لا أظن شهرة هذا الكتاب تكمن في ثناء غوستاف على حضارة العرب ولكن أجد ذلك في روعة تحليله وهو البارع في هذا المجال، وإن كان تهافت الكثير والإستشهاد ببعض مقاطعه تجده منحصر في مدحه لتفوق العرب ولأثر ذلك على أوروبا ككقوله على سبيل المثال فقط : “وكلما أمعنا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة، ولسرعان ما رأيتَهم أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون مـوردًا علميًّا سوى مؤلفاتهم، وإنهم هم الذين مدَّنُوا أوربا مادة وعقلاً وأخلاقًا، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يَفُقْهم قوم في الابتداع الفني”
أو قوله الشهير في كتابه هذا : “ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم ؛ فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهما مدينان لهم في تمدنهم، وإن هذا التأثير”، وغيرها من جُمل ثنائه في طيات الكتاب.
الكتاب يتناول أمجاد العرب من زاوية أوربية نادرة وهي الإنصاف، وظاهرة الكتابات الغربية المنصفة كانت قد بدأت في الظهورت مع القرن التاسع عشر ونضجت أكثر مع القرن العشرين، وما قبل ذلك فكان في أغلبه غير منصفه قائم على حقد عرقي وعنصرية ضد الإسلام ناهيك على معلومات ونظريات غارقة في التخبط لجهل الغرب بحقيقة الإسلام، وحتى من عرفه حسن المعرفة لم ينصفه.
تصنيف فكرة ومباحث الكتاب هي من نوع الكتابات التي تنظر في الجانب المشرق في الحضارة العربية / الإسلامية ككتابات “ليوبولد فايس”، وكتاب زيغريد هونكه : “شمس الله تسطع على الغرب”، وكتابات أناتول فرانس، وغيرهم من كتاب الغرب الذين نظروا في نتاج العرب وتاريخهم فأنصفوا ولم يغيروا الحقائق.
الكتاب يتناول العرب في أصلهم ونشأتهم وتطورهم الحضاري من خلال تتبع مسيرتهم الإسلامي / الفكرية خلال طوال عهودها ويثني على دورها الريادي في شتى مجالات الحضارة العلمية والفنية والبشرية. ويتناول العرب قبل الإسلام وبعد الإسلام مع عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وجميع فترات الخلافة في معرض حديثه المتواصل عن العرب في سوريا والعراق ومصر وفارس وإسبانيا – الأندلس – والحديث عن كل جوانب الحياة عند العرب.
الكتاب موسوعي ضخم يقارب (700) صفحة. أوصي به وبشدة لمعرفة نظرة الغرب للحضارة العربية.
مما وجدت :
إنطلاق غوستاف لفهم العرب كان غريبًا بالنسبة لي فقد وجدته إنطلاقة عرقية ربما لعناية الرجل بعلم النفس والاجتماع وباعه الطويل في سيكولوجية البشر هو مبعث ذلك، وهو ماجعلني أتنازل عن إستنكاري لتسميته كتابه بحضارة العرب دون حضارة الإسلامي، ووجدته أصاب أحقية التسمية.
الكتاب حضاري اجتماعي تاريخي وما تطرقه للجانب الديني – الشريعة – غير مرور عابر عند الحديث عن ملمح وحدث تاريخي.
رغم أن الكتاب واضحةٌ ملامحه للعقلية الأوربية إلا أنه سيكون مفاجأة للقارئ العربي لكثرة محتوياته ويبدو جليًا سعة معرفة غوستاف بموضوع بحثه، ومع ذلك يتوجب علينا عدم تحميل المؤف فوق طاقته ومطالبة خروج الكتاب برؤية إسلامية بحتة كقوله “ونشر محمد دينه….” ومثلها من الجمل فهو في النهاية أوربي محايد ولا يمثل الجانب العربي.
يجب مراعاة مصطلحاته النقدية ويجب مرعاتها بحذر حتى رؤيته في مسائل تلامس جانب ديني بحت كزواج الرسول وتصوير كثرة زواج الرسول بأنه رجل محب للنساء وهذا من ضعف محمد – كما يرى – غوستاف ولم يصيب في هذا وذلك لأن مراجع هذا الرجل في المقام الأول كانت تاريخية / حضارية ومجمل حديثه عن الرسول فيما يخص زوجاته – أمهات المؤمنين – لم يوفق فيه، وكذلك مثال آخر مقارنة القرآن بالإنجيل والتوراة وكتابات الهند القديمة الدينية.
تحية طيبة لروح عادل زعيتر لهذه الترجمة الفاتنة وللإحترافية العالية.
مراجعة أ. ميقات الراجحي على موقع غودريدز
قراءة أولى 2009م
قراءة ثانية 2017م
Please subscribe to our page on Google News