نص السؤال :هل في إمكان الإحساس أن ينفصل عن الإدراك؟.
الطريقة جدلية :
يمكن الفصل بين الإحساس والإدراك: “موقف علم النفس التقليدي “.
لا يمكن الفصل بين الإحساس والإدراك:”موقف علم النفس الحديث” .
الإجابة المفصلة :
طرح المشكلة :المقدمة: إذا كان الإحساس استجابة نفسية لمنبه قد يقع على العضو الحاس فان الإدراك وظيفة نفسية تعطي الإحساسات دلائلها ، فالإحساس ما هو إلا مجرد استجابة لمؤثرات لم تبلغ درجة المعرفة ،بينما الإدراك عملية تأويل عقلية لتلك المثيرات ،لذا درج الباحثون في المجال السيكولوجي على الفصل بين الإحساس والإدراك ، وهذا ناتج عن اختلاف الآراء حول علاقة الأول بالثاني ، فالنزعة الكلاسيكية قد أقرت بالفصل بينهما،بينما أنصار علم النفس الحديث رأوا بضرورتهما معا.وبناء على هذا يمكننا أن نطرح التساؤل التالي:هل كل إحساس هو إدراك ؟. أم أن الإحساس قد يختلف في حقيقته عن الإدراك ؟. بعبارة أوضح هل مفهوم الإحساس يرتبط بمفهوم الإدراك ؟. هل يمكننا التمييز بين الاحساس والإدراك كمفهومين ؟.
محاولة حل المشكلة: “التحليل”:
الموقف الأول :يرى أنصار علم النفس التقليدي ان الفصل بين الاحساس والإدراك أمر ضروري ،لان الاحساس كواقع يختلف عن الإدراك .ذلك لان العملية الإدراكية عملية تعرف على المثيرات الحسية وهذا ما دفع ببعض الفلاسفة والمفكرين بالقول الى أن الاحساس يختلف عن الإدراك، كون الاحساس متقدما عن الإدراك يقول بول غيوم:“إن علم النفس التقليدي ينطلق من الاحساس الأولي ليبني بواسطته موضوعات أو وقائع عن طريق الترابط والتركيب كما أن الفيلسوف رونيه ديكارت يرى :في المحسوسان مجرد ماديات تمتد خارج الذات.يقولديكارت :”إني أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت احسب إني أراه بعيني” ولعل الشيء الذي جعل العقلانيون يميزون بين الاحساس والإدراكهو:”الإدراك فعل ذهني بينما الاحساس شيء فيزيولوجي”. فقيمة الإدراك عندهم أرقى واجل من قيمة الاحساس كما بين الحسيون أيضا أسبقية الاحساس عن الإدراك كون الاحساس فطري غريزي ،ومنه فلا بد إن يبنى كل إدراك على الحس أي “التجربة الخارجية” .
النقد”:المناقشة”:لكن في الواقع لا يمكن الفصل بين الاحساس والإدراك عمليا لان الاحساس هو مادة الإدراك ، فالإنسان يتعدى مرحلة الاستجابة إلى مرحلة التعرف.ثم كيف نفسر فقدان الإدراك عند فقدان الحواس ؟وهل يستطيع العقل أن يدرك بمعزل عن الحواس؟.فإذا كان العقلانيون والتجريبيون قد بينوا قيمة وشدة كل من الاحساس والإدراك فهذا لا يؤدي إلى الفصل بينهما بالضرورة وبشكل مطلق، فالإنسان لا يكتفي بان يبقي على الإحساسات كتنبيهات ،بل يتعدى من مجرد الاستجابة إلى التعرف لان الإدراك هو إدراك ذات لموضوع
الموقف الثاني: “نقيض القضية “علم النفس الحديث لا يمكن الفصل بين الاحساسوالإدراك:يرى علماء النفس الجيشطالتي بأنه لا يجب الفصل بين الاحساس والإدراك ذلك لان الإدراك ما هو إلا إدراك لمجموعة إحساسات ذات صور وبيانات متمايزة مادام الإدراك هو إدراك ذات لموضوع .يقول الفيلسوف ريد:”الإدراك هو الاحساس المصحوببالانتباه” كما يؤكد الجيشطالتيون ،على أن الإدراك ليس مجموع إحساسات يضاف بعضها إلى بعض ،بل هو عملية مركبة خاضعة للشيء المدرك ذاته في تشابه عناصره أو تقاربها .وهو ما جعل الاحساس يتداخل مع الإدراك،فمثلا لا يمكن إدراك الحمرة والزرقة في الأفق كلون، ولكن يمكن إدراك الأشياء الحمراء والزرقاء،كما لا يمكننا أن ندرك فروع الشجرة بقدر ما ندرك الشجرة ككل ، ولقد تحدث الظواهريونعن رفضهم للتمييز بينهما ، وهذا كون النظرية الظواهرية تنتقد التفسير العقلي الذي اعتبر الإدراك حكما عقليا ، حيث يؤكد أنصار هذا الموقف أن الإدراك حالة نفسية تابعة للشعور وتتغير بتغير أحواله.يقول ميرلوبونتي :”إن الكيفية لا يقع الاحساس بها مباشرة أبدا فكل شعور إنما هو شعور بشيء ما ” ويضيف ادموندهوسرل قائلا:”أرى بلا انقطاع هذه الطاولة سوف اخرج وأغير مكاني ويبقى عندي بلا انقطاع شعور بالوجود الحسي لطاولة واحدة هي في ذاتها لم تتغير وان إدراكي لها ما فتئ يتنوع انه مجموعة من الادراكات المتغيرة ” .
النقد :المناقشة :لكن مهما تكن طبيعة الإدراك ،فانه إدراك لمجموعة إحساسات تتقدمه وتكون سابقة عليه زمنيا ، هذا ما بينه الواقع السيكولوجي ثم إن الاهتمام بالفكرة يؤدي إلى إهمال العالم الخارجي ، يضاف إلى ذلك سلب لدور العقل والاهتمام ببنية الموضوع ، وهذا ما يجعل الإدراك عملية خارجية .
التركيب :إن الإدراك ما هو في الحقيقة إلا عملية تأويل للمدركات ،فالذات المدركة تقوم بادراك موضوعات ولاوجود لإدراك ،ما لم تكون هناك موضوعات تدرك من قبل ذات تقوم بعملية التأويل .وهذا ما جعل استحالت الفصل بينهما ،لان الذات البيولوجية لا تنفصل عن الذات السيكولوجية .أما من الناحية المنطقية فقد يمكن التمييز بينهما نسبيا من حيث الوظيفة
الخاتمة :”حل المشكلة “وأخيرا رغم الأسبقية الزمنية للإحساس عن الإدراك ،إلا انه لا يمكن الفصل بينهما ، فكل إحساس لا يلبث أن يتحول إلى إدراك ،لان الإدراك يقوم على عملية التلقي والتأويل، فان اختلف من حيث الطبيعة فهما متفقتان من حيث الوظيفة .
بقلم الاستاذ : احمد معمري