يعد المشروع النيجيري الجزائري المعروف بتسمية “نيغال” من أهم المشاريع الهيكلية في قطاع الطاقة في إفريقيا، وقد شرع في إجراءات تجسيده بعد التوقيع على مذكرة تفاهم بين سوناطراك والشركة الوطنية النيجيرية للنفط في جانفي 2002، ثم تطور المشروع مع التوقيع في 2005 مع مجموعة “بانسبان” للقيام بدراسة جدوى وافية، وأعيد تجديد مذكرة التفاهم التي انضمت إليها النيجر في أبوجا سنة 2009، إلا أن التغيرات التي حصلت في الجزائر ونيجيريا أوقفت المشروع، وتم إعادة بعثه في 2011.
وتوالت مبادرات إحيائه، على غرار ما تم في ديسمبر 2019، إلا أن العامل المالي بالخصوص شكل عنصرا كابحا لمشروع هيكلي كان يراد أن يمثل نموذجا لشراكة إفريقية مدمجة تتضمن أيضا شبكة الطرق من خلال الطريق العابر للصحراء وشبكة الألياف البصرية.
ويمتد الأنبوب الغازي الذي عكفت كل من أبوجا والجزائر على إقامته لأكثر من 4128 كلم، أكبر جزء منه في الجزائر بـ2310 كلم، مقابل 1037 كلم في نيجيريا، والباقي في النيجر، وسعت الجزائر بمساعدة النيجر إلى القيام بالجوانب التقنية والدراسات المتعلقة بالجزء الخاص بها.
وقدّرت قيمة المشروع الذي تمتلك سوناطراك فيه حصة 45% مقابل 45% للشركة البترولية النيجيرية، و10% لشركة النيجر، بحوالي 20 مليار دولار و30 مليار دولار بالقيمة التقديرية المحينة، وكان منتظرا أن توفر الجزائر ونيجيريا بالخصوص جزءا منها، مقابل مساهمة عدد من المنظمات الإقليمية مثل البنك الإفريقي للتنمية والبنك العربي للتنمية، فضلا عن مساهمة شركات دولية أبدت اهتماما مثل “غازبروم” الروسية و“توتال” الفرنسية، إلا أنها لم تجسد وعودها، ما دفع البلدان المعنية إلى الاستناد إلى موارد خاصة، بعد إتمام الدراسات.
وبرز عدم تجسيد الوعود، لاسيما الأوروبية، بإدراج المشروع النيجيري الجزائري ضمن الأولويات، وعدم تمكن الجزائر ونيجيريا من إقناع البلدان الأوروبية بأهمية المساهمة في أحد أهم المشاريع المهيكلة في إفريقيا، الذي كان يمكنه أن يمول الدول الأوروبية بكميات تتراوح ما بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري، الذي يمر عبر النيجر ثم الجزائر، فإسبانيا.
ويضاف إلى ذلك المشكلات التي عرفها مجمع سوناطراك، التي عطلت العديد من مشاريعها في الخارج، وهي العوامل التي أدت إلى تأجيل متواصل للمشروع الغازي الضخم الرابط بين نيجيريا والجزائر، والمعروف بالأنبوب العابر للصحراء “نيغال” الذي يمتد على طول 4300 كم، على امتداد سنوات 2010 و2020 .
توجهات لإحياء المشروع
وبرزت مؤشرات لتوجه أبوجا والجزائر لإعادة بعث المشروع الاستراتيجي. ففي ديسمبر 2019 مثلا، أعلن الرئيس محمدو بوحاري على هامش قمة منتدى الدول المصدرة للغاز بعاصمة غينيا الاستوائية، أن الحكومة الفدرالية النيجيرية ستشرع في إقامة أنبوب الغاز الرابط بين “أجاوكوتا وكادونا وكانو” المعروف اختصار بـ “أي أي كا”.
هذا المشروع يفتح الباب لتجسيد مشروع أنبوب غاز غرب إفريقيا على امتداد 600 كلم، ويشكل المحطة الأولى لأنبوب الغاز العابر لنيجيريا “تي أن جي بي” التي يسمح بربط مناطق الشرق والغرب بالشمال .
وأكد الرئيس النيجيري على أن المشروع يتيح توسيع شبكة أنابيب الغاز من الصحراء إلى الجزائر، وهي المرحلة التي تبقى مطروحة، حيث شدد على أن هناك وعيا بالعجز الطاقوي في البلدان النامية، لاسيما إفريقيا، حيث تواجه نحو 600 مليون شخص مشكل الوصول إلى الطاقة العصرية.
وجاء تصريح الرئيس النيجيري ليعيد بعث المشروع المتعثر الذي كان مدرجا في نطاق مشاريع “النيباد”، وقد سبق في 2017 أن أكدت نيجيريا على لسان المدير العام للشركة النيجيرية للبترول “أن أن بي سي” مايكانتي بارو التزام أبوجا لإقامة مشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والجزائر لتصدير الغاز إلى أوروبا، والمعروف تحت تسمية نيغال، وأشار المسؤول النيجيري التزام أبوجا بالمشروع لدى استقباله لمنشقة برنامج “نيباد نيجيريا برانساس غلوريا أكوبندو”، حيث تم التأكيد على الالتزام على تجسيد المشروع المقدر تكلفته بـ 12 مليار دولار، معتبرا بأن المشروع يسير في الطريق السليم. وتوقع المسؤول النيجيري بأن المشروع سيكون عمليا في غضون 2020، مؤكدا أن الحكومة النيجيرية الفدرالية رصدت 400 مليون دولار لإطلاقه، و450 مليون دولار جندت من 2014 على شكل سندات أورو، مذكرا بأن أنبوب غاز بسعة 48 بوصة بصدد الانجاز ويربط بين كالابار بولاية كروس رايفر بمحاذاة ولاية دلتا ليربط ولاية كانو شمال نيجيريا، كمقدمة لتجسيد المشروع الذي وإن تعثر يبقى قائما، وإن واجه إشكال تجنيد الموارد المالية الضرورية لتحقيقه.
وجاءت التصريحات النيجيرية لتبعد الجدل القائم على خلفية إعلان المغرب اتفاقا لانجاز مشروع أنبوب غاز موازي، علما أن مشروع “نيغال” الذي اعتمد في إطار مبادرة نيباد بين الجزائر ونيجيريا، عرف أولى مبادراته مع اتفاقيات بين سوناطراك والشركة النيجيرية للبترول “أن أن بي سي”.
وباستثناء القرار النيجيري تخصيص غلاف مالي بـ 400 مليون دولار بداية السنة الحالية، وإبداء بوركينا فاسو ومالي نيتهما الانضمام إلى المشروع للاستفادة من الطاقة، علما أن مسار الأنبوب المعتمد يمتد من “كالابار” بنيجيريا باتجاه النيجر، ثم إلى الجزائر حيث سيمر أساسا على حاسي الرمل، ليأخذ نفس مسار الأنبوب الجزائري الإسباني عبر بني صاف وألميريا الإسبانية.
وفي جوان 2020، أعلنت فيمي اديسينا مستشارة الرئيس النيجري محمدو بوحاري، إذ أكدت على مباشرة الأشغال في الجزء النيجيري على مسار أجاوكوتا وكادونا وكانو الواقعة شمال البلاد بداية من 30 جانفي الجاري.
وقدر المشروع بـ2.8 مليار دولار، لنقل الغاز عبر نيجيريا من الجنوب إلى الشمال، ليتم في مستوى ثان توسيع الأنبوب إلى الجزائر عبر النيجر، وكان المشروع قد عرف العديد من العقبات، خاصة في شقه المالي، حيث قدرت تكلفته الإجمالية المحينة بنحو 30 مليار دولار.
وشهدت الأشهر الماضية تفاعلا جديدا، ففي نوفمبر 2020، بحث وزير الخارجية السابق صبري بوقادوم إحياء مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء بين الجزائر وأبوجا مع نظيره النيجيري جيفري أونياما. وفي نهاية أوت الماضي، أكد وزير الطاقة محمد عرقاب رغبة الجانب الجزائري في رؤية نيجيريا تصدق على الاتفاق الحكومي المشترك المتعلق بمشروع خط أنبوب الغاز العابر للصحراء الموقع عام 2009 بأبوجا، موازاة مع زيارة وفد نيجيري للجزائر برئاسة مديرة المعهد الوطني للدراسات السياسية والإستراتيجية النيجيري، البروفيسور فونمي بارا مالام، وأخيرا إعلان الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك الوطنية الجزائرية توفيق حكار، انتهاء الدراسات التقنية الخاصة بمشروع خط الغاز الجزائري النيجيري لتموين أوروبا.