الحرة، إجمالي خسائر الحرب العالمية الثانية

الإعداد العلمي: فيصل براء متين المرعشي – Faisal Baraa Matin Al Marashi – الموسوعة السياسية

Please subscribe to our page on Google News

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 15380

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *