تمهيد
يعد النظام السياسي من النظم الاجتماعية التي توجد في كل المجتمعات التقليدية القديمة أو الحديثة لكونه يتضمن عملية الضبط الاجتماعي لان تحقيق الضبط هو وظيفة هذا النسق السياسي. وتتحدد بموجبه علاقات أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، إذ توضع الحقوق والواجبات اتجاه السلطة فضلا عن وظيفته في الدفاع عن أفراد المجتمع وحقوقهم وملكيتهم ضد المعتدين سواء أكان من أبناء مجتمعهم أم من أبناء المجتمعات الأخرى(2).
والنسق السياسي في قرية الكرطان هو نسق مزدوج قائم على وجود النظام العشائري ودوره في ضبط سلوك أفراد القرية من جهة، والأنظمة الحكومية الإدارية وقوى الضبط الاجتماعي*، الرسمية من جهة أخرى، إذ إن لكل من هذه الأنظمة الدور مهماً في عملية ضبط الأفراد والجماعات العشائرية، وذلك لان النظام العشائري أكثر فاعلية وتأثيرا في عملية الضبط ويرجع هذا الى الظروف التأريخية الذي مرّ بها المجتمع العراقي ككل والقرية لكونها جزءاً من هذا المجتمع، ستمكننا دراستنا للنسق السياسي في القرية من توضيح فاعلية كل من النظامين العشائري وقواه والنظام الاداري الحكومي في مجتمع قرية الكرطان .
أولا :- طبيعة النظام السياسي والعشائري في القرية.
يُعد النظام السياسي والعشائري في القرية من النظم الاجتماعية التي توجد في كل مجتمع من المجتمعات سواء أكانت تقليدية أم حديثة، والذي تتحدد بموجبه علاقات أفراد المجتمع بعضهم ببعض وتوضح الحقوق والسلطة كما يؤدي الوظيفة الرئيسة للدفاع عن أفراد المجتمع وحقوقهم وملكيتهم الخاصة ضد المعتدين سواء من أبناء المجتمع أم من بينهم من المجتمعات الأخرى(1) وكانت العلاقات والروابط الاجتماعية قائمة فيه على أساس( وحدة الدم ) أو كما نسميها ( العصبية ) التي تفرض بعض الالتزامات المتبادلة التي تعمل على تماسك العشيرة ووحدتها وتميزها عن غيرها، وبذلك تكون العصبية أساساً للمسؤولية المشتركة والتضامن بين أفراد الجماعة العشائرية الواحدة بما يحقق مصالحهم وقد ظلت المجتمعات العشائرية , الى عهد قريب تتمتع بكثير من الاستقلال القضائي والإداري القائم على عاداتها المحلية ولم يخضع أفرادها الى تنظيم سياسي أو أداري غير العشيرة التي ينتمون أليها ويدينون لها بالولاء والإخلاص(2) لرئيسها أو شيخها الذي كان من واجباتة تولي مسؤولية علاقاتها الخارجية بالعشائر الأخرى وبالسلطة الحكومية في فض المنازعات التي تحدث بين أفرادها , ومن دون شك فان قرية الكرطان لازالت تحتفظ بالطابع العشائري أبقاء علاقات القرية أو ممارسة سكان القرية بعض العادات والقيم العشائرية التقليدية .
يقوم التضامن في القرية يقوم على روابط الدم وروابط المكان، إذ إن العصبية تتكون نتيجة لهذه الروابط , كما نلاحظ أن النظام السياسي العشائري في القرية يتميز بالبساطة مع وجود كيان سياسي مستقل لكل وحدة قرابية فيها، إذ يرجعون الى كبار السن فيهم يميلون الى حل المنازعات فيما بينهم من دون تدخل الغرباء من خارج الوحدة القرابية ولاسيما في الأمور التي تتعلق بسلامتهم وأمنهم وكرامتهم، إذ أن النظام القرابي يقوم بدور مهم في التنظيم العشائري، إذ يكون احد وظائف البناء السياسي
ثانيا :- القانون العشائري
كانت الجماعات العشائرية في قرية الكرطان تلتزم بمجموعة من الأعراف والتقاليد والأحكام العقابية التي تحدد المسؤولية الجنائية ومقدار التعويض ( الفصل ) لكل جريمة محتملة الوقوع , وتشكل تلك الأعراف القانون العشائري المحلي وتعتمد قوة القانون العشائري في مجتمع القرية على مبدأ المحافظة على التوازن التقليدي داخل الوحدة العشائرية وبين الوحدات القرايبة المختلفة، وإذ يتضمن النظام العشائري في القرية بطبيعته عناصر الاستقرار والضبط الاجتماعي، لذا كانت الوحدات القرابية الموجودة في القرية تحاول بقدر الامكان أن تتحاشى الاعتداء على حقوق الغير خشية ما قد يؤدي اليه ذلك من نزاع وحروب وعداوات دم .
ومراعاة قاعدة المحافظة على التوازن بين الوحدة العشائرية في مجتمع القرية هو الذي يعين في الواقع قوى الضبط الاجتماعي والقرارات التي يتخذها للبت في المنازعات والمشكلات التي تحدث بين الأفراد المنتمين الى جماعة واحدة أو بين الجماعات العشائرية المختلفة , كما نجد أن لهذه الوحدات القرابية عادات يحترمونها ومعايير يعظمونها ويكبرونها ويحافظون عليها(1) , وفي مجتمع قرية الكرطان تكون المنازعات بين الوحدات القرابية المختلفة أكثر من ما هي بين الأفراد وذلك لان الوحدة القرابية التي ينتمي إليها الفرد تتدخل تلقائياً بسبب النظام العشائري السائد الذي تعد الوحدة الجماعية بموجبه هي المسئولة عن سلوك أي عضو من أعضائها فتدافع عنه أن وقع عليه اعتداء وتقتص له أن إصابه ضرر أو أذى من الغير وتكفر عن ما يرتكب من زلات سواء اتخذ ذلك شكل الاسهام في دفع الدية أو ما يسمى محليا (بالودي )* أو دفع التعويضات أو الأخذ بثأره كما يلجأ سكان القرية الى هيئات التحكيم العشائري للنظر في منازعاتهم , وتتألف هيئات التحكيم من رؤساء الوحدات القرابية العشائرية للأطراف المتنازعة وبعض كبار السن , ممن يختارون على أساس بالأعراف والقوانين العشائرية وعلى أساس ما عرف عنهم من حكمة واتزان ونفوذ وسلطة , ولا بد أن نوضح أن هذه القرارات الصادرة من قبلهم تصبح حلا للخصومات والمنازعات بصورة نهائية مع تراضي الأطراف المتخاصمة وقبولها بهذة القرارات , وهذه الجماعات لها أحكام وقواعد تخدمها للبت في هذه الحالات المذكورة وتسمى بالسواني** تختلف هذه باختلاف الجماعات القرابية الموجودة في القرية .
وهنالك نوع من الاتفاق بين بعض الوحدات القرابية العشائرية على أنواع معينة من العقاب ويدعى محليا ( بالثاية) يتم بواسطة تحرير مقدار التعويض او نوع العقاب الذي يتماشى و نوع الجريمة .
وفي قرية الكرطان يتضمن القانون العشائري عقوبات معينة ازاء نوع الجريمة المحتملة الوقوع، إذ أن هذا القانون يكون متعارفاً من قبل كبار السن ورؤساء الأفخاذ، إذ يحفظون بنوده واحكامة , أن السواني العشائرية هي ليست سواني جامدة لا اجتهاد فيها ففي كثير من الأحيان نجد حيادة التحكيم العشائري تستنبط احكاما وقرارات غير موجودة في النصوص , فالسانية لا تتناول جميع المشكلات التي تحدث بين الجماعات العشائرية في القرية , ويمكننا القول بان السواني العشائرية ليست قواعد ثابتة يجب الالتزام بها من دون تغير أو تبديل , بل قواعد عامة وأحكام مرشدة للمحكمين وذلك لتباين الخطوط العامة لقواعد العقاب والجزاء , فالاحكام العشائرية وقواعدها الثانوية تتراوح بين ما هو متوارث وما هو وليد الظروف والمتطلبات المستحدثة .
ويتضمن القانون العشائري في قرية الكرطان عقوبة معينة لكل جريمة محتملة الوقوع وهو قانون غير مكتوب ألا أن رؤساء الأفخاذ جميعهم والعشائر يحفظون احكامه بدقه وفيما يأتي أهم الجرائم وأحكامها ألعقابيه في السواني الذي تتبعه الجماعات القرابية في القرية .
1- اذا قتل شخص من قبل شخص اخر في المناسبات كالأفراح بطريقة الخطأ فانه يدفع ( ديه الرجل )
2- اذا لحق ضرر بالممتلكات كالزرع والماشية وغيرها تكون الديه مبلغا من المال مساويا لقيمة الضرر الذي لحق به .
3- اذا قتل شخص عن طريق الدهس فان الديه تدفع لأسرة الشخص المدهوس وحسب الشروط المعمول بها .
4- في حالة الصيحة(1) أي تعرض رجل لأمراه ومس شرفها وكرامتها فان أهل الشخص الذي قام بهذا العمل يؤدون الديه أو الفصل(2) عن طريق المشية(3) التي تهدأ من ثورتهم وترضيهم .
5- وفي حالة السرقة فان الديه تكون باعادة ما سرقه السارق من ألجماعه المسروقة ودفع مبلغ من المال لقيمة الأشياء المسروقة .
6- في حالة اغتصاب المرأة المتزوجة أو غير المتزوجة فان ديتها قتل المعتدي اذا كان هذا الاغتصاب يحدث بعدم رضاها .
7- قتل السارق ليس له ديه .
8- في حالة اختطاف أمرأة متزوجة أو غير متزوجة لرضاها او غير رضاها فمن حق أهلها وجماعتها القرابيه قتل الخاطف من دون دفع ديه ولا بد أن نذكر انه في حالة موافقة المرأة المخطوفة على خطفها فان الأعراف العشائرية تجوز قتلها مع ناهبها .
9- اذا جرح شخص وكان الجرح بليغاً أي أن صاحبه فقد احد أعضاء جسمه يكون دفع الديه حسب الاتفاق .
10- الاصابه البسيطة أو الجرح تكون الديه بالترضية عن طريق ألمشيه .
11- اذا قتل شخص من داخل الفخذ وكان قاتله من داخل الفخذ أيضا فان الديه تكون مصادرة السلاح و إجلاء القاتل ودفع تعويض مادي وحسب ما يقرره الوجهاء شيوخ الوحدة القرابيه .
12- اذا قتل شخص من فخذ وكان القاتل من فخذ أخرفان الديه تكون حسب الاتفاق أو الثايه المقرره بين هذه الجماعات القرابيه وحسب قرار المحكمين .
يتضح مما سبق لنا ظاهرة التضامن والتعاون الجماعي بين الأفراد الساكنين في القرية دفعتهم الى سن القوانين ألجديه التي تعزز هذا التضامن وتحد من الجريمة.
إذ أنهم قاموا بسن قانون الديه، إذ تدفع في الحالات التي يتفقون عليها . أن بوادر التغيير التي طرأت على القرية بشكل عام والاتصال بالمدينة كان له الأثر الفعال في القانون العشائري، إذ أصبح هناك أشخاص يخرجون عن نظام المسؤولية الجماعية فلا يسهمون في دفع التعويضات المترتبة عليهم فضلا عن رجوعهم الى المحاكم ألرسميه ومراكز ألشرطه في حل المنازعات والخصومات التي تحدث بينهم وهذه كلها يمكن ان نرجعها الى التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي في مجتمع القرية وكذلك الغاء نظام دعاوي العشائر وتطبيق القوانين ألمدنيه كسيادة الأمن , كما أصبحت المحاكم هي الرادع في حل المنازعات وحل قانون الدولة محل قانون العشيرة , ويعد قانون العقوبات جزءا أساسيا هاما ومن وسائل الضبط الاجتماعي الرسمي الذي تمارسة السلطة على أفراد المجتمع(1) .
على الرغم من التغيرات التي حصلت في مجتمع القرية ألا أن العرف العشائري كان له دور مهم في ضبط وتنظيم علاقات الأفراد والجماعات المؤلفة لمجتمع القرية، إذ نلاحظ ان هناك توازناً داخل مجتمع القرية ناتج عن أهمية القرابيه العرف العشائري فضلا عن تطبيق القانون الذي كان له الأثر الفعال في عملية الضبط الاجتماعي داخل مجتمع القرية .
الإدارة الحكومية
تخضع قرية الكرطان من الناحية الإدارية الى ناحية الحبانيه والتي تلحق أداريا بقضاء الرمادي التابع الى محافظة الانبار , وبموجب هذا الارتباط والتنظيم يكون الاتصال السياسي والاداري بين السلطة التي تمثل ألدوله والسكان في القرية عن طريق الدوائر ألرسميه للدولة ومؤسساتها , ويتولى مدير ناحية الحبانيه وهو اكبر موظف أداري حكومي في الناحية الاشراف على تنفيذ القوانين وأنظمتها ودوائرها في وحدتة الاداريه والمحافظة على الأمن والنظام فيها.