التجاني صلاح
إذا كانت الحرب هي المكر والدهاء والخديعة، فإن الأطراف المتحاربة تستخدم هذه المفردات وربما وسائل أخرى عديدة لتحقيق النصر وإحرازه، وإلحاق الهزائم الماحقة بالخصوم.كثيرون من تحدثوا عن الحروب ووسائلها مثل “صن تسو” الذي ألف كتاب (فن الحرب)، و”نيقولا مكيافيللي” الإيطالي الذي كتب كتاب (الحرب)و(الأمير)والأخير يعتبر أسوأ كتاب عرفه البشر، لما يحتويه من مفاهيم ومناهج تبيح التحلل من الالتزام بالأخلاق والإنسانية، وان للحاكم الحق في اتخاذ أي طريق مشروع أو غير مشروع لاكتساب مصالحه وبسط هيمنته وسيطرته! 1
غير أن الحروب سواء كانت ضد أعداء ومنافسين ظاهرين أو ضد أفكار ومناهج ربما تتخذ مناحي أخرى فلا تستلزم حشد الآليات وإعداد الجيوش، والدخول في مواجهات ومنازلات مباشرة مع الطرف الآخر، بمعنى انه ربما يستخدم الطرف الأول وسائل وسبل أخرى غير اللجوء للقوة الفجة، أو بالترافق معها، وهذه الوسائل من شأنها أن تحجم أو تقلص، أو تجمد حدود دائرة الطرف الثاني وتمنعه بذلك التحجيم أو الاحتواء، من التمدد والاتساع أو الزيادة.
واحدة من هذه الوسائل هي الحروب الإعلامية أو النفسية أو الدعائية,التي تنطوي على توجيه مجهود دعائي وادعائي كبير يصب في وضع الطرف الآخر في موضع جديد, وهو موضع الشك والاهتزاز, أو موضع المعتدي أو الباغي أو الظالم, بما يكون محصلته لدى المتلقين(إن هم صدقوا ذلك)أن الآخر هو بالفعل معتد أثيم وظالم باغ. وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء المتلقين المصدقين فئة كثيرة, لأنه حتى وإن كانوا قلة قليلة فإن ذلك يزيد من رصيد الطرف الأول بقدر ما هو نقصان من المؤيدين أو الموقنين والمقتنعين بأهمية وأحقية الثاني.
أكثر الوسائل شيوعا واستخداما هي إلصاق التهم التي يتم تركيبها باحتراف كبير ,ثم تكرار هذه التهم ليس على مدى شهر أو اثنين ولكن على مدى سنوات عديدة ,وهذا هو الأهم (في تقديرهم)لأنه من ناحية مفاهيمية,تكرار الاتهامات الكاذبة أو الباطلة يساعد في تكوين وترسيخ صورة شائهة ومزيفة لدى الأفراد المتلقين, بعضهم إن لم يكن كلهم.على الأقل هذا البعض أو هذه القلة التي ترسخت وتكونت لديها الصورة الخاطئة أو الشائهة, تعتبر في حد ذاتها مكسبا وإنجاز ا كبيرا للطرف الأول, ما كان ليجده أو يكتسبه ما لم يستخدم أو يتحرى الكذب, وهذه ربما تكون وسيلة ميكافيللية وان كان في ظاهر الأمر أن الطرف الأول ابعد ما يكون عن الكذب, وعن استخدام قاعدة الغاية تبرر الوسيلة. وإذا زادت دائرة التصديق بالتهم أو الأخبار أو الأفعال أو الأقوال الملصقة والمركبة, فإن هذا من شأنه أن يساعد في اكتمال دائرة العزل أو الاحتواء أو التحجيم المرسومة من الطرف الأول.
إضافة يمكن القول أن هذه الوسائل تعتبر التضليل والنفاق ودس السم في العسل,والتلبيس, هي مفردات أساسية لديها, وبهذا الاعتبار فإن الطرف الأول يحتاج إلى مقدرات كبيرة ومتميزة( مادية وبشرية) في خلط الحق بالباطل,والحقيقة بالوهم,ومزج الصحيح بالغث الكثير ,حتى يتم تصديق ذلك كله بدرجات ونسب كبيرة. ذلك كله يمكن أن يحدث بين دولتين أو أكثر, وليس ما يمنع حدوثه حتى في حدود الدولة الواحدة.
والواقع أن هذه الوسائل وربما غيرها,هي مثال يبرهن على مقدرة الدولة أو الأفراد ليس في توصيل صورة مختلفة تماما عن الطرف الآخر, بل في المحاولة التي تتسم بالجدية والاستماتة في إقناع المتلقين بفظاعة الطرف الآخر,ونزع هالة الأخلاق والفضيلة عنه,بغرض إحاطته بعازل معنوي ونفسي عن محيطه.
الوسائل التي يستخدمها المحاربون للمد الديني المجدد مثلا, ربما تكون متشابهه في كثير من النواحي،عندما تعجز الحيلة, ويفتقد المنطق, وتغيب الحجة, ويضيع الدليل,قال احدهم: أن منطقة نجد مكان في غاية الغرابة ,فهي منطقة لم تنتج خلال تاريخها أي فيلسوف أو موسيقي أو مصور أو نحات,أو مفكر أو مصمم هندسي أو طبيب أو عالم في أي منحى من مناحي العلوم التطبيقية أو الاجتماعية,الشكل الفني الوحيد الذي أفرزته هذه المنطقة العاقر هو الشعر !
مع هذا, فإن هذا المد الديني يدعو إلى التوحيد الخالص لله رب العالمين, وعدم تقديس وتعظيم الصالحين الذين انتقلوا للدار الآخرة, صحيح أنه لا أحد ينكر وجود الصالحين أو الأولياء أو الأتقياء, بل أن درجات الصلاح والتقوى والإخلاص هي مطلب أي فرد, إلا أن تعظيم الصالحين والغلو فيهم والتبرك بهم يؤدي إلى الشرك,والله جل وعز يقول:(تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير)[الملك: 1].ومن الشرك الاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى, فإن الاستغاثة التي هي حقيقة اللجوء لله سبحانه وتعالى وطلب العون منه وحده, هي من ركائز التوحيد التي لا ينبغي صرفها وتوجيهها لأي فرد, لا لولي صالح أو رسول مرسل أو ملك مقرب, وهي من ثم عبادة لا توجه إلا إلى الله سبحانه وتعالى القوي العظيم.
والأمر على ما قد عرفت، فإنه يصدق ما قد بينا على الأفكار الوهابية التي تدعو إلى التوحيد الخالص لله رب العالمين، كما يصدق على أكثر الجماعات الإسلامية تضررا وتأذيا من هذه الحروب وهم الإخوان المسلمين.
المصادر:
1_نيقولا ميكافيللي، الأمير
