اعداد : رائد محمد حلس – باحث ومختص في الشأن الاقتصادي – غزة – فلسطين
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
تكتسب منطقة الأغوار أهمية سياسية واقتصادية كبيرة للشعب الفلسطيني، تتمثل أهميتها السياسية في كونها تشكل مثلثاً مع مدن القدس وبيت لحم وتربط فلسطين بالأردن، وتشكل أيضاً مخزوناً جغرافياً من الأراضي التي يُمكن للفلسطينيين إذا أتيحت لهم السيطرة عليها إقامة مشاريع إسكان ومرافق عامة لبناء دولة ناجحة، إضافة إلى أنها تشكل أيضاً امتداداً طبيعياً لتوسيع مدينة القدس.
أما أهميتها الاقتصادية تتمثل في كونها تعد مصدر دخل اقتصادي كبير بفعل أراضيها الخصبة ومياهها العذبة وما تحتويه تلك المنطقة من موارد طبيعية الموجودة في البحر الميت مثل البوتاسيوم والفوسفات والبرومين والتي لو قُدر للفلسطينيين التحكم بأراضي تلك المنطقة ومياهها العذبة ومواردها الطبيعية لكان الاقتصاد الفلسطيني في غنى عن المساعدات الدولية.
وقد جعلت أهمية تلك المنطقة السياسية والاقتصادية على حد السواء الاحتلال الإسرائيلي أكثر تمسكاً وطمعاً في هذه المنطقة والاستيلاء عليها والسعي لضمها.
في ضوء ذلك تستعرض الدراسة الخصائص الجيوسياسية لمنطقة الأغوار الفلسطينية، وبيان مشروع الضم والسياق السياسي والأيديولوجي وخيارات الضم المطروحة من منظور إسرائيلي، وتوضيح أهمية منطقة الأغوار الفلسطينية السياسية والاقتصادية، وتقرأ في ثناياها الانعكاسات السياسية والاقتصادية لمشروع الضم، وبحث الخيارات الفلسطينية الممكنة لمواجهة مشروع الضم الاسرائيلي.
أولاً: الخصائص الجيوسياسية لمنطقة الأغوار الفلسطينية
تمتد الأغوار الفلسطينية على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية من قرية عين جدي في الجنوب قرب البحر الميت حتى منطقة عين البيضا ملامسة منطقة بيسان في الشمال بمسافة تقدر بـ 120 كم وبعرض يتراوح ما بين (5 – 20 كم) حسب اقتراب أو بعد السلاسل الجبلية من نهر الأردن، وبذلك تشكل الأغوار الفلسطينية 28% من مساحة الضفة الغربية بمساحة تقدر بنحو 1600 كم2، ويعيش فيها أكثر من 65 ألف فلسطيني، وتضم 27 تجمعاً سكانياً ثابتاً على مساحة 10 آلاف دونم، وعشرات التجمعات الرعوية والبدوية، وتتبع إدارياً لثلاث محافظات هي: محافظة طوباس (الأغوار الشمالية) بواقع 11 تجمعاً، ومحافظة نابلس (الأغوار الوسطى) وتشمل 4 تجمعات، ومحافظة أريحا (الأغوار الجنوبية) وتحتوي على 12 تجمعاً.[1]
وتكمن أهمية الأغوار الفلسطينية في كونها منطقة طبيعية دافئة يمكن استغلالها للزراعة طوال العام، إضافة إلى خصوبة التربة، وتوفر مصادر المياه فيها، فهي تتربع فوق ثاني أكبر حوض مائي في فلسطين.
وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة الأغوار 280 ألف دونم؛ أي ما نسبته 38.8% من المساحة الكلية للأغوار؛ يستغل الفلسطينيون منها 50 ألف دونم؛ فيما يستغل سكان مستوطنات الأغوار 27 ألف دونٍم من الأراضي الزراعية فيها.[2]
وتعتبر عملية استغلال الأرض في أرض الأغوار من أكثر العمليات تعقيداً نظراً لتداخل الصلاحيات وتعدد التقسيمات، فحسب اتفاق طابا 1995 قسمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق (A. B. C) حيث تخضع المناطق Aللسيطرة الفلسطينية الكاملة والمناطق B تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية والمناطق C تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفيما يخص تقسيم مناطق الأغوار وفق تلك التقسيمات، قُسمت إلى ثلاث مناطق أيضاً وهي: مناطق(A) وتخضع للسيطرة الفلسطينية، ومساحتها 85 كم2، ونسبتها 7.4% من مساحة الأغوار الكلية؛ ومناطق(B)، وهي منطقة تقاسم مشترك بين السلطة و”إسرائيل”، ومساحتها 50 كم2، ونسبتها 4.3% من المساحة الكلية للأغوار؛ ومناطق (C) وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ومساحتها 1155 كلم، وتشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار (بنسبة 88.3%).[3]
ويسيطر الاحتلال الإسرائيلي على 400 ألف دونم في منطقة الأغوار بذريعة استخدامها مناطق عسكرية مغلقة، وتشكل هذه المناطق ما نسبته 55.5% من المساحة الكلية للأغوار، كما ويحظر الاحتلال الإسرائيلي على السكان الفلسطينيين ممارسة أي نشاط زراعي أو عمراني أو أي نشاط آخر في هذه المناطق.
بالإضافة إلى اتباع الاحتلال الإسرائيلي إلى سياسة التهجير القسري للسكان في منطقة الأغوار، حيث وصل عدد السكان الفلسطينيين المهجرين في تلك المنطقة إلى ما يزيد عن 50 ألف مواطن فلسطيني منذ عام 1967، إضافة إلى تهجير تجمعات سكانية كاملة، بحجة إقامتهم في مناطق عسكرية؛ مثل تهجير أهالي خربة الحديدية في الأغوار الشمالية.[4]
ثانياً: مشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار
هو مشروع إسرائيلي قديم طرحه الوزير الإسرائيلي بيغال آلون على حكومته عام 1967، والذي تضمن معظم منطقة غور الأردن باعتبارها حدوداً آمنة لـ “إسرائيل” من النهر إلى المنحدرات الشرقية لحافة تلال الضفة الغربية وشرقي القدس وكتلة “غتصيون” جنوب بيت لحم إلى “إسرائيل”، وكذلك إبقاء الأغوار والسفوح الشرقية للضفة الغربية فارغة من السكان من خلال تعزيز الاستيطان فيها وضمها إلى “إسرائيل” لاحقاً، وتحويلها إلى منطقة عازلة بين سكان الضفة الغربية وامتدادهم العربي، وهذا ما جرى على مدار سنوات من رفض الاعتراف بالتجمعات الفلسطينية في تلك المنطقة وحرمانهم من الاستثمار في أراضيهم الزراعية واعتماد سياسة الهدم والترحيل والتهجير القسري للسكان الفلسطينيين وعدم منحهم تراخيص البناء والسكن.[5]
ومنذ العام 2017 عاود الحديث عن مشروع الضم لمنطقة الأغوار مجدداً بعد اتخاذ الإدارة الأمريكية عدة خطوات لتهيئة الأرضية السياسية لفرض رؤيتها لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في إطار ما بات يُعرف بـ “صفقة القرن”، بدءاً بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل” ونقل السفارة الأمريكية إليها (6 كانون أول 2017)، مروراً بإيقاف الدعم الأمريكي للأونروا (31 آب 2018)، ثم اعلان الشق الاقتصادي لصفقة القرن والتي كان من بنودها فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة الأغوار (26 أيار 2019)، ومن ثم تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التي لا ترى في الاستيطان انتهاكاً للقانون الدولي (18 تشرين ثاني 2019) باعتبار الضفة الغربية تخضع للسيطرة الإسرائيلية وليست أراضي محتلة.[6]
وقد شجعت الخطوات الأمريكية الحكومة الإسرائيلية لتمرير أطماعها في تنفيذ مشروع الضم لمنطقة الأغوار، وخاصة مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تشكلت باتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسة بيني غانتس، والذي تضمن كإحدى خطواته البدء في (1 تموز 2020) لتطبيق الضم الفعلي لما نسبته 30% من أراضي الضفة الغربية (منطقة الأغوار ومستوطنات في الضفة الغربية).[7]
ثالثاً: السياق السياسي والأيديولوجي لمشروع الضم
ينطلق مشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار بصفة خاصة وضم أراضي الضفة الغربية بصفة عامة، من دوافع سياسية وأيديولوجية[8] قائمة على ادعاءات تاريخية من وجهة نظر نتنياهو، واليمين الإسرائيلي عموماً، ولا سيما اليمين المتشدد دينياً، أما استراتيجياً فهناك تباين في المواقف الإسرائيلية من مشروع الضم ما بين مؤيد ومعارض.
حيث يتبنى الموقف المعارض لمشروع الضم الإسرائيلي خبراء في المجال الأمني والاستراتيجي، أمثال الجنرال متقاعد عاموس ييدلين، رئيس مركز دراسات الأمن القومي، والجنرال متقاعد عاموس جلعاد، رئيس منتدى هرتسيليا، الذين يرون في مشروع الضم بأنه لن يقدم لـ “إسرائيل” شيئاً بل سوف يتسبب بحدوث أضرار واضحة لها حسب وصفهم.[9]
أما الموقف المؤيد لمشروع الضم والذي يتبناه الغالبية الأكبر في “إسرائيل” وخاصة نتنياهو وأحزاب اليمين الإسرائيلي ولا سيما الأحزاب المتشددة دينياً، وحسب مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وعلى لسان مديره العميد متقاعد أودي ديكل، فإن الضم هو حدث ذو دلالات استراتيجية، وأنه يغير قواعد اللعب والظروف المساعدة له، بسبب وجود الفرصة التاريخية لتمرير مشروع الضم، والتي تتمثل بوجود إدارة أمريكية داعمة ومساندة، بجانب ضعف الفلسطينيين وانقسامهم، وانشغال الأنظمة العربية بنزاعاتها الخاصة، إضافة إلى انشغال العالم بأسره بأزمة كورونا وما تركت خلفها من مشكلات اقتصادية.[10]
وهناك اجماع واسع لدى الجهور الإسرائيلي بتأجيل مشروع الضم في الوقت الحالي، لأن الضم لن يفيد “إسرائيل” في الوقت الحالي، وسيفاقم من الأزمة الاقتصادية بسبب أزمة كورونا، حيث أظهر استطلاع للرأي نشر مؤخراً، “أن 69% من الاسرائيليين يعتقدون أن المهمة الأكثر أهمية للحكومة الجديدة هي معالجة الازمة الاقتصادية في اعقاب أزمة كورونا، و4% فقط اعتقدوا أن ضم مناطق هو المهمة الاكثر أهمية في الوقت الحالي.[11]
وتوحي نتائج هذا الاستطلاع بعدم رضا جمهور كبير في “إسرائيل” لتنفيذ مشروع الضم في الوقت الحالي وليس رفضه، وبالتالي قد يتم تأجيل مشروع الضم في الوقت الحالي، ولكن يبقى مشروع الضم لمنطقة الأغوار ومناطق فلسطينية أخرى مطمعاً دائماً وهدفاً إسرائيلياً تسعى إلى تحقيقه.
وبغض النظر عن التباين في المواقف الإسرائيلية فيما يتعلق بقضية الضم، فإن مصير الضم وحجمه سيتحدد في نهاية الأمر بين واشنطن وإسرائيل، ووفقا للضغوط التي ستمارس على إدارة ترامب، وهو مرهون بحسم الخلاف بين طاقم السلام في الإدارة الأمريكية، أي بين سفير واشنطن في إسرائيل فريدمان الذي يؤيد ضماً أحادي الجانب، وبين مسؤول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وصهر ترامب جاريد كوشنير، الذي يؤيد تنفيذ الضم في إطار صفقة القرن.
رابعاً: خيارات الضم الإسرائيلي المطروحة
يحاول الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ أطماعه المتمثلة في مشروع الضم للأراضي الفلسطينية من خلال عدة خيارات، وقد تم نقاش هذه الخيارات في المنتديات ومراكز الدراسات الإسرائيلية ونشر بعضها في وسائل الاعلام الإسرائيلية، وهي:[12]
- الخيار الأول: ضم المساحة المبنية فقط من المستوطنات في الكتل الكبرى، والتي تبلغ أقل من 4% من مساحة الضفة الغربية، أو ضم كل المستوطنات التابعة لها والتي تبلغ مساحتها 10% من مساحة الضفة الغربية.
- الخيار الثاني: ضم الكتل الاستيطانية، وأغلبها تقع غرب الجدار، وتبلغ مساحتها 10% من مساحة الضفة الغربية، وهذا الخيار يحظى بإجماع واسع لدى الإسرائيليين.
- الخيار الثالث: ضم غور الأردن، والذي تشكل مساحته حوالي 17% من مساحة الضفة الغربية.
- الخيار الرابع: ضم جميع المناطق التي نصت عليها خطة ترامب أو ما بات يعرف بـ “صفقة القرن” وهي نصف المنطقة المصنفة C ، والتي تشكل مساحتها نحو 30% من مساحة الضفة الغربية، وهي تشمل غور الأردن الذي تقدر مساحته 17% والمستوطنات الكبرى التي تقدر مساحتها 10% والمستوطنات المعزولة التي تقدر مساحتها 3%.
- الخيار الخامس: ضم كل المناطق المصنفة C، والتي تبلغ مساحتها نحو 60% من مساحة الضفة الغربية وهي مناطق تخضع للسيادة الإدارية والأمنية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي.
إن تداول تلك الخيارات وفرص إمكانية تطبيق أحد هذه الخيارات في الوقت الحالي من قبل وسائل الاعلام الإسرائيلية المنتديات ومراكز الأبحاث والدراسات، يتنافى مع الواقع، فالاحتلال الإسرائيلي يفرض سيطرته الفعلية على جميع الأراضي الموجودة في تلك الخيارات، وبالتالي هو يسعى فقط إلى شرعنة الضم والحصول على اعتراف دولي لهذه المناطق واعتبارها أراضي إسرائيلية وليست أراضي فلسطينية تحت الاحتلال.
خامساً: التداعيات السياسة والاقتصادية لمشروع الضم الإسرائيلي
إن تنفيذ مشروع الضم وفرض السيادة الكاملة على منطقة الأغوار الفلسطينية التي تقع شرق الضفة الغربية وعلى طول نهر الأردن، وفرض السيادة على المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بمدينة القدس، ومن أبرزها (كفار أدوميم)، (مشور أدوميم)، (معاليه أدوميم)، هذا بالإضافة إلى فرض السيادة على المنطقة (C) والتي تقع غرب الضفة الغربية، والتي تحتفظ دولة الاحتلال بالسيطرة الأمنية عليها بحسب اتفاق أوسلو الموقع بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1993م، وبقاء المنطقة (A) للسلطة الفلسطينية التي تفرض عليها سيطرة أمنية ومدنية كاملة، وبقاء المنطقة (B) على ما هي عليه تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية المشتركة.
يعني أن الاحتلال الاسرائيلي يتجه نحو فرض السيادة على مناطق معينة دون غيرها، وبالرجوع إلى تلك المناطق فإنها تُعد أكثر حيوية واستراتيجية، وبالتالي فإن مشروع الضم لتلك المناطق تشكل متغيراً جديداً ودراماتيكياً على الحالة السياسية والاقتصادية في المنطقة، سترتب عليه تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة على مشروع تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من جهة أو على الاقتصاد الفلسطيني من جهة أخرى، نجملها فيما يلي:
- التداعيات السياسية لمشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار
إن مشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار هو اعتداء على حق الشعب الفلسطيني في السيادة على أرضه وثرواته الطبيعية، حيث أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على حق الشعب الفلسطيني في السيادة على أرضه بما يشمل ثرواتها الطبيعية، وذلك بقرارها رقم A/69/475: الصادر بتاريخ 13 تشرين الثاني 2014، الذي ينص على “السيادة الدائمة للشعب في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل، على مواردهم الطبيعية.[13]
كما أن مشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار يؤدي إلى انحسار الجغرافيا الفلسطينية وتقليصها، وهدم المساعي الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مع المملكة الأردنية، وضرب أية حلول مستقبلية تستند إلى أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، كما يحول دون إمكانية جلاء دولة الاحتلال عن الأراضي التي احتلتها سنة 1967م، ويعتبر عرقلة إضافية تحول دون تنفيذ القرار (242) الصادر عن مجلس الأمن.
وبالإضافة إلى أن فرض السيادة على المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بمدينة القدس، من شأنه أن يؤدي إلى تقويض جميع القرارات والرؤى الدولية المتعلقة بالقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين المنشودة، وكذلك فإن فرض السيادة على المنطقة(C) يؤدي إلى نسف ما تبقى من اتفاق أوسلو.[14]
- التداعيات الاقتصادية لمشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار
تعتبر منطقة الأغوار مفتاح التنمية لدولة فلسطين لما تتمتع به تلك المنطقة من مقومات وخصائص اقتصادية، حيث تمتلك الكثير مما يمكن أن تقدمه من إسهامات لصالح الاقتصاد الفلسطيني، فهذه المنطقة تتميز بتربتها الخصبة، وغنية بمواردها الطبيعية.
فوجود البحر الميت ضمن تلك المنطقة يعد ميزة استراتيجية وقيمة اقتصادية كبيرة، حيث يحفل بالكثير من المعادن الثمينة، في مقدمتها مخزونات ضخمة من البوتاس والبرومين، وتحصل إسرائيل والأردن معاً على نحو 4.2 مليار دولار من المبيعات السنوية لهذه المنتجات، وهو ما يمثل 6% من الإمدادات العالمية من البوتاس و73% من إنتاج العالم من البرومين.[15]
وبالإضافة إلى البوتاس والبرومين فإن البحر الميت يحتوي على ثروات معدنية أخرى مثل كلوريد المغنيسيوم وكلوريد الصوديوم وكلوريد الكالسيوم، حيث “تصل احتياطات كلوريد المغنيسيوم في البحر الميت إلى 23 مليار طن وكلوريد الصوديوم إلى 12.6 مليار طن، وكلوريد الكالسيوم إلى 6 مليارات طن”.[16]
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن الاقتصاد الفلسطيني بمقدوره أن يضيف 918 مليون دولار سنوياً، إذا أتيحت له الفرصة من استغلال المعادن الثمينة في البحر الميت.[17]
وتتمتع أراضي منطقة الأغوار بخصائص اقتصادية وحيوية، وهي تربتها الخصبة ومياهها الوفيرة ومناخها المناسب للزراعة، وبالتالي فإن هذه الخصائص توفر الظروف المثلى لازدهار الزراعة في تلك المنطقة، وعززت من الأطماع الإسرائيلية في تلك المنطقة واستغلالها، حيث تسيطر المستوطنات على 85% من مساحة هذه الأراضي، ما يجعلها تنتج ما نسبته 40% من صادرات التمور من “إسرائيل”.[18]
وبالنظر إلى المصادر الطبيعية الأخرى التي تتمتع بها منطقة الأغوار الفلسطينية وجود مقالع للحجر والرخام ووفق تقرير البنك الدولي (2013)، فإن مساحة الأراضي التي تصلح لاستخدامها كمقالع للحجر والرخام في تلك المنطقة تقدر بنحو 21 ألف دونم.[19]
وتظهر الإحصاءات الخاصة بصناعة الحجر في فلسطين “أن الكسارات الإسرائيلية غير الشرعية التي تعمل في منطقة الأغوار تنتج ما يقارب 15.5 مليون طن وتقدر قيمتها بـ 105 ملايين دولار.[20]
كما أن وجود البحر الميت في منطقة الأغوار الفلسطينية يعتبر من أهم العوامل الجاذبة للسياحة، حيث تشير التقديرات إلى أن السياحة في البحر الميت من شأنها أن تدر 126 مليون دولار سنوياً إذا ما تم رفع القيود الإسرائيلية عن تلك المنطقة وأتيح للفلسطينيين الاستثمار في قطاع السياحة في تلك المنطقة.[21]
في ضوء ما سبق من خصائص ومقومات اقتصادية التي تتميز بها منطقة الأغوار الفلسطينية، وفي ضوء ما يجنيه الاحتلال الإسرائيلي من فوائد ومنافع اقتصادية بحكم السيطرة على تلك المنطقة واستغلال مقدراتها ومواردها الطبيعية، تعتبر خسارة كبيرة للاقتصاد الفلسطيني.
حيث أشار تقرير للبنك الدولي إلى أن الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها الاقتصاد الفلسطيني جراء عدم تمكن الاقتصاد الفلسطيني من استغلال الأرض والموارد وحظر جميع الأنشطة الاستثمارية في تلك المنطقة بسبب القيود والعوائق التي تفرضها “إسرائيل” بحجة الاعتبارات الأمنية تكلف الاقتصاد الفلسطيني ( تحرمه) من فرص قيمتها 3.4 مليار دولار سنوياً، وحسب تقرير صادر عن الاقتصاد الوطني الفلسطينية، “إن الأنشطة في تلك المنطقة قادرة على توليد 800 مليون دولار سنوياً من الإيرادات الضريبية، وهذا يمكن أن يُغني عن التمويل والمساعدات من الدول المانحة”.[22]
وبذلك فإن مشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار وفرض السيادة على المستوطنات المحيطة في مدينة القدس، يحرم الفلسطينيين من استغلال أرضهم ومواردهم الطبيعية ويحرمهم من حق العمل في أراضيهم، مما يشكل انتهاكاً صريحاً لجملة من الحقوق التي يحميها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أهمها الحق في التنمية، والذي يتمثل في عدم السماح للمزارعين الفلسطينيين والمستثمرين أيضاً باستخدام الأرض والعمل فيها والانتفاع منها، وهو العنصر الأساسي للتنمية، بضمان الانتفاع من الأرض واستخدامها كعامل أساسي لازم لضمان التمتع بعدد من حقوق الإنسان، بما فيها الحق في العمل للفلسطينيين الذين يعيشون في تلك المنطقة والذين يعتمدون على النشاط الزراعي في الأرض التي يملكونها، وعليه فإن الضم الإسرائيلي لتلك المنطقة سيؤدي إلى مصادرة الأرض وتقييد أصحابها من الوصول إليها، سيؤدي إلى عدم قدرة الفلسطينيين من العمل وكسب لقمة عيشهم من أراضيهم الزراعية.[23]
وعليه، فإن مشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار سيقود إلى تدمير الاقتصاد الفلسطيني، ويقضي على أي فرصة لبناء اقتصاد وطني فلسطيني سيادي ومستقل يعتمد على قدراته الذاتية وعلى أرضه وموارده، ويُبقي أدوات السيطرة الاقتصادية بيد “إسرائيل”.
سادساً: الخيارات الفلسطينية الاقتصادية الممكنة لمواجهة مشروع الضم
في ضوء ما تقدم من أهمية استراتيجية لمنطقة الأغوار وما تمتلكه من مقومات وخصائص اقتصادية، وما يترتب على مشروع الضم من تداعيات سياسية وقانونية واقتصادية خطيرة، يتطلب استخدام كافة الخيارات الفلسطينية (السياسية والقانونية والاقتصادية) لمنع تنفيذ مشروع الضم الإسرائيلي لمنطقة الأغوار الفلسطينية ومواجهة التغلغل الاستيطاني في الضفة الغربية الذي يخطط الاحتلال الإسرائيلي له ويسعى إلى تنفيذه.
وفي هذا الصدد تقترح مجموعة من الخيارات الاقتصادية التي يمكن استخدامها فلسطينياً لإحباط مشروع الضم ومنع تنفيذه، تمثل فيما يلي:
- دعم صمود المزارعين والمواطنين في منطقة الأغوار ورصد موازنة لتعويضهم عن خسارتهم وكذلك لتعزيز تواجدهم.
- منح تراخيص لبناء منازل جديدة في منطقة الأغوار وتجاوز تصنيفها وفق اتفاق أسلو لعدم ترك المساحات الفارغة أمام الاحتلال والمستوطنين.
- إعفاء سكان منطقة الأغوار من أي تكاليف أو رسوم ترخيص لبناء المنازل.
- العمل على تقديم تسهيلات وحوافز تشجيعية للمستثمرين للاستثمار في منطقة الأغوار.
- توفير الدعم للبنية التحتية في منطقة الأغوار وبخاصة بناء مدارس ووحدات صحية.
- القيام بخطوات تصعيدية قائمة على الانفكاك الاقتصادي من التبعية مع اقتصاد الاحتلال، بحيث تتضمن الخطوات ما يلي:
- تعزيز المقاطعة الاقتصادية للاحتلال من خلال مسارين، الأول: تطبيق كامل للقانون الفلسطيني الصادر عام 2010 حول حظر بضائع المستوطنات والعقوبات المترتبة على ذلك، ومنع دخول بضائع المستوطنات كلياً من الدخول إلى الأسواق الفلسطينية، والثاني: دعم جهود حركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها الـ (BDS)، كأداة مواجهة سلمية نضالية أثبتت نجاعتها على المستوى الدولي.
- تعزيز المنتج الوطني وتشجيع صناعات بديلة من خلال سياسة إحلال الواردات، وتوجيه الاستثمار في تلك القطاعات من خلال الحوافز الضريبية.
- دعم وتفعيل مبادرة التكامل الاقتصادي الفلسطيني العربي، الّتي أطلقها منتدى الأعمال الفلسطيني الدّولي في عمّان في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) 2015، والّتي تهدف إلى تحرير الاقتصاد الفلسطيني من التبعيّة لـ “إسرائيل”، فالاندماج الإقليمي العربي يمثّل فرصة حقيقيّة لتنمية قطاع التجارة الفلسطيني من خلال توسيع وتنويع نطاق الأنشطة التجاريّة له بعيداً عن الشريك الإسرائيلي المهيمن، وتوفير الاستقلال الذي تحتاجه التجارة الفلسطينيّة كمنطقة تجاريّة مستقلّة ذات سيادة جمركيّة.
- تحسين القاعدة الضريبية وتحسين سبل الجباية، وإعادة النظر في السياسات الضريبية الموائمة للاقتصاد الفلسطيني.
- مواصلة الجهود الحثيثة للحصول على العضوية الكاملة في منظمة التجارة العالمية، ويأتي التوجه في إطار إعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني، وتحريره من الاقتصاد الإسرائيلي، والتفاؤل تجاه الفوائد الموعودة والمحتملة من الاندماج في العولمة بواسطة التحرير التجاري العالمي وآلياته المتخصصة، ويعتبر هذا التوجه خيار استراتيجي للانفكاك من التبعية ويحمل العديد من الآثار الايجابية، أهمها، أن حصول دولة فلسطين على صفة العضوية في منظمة التجارة العالمية يساعدها على الاستفادة من المساعدات الفنية التي من شأنها إيجاد نظام تجاري يتماشى مع قواعد المنظمة، ناهيك عن أن العضوية أيضًا تساعد فلسطين على بناء القدرات اللازمة والحصول على المعرفة في مجال التجارة الدولية، وستجلب المنافسة إلى السوق المحلي من خلال رفع القدرة التنافسية للمنتجات وتحسين جودتها وتخفيض أسعارها، ويؤدي أيضاً إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي داخل فلسطين وبالتالي زيادة الإيرادات العامة لدولة فلسطين.
خاتمة:
تعتبر منطقة الأغوار الفلسطينية الرصيد الاستراتيجي لتنفيذ أي خطط تنموية لدولة فلسطين، وبدون الاستثمار في هذه المنطقة سيقود إلى تدمير الاقتصاد الفلسطيني ويقضي على إي فرصة لبناء اقتصاد وطني سيادي ومستقل ويبقى أدوات السيطرة الاقتصادية بيد “إسرائيل” وسيظل تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية بعيد المنال، لا سيما وأن الدول التي تسعى إلى النهوض باقتصادها وتحقيق تنمية اقتصادية تستطيع ذلك بما تمتك من أرض وموارد.
[1] . البابا، جمال، غور الأردن بين الأطماع الإسرائيلية والحق الفلسطيني، مجلة مركز التخطيط الفلسطيني، العدد 41، (غزة: مركز التخطيط الفلسطيني، 2014)، ص162.
[2] . معالي، زهران، الأغوار – حقائق على الأرض، (رام الله: وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية – وفا)، 30 نشر بتاريخ كانون ثاني 2020، في: https://bit.ly/2UHbDiJ.
[3] . البابا، جمال، مرجع سبق ذكره، ص162.
[4] . منظمة التحرير الفلسطينية، الأغوار – حقائق على الأرض، (رام الله: دائرة الدبلوماسية والسياسات العامة)، نشر بتاريخ 30 كانون الثاني 2020، في: https://bit.ly/3frXzBB.
[5] . لمزيد من التفاصيل حول مشروع آيلون، انظر: نحاس، فادي، إسرائيل والأغوار بين المفهوم الأمني واستراتيجيات الضم، (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، 2012).
[6] . معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس، ورقة خلفية لجلسة مستديرة (1)، الرؤية الأمريكية الإسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية: الأبعاد الاقتصادية والآثار المحتملة للتطبيق، (رام الله: ماس، شباط 2020)، ص2.
[7] . مركز رؤية للتنمية السياسية، الخيارات الفلسطينية في مواجهة خطة الضم الإسرائيلية، (إسطنبول: 15 أيار 2020)، ص3.
[8] . الأيديولوجيا (ideology) هي: العقيدة السياسية او الفكرية، وتعرف بأنها مجموعة منظمة من الافكار التي توضح وتتخيل منظر متماسك معين (comprehensive vision) من قضايا سياسية واقتصاديه واجتماعيه ودينيه وحاجات تتعلق بالإنسان في حياته او تتعلق من ناحية الفلسفة بما يؤمن الانسان به وما ينشره من فكر، ومن الأيديولوجيات المعروفة (الليبرالية والاشتراكية والشيوعية والقومية وغيرها من الأيديولوجيات.
[9] . عواودة، صلاح الدين، ضم الأراضي الفلسطينية: المواقف المختلفة من منظور إسرائيلي، (إسطنبول: مركز رؤية للتنمية السياسية، 2020)، ص3.
[10] . المرجع السابق، ص5.
[11] . هآرتس، بقلم سامي بيرتس – الضم سيخرب الاقتصاد، (عمان: مركز الناطور للدراسات والأبحاث)، نشر بتاريخ 10 حزيران 2020، في: https://bit.ly/2UDNE3R.
[12] . عواودة، صلاح الدين، مرجع سبق ذكره، ص3 – 4.
[13] . مصطفى، وليد، الموارد الطبيعية في فلسطين: محددات الاستغلال وآليات تعظيم الاستفادة، (رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، 2016)، ص110.
[14] . المناعمة، سمير، مخطط الضم الاسرائيلي: أبعاده ومخاطره وإمكانيات مواجهته، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية)، نشر بتاريخ 15 حزيران 2020، في: https://bit.ly/3d7XHEz.
[15] . البنك الدولي، الضفة الغربية وقطاع غزة والمنطقة “ج” ومستقبل الاقتصاد الفلسطيني، (البنك الدولي، تشرين الأول 2013)، ص3.
[16] . مصطفى، وليد، الموارد، ص26.
[17] . البنك الدولي، الضفة، ص4.
[18] . شبيطة، ريما، ورقة تحليل سياسات: نحو سياسات لتعزيز التنمية في المناطق “ج”، (رام الله، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات – مسارات، أيار 2018)، ص11.
[19] . البنك الدولي، الضفة، ص3.
[20] . مصطفى، وليد، الموارد، ص33.
[21] . معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس، ورقة خلفية، ص7.
[22] . عمر، إكرام، الواقع الاقتصادي للمناطق المسماة “ج”: السياسات والإمكانيات، (رام الله: مركز الأبحاث الفلسطيني)، شوهد بتاريخ 18 حزيران 2020، في: https://bit.ly/2UUCiZu.
[23] . حمد، عائشة، السياسات الإسرائيلية في المناطق المصنفة “ج”: معيقات التنمية فيها وتدخلات الحكومة الفلسطينية في مواجهتها “خطط وتحديات”، (رام الله: سلسلة تقارير خاصة رقم (85)، الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، 2016)، ص17.