تضمنت برقية وكالة الأنباء الجزائرية الصادرة أول أمس، بخصوص ملف أنبوب الغاز الجزائري الإسباني العابر للأراضي المغربية مرورا عبر مضيق جبل طارق، رسائل مباشرة للرباط بخصوص ما تعتزم القيام به قريبا في إطار قرار مراجعة العلاقات الثنائية على ضوء الحادث الدبلوماسي الذي ارتكبه ممثلها بالأمم المتحدة، عمر هلال، خلال أشغال اجتماع لمنظمة عدم الانحياز في جويلية الماضي ورفض النظام الملكي التجاوب مع الجانب الجزائري حول هذه المسألة.
وإلى جانب تكذيب تصريحات مسؤولة مغربية بخصوص تمديد العمل باتفاقية مرور الأنبوب بعد انتهائها من خلال التأكيد أنه لم يتقرر بعد تمديد العمل بأنبوب الغاز العابر لأراضي المملكة عقب انتهاء مدة عقد استغلاله في أكتوبر 2021، حمل الرد الجزائري إشارة إلى وجود استعداد للمضي في خطوات موجعة عبر توقف تشغيل الأنبوب كلية بصفة مؤقتة أو دائمة، رغم التعقيدات التي يطرحها ذلك، ومنها الوفاء بعقود تزويد السوق الإسبانية بالغاز الجزائري والذي يحرص الجانب الجزائري على ضمانه، لكونه أحد أهم الزبائن الرئيسيين رغم تراجع حصته في السوق بفعل دخول فاعلين محليين وتوجه مدريد إلى تنوع مصادرها الطاقوية (قطر والولايات المتحدة، ناهيك عن منتجين آخرين) وبأسعار تنافسية.
وأشارت البرقية عن خبراء قولهم “المخزن يدلي بتصريحين كاذبين آخرين حتى وإن لم تكن هذه أولى أكاذيبه من خلال الخوض في الميدان الاقتصادي عموما والغازي خصوصا والتي يبدو أنه يجهلها” متسائلين “على ما تستند هذه الأكاذيب؟ موضحين “أن الجزائر وبكل سيادة واستقلالية في اتخاذ القرار لازالت لم تقرر تمديده عقب انتهاء العقد الذي يؤطر اقتصادها في أكتوبر 2021. مع الإشارة هنا إلى توفر الجزائر على بديل جاهز يتمثل في الخط الجديد بني صاف بالميريا على الضفة الأخرى (مشروع وحيد تحقق من خطة لسوناطراك إلى إنجاز أنبوبين يربط الثاني الجزائر بإيطاليا مباشرة يتفرع منه خط مباشر نحو فرنسا)، رغم التعقيدات الفنية التي يطرحها باعتبار الخط الجديد غير مرتبط بعد بالشبكة الوطنية الإسبانية للغاز والتي تستغل أيضا لتزويد البرتغال بالغاز الجزائري.
وفي جوان الماضي، صرح المدير العام لسوناطراك، توفيق حكار، بأن “أنبوب الغاز ميد غاز الذي يربط البلدين مباشرة بإمكانه نقل 10.5 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز”. وأوضح أن الشركة “أخذت احتياطاتها في حال عدم تجديد عقد أنبوب الغاز المار عبر المغرب.. مستعدون لإمداد إسبانيا بالغاز بالكميات المطلوبة حتى ولو ارتفع الطلب في هذا البلد”.
وحسب مصادر عليمة بالملف، فإن وقف إمداد إسبانيا بالغاز عبر الأنبوب القديم، وإن كان سيؤثر على تدفق الغاز الجزائري إلى أحد أهم زبائنه وعلى مداخيل العملة الصعبة، وفي مرحلة تعيش فيها الجزيرة الإيبرية جدلا سياسيا على خلفية انقطاعات الكهرباء، فإنه سيترك آثارا بالغة السوء على الاقتصاد المغربي، إذ يحصل المغرب على 800 مليون متر مكعب سنويا زيادة على ملايين الدولارات كحقوق مرور.
وحسب مصادر مطلعة، فإن المتضرر الأول من أي قطع للغاز الجزائري، سيكون الصناعيون ومنها مصانع يملكها العاهل المغربي، وليس سكان المنطقة الشرقية وبعضهم ذوي أصول جزائرية، والذين يجدون أنفسهم ضحية مغامرات المخزن التي أدت في وقت سابق إلى إغلاق الحدود البرية، تبعها بناء حاجز يمتد على الحدود، بشكل حد من تجارة التهريب والمقايضة على جانبي الحدود وخصوصا حصول المناطق الشرقية على وقود رخيص.
وفي حالة قطع الحبل السري الذي يغذي البلدين، فإن المغرب سيكون مجبرا على البحث عن موردين آخرين للموارد الطاقوية، وهذا لا يطرح على مستوى البدائل مشكلة ولكن توقيت ذلك واقتراب فصل الشتاء، يؤزم الوضع، وفي الواقع يتوفر المخزن على حماة وأصدقاء عرب، ناهيك عن الحليف “الجديد” الكيان الصهيوني الذي يعد من أهم المنتجين في منطقة المتوسط، إذا سيوفرون له البديل، لكن المشكل هي في تعديل البنية التحتية عبر بناء رصيف غازي وتعديل الشبكة والقضاء على فرص المضي في تحقيق تكامل اقتصادي مغاربي.
ومن المرجح ألا تتوقف العقوبات الاقتصادية عند هذا الحد، وقد تمتد إلى وقف دخول بضائع مغربية للسوق الجزائرية، بما فيها التي تنتجها شركات غربية مستقرة في المغرب، ومنها تلك التي تنشط في مجال مواد التطهير وغيرها وتستورد الجزائر من المغرب مواد كيمياوية وأسمدة فيما تصدر إليها الغاز والبترول، ومواد غذائية (تمور).
وفي الواقع بدأت الجزائر في تقليص التعاون مع الشركات المغربية منها قطاع التأمين والبنوك، ومن غير المستبعد أن تنتقل إلى خطوات أخرى، منها قيود على السفر في ظل إصرار المغرب على السير في سياسة التعامل مع الجزائر كبلد عدو مثلما قاله قنصلها السابق بوهران والذي تم -للعلم- سحبه لإرضاء الجانب الجزائري.
المصدر جريدة الخبر