كثيرا ما يُثار جدل واسع النطاق بين صناع القرار حول إمكانية خلق مجالات تعاونية بين الوحدات السياسية في ظل المصالح المتناقضة فيما بينها. وكما هو الحال بين الولايات المتحدة والصين؛ فعلى الرغم من الاختلاف والتناقض في المصالح، إلا أن هناك العديد من الأسباب والمؤشرات التي يمكن أن تؤذي إلى التعاون والحوار. فالولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن هناك تراجعا على مستوى العديد من المؤشرات في موارد قوتها الشاملة، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، بالإضافة إلى تراجع وضعها الدولي، في ظل بروز أقطاب دولية جديدة بتعاظم دورها باستمرار. كما أن الصين تدرك أنها في مرحلة النمو والصعود؛ وللحفاظ على هذا الوضع لابد من انتهاج سياسة الصعود السلمي بمعنى عدم الدخول في مواجهة مع قوى الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن الدخول في صراع معها يؤدي إلى تعطيل مسيرة الإقلاع والتنمية الاقتصادية في الصين، وبالتالي تهديد بروزها كقوة صاعدة. وعلى هذا الأساس تنتهج الصين سياسة المواجهة الهادئة، ومحاولة تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية أساسا ومع باقي دول العالم، خاصة دول الجوار الآسيوي التي لها عداء تقليدي للصين، أبرزها اليابان والهند، والعمل على الدخول في تكتلات ذات طبيعة اقتصادية تهدف من خلالها لتعزيز نموها وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية[1].
فمنذ الأزمة الاقتصادية العالمية 2008-2009، ركّزت الولايات المتحدة على تنشيط اقتصادها وإعادة هيكلته من تداعيات الأزمة، وذلك عن طريق زيادة فرص العمل، وتحسين القدرة التنافسية الاقتصادية في العالم، كما تواصل في الوقت ذاته الإبقاء على علاقات صينية أمريكية مستقرة لن تساعد في حل المشاكل المحلية فحسب، ولكنها تشكل أيضاً أحد الشروط الأساسية لتركيز الإدارة الأمريكية على إعادة الإعمار داخليا وإعادة التكيف خارجيا، وذلك من أجل تحقيق توافق في الرؤى واستغلال الفرص لتعزيز علاقة مستقرة بينهما. وعلى أساس ذلك يتوجب على الصين، معالجة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، والحفاظ على التوازن بين إدارة الفرص والتوقعات المنطقية[2].
وإضافة إلى ما سبق، فهناك أهداف تسعى كل من الصين والولايات المتحدة إلى تحقيقها من خلال التعاون، ويتضح ذلك من خلال إقامة شراكة بينهما موجهة للقرن الواحد والعشرين، أبرز هذه الأهداف مواجهة التحديات التي تفرزها البيئة الدولية، بحيث أنه لا يمكن لا للصين ولا للولايات المتحدة، ولا أي طرف دولي آخر مواجهتها بشكل منفرد دون التنسيق مع باقي أطراف المجتمع الدولي، خاصة في ظل تعاظم العولمة الاقتصادية، وتزايد التهديدات الأمنية [3].
وهذا ما أكده عالم السياسة الأمريكي “جوزيف ناي “عن النظام الدولي ومستوياته، حيث يقول: إن السياسة الدولية اليوم تشبه لعبة الشطرنج ذات الثلاثة أبعاد، فعلى المستوى الأعلى القائم على القوة العسكرية، فالنظام أحادي القوة unipolar، ولكن على المستوى المتوسط المرتبط بالعلاقات الاقتصادية بين الدول، فإن العالم متعدد الأقطاب, Multipolar. حيث تتصاعد قوى اقتصادية في مختلف مناطق العالم، مقابل تآكل القوة الاقتصادية للولايات المتحدة ولكن على مستوى العلاقات عبر القومية، فإن القوة موزعة بشكل فوضوي[4].
وإذا ما ركزنا على تصريحات لعدد من الشخصيات الأمريكية التي ساهمت في عملية التحول في العلاقات بين البلدين مثل “جيمي كارتر”، “هنري كيسنجر”، ” زيجينيو بريجنسكي”. فإنه ثمة شيء يحيل على رغبة أو ضرورة أمريكا في خلق علاقة التعاون بين البلدين بدل الصدام. فمثلا جيمي كارتر اعتبر ” أن التحول الذي حدث في الصين كان كبيرا، وأنه يمكن القول أنه لا توجد علاقات دبلوماسية في العالم أهم من تلك العلاقات التي تنمو بين الصين والولايات المتحدة، أما “زبجينيو بريجنسكي”، فقد وصف العلاقات الصينية-الأمريكية، بأنها اعتماد متبادل معقد “complexe interdépendance” وأن الأمريكيين الذين يتعاملون مع السياسة الخارجية يقدرون حقيقة أن التفكير الاستراتيجي الصيني للعالم قد تحول من تبني معتقدات الصراع العالمي والثورات العنيفة إلى تأكيد الصعود السلمي في العالم، مناشدين عالما متجانسا Harmonious world؛ ولذلك فإن البلدين بحاجة إلى توسيع وتعميق تعاون جيو-استراتيجي بالإضافة إلى الحاجة الفورية لتعاون أكثر قربا للتكيف مع مضاعفات الأزمة الاقتصادية العالمية. كما أن الولايات المتحدة تحتاج إلى الصين كمشارك مباشر في الحوار مع إيران، فالصين نفسها سوف تتأثر، سواء انتهت المفاوضات بحل سلمي أو انتهت بالفشل. كما أن التشاور الصيني بخصوص الهند وباكستان من المحتمل أن يؤدي، حتى ولو بطريقة غير رسمية، إلى وساطة أكثر تأثيرا[5].
ولابد أيضا أن يطور البلدان رؤية مشتركة حول كيفية التكيف مع المخاطر العالمية، بالإضافة إلى إمكانية اتخاذ مواقف أكثر قوة عن طريق الانتشار الطارئ لقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في حال حدوث فشل خطير للمؤسسات والنظم في الدول الفاشلة.
كما رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن تطبيع علاقاتها مع الصين وتطويرها سوف يساعد في تنسيق الجهود لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل، فضلا عن التنسيق في مكافحة الجريمة وتهريب المخدرات وحماية البيئة، وبنظرة واقعية إلى مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية يمكن تحديد اتجاهين لطبيعة العلاقة المستقبلية فيما بينهما، حيث يتجسد الاتجاه الأول بعنصر العداء (الاحتواء containment) المدعوم من قبل المجمع الصناعي الأمريكي الذي يبحث عن عدو يتيح له الاستمرار في سباق التسلح والميزانيات العسكرية الضخمة. أما الاتجاه الثاني فيتمثل بعنصر التعاون (المشاركة partnership) والذي يؤكد على أن تعميق روابط العلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة هو الطريق الأمثل لمعالجة القضايا المختلف عليها بين البلدين، وضرورة من ضرورات الشراكة المتبادلة والشاملة في العلاقات الثنائية بين البلدين[6].
وكان “بريجنسكي” قد دعا البلدين إلى أن يناقشا كيف يمكن لمبادرة دولية أن تبني عالما خاليا من الأسلحة النووية، وأن تساعد في إيقاف انتشار هذه الأسلحة، وإلى التعاون الوثيق في توسيع مجموعة الثمانية لتشمل أربعة عشرة أو ستة عشرة دولة من أجل توسيع دائرة صانعي القرار في العالم، ولتطوير رد أكثر شمولا للأزمات الاقتصادية والسياسية وإلا، فإن العالم سيواجه أزمة كبرى تتعلق بالاستقرار السياسي العالمي[7].
أما “هنري كيسنجر”، فقد تذكر من جانبه كيف أنه خلال زيارته مع “نيكسون” للصين عام1972 أن المحادثات آنذاك تركزت على النظام الدولي، والعلاقة طويلة الأجل بين الصين و الولايات المتحدة وأنه منذ ذلك الحين، ظهرت الصين كأحد الفاعلين الأساسيين الرئيسيين على الساحة الدولية، خاصة مع انتقال مركز التفاعلات الدولية، من الأطلسي للهادي، ومن ثم للمحيط الهندي.
ويشير “هنري كيسنجر” إلى أنه في إطار كل هذه التحولات، فإن هناك العديد من المشكلات التي لم يسبق لأحد التعامل معها، مثل مخاطر الانتشار النووي، والتغير المناخي والبيئة، وقد انعكس ذلك على العلاقات الصينية-الأمريكية، التي كان محورها الأساسي الأمن، حيث انتقلت إلى مرحلة جديدة، ويؤكد “كيسنجر” ما قاله “بريجنسكي”، من أن التعاون الوثيق بين الصين والولايات المتحدة هو أمر ضروري، فهناك حاجة لتشكيل تعاون وتحالف أطلنطي- باسيفيكي، لأن تفكيك العالم لوحدات إقليمية سيؤدي إلى نتائج خطيرة، وخلال الثلاثين عاما القادمة، ستكون العلاقات الصينية-الأمريكية عنصرا مهما لإعادة تشكيل العالم.
أما بالنسبة للصين، فقد أكد le-chaoxing وزير خارجية الصين في السابق، على حاجة كل من الصين و الولايات المتحدة الأميركية للتعاون الثنائي في كافة المجالات، ويمكن تحديد مدى حاجة الصين لتطوير واستمرار التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية و ذلك من خلال تركيزه على استعراض العلاقات الثنائية بين الطرفين، فقد وصف العلاقات بأنها حيوية عظيمة، وأفق واسع، وأن الصين والولايات المتحدة الأميركية شريكان متعاونان، تمتلكان 60 آلية للحوار، و أكثر من 30 اتفاقية للتعاون بين الحكومتين. فالعلاقات تتسع منذ مطلع التسعينات، والتبادلات الثنائية في الميادين الاقتصادية والثقافية أخذت تربط الدولتين بصورة أوسع وأعمق من تلك الروابط التي كانت قائمة على المصالح الإستراتيجية الأمنية، وقد أدى ثقل توجهات القادة السياسيين في كلا البلدين إلى تعميق العلاقات الصينية الأمريكية، فالإدارة الأمريكية بحاجة إلى علاقة صينية-أمريكية قوية كعنصر للاستقرار في إقليمي آسيا والمحيط الهادي[8].
كما أنه على الإدارة الأمريكية أن تستخدم مركزها القوي وتأثيرها لبناء أساس متين للعلاقات الأمريكية- الصينية، وتشكيل هذه العلاقة بما يخدم المصالح الأمريكية ويحافظ على وضعها على رأس النظام الدولي. من خلال تبني سياسات لتحجيم دور الصين من حيث سعي هذه الأخيرة لبناء وتشكيل نظام متعدد الأقطاب، وإعطاء دور أكبر لمبادئ وأهداف القانون الدولي في إطار الأمم المتحدة، وتبني سياسات تحقق أهداف ومصالح الولايات المتحدة الأميركية، و بتشجيع السلوكيات والسياسات الصينية التي لا تتعارض مع إستراتيجيات ومصالح الولايات المتحدة الأميركية وتخلق لها حوافز على أن تلازمها أداة ضغط تضغط بها على الصين كلما تطلب الأمر[9].
صحيح أن الصين دائما ما تؤكد على أن صعودها سلمي وهذا بالفعل إلى حد ما؛ كما أنها تعي (أي الصين) أن مواصلة صعودها رهين بتجنب ما قد ينغص علاقتها مع أمريكا، تملصا من أي مواجهة من أجل ضمان استمرار صعودها وذلك عن طريق تطوير التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، لأن التعاون يمثل لها صمام أمان لعدم أو تأخير المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية.
ثم إن الدولتين تدرك الواحدة منها أهداف ونوايا الأخرى إلا أنهما مضطرتان للوصول إلى وضع دولي معين يخدم مصلحة الطرفين، فثمة قضايا مشتركة يتوجب التعامل المشترك على هاته القضايا التي يحققان منها أهدافا مشتركة وليس فيها طرف خاسر وآخر منتصر، وأنه من الضروري التعاون المستقبلي في القضايا الدولية كالتنمية الاقتصادية والحقوق الفكرية والتجسس الإليكتروني، وقضايا الإرهاب، قضايا الأمن والاستقرار، والانتشار النووي[10].
ومن خلال ذلك، يمكن ترجيح خيار التعاون والشراكة في العلاقات نظرا لحجم وطبيعة المصالح الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ولطبيعة التفاعلات الاقتصادية العالمية التي تتجه نحو عولمة اقتصاد السوق، فضلا عن حاجة كل طرف للطرف الآخر في بعض القضايا التي تحظى بالاهتمام المشترك سواء كانت إقليمية أو دولية. كما أن الصين قد أدركت طبيعة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن التحول نحو اقتصاد السوق، وطبيعة التعامل مع مشكلة تايوان كونها تتعلق بالأمن القومي الصيني، إضافة إلى التنافس مع اليابان في قارة آسيا[11].
أولا: التعاون الاقتصادي الأمريكي- الصيني
إن الجانب الاقتصادي أكثر انسجاما وتوافقا وضمانا لمجرى العلاقات بين الدول في أشد الفترات تأزما، بل في بعض الأحيان يخفف من الصراعات والنزاعات. ومع ذلك تظل العلاقة الاقتصادية تتميز بالديناميكية والتغيير المستمر، ما يجعل من هذا التعاون تعاونا مرتبط معقدا، وللبلدين المصلحة في استمراره رغم الاستفادة المتفاوتة في هذا الجانب، بل تتجنب الدولتان فك الارتباط رغم بعض الأزمات التي قد تعترض استمرار العلاقات الاقتصادية بينهما، على سبيل المثال، فترة ترامب الذي كثيرا ما هدد الصين بفرض عقوبات تجارية عليها، وأنها تجارة غير عادلة إلا أنه لم يقطع هذه العلاقة بل كانت وستظل الرابط البارز والجامع للبلدين رغم احتمالية الأزمات التي قد تنشب مستقبلا. فالولايات المتحدة قوة اقتصادية لا تنقصها المؤهلات المالية النقدية والتقنية والديمغرافية المناسبة، غير أنها تعاني التآكل المستمر في قدرتها التنافسية، وصار الاقتصاد يأخذ وزنا مضافا في علاقاتها الخارجية، ولا يخرج عن ذلك العلاقة مع الصين، فالحاجة إلى الدفع بواقع الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم تعزيز المكانة الكلية للولايات المتحدة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، صارت توجه سياساتها نحو تعزيز أواصر التعاون مع الصين[12].
و على هذا الأساس سبق وتوافقت القوتان الاقتصاديتان الأوليان في العالم الصين والولايات المتحدة خلال الحوار الإستراتيجي والاقتصادي الثالث سنة 2011 على تجنبهما أي مواجهة حول الموضوعات الخلافية في المجال الاقتصادي، إلى إطار شامل أمريكي/ صيني، لتشجيع نمو وتعاون اقتصاديين متينين ومستديمين ومتوازيين[13].
وتعهدت الولايات المتحدة بمنح معاملة متساوية للصين في إصلاح نظام الرقابة على الصادرات وتخفيف القيود على تصدير منتجات التكنولوجيا العالمية إلى الصين، وتعهدت بالاعتراف بوضع اقتصاد السوق الصيني بشكل سريع وشامل بطريقة تعاونية من خلال لجنة التجارة المشتركة الصينية-الأمريكية، وأن يعمل الجانبان على مواصلة دفع المفاوضات حول الاتفاقيات الثنائية لحماية الاستثمارات، ومعارضة الجانبين للحمائية التجارية والاستثمارية. وتعزيز التعاون بشأن حماية الملكية الفكرية والفضاء الإلكتروني من التجسس الإلكتروني. وعلى الصين أن تلتزم بالاتفاقية التجارية لحقوق الملكية الفكرية التابعة لمنظمة التجارة العالمية، التي تحظُر على الدول سرقة الملكية الفكرية بما فيها سرقة بيانات الملكية التجارية[14].
لكن الإشكالية التي قد تواجه العلاقة بين البلدين هو أن ما يشكل الأمن القومي للصين قد لا تراه الولايات المتحدة كذلك بالضرورة. فمثلا: حينما مارست الصين التجسس الإلكتروني ضد جريدة نيويورك تايمز New York Times لقيام أحد الصحفيين بها بكتابة مقال عن عائلة رئيس الوزراء السابق وين جياباو Wen Jiabao وجمعها لثروة هائلة غير معلومة المصدر. بالنسبة لدولة تخشى الغضب الشعبي بسبب فساد المسؤولين، قد تشكل هذه الاتهامات تهديدا للأمن القومي، لكن بالنسبة للولايات المتحدة وحسب التعديل الأول من الدستور لا يعد هذا الأمر قضية أمن قومي.
صفوة القول، على الولايات المتحدة والصين أن تعيا أن كلا منهما سيكون أفضل حالاً إذا لم يشرع أي منهما في التجسس الإلكتروني ذي الدوافع الاقتصادية. إذ لن تضطر أي دولة حينها للإنفاق الكبير على الدفاع الإلكتروني، وستكون عوائد الجهود المبذولة لإنتاج الملكيات الفكرية أكبر، لأن الطرفين سيحصلان على ملكيات خاصة لما قاما بإنتاجه[15].
وعلى البلدين أن يرفعا من مستوى الثقة بينهما لتعميق التعاون وإقامة شراكة استراتيجية لتحسين فرص الاستثمار وتخفيض القيود عن نقل التكنولوجيا، بما يسمح بتدفق المزيد من رؤوس الأموال الموجهة نحو الاستثمار. والعمل على حل الخلافات التجارية، أهمها زيادة الصين لوارداتها من الولايات المتحدة الأميركية للتخفيف من الفارق في المبادلات التجارية أي التقليل من حدة عجز الميزان التجاري الأمريكي أمام الصين، والعمل على رفع قيمة عملتها “اليوان” من حيث سعر الصرف وتشجيع الاستهلاك المحلي في الصين، لأن خفض قيمة العملة الصينية يؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الصيني، خاصة التجارة الخارجية، وهو ما يساهم من جهة أخرى في إضعاف القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي[16].
وبالتالي تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي المشترك القائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، وتعزيز الثقة الإستراتيجية المتبادلة، وعلى الولايات المتحدة أن تتقبل وتعترف بالصين القوية وأن تفسح لها المجال للقيام بدور أكبر في الشؤون الدولية وأن تحترم المصالح الجوهرية والقضايا الحساسة للصين.
ثم إن الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الصيني أصبحا عالقين في اعتمادهما المتبادل على بعضهما البعض، حيث إن الاقتصاد الأمريكي اقتصاد استهلاكي للمنتجات الصينية، ويقوم الاقتصاد الصيني بدور الممول للولايات المتحدة والمستثمر الرئيسي في اقتصادها. ولذلك ليس بإمكان أي منهما أن ينفك بسهولة عن الآخر، ومن ثم لابد من اتفاق البلدين على اتخاذ إجراءات فعالة تحد من التوترات التجارية والاقتصادية بينهما، وأن يعملا معا لتحقيق نمو اقتصادي عالمي أكثر استدامة واتزانا[17].
ثانيا: مكافحة الإرهاب، و قضايا الأمن والاستقرار.
تعتبر ظاهرة الإرهاب الدولي من أهم الظواهر التي برزت مع مطلع القرن 21، خاصة بعد أحداث، 2001/09/11 في الولايات المتحدة، إذ عملت الصين على التأكد بأنها تقف إلى جانب الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، والسبب أن الإرهاب هو ظاهرة تستهدف الأمن العالمي، وبالتالي فرصة لتعميق التعاون وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وزادت إشكالية الإرهاب الدولي من التقارب الأمني والعسكري بين البلدين، بحيث يستخدمان مصطلح الإرهاب لتحقيق غايات ومصالح إستراتيجية، فتأييد الصين للولايات المتحدة هو ضمان تأييد الولايات المتحدة للصين في محاربة هذه الأخيرة للإرهاب حسب مفهومها، والإرهاب في الصين حسب سياستها دائما يتمثل في الأقليات الانفصالية في تركستان الشرقية، أي إقليم سينكيانغ و الأقليات الدينية كالإيغور، حيث تقوم الصين بقمع هذه الحركات والجماعات باسم مكافحة الإرهاب.
وفيما يخص الأسس القانونية التي يقوم عليها تجريم الأعمال الإرهابية فهي كالتالي: قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، الصكوك العالمية، الصكوك الإقليمية، التشريعات الوطنية.
- قرارات مجلس الأمن ذات الصلة: تعتبر قراراتها ذات قوة ملزمة قانونيا و تعلو على أيِّ التزام دولي سواه. أما الصكوك العالمية، بحكم طبيعتها، نطاق جغرافي أوسع مدى مما للصكوك الإقليمية أو الوطنية، لغرض التجريم والتعاون في المسائل الجنائية. فعلاوة على كون الأخيرة ذات مجال تطبيقي كثيرا ما يكون محدودا جغرافيا، فمن المهم أن لا تكون متضاربة مع الصكوك العالمية التي تغطي مجموع مظاهر الأعمال الإرهابية وتوفر نظاما قانونيا خاصا بمكافحة الإرهاب باعتباره تهديدا للسلام. فالإرهاب فعل إجرامي يمسُّ المجتمع الدولي كافة، والتهديد دولي في نطاقه، ومن ثمَّ فإنَّ الرد ينبغي أن يكون عالميَّ النطاق. وقرار مجلس الأمن 1373 (2001) هو، بهذا المعنى، نص قانوني ذو نطاق عام، وليس محدوداً زمنيا ولا جغرافيا [18].
- الصكوك العالمية تُعرَّف العناصر التي تُشكّل أعمالا إرهابية ضمن المعاهدات والبروتوكولات القطاعية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، المسماة أسفله بالصكوك العالمية. وعدد تلك الصكوك العالمية. كما و تفرض تجريم عدد من الأفعال الإجرامية ضمن ما تشمله من المواد. ولهذا الغرض، فهي تحدد أنواع السلوك التي تدخل ضمن الأعمال الإرهابية[19].
- الأركان القانونية للتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب: وذلك بتحديد الأركان القانونية المشتركة المؤسسة لتعاون قانون دولي مهما كان الشكل الذي يتخذه مساعدة قانونية متبادلة، تسليم للمجرمين أو أي شكل آخر من أشكال التعاون في مكافحة الإرهاب[20].
وذلك بهدف النهوض بتطوير العلاقات غير الرسمية، المباشرة والتلقائية والمبادلات الرامية إلى تنسيق التحقيقات والملاحقات وتقاسم المعلومات؛ تبسيط الإجراءات للتعجيل بالتعاون الدولي وجعله فعّالا.
أما عن أدوات تبادل المساعدة القانونية فتشمل: الحصول على أدلة أو أقوال من الأشخاص، تبليغ المستندات القضائية، تنفيذ عمليات التفتيش والضبط والتجميد، فحص الأشياء والمواقع، تقديم المعلومات والأدلة والتقييمات التي يقوم بها الخبراء، التعرف على عائدات الجرائم أو الممتلكات أو الأدوات أو الأشياء الأخرى أو اقتفاء أثرها لأغراض الحصول على أدلة؛ تيسير مثول الأشخاص طواعية في الدولة الطرف الطالبة؛ نقل الأشخاص المحتجزين أو المحكوم عليهم لديها مؤقتا ) بصفتهم شهودا (لأغراض الحصول على أدلة، الكشف عن السجلات الجنائية، أي نوع آخر من المساعدة لا يتعارض مع القانون الداخلي للدولة (على سبيل المثال التقنيات الخاصة بالتحقيقات أو جمع الأدلة بطريقة غير تقليدية[21]، وكذا طلب تبادل المساعدة والقيام بتحقيقات مشتركة. والعمل على مكافحة تمويل الإرهاب: تحديد الهوية، عمليات التعقب، التجميد والحجز، والضبط والمصادرة.
وفيما يخص استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب:
فإنها تؤكد على أن الأعمال والأساليب والممارسات الإرهابية بجميع أشكالها ومظاهرها أنشطة تهدف إلى تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية، وتهدد السلامة الإقليمية للدول وأمنها، وتزعزع استقرار الحكومات المشكلة بصورة مشروعة، وأنه ينبغي للمجتمع الدولي أن يتخذ الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون من أجل منع الإرهاب ومكافحته، وإذ تؤكد من جديد أيضا أنه لا يجوز ولا ينبغي ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية[22].
وعملت على اتخاذ التدابير التالية لمنع الإرهاب ومكافحته، ولا سيما عن طريق حرمان الإرهابيين من الوصول إلى الوسائل التي تمكنهم من شن اعتداءاتهم، ومن بلوغ أهدافهم وتحقيق الأثر المتوخى من اعتداءاتهم.
ومن كل ذلك، على كل من الصين و الولايات المتحدة الإصرار على مناقشة استراتيجيات شاملة ضدّ التطرّف. ويجب على مسؤولي الدفاع والدبلوماسيين الأميركيين الانخراط في محادثات خاصة متواصلة مع الحلفاء الصينيين، بشأن الخطوات السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية التي تتّخذها تلك الحكومات لمعالجة أسباب التطرّف. ويجب أن يفصح المسؤولون الأميركيون، ضمناً وعلناً، عندما يرون أن هذه الخطوات إما غير كافية أو مضلّلة.
كما يجب أن تشارك هيئات حكومية أميركية متعدّدة في هذا الجهد، على الرغم من أنه يتعين على وزارة الدفاع الأميركية، ولاسيما قيادة العمليات الخاصة الأميركية، أن تلعب دوراً مركزياً بسبب مسؤولياتها الواسعة في مجال مكافحة الإرهاب. كما ينبغي أن يكون كل نشاط لوزارة الدفاع مع الشركاء الصينيين، سواء التدريبات أو مشاركة كبار الزعماء أو المساعدات الأمنية أو التبادلات[23].
لبناء شبكة تعزز وتوفر بيئة من الثقة بين الطرفين محاولة للتخفيف قدر الإمكان من حدة التنافس على شرعية التمثيل، وملكية المعلومات السرية، والقوة بين الدول ومؤسسات المجتمع المدني، خاصة بين أجهزة الأمن والأكاديميا، ووسائل الإعلام[24].
للعمل على الحیلولة دون تسلل أي تنظیم إرهابي إلى أراضيها للإقامة أو للإیواء أو تدریبها أو تمویلها، فضلا عن التعهد بعدم اتخاذ أراضيها مسرحا للتخطیط، أو تنفیذ الجرائم أو الشروع أو الاشتراك فیها. وتعزیز وتطوير الأنظمة المتصلة بالكشف عن نقل أو استيراد وتصدير وتخزين واستخدام الأسلحة والذخائر والمتفجرات وغیرها من الوسائل، و إجراءات مراقبتها عبر الجمارك لمنع انتقالها من دولة إلى أخرى.
وتعزیز الأنظمة المتصلة بإجرءات المراقبة وتأمین الحدود والمنافذ البریة والبحریة والجویة لمنع حالات التسلل فیها، والعمل على توفیر الأمن للشخصیات والبعثات الدیبلوماسیة، وكذا المنظمات الإقلیمیة والمنشآت الحیویة ووسائل النقل العام. و إنشاء وتحدیث قاعدة للبیانات والمعلومات للمتابعة ورصد الإرهابیین[25].
ولابد للبلدين العمل على تقديم معلومات حول النشاطات الإرهابية بشكل متبادل قائم على الشراكة الأمنية في محاربة الإرهاب، و إرسال الصين هي الأخرى ضباطا وجنودا للمشاركة في نشاطات الأمم المتحدة لحفظ السلام ومقاومة الإرهاب، فبحكم أن الصين دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، فعليها أن تسعى للمشاركة في الحل السلمي لمختلف المناطق التي تشهد نشاطات متعلقة بالإرهاب، وغيره من المصادر المزعزعة والمهددة للسلم والأمن والاستقرار الإقليمي والدولي؛ والعمل على دعم الديمقراطيات الناشئة، ذلك أن أبرز أسباب الإرهاب تفرزه البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إنه ناتج عما تعانيه بعض المناطق من استبداد سياسي وغياب الحرية وفشل اقتصادي ومشاكل اجتماعية وغيرها من المظالم، ومكافحته لابد أن تقوم على جمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة. وأن الرد المناسب لا يكون بشن حرب مستمرة على الإرهاب وإنما بسلسلة من الجهود الهادفة إلى تفكيك شبكات الإرهاب. وهذا ما صرح به أوباما ذات يوم قائلا “لا أستطيع أنا ولا أي رئيس غيري أن نتعهد بإلحاق الهزيمة الكاملة بالإرهاب. لن نستطيع محو الشر الكامن في قلوب البشر والقضاء على كل خطر محدق بمجتمعنا المنفتح. ولا انتصار على الإرهاب إلا بكسب معركة الإرادة ومعركة الأفكار”[26].
لذا على التعاون بين الولايات المتحدة والصين أن يكون متسقًا مع احترام حقوق الإنسان وحماية الحريات الأساسية للفرد، وإذا لم تتوفر هذه الضمانة الأساسية، فإن التدابير التي تتخذ قد تتعرض للانتقاد وقد تعجز عن اكتساب المشروعية، وهو أمر قد تستغله المنظمات الإجرامية [27].
وفي خضم الصراعات والنزاعات الداخلية والإقليمية والدولية التي يشهدها العالم في الوقت الراهن , ومع بروز الصين فمن الضروري أن تتحول إلى شريك أمني مع الولايات المتحدة بدل أن تكون خصما لها وبذلك تقتسم معها المسؤولية، وتخلق شراكة أمنية قوية تحقق الأمن العالمي، والعمل بشكل مشترك على رسم استراتيجية سياسة أمنية خاصة بهما من جديد.
صحيح أنه بقدر ما هنالك من مصالح أمنية مشتركة بقدر ما هنالك تناقضات جوهرية في مجال المصالح الأمنية بين الدولتين، إلا أنه على كليهما خلق آليات حوار ووسائل تمكنهما من تحقيق تقارب أكبر وخلق استراتيجية أمنية فعالة تحفظ الأمن العالمي.
ثم إن الصين تدرك أهمية التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة لذا دائما ما تؤكد على أن صعودها سلمي غير ساع إلى الهيمنة بل تتطلع للعب دور إيجابي ومسؤول اتجاه إقليمها والعالم. وذلك يساهم في تعزيز الثقة بين الدوليتين مما يحقق السلام والأمن الإقليمي والدولي.
ويظل التعاون الأمني والعسكري بين الصين والولايات المتحدة خيارا استراتيجيا للطرفين، من أجل تبديد المخاوف المتبادلة وبالخصوص سباق التسلح، والإنفاق العسكري. والدفع بالصين لأن تتحلى بالشفافية من حيث إنفاقها العسكري وبرامج التسلح[28].
ثالثا: الانتشار النووي
استطاعت الدولتان التأكيد على أهمية منع انتشار الأسلحة غير التقليدية لحماية السلام والأمن على المستويين الإقليمي والدولي، و أكدتا معا في بيان مشترك بتاريخ 19 يناير عام 2011 بواشنطن على الأهمية الكبرى للحفاظ على الأمن العالمي من خلال بناء عالم خال من الأسلحة النووية في نهاية المطاف، وضرورة تعزيز النظام الدولي لعدم الانتشار النووي لمعالجة تهديدات الانتشار النووي والإرهاب النووي، وفي هذا الصدد، أكد الجانبان على إدخال معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية إلى حيز التنفيذ في أبكر وقت ممكن.
وأكدت الصين والولايات المتحدة أن التعاون بينهما تعمق بعد قمة واشنطن للأمن النووي، وقد وقع الجانبان على مذكرة التفاهم بشأن إقامة مركز نموذجي للأمن النووي في الصين. لتحقيق عالم أكثر أمنا للجميع، لابد من إزالة خطر الحرب النووية وذلك عن طريق خفض الدول التي تملك ترسانة نووية ضخمة في أسلحتها النووية، من خلال تطوير خطة قابلة للتطبيق وطويلة الأجل، تشمل إجراءات مرحلية، قصد الحظر الكامل للأسلحة النووية مستقبلا[29].
وخلاصة القول، على الصين أن تتحمل إلى جانب الولايات المتحدة المسؤولية الدولية بمنع انتشار الأسلحة النووية ولعب دور إيجابي في حل بعض القضايا التي تتعلق بالسلم والأمن الدوليين، كملف كوريا الشمالية، وإيران، والتنسيق في محاربة الإرهاب، لذلك فارتباط الأمن الدوليين بينهما يتزايد باستمرار نظرا لارتباط المصالح الإستراتيجية بين البلدين، فالصين تهدف من التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة إلى الاستمرار في صعودها للوصول إلى الصين الكبرى، وحماية لمصالحها عبر العالم، وبالنسبة للولايات المتحدة فإنها تدرك نمو القدرة الشاملة للصين خاصة العسكرية منها، وبالتالي فالتعاون مع الصين يساهم في دمج الصين في منظومة الأمن العالمي، وحماية المصالح الأمريكية في آسيا من خلال التوافق الأمني [30].
وثمة محفزات أخرى تشجع التعاون بين البلدين وهي كثيرة لعل أبرزها التعاون الاقتصادي، بجانب التنسيق بينهم في إدارة منطقة المحيط الهادي التي تشكل مركز الجاذبية للشئون الدولية بدلا من المحيط الأطلنطي. كما أن هناك العديد من القضايا التي تحتاج للتنسيق من الجانبين كالتغيرات المناخية و محاربة انتشار الأصولية الإسلامية، كما أن اتجاه الصين إلى الليبرالية الاقتصادية قد يؤدي إلى الليبرالية السياسية. ويرى أنصار هذا الاتجاه أن الصين لا تسعى إلى تحدي النظام الدولي القائم، ولكنها فقط تسعى لأن يكون لها وجود في الساحة الدولية، لذلك يجب على القوى الكبرى أن تستوعب القوى الصاعدة في المنظمات الدولية وتشركها في الحوار حول القضايا الكبرى بدلا من الصدام معها. وهذه هي غاية الولايات المتحدة من التعاون أو الإشراك بمعنى محاولة دمج الجمهورية الصين الشعبية سلميا في النظام الدولي.
إن سلوك الصين الخارجي سوف يتشكل إلى درجة كبيرة عن طريق المؤسسات الدولية وتوازن القوى الخارج عن سيطرتها. ولذلك يؤيد كثير من متخصصي الشؤون الصينية وممارسي السياسة الخارجية إشراك الصين في أكبر عدد ممكن من النظم الدولية والتعهدات الملزمة بما يقلل من إمكانية السلوك المعرقل من جانبها ويزيد الدمج الناعم للصين في النظام الدولي. لكن توجد ومع ذلك اختلافات بين الدول الغربية والآسيوية على الوسائل التي يمكن اتباعها، خاصة فيما يتعلق باستخدام العقوبات. وتوجد تنويعات مختلفة منها: الإشراك البناء والإشراك المشروط والإشراك القمعي. وتعتمد الاختلافات على درجة الإجراءات التأديبية المطلوبة للانتهاك الصيني للقوانين الأمريكية وللقواعد والمعايير الدولية [31].
صحيح أن سياسة “الإشراك” مفضلة من وجهة نظر غربية وآسيوية: لكنها لن تكون متبادلة بالكامل من جانب بكين. فالأسباب كثيرة ستتردد الصين في التعامل بإيجابية مع سياسة “الإشراك” ومع ذلك يظل هذا هو أفضل خيار متاح للمجتمع الدولي في الوقت الحاضر. إن الإشراك في حد ذاته لا يجب أن يكون هو هدف السياسة. وإنما هو عملية أو وسيلة إلى الهدف النهائي المتمثل في دمج الصين في النظام الدولي الحالي المؤسسي والمعياري والقائم على القواعد. فالإشراك هو الوسيلة والدمج هو الغاية. وثمة عمل كثير لابد أن يتم لجذب الصين إلى النظم الدولية متعدد الأطراف وغرس معاييرها في أذهان المسئولين والمواطنين الصينيين[32].
لقد أثبتت سياسة إشراك الصين من لدن الإدارات الأمريكية المتتالية مفعولها في دفع الصين بالانفتاح الاقتصادي، بل وساهمت هذه السياسة في تثبيت الأمن الآسيوي. وسياسة الإشراك لا تعني أن السياسات الداخلية الصينية من المحتمل أن تكون متعاونة بدرجة كبيرة. لكن هناك مع ذلك فرصة أفضل بكثير لانتزاع تعاون صيني متواضع من خلال الإشراك.
و فكرة احتمال الوصول إلى الاستقرار والتفاهم في العلاقات الصينية الأمريكية تجد تأييدها من خلال أصحاب الاتجاه الليبرالي الذي يدعو إلى ضرورة تبني سياسات تعاونية تجاه الصين وتشجيعها إلى مزيد من الاندماج البناء في النظام الدولي ومؤسسات التعاون الدولية ويستند هؤلاء إلى قراءاتهم لطبيعة العقيدة العسكرية الصينية التي يعتبرونها بطبيعتها عقيدة دفاعية غير توسعية ولم تخرج عن تلك السياسة إلا عندما اضطرت إليها اضطرارا[33].”
أما المسألة الأخرى والتي قد تؤدي إلى التعاون المستمر بين البلدين هي مشاكل الصين التي تعترض بروزها كقوة عظمى على المستوى الايديولوجي والسياسي والاقتصادي حيث تعاني من تزايد التفاوت في معدل النمو الاقتصادي ومعدل الدخل بين المناطق التي تقع على الساحل والأخرى التي تقع بالداخل.
لذلك، فإنه من المتوقع أن تلجأ الصين إلى سياسة المهادنة وتقديم التنازلات، مما يعني حدوث وفاق واستقرار في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، سواء كان هذا الوفاق مبنيا على الغربلة الأمريكية في تحقيق علاقات هادئة مع الصين لتحقيق مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية والأمنية في منطقة آسيا. أو مبنيا على اضطرار لقبول الرضوخ للمشيئة البيئية لاستكمال مسيرتها، فالصين مقتنعة بفكرة الاحتياج الإستراتيجي وضرورة الوصول إلى الاستقرار و التعاون والتفاهم في العلاقات بينهما بدل التصادم، وهو ما تفرضه المصالح الاستراتيجية بين البلدين.
فمثلا لم تكن لتتمتع الصين بهذا التطور الاقتصادي لولا وجود عدة عوامل أساسية، تأتي على رأسها الشراكة التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية بانضمامها لمنظمة التجارة العالمية عام.2001 لكنها كانت و ستظل تتعامل بارتياب مع الأجندات الأمريكية والمنظمات الدولية، وستكون عموما شريكا مشاكسا في التعاملات الدولية.
ومن مجمل ذلك، فإن العلاقات الأمريكية-الصينية تسير على مبدأ المصالح المشتركة التي تتطلب التعاون والتنسيق المتبادل. وبالتالي فإن التقارب يبقي رهينا بقدرة الطرفين على احتواء القضايا العالقة بينهما والمرشحة للارتفاع على ضوء ما خلفته أزمة فيروس كورونا من تأثيرات على مستوى العلاقة بين البلدين. وتفرض مخلفات أزمة كوفيد 19 على الاقتصاد العالمي أكثر من أي وقت مضى على البلدين العمل على زيادة فرص التعاون في المجالات التجارية عن طريق تخطي العقبات التي فرضتها الحرب التجارية، وذلك في سبيل تجاوز التداعيات الوخيمة لأزمة فيروس كورونا على المنظومة العالمية.
الهامش
[1] – حذفاني نجيم، إشراف شعنان مسعود، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية: العلاقات الصينية الأمريكية بين التنافس والتعاون- فترة ما بعد الحرب الباردة-، جامعة الجزائر 3 كلية العلوم السياسية والإعلام قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الجزائر، 2011، ص: 89.
[2] – أنظر في ذلك: خضير إبراهيم سلمان البدراني / عدنان خلف حميد البدراني: استراتيجية إعادة التوازن الأمريكية في آسيا وآثرها على الصين، المجلة السياسية والدولية، جامعة المستنصرية، 2016، ص: 193-194.
[3]– حذفاني نجيم، إشراف شعنان مسعود، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية: العلاقات الصينية الأمريكية بين التنافس والتعاون-فترة ما بعد الحرب الباردة، جامعة الجزائر 3 كلية العلوم السياسية والإعلام قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الجزائر، 2011، ص: 89 – 88.
[4] – أنظر في ذلك: الحرب الناعمة: الأسس النظرية والتطبيقية، بيروت: مركز الحرب الناعمة للدراسات، الطبعة الأولى 2014، ص: 75-76.
[5] – حذفاني نجيم، مرجع سابق، ص: 100.
[6] – سليم كاطع علي/ إنعام عبد الرضا سلطان: العلاقات الأمريكية-الصينية: الواقع وأفاق المستقبل، مرجع سابق، ص: 184-185.
[7]– حذفاني نجيم، مرجع سابق، ص: 100.
[8] – نفس المرجع السابق، ص: 101.
[9] – سليم كاطع علي/ إنعام عبد الرضا سلطان: العلاقات الأمريكية-الصينية: الواقع وأفاق المستقبل، مرجع سابق، ص: 185-186.
[10] – المرجع نفسه، ص: 101-102.
[11] – سليم كاطع علي/ إنعام عبد الرضا سلطان: العلاقات الأمريكية-الصينية: الواقع وأفاق المستقبل، مرجع سابق، ص: 185.
[12]– خضر عباس عطوان، مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية، الإمارات للدراسات و البحوث الإستراتيجية، الطبعة الأولى، أبوظبي ، 2004، ص: 203.
[13]– الولايات المتحدة والصين تظهران توافقهما على الصعيد الاقتصادي: http://www.alsabaak.com/article show.aspx?ID=7467.
[14] – أنظر في ذلك: خضير إبراهيم سلمان البدراني / عدنان خلف حميد البدراني: استراتيجية إعادة التوازن الأمريكية في آسيا وآثرها على الصين، المجلة السياسية والدولية، جامعة المستنصرية، 2016، ص: 171-200.
[15] – سكوت وارين هارولد- مارتن سي ليبيكي – أستريد ستوث سيفالوس ، التوصل إلى اتفاق مع الصين بشأن الفضاء الإلكتروني، سانتا مونيكا كاليفورنيا، مؤسسة راند، 2016، ص: 69 – 70.
[16] حذفاني نجيم، إشراف شعنان مسعود، المرجع نفسه، ص:109.
[17]– المرجع نفسه، ص: 110.
[18]– مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، دليل التعاون الدولي في المسائل الجنائية لمكافحة الإرهاب، نيويورك، 2009،ص: 6.
[19]– مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، المرجع نفسه، ص: 16.
[20] – مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، المرجع نفسه، ص: 20.
[21]– مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، المرجع نفسه، ص: 109.
[22]– مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، المرجع نفسه، ص: 237.
[23] – مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، المرجع نفسه ، ص: 242 – 244.
[24] – حذفاني نجيم، إشراف شعنان مسعود، المرجع نفسه، ص: 116- 117.
[25] – فوزية الفرجاني، مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط (2013-2016 ) دراسة في الاستراتيجية الأمريكية الشاملة، مؤلف جماعي، في ظل أجندات السياسية الخارجية الأمريكية ” دراسة تحليلية للفترة الانتقالية بين حكم أوباما وترامب “، المركز الديمقراطي العربي، برلين-ألمانيا، 2017،ص: 137.
[26] – شرشور ليدية – إقجطال محند، أشراف بوخلو مسعود، التعاون العربي في مكافحة جريمة الإرهاب مذكرة لنيل شهادة ماستر في القانون العام، جامعة عبد الرحمان ميرة-بجاية- كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم القانون العام 2016 – 2017 ، ص: 40.
[27]– أحمد إبراهيم مصطفى سليمان، حتمية التعاون الدولي الأمني لمواجهة الإرهاب المنظم والمردودات الإيجابية، مركز الإعلام الأمني،،2009 ص: 1.
[28] – حذفاني نجيم، إشراف شعنان مسعود، المرجع نفسه، ص: 113.
[29] – حذفاني نجيم، إشراف شعنان مسعود، المرجع نفسه،ص: 113.
[30] – حذفاني نجيم، إشراف شعنان مسعود، المرجع نفسه، ص:117 -118 .
[31] – مايكل إى براون وآخرون، مصدر سابق، ص: 382.
[32] – المرجع السابق، ص: 378.
[33] – حذفاني نجيم، مرجع سابق، ص: 149.