وليد عبد الحي
يقع متن الكتاب في 209 صفحات ، توزعت مع المقدمة والخاتمة على ستة فصول، ويشير في مقدمته الى انه سيستعرض تجارب الانتقال الديمقراطي سواء الديمقراطية الاجرائية او الغائية ويقارن الخبرات الانتقالية لكل منها ،ويميز بين الدعوات للديمقراطية التي تجعل من المصالح هي الاهم وتلك التي تركز على “اجراءات العملية الديمقراطية(التعددية والانتخاب والتداول وفصل السلطات…الخ) مركزا في مقارنته بين النظم السلطوية والديمقراطية على آليات سقوط للنظم السلطوية ودور النخب والمؤسسات الجديدة في الانتقال. وتحت عنوان الديمقراطية بين القيم والمؤسسات يحدد اصول مفهوم الديمقراطية ويعرفها بأنها ” إدارة الاختلاف بطرق سلمية”، مؤكدا على ان نجاح الديمقراطية معتمد على وجود ثقافة ديمقراطية تقوم على قيم ثلاث هي التعددية والحرية والعدل، ويحدد سمات التعددية(تعدد السلطات والقوى السياسية، قبول فكرة الاغلبية، مبدأ التفاوض الاجتماعي،والتسامح) اما الحرية فتقوم على:العقلانية وحرية التعبير وممارستها وعدم التجاوز على حقوق الانسان ، اما القيمة الثالثة وهي العدل فيجملها في ضمان المساواة والمواطنة للجميع،وتكافؤ الفرص وعدالة توزيع الموارد،اما ما يتعلق بالمؤسسات فيركز على الممارسة الديمقراطية من خلال حكم القانون وجعل الدستور هو المرجعية الاعلى والفصل بين السلطات لضمان عدم تمركز السلطة بيد واحدة الى جانب التعددية الحزبية ودور المجتمع المدني وضمان اجراء الانتخابات الدورية. في الفصل الثاني يتتبع الاتجاهات النظرية في نشأة وتفسير الظاهرة الديمقراطية، ويحدد الاتجاهات في ثلاثة هي : اتجاه التنمية والتحديث( نظرية Lipset) والتي تربط الديمقراطية بتطورات ثلاثة هي التنمية والتعليم والتحضر(Urbanization) وعرض بعض الانتقادات الموجهة لها من (هنتينغتون)،اما الاتجاه الثاني فهو اتجاه “احتياجات النخب وتفضيلاتها “( نظرية Rustow) الذي ربط الديمقراطية ببلورة هوية سياسية مشتركة وتنافس النخب بل وتصارعها احيانا وصولا لنقطة التفاوض ثم اكتشاف المتنافسين لجدوى القواعد التي يعمل على اساسها النظام ،وبرى روستو ان المرحلة الثانية هي الاهم، وكان الاتجاه البنائي هو الاتجاه الثالث، وهو الاتجاه الذي قادة (Moore) ويركز على بعدين هما التغير والتوازن بين مكونات البنية الاجتماعية والطبقية معتبرا ان الخلل في بنية وتوجهات البرجوازية يقود الى الفاشية والشيوعية. ينتقل الكاتب في الفصل الثالث لعرض اشكال النظم السياسية وتحديد اساب انهيار كل نمط منها،ويركز على نمطين هما النظم السلطوية النقية(pure)(وتقوم على فرد واحد او حزب واحد او سلطة دينية او الحكم العسكري) وتتسم هذه النظم ب: الهرمية،والسلطة المطلقة والتحكمية والاقصائية واحتكار القرار،وهو ما يولد مخرجات تتمثل في القلق وضعف المشاركة السياسية وشخصنة السلطة وغياب التداول،اما النمط الثاني وهو النظم ” الهجينة” وهي التي تتوفر على الجانب الشكلي من الديمقراطية دون توفر الجانب الموضوعي ، فتجد فيها انتخابات أحزاب وتداول لكنها تخضع لجهة توجه مسار كل هذه المؤسسات، وكثيرا ما انتهت النظم الهجينة الى المواجهات الداخلية بخاصة اذا افتقدت النخبة المسيطرة تماسكها. اما دور البيئة الخارجية في وجود وبقاء هذه النظم فمرهون بثلاث آليات: الدومينو(انهيار نظام يقود لانهيار آخر كما جرى في الكتلة الاشتراكية) ، واطلق الباحث على نقطة انطلاق الانتقال تعبير “الشرارة :، أي المحرك لبدء الانتقال مثل”وقوع هزيمة عسكرية، موت الزعيم، تدهور اقتصادي حاد، تنامي المعارضة بقوة، او حدوث تطور دولي عميق) ثم يحدد النتائج على اساس من هي القوة التي تحسن اقتناص الفرصة التي يلعب موقف المؤسسة العسكرية دورا في نجاحها ام فشلها. ويحدد في الفصل الرابع انماط الانتقال: من اعلى(اصلاح النظام نفسه) او بالتفاوض بين السلطة والمعارضة او الانتقال من اسفل عبر حركة احتجاج شعبي واسعة، او تدخل قوى خارجية( مثل العراق) ، ثم ينتقل لسبل تعزيز الديمقراطية في الفصل الخامس بتعليم وتعميم الممارسة الديمقراطية وتعزيز أليات التحديث، واخضاع المؤسسة العسكرية للمدنية، ثم يتناول انماط الديمقراطية خلال الانتقال في الفصل السادس مثل التوافقية والرقمية(تاثير الانترنت على عمليات التواصل والانتخاب والمشاركة..الخ)، وينتهي في الخاتمة لطرح سؤال عن مستقبل الديمقراطية لكنه لا يقدم اجابة بمقدار التاكيد ثانية على موضوع خصوصبة كل تجربة ديمقراطية، مما يعني عدم وجود نموذج واحد للانتقال.
قامت هذه الدراسة من بدايتها على فرضية محددة وهي المقارنة بين عمليات الانتقال الديمقراطي من خلال عرض –ولو بايجاز- لعدد كبير من حالات الانتقال،وخلصت الدراسة بعد المقارنة الى (كما ورد في الخاتمة) عدم وجود نموذج واحد للانتقال، لكني اعتقد ان هذا الاستنتاج فيه خلل منهجي، فلو ان الكاتب وضع تصنيفا للدول على اساس معين وقام بالمقارنة لكان توصل الى نتائج اكثر اهمية ودلالة وفائدة، فمثلا لو قسم الدول التي جرت فيها عمليات الانتقال حسب مستوى التطور العام او الاقليم الجغرافي او السمة العسكرتارية للنظام او الدين السائد في المجتمع او درجة التجانس الاثني او نمط الانتاج(زراعي /صناعي/ خدماتي/) او عمر النظام السياسي او …الخ، فمثلا لماذا كان مستوى العنف في كل اوروبا الشرقية التي حدث فيها انتقال عميق(سياسيا من الحزب الواحد الى التعددية،اقتصاديا من القطاع العام للقطاع الخاص، العلاقات الخارجية من حلف وارسو الى حلف الاطلسي، التوجه التكاملي من الكوميكون الى الاتحاد الاوروبي..الخ) كان قليلا للغاية في كل هذه الدول،كما ان مسارها العام في التحول متشابه الى حد كبير، كذلك لو بذل الكاتب جهدا في مقارنة تجارب الانتقال في الربيع العربي سيجد ان السمات العامة اكثر من سمات الخصوصية، وعليه فان الخلل المنهجي في هذه الدراسة تغليب الخصوصية على العمومية، ويكفي المقارنة بين نموذجين مثلا: الصين يجري فيها تحول عميق منذ 1978 وقبل الاتحاد السوفييتي لكن الانتقال الصيني انتهى لنجاح كبير بينما انهار الاتحاد السوفييتي(هل التنوع الاثني الواسع في الاتحاد السوفييتي له دور؟ ثم لماذا كان العنف الكبير للانتقال في يوغسلافيا (حرب طاحنة) بينما تم الانفصال في تشيكسلوفاكية دون قطرة دم( التنوع الاثني في الاولى لا يقارن بالثانية)..وفي الدول العربية يمكن عقد مقارنات طبقا للعسكرة او درجة التنوع الاثني او مستوى انتشار الانترنت…الخ.
من جانب آخر، فالمقارنات الواردة في الدراسة هي مقارنات مأخوذة من دراسات اخرى، ولم أجد أي جهد من الباحث لعقد مقارنات يضيفها هو الى هذه المقارنات التي عبر على اغلبها عبورا، بل انه تعامل مع موضوع الديمقراطية الرقمية ودورها في الانتقال بشكل لا يتفق مع الظاهرة في العالم العربي، فلو عدنا لعدد من الدراسات العربية حول علاقة الانتقال الديمقراطي في دول الربيع العربي بانتشار وسائل التواصل والانترنت سنجد ان ثورات الربيع العربي حدثت في الدول الاقل انتشارا في الانترنت او حتى الجهاز الخلوي سواء بسبب الفقر او بسبب القيود الامنية( ليبيا، سوريا، اليمن، مصر، العراق)، وهو ما يخالف استنتاجاته .
لكن الباحث من زاوية اخرى قدم مادة علمية أكاديمية منظمة ومتسقة رغم الخلل الذي اشرت له اعلاه، فقد كان شرحه مترابطا ، وكان الترابط بين عناوين الفصول ومضمونها دقيق، الى جانب ترابط عنوان الكتاب بموضوعه دون خروج، الا ان العنوان الفرعي: ماذا يستفيد العرب من تجارب الاخرين كان الاقل حضورا في الكتاب.