تتجه الحكومة نحو إعادة النظر بطريقة فعلية في ملف دعم الأسعار الذي اعتمدت عليه الجزائر إلى غاية الآن، من خلال اللجوء إلى أسلوب مغاير من شأنه تحقيق “العدالة” الاجتماعية دون التخلي عن الطابع الاجتماعي للدولة أو التضحية بشريحة واسعة من المجتمع من ذوي الدخل المحدود.
وتعمل الجهات المسؤولة في هذا المجال على وضع خطة عملية من المقرر أن تتجسد على أرض الواقع بداية من السنة المقبلة، من أجل توجيه الدعم للفئات المستحقة له في إطار عملية إصلاح شاملة تأخذ بعين الاعتبار الجوانب المالية، بالإضافة إلى المجال الاجتماعي، وبالتالي تحقيق الحكومة للأهداف ذات العلاقة بالتخفف من عبء التحويلات الاجتماعية التي تكلّف الخزينة العمومية حوالي ثلث النفقات، الأمر الذي عادة ما يساهم في ارتفاع نسب العجز المسجلة في نهاية كل سنة.
وتندرج في إطار العملية المقرّرة تحديد الفئات المعنية بالاستفادة من الدعم الاجتماعي والعائلات والأسر “المعوزة” ضمن تصنيف دقيق يأخذ بعين الاعتبار العديد من المعطيات على غرار الدخل الشهري، من خلال التنسيق بين مجموعة من الهيئات العمومية، لاسيما وزارة العمل، مصالح الضمان الاجتماعي ومصالح الضرائب المختلفة بالإضافة إلى وزارة التضامن الوطني، من أجل التوصل إلى بطاقية وطنية موحدة من المقرر أن تحيّن بطريقة دورية ومستمرة.
وتأتي هذه الخطوة لأجل توجيه دعم الخزينة العمومية إلى الأسر المعوزة والفقيرة بدلا من صب الدعم مباشرة في الأسعار النهائية للمنتجات المعروضة في السوق المحلية، استكمالا للاستراتيجية التي تبنتها الحكومة مؤخرا في إطار حماية فئة معينة من المواطنين، عن طريق قرارات متخذة في هذا السياق كمراجعة فرض الضريبة على الدخل الإجمالي وإلغائها بالنسبة للعمال الذين تقل مداخيلهم الشهرية عن 30 ألف دينار، موازاة مع تقرير منحة البطالة.
ومن الناحية المقابلة، فإن ترجمة التوجه الجديد في مجال الدعم الموجّه عوضا من الدعم العام يفرض إيجاد حل جذري لمسألة الاقتصاد الموازي، من منطلق أنّ هذا الأخير يجعل من تطبيق هذه الخطوة غير ممكن من الناحية العملية، لكون تحديد المداخيل الشهرية للعمال أو الأسر عامة مستحيل في ظل انتشار النشاط الاقتصادي والتجاري غير الرسمي، وبالتالي عدم القدرة من الناحية الواقعية على تصنيف الفئات وتحديد المستحقة للدعم من بينها.
على هذا الأساس، تعمل الحكومة منذ بضعة أشهر بشكل مكثّف على تأطير النشاط الاقتصادي “الموازي” وتفعيل جملة من الآليات الرامية إلى إدماجه ومنح طابع الرسمية، لاسيما وأنّ الوزير الأول وزير المالية أيمن بن عبد الرحمان شدّد في التصريح الأخير له على التأكيد على أنّ نسبة كبيرة من هذه الأموال متأتية من نشاطات شرعية، إلاّ أنها غير مصرّح بها، وهو المبدأ الذي تعمل عليه الحكومة من خلال إعادة النظر في المنظومة الضريبية لتحفيز الناشطين في السوق الموازية على التصريح، وكذا المنظومة المالية والمصرفية كتفعيل المالية الإسلامية من أجل دفع المواطنين وأصحاب الأموال إلى ضخ أموالهم في البنوك والقنوات الرسمية ضمن خطة ما يعرف بـ”الشمول المالي”