بقلم زهرالدين سماتي – جريدة الخبر
إلزامية اللقاح ، هل هي المخرج من جائحة كورونا لا سيما بالنظر إلى الاستهتار الكبير وقلة وعي من طرف المواطنين في كافة أرجاء البلاد وعدم احترام إجراءات الوقاية من فيروس كورونا ؟ بدأت فكرة “جواز السفر الصحي أو المناعي” تلقى رواجا في بعض الدول الأوروبية بينما تطالب أوساط اقتصادية باعتماد فكرة “جواز سفر لقاحي” في حين ثمة تقارير تفيد بأن بعض الشركات تبحث في إمكانية صياغة عقود تشترط على العاملين الجدد تلقي اللقاح وتغيير العقود الخاصة بالموظفين الحاليين.فماذا عن الجزائر؟ هل يمكن أن تسمح قوانينها في جعل اللقاح إلزاميا؟
إذا استمر التردد أو التحفظ عن التلقيح كما هو الحال، هذا من شأنه أن يجعل من عملية التلقيح مضيعة للوقت. إذ أن غير الملقحين سيعيدون نشر الفيروس مجددا وربما بنسخة متحورة تتجاوز المناعة التي يكتسبها من تلقوا اللقاح بل وحتى من أصيبوا بالفيروس كوفيد 19. وهناك مساران لتحقيق المناعة الجماعية، وهما العدوى الطبيعية واللقاحات. تؤدي أعداد الإصابات في حالة العدوى الطبيعية إلى مضاعفات خطيرة وإلى وفاة ملايين الأشخاص، خاصة بين كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة. ويمكن لنظام الرعاية الصحية أن يفقد بسرعة القدرة على استيعاب أعداد المرضى وظهر هذا جليا في إيطاليا في بداية الجائحة وفي الهند حاليا.أما اللقاحات فتكوّن مناعة دون التسبب بالمرض أو المضاعفات الناجمة عنه.
باستخدام مفهوم المناعة الجماعية، نجحت اللقاحات في السيطرة على العديد من الأمراض الـمعدية، مثل الجدري وشلل الأطفال والخناق والحصبة، والكثير من الأمراض. والمعضلة التي نعيشها حاليا هي تردد شرائح واسعة من المجتمع على التلقيح بسبب تحفظات دينية أو بسبب خوفهم من المخاطر المحتملة أو بسبب تشكيكهم بفوائد اللقاحات ويفتقر جل المرضى إلى العلم والخبرة الكافية لاتخاذ القرارات الطبية.إذا كانت نسبة من أخذوا اللقاح في مجتمع ما أقل من الحد الأدنى لتحقيق المناعة الجماعية، فقد يستمر المرض المعدي بالانتشار. ومعروف عن الجزائر أنها من الدول الرائدة في تلقيح الأطفال بل وجعلته إلزامي ضد أمراض السل وشلل الأطفال والدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي والحصبة الخ. فثقافة وتقاليد التلقيح موجودة ومتجذرة في المجتمع، ما الذي تغير مع اللقاح ضد كوفيد؟
يتجه خبراء الأوبئة و الأمراض الفيروسية و اللقاحات إلى أنه من غير الممكن مقارنة العلاجات العادية البسيطة الموكلة لإرادة المريض بوباء عالمي و فتاك مثل كورونا
وأنه لا يوجد مبرر اليوم للخوف و القلق و ترك الأمر بيدِ المريض الذي يحتكم إلى الأوهام وليس إلى الحقائق العلمية فليس كل المرضى بنفس درجة الوعي، و من المعلوم أن الإنسان سريع التأثر بالأخبار الزائفة و الإشاعات ولا سيما تلك المستمدة من الشبكات الاجتماعية.
عرف “جون ستيوارت ميل” الفيلسوف والاقتصادي البريطاني«مبدأ الضرر» في عام 1859 في أطروحته «حول الحرية» عندما قال: “الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بشكل شرعي على أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر رغما عنه هو منع إلحاق الضرر بالآخرين”. أي عندما تتعارض فيه مصالح الأفراد عادة مع مصالح المجتمع وبالتالي يمكن فرض التطعيم ما دام أن الإكراه مناسبا وضروريا للحفاظ على الصحة العامة. بمعنى آخر تقيد بشكل شرعي الحرية الشخصية من أجل الصالح العام.
تكون إلزامية اللقاح ممكنة طالما ثبت الأخير فعاليته في المحافظة على الصحة العامة في البلاد وأمن المجتمع. وهذا ينطبق تماما مع قانون إلزامية حزام الأمان وعدم إستعمال الهواتف عند السياقة. وإلزامية عدم التدخين في الأماكن العمومية. فكثير من الدول تلزم الوافدين إليها بالحصول على لقاح الحمى الصفراء وتصدر مراكز التلقيح شهادات تسمى رسميا “شهادة دولية للتلقيح والطب الوقائي”، وهي دفتر أصفر تعترف به منظمة الصحة العالمية ويقارن بعضهم ذلك مع إلزامية حصول الأطفال على عدد من اللقاحات من أجل دخول المدرسة في الكثير من الدول.
سلامة المريض وحرية الاختيار في كل ما يتعلق بجسده مصلحة يكفلها القانون، ولكن المصلحة العامة ترجح في هذه الحالة وهي سلامة المجتمع. يبقى فقط أن تلتزم السلطات العمومية بعرض شفاف بالأدلة على فعالية اللقاح في منع انتشار المرض وحماية الأفراد وتخفيف العبء عن نظام الرعاية الصحية. وكذلك عرض أدلة كافية على سلامة اللقاح وتوفره.وقد يكون “التلقيح الإلزامي” منطقيا ومعقولا في بعض القطاعات على غرار قطاع الرعاية الصحية وعلى العاملين في الفنادق والمطاعم والنقل فضلا عن الأنشطة الاجتماعية والشخصية الخاصة وصالونات التجميل والحلاقين ثم تنتقل الإلزامية لقطاع التربية بصفة عامة من 12 سنة فما فوق.
هل ثمة ضرورة حقيقية لإضفاء صفة قانونية وملزمة على موضوع التلقيح؟ نعم بالنظر إلى تدهور الوضعية الوبائية في البلاد والأكيد أننا لن نخرج أبدا من هذه الموجات القاتلة والمتتالية لفيروس كورونا. الخبراء يؤكدون أنه يتعين أخذ اللقاح من قبل 80 بالمائة من الجزائريين لإنهاء ديناميكية الوباء علميا، ويرفع من إمكانية التحكم من انتشاره وتجديد نفسه بسلالات جديدة تكون أكثر خطورة على كل المواطنين.