محددات الهندسة الانتخابية في المغرب

ما وظيفة الانتخابات؟ وما غاياتها؟ هل تشكِّل الانتخابات عاملًا مُؤَسِّسًا للعملية الديمقراطية أم تمثِّل عاملًا مساعدًا على تدعيم الديمقراطية وترسيخها؟ حينما لا تكون من وظائف العملية الانتخابية تحقيق الديمقراطية وتكريس مسلسل دَمَقْرَطَة الأنظمة الانتقالية، فإن رهانها يكون واحدًا وهو إعادة إنتاج السلطوية بقواعد انتخابية، أو كما يسميها أحد الباحثين: تغليف السلطوية بغشاء الشرعية(1). لهذا، شكَّل الفعل الانتخابي أحد المتغيرات الجوهرية في إطار ما سُمِّي بموجة التحول الديمقراطي الرابعة، التي طالت العديد من بلدان أوروبا الشرقية(2)؛ حيث اضطلعت الانتخابات بأدوار فاعلة في تحقيق عملية الانتقال إلى الديمقراطية في تلك الدول، سواء أكان عبر مسار ما اصطُلح عليه بـ”الثورات الانتخابية”(Electoral Revolutions) ، وهو الشكل الذي اتخذته عملية انتقال السلطة في كل من صربيا وجورجيا وأوكرانيا، التي رفضت سلطاتها الاعتراف بهزيمتها في الانتخابات، ولجأت إلى العنف ضد المحتجين، لكنها لم تفلح في إسكاتهم ومواجهة الضغوط الدولية فاضطرت إلى التخلي عن السلطة، أو الشكل الثاني من انتقال السلطة عبر العملية الانتخابية، وهو ما سُمِّي بالانتخابات التحويلية (Transformative Elections)، والتي تمثِّلها سلوفاكيا وكرواتيا(3)؛ حيث شكَّلت اللحظة الانتخابية نقطة الانتقال من الحكم السلطوي إلى الحكم الديمقراطي.

بيد أن الحديث عن الأدوار المركزية للعملية الانتخابية في تحقيق الانتقال الديمقراطي، وتكريس قيم الديمقراطية في الممارسة السياسية، يظل مشروطًا بمدى الانتقال الحاصل داخل بنية النظام السياسي برمته، وبمدى نزاهة وشفافية عملية الاقتراع، ونضج الفاعل السياسي المنتخب. لهذا، وتأسيسًا على ما سبق تحاول الدراسة رصد التقاطع الوظيفي بين الفعل الانتخابي وعملية الانتقال الديمقراطي من خلال اعتماد التجربة المغربية أنموذجًا للدرس والتحليل.

لقد شهد المغرب منذ حصوله على الاستقلال، سنة 1956، إحدى عشرة عملية انتخابية تشريعية، وفق ظروف وسياقات مختلفة، أسهمت في خلق تراكم كمِّي ونوعي، مما يجعل السؤال عن الفعالية الانتخابية في تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية بالمغرب طيلة ستة العقود الماضية أمرًا مشروعًا، خصوصًا إذا ما كان طابع الانتخابات في الأنظمة النامية غير تنافسي وتُستغل الانتخابات لإضفاء المشروعية وتحديث الأنظمة السلطوية فحسب(4). لهذا، ستحاول الدراسة الانطلاق من التساؤلات الآتية: بأية منهجية يمكن دراسة العملية الانتخابية في المغرب؟ وإلى أي حدٍّ تمثِّل الانتخابات التشريعية في المغرب لحظة لوصول الفاعلين إلى مراكز صناعة القرار؟ وما وظيفة العملية الانتخابية في ظل الإصلاحات التي عرفها المغرب في العقد الأخير بعد الحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة العربية برمتها ابتداء من 2011؟ وما قدرة التمثيل السياسي في المغرب على تأمين الحكم الديمقراطي؟ وهل تقود الانتخابات في المغرب إلى تكريس النظام الديمقراطي أم إلى إعادة إنتاج مظاهر التحكم والضبط السلطوي بقواعد انتخابية؟

منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش خلفًا لوالده، الحسن الثاني، سنة 1999؛ دخل المغرب في سلسلة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية مسَّت الجانب الحقوقي، وذلك بتأسيس “هيئة الإنصاف والمصالحة” من أجل التصالح مع الماضي وجبر ضرر ضحايا الانتهاكات الجسيمة جرَّاء سياسة الدولة تجاه التيارات المعارضة، ثم القيام بإصلاحات في قوانين المرأة والأسرة والثقافة من خلال إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية التي تُعد من مكونات الثقافة المغربية. فضلًا عن هذا، تم إقرار برامج تنموية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

لقد كان من نتائج موجة الحراك الشعبي، الذي انطلق في 20 فبراير/شباط 2011، تسريع مسلسل الإصلاح الدستوري الذي تُوِّج باستفتاء على تعديلات دستورية في فاتح يوليو/تموز 2011 مكَّنت المؤسسات المنتخبة في المغرب من سلطات تنفيذية أكبر. لكن لا يمكن فهم جدوى هذه الإصلاحات في مسلسل الدَّمَقْرَطَة بالمغرب دون فحص الأثر المترتب عليها على مستوى تحول السلوكيات السياسية، والأدوار التي يضطلع بها الفاعلون السياسيون المنتخبون، إذا اعتبرنا فرضًا أن الديمقراطية هي وصول المنتخبين إلى مراكز صناعة القرار السياسي عبر انتخابات حرة شفافة ونزيهة. رغم ما يثيره مفهوم الديمقراطية في هذا المستوى من التحليل من التباس، على اعتبار أن الديمقراطية، كما يذهب إلى ذلك أحد الباحثين، هي أكثر المصطلحات السياسية غموضًا، بمعنى أن الكلمة تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين(5).

وبناء عليه، فإنه رغم الإصلاحات التي شهدها المغرب خصوصًا في العقد الأخير، على صعيد حرية التعبير والتدبير الاقتصادي والسياسي وإقرار التعددية السياسية، فإن العملية الانتخابية في المغرب في ظل خصوصية النظام السياسي المغربي لا تؤدي وظيفتها في إحقاق الديمقراطية، وتكريس وصول المنتخبين إلى مراكز صناعة القرار السياسي الذي يبقى بأيدي سلطة مركزية تستند على شرعية تاريخية ودينية تسمو على باقي المؤسسات الدستورية المنتخبة، بحيث تظل الانتخابات التشريعية بعيدة عن التأثير في هوية ومركز صناعة تدبير الشأن العام في المغرب.

انطلاقًا من هذه الفرضية، تجدر الإشارة إلى أن الدراسات الأكاديمية التي تناولت إفرازات العملية الانتخابية ونتائجها في تطوير الحياة السياسية في المغرب على قلَّتها، قد سلكت ثلاثة توجهات: توجهًا يدرس الفعل الانتخابي من مفهوم التنافسية(6)، ويتعامل مع الانتخابات المغربية بأدوات التحليل والمناهج الغربية وكأنها تنافسية كمثيلاتها في الأنظمة الديمقراطية. أما التوجه الثاني فيقارب الفعل الانتخابي بالمغرب من زاوية الطبيعة غير التنافسية التي تطبعه(7)، ويرى أصحاب هذا التوجه أن الانتخابات التشريعية في المغرب لا تقوم على مبدأ التنافسية والنزاهة الانتخابية، ووظيفتها لا تخدم المسار الديمقراطي؛ لأن نتائجها محسومة سلفًا داخل الإدارة المشرفة على الانتخاب. ثم هناك توجه ثالث يمزج بين المقاربتين في دراسته للفعل الانتخابي بالمغرب(8)، ويعالج المسلسل الانتخابي من زاوية “شبه التنافسي” الذي يطبع البيئة السياسية بالمغرب؛ حيث التغيير الذي تؤديه العملية الانتخابية لا يمس مركزية الحكم القائم، بقدر ما يمس محيطه.

إن مقاربة العملية الانتخابية في المغرب من خلال التوجهات الأكاديمية الثلاثة سالفة الذكر، تقودنا إلى الانتقال من الاعتماد على آليات التحليل الكمي، التي تركز بالخصوص على التراكم الإحصائي والعددي في قراءة العملية الانتخابية في المغرب، إلى الاعتماد على آليات التحليل الكيفي التي تركز بالأساس على المخرجات والأثر المترتب على العملية الانتخابية في المغرب، ومدى مساهمتها في إنجاح مسلسل الإصلاح السياسي وتكريس الممارسة الديمقراطية داخل المؤسسات الدستورية. لهذا، وانسجامًا مع الفرضية المعتمدة لمعالجة إشكالية هذه الدراسة، سنحاول اعتماد ثلاثة مستويات من التحليل.

الانطلاق من تعريف تنفيذي لدرجة التقاطعات الوظيفية بين الفعل الانتخابي والعملية الديمقراطية على اعتبار التلازم بين مسار الانتخابات عندما تتوافر فيها شروط النزاهة والحرية الانتخابية داخل بيئة محتضنة لقواعد اللعب الديمقراطي، وبين عملية الانتقال الديمقراطي فتشكِّل بذلك الانتخابات لحظة انتقال السلطة من أيدي الاستبداد إلى أيدي الديمقراطية. وفي حال انعدام هذه البيئة الحاضنة تكون وظيفة الانتخابات إعادة إنتاج السلطوية بقواعد ديمقراطية وهو ما يُصطلح عليه في أدبيات علم السياسة بـ”السلطوية الانتخابية”؛ بحيث لا يوجد تأثير في مسار العملية الديمقراطية ما دامت الانتخابات لا تؤدي غايتها في التداول على السلطة.

كما ستحاول الدراسة معالجة إشكالية الفعل الانتخابي في المغرب من زاوية فعالية الانتخابات في إنجاح عملية الانتقال السياسي والدستوري التي دشنها المغرب منذ ما يزيد على عقد من الزمن، لذا من الأهمية بمكان الإسهام نظريًّا في معالجة أشكال التجاذبات التي تطبع المسار الانتخابي في خضم الخصوصية التي تطبع النظام السياسي المغربي، باعتماد مقاربة المحددات البنيوية والمعيارية للفعل الانتخابي بالمغرب، باعتبارها آليات متحكمة في المخرجات التي تفرزها العملية الانتخابية.

ومن زاوية أخرى، ستسعى الدراسة إلى معالجة الوظيفة التي تؤديها العملية الانتخابية في المغرب، حيث يتميز الفعل الانتخابي بازدواجية وظيفية تروم، من جهة، تكريس الشرعية الانتخابية للمؤسسات المنتخبة بما يوحي بإنعاش الحياة الديمقراطية الداخلية، ومن جهة ثانية، الحفاظ على استمرارية مظاهر الضبط والتحكُّم، ما ينم عن تعارضها مع نيات الانتقال الديمقراطي المنشود.

1. محددات الهندسة الانتخابية في المغرب

تتأسس الانتخابات الديمقراطية على مجموعة من الشروط والمعايير المؤسساتية والمعيارية لتحقيق أهدافها الموضوعية؛ لهذا ميَّز علماء السياسة بين الطابع الوظيفي للعملية الانتخابية في ظل الأنظمة الديمقراطية، أو التي في مرحلة انتقال ديمقراطي، وبين الوظيفة الانتخابية في الأنظمة السلطوية التي يروم فيها الفعل الانتخابي تكريس شرعية الوضع القائم أكثر من تحقيق الديمقراطية.  

إذا كان أنتوني غيدنز (Anthony Giddens) في تعريفه للديمقراطية يجعل من العملية الانتخابية أحد روافدها الجوهرية، فإن الانتخابات لا تقوم بوظيفتها داخل المناخ الديمقراطي إلا بتوافر شرط المنافسة السياسية بين الأحزاب على مراكز السلطة، وشرط الانتظام والنزاهة، بحيث يمكن لكل أفراد الشعب المشاركة فيها. ويؤكد غيدنز أن هذه الحقوق المتعلقة بالمشاركة الديمقراطية تتماشى مع الحريات المدنية، مثل حرية التعبير عن الرأي والمناقشة، وحرية تأسيس المجموعات والمؤسسات السياسية وحرية الانتماء إليها(9).

ويذهب صامويل هنتنغتون (Samuel Huntington) المذهب نفسه؛ إذ يرى أن النظام السياسي الديمقراطي يقوم على انتخابات شفافة ونزيهة تضمن التداول السلمي على السلطة، والتي هي جوهر صناعة القرار السياسي(10). وتؤكد الفقرات السابقة وجود تلازم وظيفي بين العملية الانتخابية وقيام النظام الديمقراطي؛ إذ لا تحقق الانتخابات وظيفتها في تكريس وترسيخ مخرجاتها إلا بتوافر عناصر التنافسية، والنزاهة، وشرط الوصول إلى صناعة القرار السياسي والتداول عليه، وهذا ما يخلص إليه جوزيف شمبيتر (Joseph Schumpeter) في دراسته لمقومات العملية الديمقراطية، باعتبارها “القدرة على الوصول إلى صناعة القرار السياسي، عن طريق التدافع التنافسي على أصوات الشعب، حيث يكتسب الأفراد بذلك سلطة اتخاذ القرار فيمن يقرر في شأنهم السياسي”(11).

وعليه، تشكِّل الانتخابات لحظة فارقة في حياة الأنظمة السياسية الديمقراطية للوقوف على منجزات صنَّاع القرار، ولحظة إما لتجديد الشرعية للحكم القائم، أو لولادة شرعية جديدة لحكام جدد. لهذا لا يُنْظَر للعملية الانتخابية في الأنظمة الديمقراطية باعتبارها عملية إجرائية وآلية لتداول الحكم، بقدر ما هي عملية معيارية للفرز والتقييم، من أجل تأكيد ممارسة الشعب لسيادته عبر اختيار صناع القرار في شأنه العام، وهو الحق الذي يمارَس عن طريق الاقتراع العام الشفاف والنزيه، خلافًا لما يجري داخل الأنظمة السلطوية، حيث تتحول لحظة الانتخابات إلى فرصة لتجديد شرعية النظام القائم، وتكريس ديمقراطية الواجهة.

وهكذا، فالانتخابات تُعد عصب الديمقراطية وأحد أبرز آلياتها في بناء الشرعية السياسية للنخب الحاكمة. بيد أن الأدوار التي تضطلع بها العملية الانتخابية تختلف حسب شكل الأنظمة السياسية، وهو ما يقودنا إلى البحث عن الميكانيزمات المتحكمة في الانتخابات في المغرب، فهل وظيفتها تكريس لشرعية الوضع القائم أم آلية لدعم التحول نحو الديمقراطية؟ 

تجدر الإشارة إلى أن دراسة وظيفة الانتخابات في المغرب في ضوء معيار التنافسية أمر ممكن، لكن من دون إغفال خصوصية العملية السياسية في المغرب، ومنطق التوازنات الذي يحكمها. وهو ما يسقطنا في نموذج تفسيري يفرض معالجة الفعل الانتخابي بالمغرب، في ضوء بيئة النظام السياسي الذي يمزج بين مركزية المقدس، في شخص أمير المؤمنين ورئيس الدولة المتمثل في الملك، وبين مؤسسات دستورية منتخبة تمثِّل محيط النظام السياسي وليس جوهره. 

1.1. المحدد السوسيوسياسي

تخضع الحياة السياسية في المغرب إلى قواعد لعبة مضبوطة، تجعل المؤسسة الملكية هي التي تسود باقي الفاعلين؛ ومن ثم تبقى أدوارهم محصورة في مستوى أدنى بالشكل الذي لا يؤثر في فعالية المؤسسة الملكية وصلاحياتها. وبالنتيجة، يطرح معيار التمثيلية في النظام السياسي المغربي مجموعة من الإشكاليات التي تؤثر بشكل كبير في العملية الانتخابية وجدواها.

سمو مركز المؤسسة الملكية

يعطي الأساس المرجعي الذي تقوم عليه شرعية المؤسسة الملكية في المغرب المكانة السامقة لهذه المؤسسة وسموها على باقي المؤسسات الأخرى. فالهندسة الدستورية تجعل الملك “المهيمن على البنيان الدستوري والسياسي، ليس فيما هو متوقع فحسب، بل فيما هو غير متوقع كذلك، أو محتمل الوقوع”(12)؛ فالملك هو “أمير المؤمنين وحامي الملة والدين”، وهو “رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، ودوام الدولة واستمراريتها”(13). وأي تمثيلية أخرى فهي تأتي في مرتبة أدنى من ذلك وإن كان دستور 1996 يحيل على هذا المعطى، فإن الإصلاح الدستوري لسنة 2011 جاء ليكرس التمثيلية الأسمى للمؤسسة الملكية، ملكية فاعلة في الحياة السياسية للمملكة. كما أن الدستور أفرد اختصاصات واسعة للملك باعتباره سلطة وراثية، مقابل اختصاصات أقل لرئيس الحكومة باعتباره سلطة انتخابية. فرغم المستجدات التي جاء بها دستور 2011 من إبراز وزن رئيس الحكومة في المشهد السياسي عبر منحه اختصاصات أكبر مما تضمنه دستور 1996، إلا أن مجالات اشتغاله تبقى محدودة في الزمان والمكان بالمقارنة مع اختصاصات المؤسسة الملكية، سواء أكان في الشأن الديني حيث يظل مجالًا محفوظًا للمؤسسة الملكية، أم في المجال الإستراتيجي لتدبير السياسات العامة للدولة؛ إذ يبقى الملك هو صاحب الاختصاص في تعيين مديري أهم مؤسسات الدولة.

وبالنتيجة، تظل الملكية هي الفاعل الأول في المشهد السياسي المغربي. كما أن الأوراش التنموية المفتوحة هي من تدبير ملكي شخصي، خارج مكونات البرلمان أو الحكومة التي تنحصر مهامها في تطبيق التوجيهات الملكية من دون أية سلطة حقيقية لاتخاذ القرارات؛ الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن جدوى تمثيلها للسيادة الشعبية، وفعاليتها في تمثيل المواطنين.

التمثيلية الأدنى للمؤسسة البرلمانية

إذا كانت الملكية تشكِّل التمثيلية الأسمى للأمة في المغرب، فإن تمثيلية نواب الأمة بالبرلمان هي تمثيلية أدنى منها وأقل درجة ولا يمكن أن تتجاوزها، بل هي تخضع لتوجيهاتها. هكذا نأتي إلى المدخل الدستوري لفهم ضعف العمل البرلماني الذي يخضع لمنطق العقلنة البرلمانية التي تجعل مهامه التشريعية والسياسية محدودة جدًّا بالمقارنة مع المهام الموكولة للحكومة في هذا المجال. وحتى دوره في مجال الرقابة التي قد تسمح له بممارسة نوع من التأثير السياسي، يبقى ضعيفًا نظرًا للتركيبة السوسيو-مهنية لأغلب أعضائه. وعليه، لا يمكن الجزم بأن البرلمان المغربي يمارس سلطة حقيقية في الحكم والمساهمة في تدبير الشؤون العامة؛ وهذا ما يُفقِده صدقيته لدى المواطنين بشأن ما يمكنه القيام به لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاستجابة لانتظاراتهم. ويُعزى هذا الاستنتاج إلى أن الناس أضحوا يشعرون بعدم فعاليتهم السياسية وتأثيرهم في تدبير الشأن العام، وبالنتيجة تصبح مشاركتهم في العملية الانتخابية غير مجدية ولا تأثير لها ما دام مَنْ ينتخبونهم لا يملكون سلطة صناعة القرار السياسي.

وبالرجوع إلى الوثيقة الدستورية يمكن التوقف على مجالات تدخل المؤسسة البرلمانية في مجال التشريع مقابل المجالات المخولة للحكومة. فإن كانت المؤسسة البرلمانية في المغرب تكتسي صفة السلطة التشريعية، وفقًا للفصل 70 من الدستور، وما يقتضيه ذلك من حق في تقديم مقترحات قانون، إلا أن الممارسة البرلمانية أثبتت -رغم مستجدات الدستور الجديد- أرجحية المؤسسة التنفيذية في تقديم مشاريع قوانين تُحوَّل إلى البرلمان باعتبارها مشرِّعًا أصليًّا إلى مشرِّع ثانوي. 

تعددية مراقبة

يمكن تصنيف الحضور الحزبي بأنه محدد أساسي كذلك داخل الهندسة الانتخابية في المغرب؛ حيث لا يقتصر الأمر على هيمنة المؤسسة الملكية على المشهد السياسي، وقصور العمل التمثيلي للبرلمان، بل يدخل موقع الأحزاب في اللعبة السياسية باعتبارها عصب ومحرك هذا المشهد من الناحية النظرية. فالملاحظ في الوضع الحزبي بالمغرب أنه يخضع لاعتبارين اثنين: الأول: يتمثَّل في وضع البلقنة والفراغ الأيديولوجي، والثاني: انفصال الأحزاب عن الجماهير، وضعفها في التواصل السياسي.

فالتعددية الحزبية في المغرب لا تعني الاختلاف السياسي أو الأيديولوجي، بل تعني الاختلاف في الرؤية المصلحية والبراغماتية التي توجه اختيارات كل حزب في علاقته مع السلطة. هذه الاختيارات التي تقوم على بُعد مصلحي في الغالب الأعم تؤدي إلى انشقاقات حزبية، أَثَّثَت الخريطة الحزبية المغربية بأزيد من 30 حزًبا سياسيًّا ببرامج وشعارات متشابهة ومكررة “أَفْقَدت العديد منها مقومات المصداقية والمعقولية والقدرة على الإقناع، وامتلاك جاذبية التحفيز والاستقطاب”(14). كما أن موقع الحزب السياسي وفعاليته في التأثير السياسي يخضع لمنطق “لعب سياسي” مضبوط يقوم على قانون يكرس حزب التدبير (القابل بقواعد اللعبة)، والذي لا يمكن أن ينافس الدولة في الاستعمال المشروع للموارد المتعلقة بالهوية(15)؛ مما يجعل المعارضة الحزبية في المغرب خارج المنافسة عن السلطة أو التأثير فيها، بالشكل الذي يؤثر في التوازن السياسي القائم على سمو هذه السلطة السياسية عن باقي الفاعلين.

لقد فاقم القصور في أداء الأحزاب السياسية وعجزها عن تجديد نخبها، والاضطلاع بالأدوار المخولة لها في مجال الفعل السياسي، إشكاليةَ فعالية الحزب السياسي في المغرب، وفقدان الثقة في الفاعل السياسي، وما يقدمه من برامج لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفشية في المغرب. ومما زاد الأمر سوءًا الضعف الذي بدا جليًّا في التحول الأيديولوجي والسياسي لهذه الأحزاب، ودعواتها إلى توزيع متوازن للسلط، وعدم تعويل المواطنين على الأحزاب التقليدية في بناء مستقبلهم.

كما صاحب ضعف الأحزاب التقليدية، وتحولها السياسي من خلال الاندماج في العمل الحكومي، ضعف جذري في عملية التأطير السياسي واستقطاب الجماهير وتشجيعها على العمل السياسي. فقد أضحى أكبر همها الحصول على أكبر عدد من المقاعد النيابية التي تخولها الولوج إلى الحكومة، وهو هاجس لم يصاحبه همُّ التجذر في أوساط المواطنين والاستماع إلى نبض الشارع ورؤيته للمشهد السياسي وتوجهاته. فالأحزاب السياسية المغربية لا تتواصل مع المواطنين وإن حصل يكون مفرغًا من محتواه السياسي والتربوي/التأطيري.

إن فقدان الثقة في العمل الحزبي وجدواه في المغرب تبرزه كذلك استطلاعات الرأي التي أثبتت أن أغلب الأحزاب فقدت ثقة الجمهور الذي يَعدُّها ضعيفة ومتحجرة. فحسب بعض استطلاعات الرأي أجرتها جهات رسمية في المغرب فإن نسبة %13 فقط من المغاربة راضون عن الأحزاب السياسية، مقابل %55 راضين عن عمل المدارس والجامعات، و%37 عن العمل الجمعوي. ولم تتجاوز نسبة الشباب الذين انتموا إلى الأحزاب السياسية 1%، رغم أن نسبة 12% فكرت في إمكانية الانتماء(16). كما أن نسبة 69% من المغاربة، وفقًا لإحدى أحدث الدراسات، لا تثق في الأحزاب السياسية، وتبلغ نسبة من يثق في عمل الحكومة 23% فقط(17)

تقدِّم هذه الأرقام تفسيرًا واضحًا عن موقف المواطن المغربي من العمل السياسي وفاعليته، كما تُعلِّل “سلوك العزوف الانتخابي”، الذي أضحى سائدًا في معظم المحطات الانتخابية التي عرفها المغرب، لذلك فجسر التواصل والثقة بين الفاعل الحزبي والجماهير معدوم، وبالنتيجة يغيب الناخب عن صناديق الاقتراع.

1.2. المحدد السوسيو-قانوني

لا يستقيم الحديث عن عملية انتخابية فعالة، دون وجود قانون انتخابي سليم وفعال يضمن التمثيلية العامة للمواطنين. بيد أن العملية الانتخابية في المغرب فيها إشكالية في هذا المجال؛ فنظام الاقتراع النسبي باللائحة مع الاحتفاظ بأكبر بقية بعتبة 3%، وقاسم انتخابي على عدد المسجلين وليس عدد المصوِّتين الذي تم اعتماده في الانتخابات التشريعية للثامن من سبتمبر/أيلول 2021، وشكل التقطيع الانتخابي، تؤدي إلى نتائج سلبية تلقي بظلالها على قضية التمثيلية في المغرب، وسلوك الناخب المغربي. وهذا تبيان لذلك في العناصر الآتية:

هشاشة نظام الاقتراع

نتج عن نمط الاقتراع اللائحي في المغرب إشكاليتان تؤثران بشكل مباشر في سلوك الناخب وأسلوب تعامله مع العملية الانتخابية وعلى جدوى العملية الانتخابية في المغرب.

الأولى: لا يسمح هذا الشكل من الاقتراع المعتمد ببروز أغلبية نيابية قوية وواضحة؛ فنظام “أكبر بقية” الذي يقلص من أثر فارق النتائج بين اللوائح المتنافسة مع قاسم انتخابي على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس عدد الذين أدلوا بأصواتهم يوم الاقتراع، يكون في صالح الأحزاب الضعيفة، ويسمح بترجيح آخر مقعد في عملية توزيع المقاعد بالشكل الذي يؤثر سلبًا بنسبة كبيرة في الخريطة النيابية داخل البرلمان. ففي حالة وجود دوائر من 2 أو 3 أو 4 مقاعد، حتى وإن كان الفارق كبيرًا بين اللوائح الأولى والثانية والثالثة فلا يُترجم إلى شكل لكسب المقاعد؛ ذلك أن القاسم الانتخابي المعتمد في الانتخابات التشريعية الأخيرة، يسهم في تجزئة التمثيلية النيابية، وبالنتيجة يؤدي هذا النمط إلى تشتيت المقاعد ولا يسمح بظهور أغلبية قوية قادرة على أن تشكِّل قوة حكومية موحدة ومنسجمة، وهو ما تجسد في الانتخابات التشريعية للثامن من سبتمبر/أيلول 2021.

كما أن هذا النمط في شكله الحالي لا يسمح للناخب باختيار المرشح من اللائحة المقترحة من طرف كل حزب، فالناخب ملزم بالتصويت على وكيل اللائحة؛ مما قد يكون منافيًا لاختيار المواطن الذي يفضل المرشح الذي من اللائحة نفسها لكن يوجد في مرتبة أدنى من وكيل اللائحة؛ “مما يشعره بالإحساس بأن صوته سيزكي نتيجة محددة مسبقًا وتمس اختياره التقريري وأن الأحزاب هي التي قررت بدلًا عنه بتزكيتها لوكيل اللائحة”(18). هذا الإشكال يؤدي إلى أن هذا النمط وإن كان ظاهريًّا يقوم على شروط النظام اللائحي، فإنه عمليًّا يؤدي إلى ذات النتائج السلبية لشكل الاقتراع الاسمي الأحادي الذي كان مطبقًا في السابق.

الثانية: أن حساب القاسم الانتخابي وفق التعديل الجديد، والذي يتم وفقه قسمة مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد بدل عدد الأصوات الصحيحة كما كان معتمدًا في الانتخابات السابقة، كان محطَّ انتباه العديد من المرشحين الذين عملوا على دفع عدد كبير من المواطنين المشكوك في ولاءاتهم الانتخابية لهم إلى عدم التصويت، وذلك عبر احتجاز بطاقاتهم الانتخابية أو تمزيقها مقابل تعويض مالي قصد إفراغ العتبة من مضمونها، وضمان منافستهم على المقعد الانتخابي، ما دام القاسم الانتخابي يُحسب على عدد الناخبين المسجلين وليس عدد الناخبين المصوتين.

ويبدو واضحًا تأثير هذا النمط الانتخابي في إفراز أغلبية حكومية منسجمة خلال الاستحقاقات التشريعية التي عرفها المغرب في 8 سبتمبر/أيلول 2021، فقد جمعت حزبين بُني برنامجهما الانتخابي على صراع بينهما (حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة)، وهذا خلق إشكالًا آخر في جدوى العملية الانتخابية؛ إذ لم تستطع إفراز توجه سياسي قادر على تحقيق برنامجه الانتخابي الذي على أساسه تم التعاقد مع المواطنين إبان الاستحقاق الانتخابي. 

تسييس عملية “التقطيع الانتخابي”

تُعد عملية التقطيع الانتخابي في المغرب من المهام المنوطة بالحكومة؛ فلم يخول القانون البرلمان التدخل أو المساهمة في هذه العملية، فوفقًا للمادة 2 من القانون التنظيمي لمجلس النواب تُسنَد مهمة إحداث الدوائر الانتخابية للوزير الأول، بمقتضى مرسوم. والملاحظ أن عملية التقطيع الانتخابي تخضع لمعيار سياسي أكثر منه قانوني، يتجلى ذلك بالأساس في استعمال هذه الآلية للتحكُّم في الجسم الانتخابي ونتائج الانتخابات. فقد استُخدمت هذه الآلية بشكل كبير في إدارة صراع المعارضة والسلطة السياسية التي عمدت في معظم المحطات الانتخابية إلى إضعاف نفوذ المعارضة في تمثيلياتها النيابية ونفوذها السياسي. وما زالت هذه الآلية تسهم في رسم معالم الخريطة السياسية والتحكُّم فيها بالشكل الذي يدرأ المفاجآت التي من شأنها أن تُخِلَّ بالتوازنات السياسية. ويمكن تفسير ذلك بغياب معايير محددة ودقيقة في عملية التقطيع الانتخابي، الذي يجب أن يقوم على المساواة بين الناخبين حسب عدد السكان، وأن يكون صوت ناخب ما مساويًا لصوت ناخب آخر، انطلاقًا من المبدأ الأممي “شخص واحد صوت واحد” بالشكل الذي لا يؤدي في تحديد الدوائر الانتخابية إلى خلق تفاوت في توزيع الناخبين…(19).

فما فتئت السلطات الإدارية تعتمد في تقطيع الدوائر الانتخابية مخطط تشتيت الجسم الانتخابي عن طريق ضم جزء من دائرة يكون فيها نفوذ شعبي لمرشح المعارضة لدائرة المرشح الموالي للسلطة؛ مما يولِّد عزوفًا شعبيًّا عن العملية الانتخابية لشعور المواطنين ببرانية المرشحين عن دوائرهم؛ الأمر الذي يمس جوهر وغاية التمثيلية السياسية؛ لأن عملية التقطيع الانتخابي هي من العناصر الرئيسية في نجاعة الانتخابات الديمقراطية.

2. الانتخابات التشريعية وآفاق الانتقال الديمقراطي في المغرب

انتهينا في المحور السابق إلى وجود محددات بنيوية للفعل الانتخابي المغربي، تؤثر جوهريًّا في مخرجات العملية الانتخابية وفي فعالية ووظيفة الانتخابات برمتها. وتُعد هذه المحددات من الثوابت في صنع اللحظة الانتخابية بالمغرب، فتارة تُستخدم آلية لإبعاد التيارات والحقول المضادة للنظام الرسمي، وتارة تفسح في المجال للتنافس على المراكز الانتخابية، فساد الاقتناع بأن النزاهة الانتخابية في ظل البيئة الخاصة للنظام السياسي المغربي تخدم شرعية السلطوية وتكرس استمراريتها.   

2.1. مظاهر السلطوية الانتخابية: الثابت والمتحول

تحيل السلطوية الانتخابية على النسق السياسي الذي يتيح تعدد الفاعلين السياسيين، وإجراء الانتخابات والحفاظ على دوريتها، وسلامة العملية الانتخابية بضمان تنافسيتها، لكن رغم ذلك لا تؤدي الانتخابات إلى تداول على السلطة ومراكز القرار، بل تسهم في الحفاظ على استقرار السلطة واستمرارها بأيدي فاعلين مركزيين. فهل تعبِّر هذه الآلية عن حالة الانتخابات في المغرب؟ وإلى أي حدٍّ استطاع النظام السياسي المغربي التحرر من مظاهر السلطوية في تدبير اللحظة الانتخابية؟

ظاهرة الحزب الأغلبي

ظل السعي لإيجاد حزب أغلبي يعبِّر عن إرادة السلطة السياسية لإدارة العملية الانتخابية إحدى القواعد السائدة في تصريف الفعل الانتخابي في المغرب. فقد ظلت المحطات الانتخابية في المغرب منذ حصوله على الاستقلال مسكونة بهاجس صناعة أغلبية انتخابية في مواجهة شعبية المعارضة المتمثلة في تيارات “الحركة الوطنية”؛ لهذا عمدت الإدارة في كل استحقاق انتخابي إلى محاولة إفراز لاعب سياسي متحكم فيه داخل الحياة السياسية تفاديًا لأية مفاجآت قد تُحدِث خللًا في بنية التوازن السياسي السائد.

لهذا شهد المغرب، سنة 1963، التي جرت فيها أول انتخابات تشريعية في تاريخ البلاد، تأسيس “حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” المعروف اختصارًا بـ”الفديك” بقيادة مدير الديوان الملكي آنذاك، أحمد رضا أكديرة، من أجل خلق نوع من التوازن السياسي بين الأحزاب الوطنية ذات الشرعية التاريخية المفعمة برمزية الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، والمؤسسة الملكية التي لم تكن تخفي نيتها الاستمرار في قيادة المشهد السياسي المغربي. فكان اللجوء إلى صناعة الحزب الأغلبي بقيادة نخب تابعة للإدارة، حتى تكون لها الريادة في قيادة الحكومات المتعاقبة على مغرب الاستقلال.

ويلاحظ الدارس لمسار النظام السياسي المغربي أن الساحة السياسية تعرف قبيل كل استحقاق انتخابي تشريعي ميلاد حزب بلا هوية سياسية وبلا مرجعية أيديولوجية، ورغم ذلك يحصل على أغلب مقاعد المؤسسة التمثيلية. فقد تكرر الأمر أواسط السبعينيات ببروز “حزب التجمع الوطني للأحرار” بقيادة أحمد عصمان، صهر الملك الراحل الحسن، وهو يمثِّل جزءًا من رجال الأعمال ونخب التكنوقراط. وقد استطاع الحزب في ظرف زمن قياسي تجميع كافة النخب التجارية المستقلة الممثلة في البرلمان وتشكيل حكومة برئاسة أحمد عصمان في 1977. وترى كل التفسيرات أن تأسيس الحزب كان بإيعاز من الإدارة السياسية، وتكريسًا للسياسة المؤسسة للحزب الأغلبي السائدة في المغرب، وذاك من أجل خلق مناخ متحكَّم فيه وتابع للإرادة السياسية العليا المتمثلة في المؤسسة الملكية.

بعد أن استنفد حزب التجمع الوطني للأحرار وظيفته السياسية، ستستمر الإدارة باحترام دورية العملية الانتخابية وجعل المعارضة بكافة أطيافها حاضرة في المشهد الانتخابي، لكن مع الاستمرار في نهج سياسة الحزب الأغلبي، فإبان التحضير للانتخابات التشريعية لسنة 1983 تم إنشاء “حزب الاتحاد الدستوري” بقيادة المعطي بوعبيد، وهو من الشخصيات الموالية للإدارة، بهدف إعادة تأثيث المشهد السياسي بعد الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي الذي عرفه المغرب في بداية الثمانينات من القرن الماضي. وهكذا تصدر الحزب العملية الانتخابية، وتولى قيادة الحكومة سنوات عديدة. 

ولئن كانت سنوات التسعينات لم تعرف نهج السلوك نفسه في التحكُّم باللعبة السياسية، بسبب سعي المؤسسة الملكية إلى البحث عن شركاء داخل تيارات الحركة الوطنية، التي ظلت قابعة في المعارضة وقاطعت جل الاستفتاءات الدستورية التي عرفها المغرب، إلا أن التحكم في التوازنات السياسية ظل قائمًا إلى أن تولت المعارضة اليسارية قيادة الحكومة سنة 1998، قبل رحيل الملك الحسن الثاني بسنة؛ الأمر الذي اعتُبر تدشينًا لمسلسل القطيعة مع الممارسة الانتخابية السابقة عبر الانفتاح على كافة مكونات المشهد السياسي، وجعل اللحظة الانتخابية لحظة إفراز للأغلبية الممثلة للسيادة الشعبية. لكن سنة 2002 ستشهد تراجعًا عن هذه المنهجية، من خلال اختيار السيد إدريس جطو وزيرًا أول للحكومة من خارج التمثيلية الحزبية على اعتبار أن دستور 1996 يعطي الصلاحية التامة للمك لاختيار الوزير الأول سواء أكان من الأحزاب الممثلة في البرلمان، أم من شخصيات تكنوقراطية؛ الأمر الذي عُدَّ خروجًا عن المنهجية الديمقراطية التي بدأت في عهد حكومة التوافق سنة 1998. 

وستعرف الانتخابات التشريعية لسنة 2007 شبه عودة للسياسة القديمة بصناعة الحزب الأغلبي؛ فقد شهدت الساحة الحزبية تأسيس حزب سياسي بقيادة أحد مستشاري الملك، علي الهمة، الذي كان وزيرًا للداخلية سابقًا، عبر تجميع نخب برلمانية من كافة الأطياف السياسية فيما يشبه عملية رحيل سياسي، تحت اسم “حزب الأصالة والمعاصرة”، الذي اكتسح الانتخابات الجماعية التي عرفها المغرب سنة 2009، مما خوله قيادة كبريات مجالس المدن بالمغرب.

إن ما يلاحظه الدارس للانتخاب في المغرب أن المسار الانتخابي اتجه منذ أول تجربة انتخابية نحو ما يسمى بالسلطوية الانتخابية؛ فقد ظلت المنافسة الانتخابية مراقبة من طرف الإدارة ومتحكَّمًا في نتائجها لفائدة حزب أغلبي موال للإدارة. لهذا كانت الوظيفة الانتخابية تتمثَّل في إضفاء نوع من الشرعنة على الحياة السياسية، وتلميع صورة المغرب أمام المنتظم الدولي المراقب لما يجري في البلاد.

لهذا، تجب دراسة الطابع التنافسي للعملية الانتخابية في المغرب من عدمه من داخل المحددات المتحكمة في الهندسة الانتخابية برمتها كما تم تناولها سابقًا. لهذا فالوظيفة الانتخابية في المغرب لم تكن تدخل في إطار الغاية التي يعطيها دانييل دال )Daniel Dalle) للممارسة الانتخابية، باعتبارها شكلًا تنافسيًّا نزيهًا بين النخب على أصوات الناخبين الذي يحسمون من يملك سلطة التقرير في حياتهم العامة، بينما المؤسسة الملكية “ممثلة أسمى للأمة”، وفق الوثيقة الدستورية، هي صاحبة التقرير في اتخاذ القرارات السياسة والاقتصادية التي تهم أفراد المجتمع.

بيد أن سنة 2011 ستعرف منعطفًا في الحياة السياسية المغربية؛ ذلك أن الحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة عجَّل بإصلاحات دستورية أُقرَّت في دستور يوليو/تموز 2011، الذي وسَّع صلاحيات الهيئات المنتخبة في المغرب، وخوَّلها أكثر مما في دستور 1996 في تدبير الشأن العام. وقد أثَّر السياق الذي جاء فيه ذلك الإصلاح الدستوري على شكل العملية الانتخابية التي تلت الاستفتاء الدستوري؛ فقد تولَّى حزب “إسلامي”، قيادة الحكومة أول مرة، وهو “حزب العدالة والتنمية” بعد أن احتل المركز الأول من حيث عدد المقاعد النيابية في الانتخابات التشريعية، التي جرت في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

ولوحظ أن تلك الانتخابات كانت أول عملية انتخابية في المغرب تقطع مع التحكُّم القبلي في مسار النتائج الانتخابية، التي حظيت أولًا بالقبول السياسي من كافة الأطراف والأحزاب السياسية المشاركة، والتي أقرت بنزاهتها، وثانيًا من حيث المفاجأة التي أسفرت عنها؛ وهي وصول تيار محسوب على التوجه الإسلامي، والذي ظل عقدين من الزمن في صف المعارضة إلى رئاسة الحكومة. وهذا ما يؤشر على تحول في النمط السلطوي الذي عرفته الاستحقاقات الانتخابية السابقة. بيد أن هذا المتغير لم يكن ثابتًا في تحول السلطوية الانتخابية في المغرب، فقد سجلت المحطات الانتخابية لسنة 2021 العودة إلى أسلوب التحكُّم والضبط للعملية الانتخابية، بعيدًا عن التنافس الحر والنزيه، وذلك بالتوجه نحو إحياء نموذج الحزب الأغلبي الموالي للسلطة السياسية، والذي تكرس مع حزب التجمع الوطني للأحرار خلال الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية للثامن من سبتمبر/أيلول 2021. 

إشكالية النزاهة الانتخابية

يستمد النظام الانتخابي في الأنظمة الديمقراطية شرعيته من الدستور والقوانين التنظيمية، والتي من المفروض أن تحقق تكافؤ الفرص بين مختلف الفاعلين السياسيين، وتضمن حرية الانتخاب والترشح، وأن تحقق حياد الإدارة المشرفة على العملية الانتخابية، والمساواة في استعمال القوى السياسية لوسائل الإعلام العمومية، ثم ضمان النزاهة الانتخابية بالمراقبة الصارمة للأموال المخصصة للحملات الانتخابية، مع ضمان حقوق المنتخبين في اللجوء إلى القضاء للطعن في النتائج الانتخابية.   

ويبدو أن المغرب، الذي ظلت إدارته الانتخابية غير محايدة بل منحازة في هندسة الخرائط الانتخابية ورسم التوازنات السياسية داخل المؤسسة البرلمانية مدة قاربت خمسة عقود، بدأ يتلمس طريقه نحو ما يمكن تسميته، بقدر واع من الاحتراز، التأهيل السياسي المفضي إلى الانتخابات الحرة والنزيهة(20). فبعد أن سادت مظاهر السلطوية التي ظلت متحكمة في توجيه المسار الانتخابي في المغرب، بالشكل الذي يضمن التوازن السياسي السائد الذي يجعل من المؤسسة الملكية الفاعل المركزي في الحياة السياسية برمتها، فإن الاستحقاق الانتخابي الأخير بدأ يفضي إلى القطع مع هذا النوع من الممارسات. فقد كان الهدف من التدخل في العملية الانتخابية في السابق، تمليه رغبة الإدارة في إبعاد المعارضة السياسية المتمثلة في تيارات “الحركة الوطنية”، والتي كانت تعد نفسها شريكة في تحقيق استقلال المغرب، لذا تستحق أدوارًا طلائعية في القيادة السياسية وتدبير الشأن العام، مقابل مؤسسة ملكية تجد في مواردها التاريخية والدينية شرعيتها في قيادة الحياة السياسية برمتها. لكن مع التراجع الشعبي لتيارات الحركة الوطنية وتآكل شرعيتها التاريخية؛ الشيء الذي تؤكده الأرقام الانتخابية التي تحصلت عليها في استحقاقات انتخابية هي أول من يعترف بشرعيتها، لم تعد نزاهة وشفافية الانتخابات تهدد التوازنات القائمة فأصبحت نزاهة الاقتراع وشفافيته تصب في مصلحة النظام أكثر من أي وقت مضى(21).

ورغم الحياد الإداري في العملية الانتخابية الذي باتت تعرفه الاستحقاقات في المغرب، إلا أن هذا الحياد يكون سلبيًّا في كثير من الأحيان، ويعد شكلًا من أشكال الطعن في نزاهة الانتخابات في المغرب. فظاهرة توظيف الأموال في تدبير الحملات الانتخابية ما زالت مستمرة، وهي معطى ذاتي مرتبط بثقافة الناخب والمنتخب، وهذا ما يفسد نزاهة الانتخابات. فقد وقع الانتقال من تحكُّم الإدارة في رسم التوازنات الانتخابية القبلية إلى تحكم المال في التأثير على المواطنين لكسب أصواتهم الانتخابية، وإن كان الأمر يرجع لطبيعة الثقافة السياسية السائدة سواء أكانت لدى الناخب أم المنتخَب، إلا أن الإدارة تُعد مسؤولة عن تحقيق النزاهة الانتخابية وضمان تكافؤ الفرص بين المنتخبين كافة.

لهذا، لا يمكن الحديث عن انتقال انتخابي حقيقي في المغرب، إلا بتكريس ثقافة المشاركة السياسية باعتبارها تجسيدًا لحق من حقوق المواطنة، التي تجعل من المواطن محددًا لمسار من يبتُّ في القرارات التي تهم شأنه العام، وبالنتيجة القطع مع الممارسات المشينة، مثل توظيف المال في الحملات الانتخابية، التي تنقص من مسار نزاهة العملية الانتخابية ومن قيمة صوت المواطن في تحقيق التمثيلية السياسية الحقة، واستكمال مسار إرساء الديمقراطية وتمتينها.

ويُعد التقطيع الانتخابي السائد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أحد العوائق أمام عملية الانتقال السياسي الانتخابي في المغرب؛ حيث تظل الخريطة الانتخابية بعيدة عن تحقيق مبدأ التمثيلية نظرًا لغياب شرط المساواة بين الدوائر الانتخابية من جهة، وللتفاوت بين الدوائر الانتخابية من حيث مساحاتها، وكتلتها الانتخابية، ثم لدخولها في المنطق الانتخابي القديم. وعليه، فإن بديل الانتقال من حالة عدم النزاهة إلى النزاهة الانتخابية هو مبدأ المساواة الانتخابية الذي يمثِّل أهم معايير الانتخابات الديمقراطية.

فلا يمكن الحديث عن استكمال فعالية مسار الإصلاح الدستوري إلا بالنظر إلى المخرجات المترتبة على هذا الإصلاح، سواء أكان على مستوى القوانين المنظمة، وعلى مستوى فعالية المؤسسات المنتخبة، أو على مستوى شفافية ونزاهة العملية الانتخابية، التي تحقق وظيفتها في تكريس الديمقراطية المنشودة، أو على مستوى الثقافة والممارسة السياسية المنتجة للفعل السياسي المعبِّر عن هذا الإصلاح الدستوري.     

2.2. الشرعية الانتخابية وإشكالية الانتقال

يُعد مبدأ الشرعية قوام الفلسفة الانتخابية برمتها، فبواسطته تُبنى شرعية النخب المنتخبة في الحكم، وبواسطته تتآكل هذه الصلاحية. لهذا يلاحظ في الحالة المغربية استمرار وجود مظاهر السلطوية الانتخابية؛ مما يقوض مبدأ شرعية الأطر المنتخبة في تدبير الشأن العام، وتمثيلية المواطنين. وتتعدد مظاهر هذا الانتقاص من شرعية النخب المنتخبة جرَّاء مشاركتها في السلطة بدون أن تمارس السلطة، ثم جرَّاء ضعف المشاركة السياسية للمواطنين في التعبير عن اختياراتهم للهيئات الممثلة لهم. 

مشاركة بدون سلطة

من المفترض أن تؤدي العملية الانتخابية إلى إفراز نخب حاكمة تقود عملية صناعة القرار السياسي؛ إذ تكتسي اختياراتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مضمونًا سياسيًّا متسقًا مع أشكال التعاقد التي أخذتها على عاتقها مع المواطنين الذين انتخبوها لتمثيلهم. فالمعادلة الانتخابية الديمقراطية تؤدي إلى تحقيق معيار التداول على السلطة أولًا، ثم ممارسة الهيئات المنتخبة للسلطة ثانيًا.

في الحالة المغربية، تنتفي عناصر هذه المعادلة لمجموعة من الاعتبارات، أهمها: بنية البيئة العامة للنظام السياسي المغربي، فالهندسة الدستورية تفرز مجالات واسعة لا تدخل في اختصاصات المؤسسات الانتخابية؛ وهذا يُسقط فلسفة التمثيلية في المجال التداولي المغربي في إشكالية ملاءمة السيادة الشعبية مع الحضور القوي لمؤسسات أخرى غير منتخبة، تفوق شرعيتها التاريخية والدينية التعبير عن السيادة عن طريق العملية الانتخابية.

لهذا، يصعب الحسم في مدى ملاءمة خطاطة التمثيلية الشعبية للهندسة التي يقوم عليها الدستور المغربي في توزيع الاختصاصات بين السلط، فتمركز معظم السلط (الدين، الأمن، الدفاع، القضاء، السياسة العامة، الخارجية..) بيد المؤسسة الملكية لا يسمح بالحديث عن شرعية انتخابية لصنَّاع القرار السياسي في المغرب. فصناعة القرار تبقى بيد الملك الذي يستمد شرعيته من خارج العملية الانتخابية، وتبقى مكانته فوق باقي المؤسسات وبعيدة عن كل النزاعات.

وهذا ما يجعل باقي المؤسسات، رغم التعديلات الدستورية في 2011، تحت وصاية المؤسسة الملكية. وبمقارنة بسيطة بين مراكز المؤسسات داخل الهندسة الدستورية، يتبين الدور البارز الذي تضطلع به المؤسسة الملكية في صناعة السياسة العامة، وتدبير الشأن اليومي للمواطن المغربي. فقد ظلت المؤسسة الملكية، منذ دستور 1962، متمسكة بوضعها الإستراتيجي في الهرم الدستوري، فتشريعيًّا يُخوِّل الدستور الملك التدخل المباشر في الحياة البرلمانية من خلال مخاطبة البرلمان مع ما يعنيه ذلك من توجيه للحياة السياسية وتأطيرها، بل ورسم الملامح الكبرى للسياسة العامة دون أن يكون مضمون الخطاب موضوع نقاش(22).

وبخصوص الجهاز التنفيذي تظل المؤسسة الملكية محتفظة بمجال التدخل في رسم التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة، من خلال ترؤس الملك للمجلس الوزاري الذي له اختصاص البت في مشاريع القوانين التنظيمية، والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية… وتعيين مديري ورؤساء مجموعة من المؤسسات الحيوية والنافذة في المغرب، في مقابل المجلس الحكومي برئاسة رئيس الحكومة الذي له اختصاصات أقل تأثيرًا في رسم السياسة العامة للدولة، والتعيين في المناصب الإدارية الحساسة. وهذا ما يثير سؤال السيادة السياسية في المغرب: هل للمؤسسة المنتخبة أم للمؤسسة ذات الشرعية التاريخية والدينية؟

تثير الإجابة عن السؤال السابق مفارقة ناجمة عن المزج بين الملكية التنفيذية باعتبارها امتدادًا للنظام السلطاني التقليدي، وبين الانتخابات التي تُعد أساسية للنظام الديمقراطي الحداثي(21)؛ الأمر الذي يطرح مسألة الخصوصية في النظام السياسي المغربي الذي تتجلى فيه مظاهر الجمع بين الموروث التاريخي والديني فيكون بذلك الملك سلطانًا وأميرًا للمؤمنين، والانفتاح على معايير الهندسة الدستورية المعاصرة؛ ما يجعل الملك رئيسًا للدولة  تحت إمرته حكومة منتخبة عن طريق الاقتراع العام.

وبالرجوع للفصل الثاني من دستور 2011، الذي ينص على أن “السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم”، يلاحظ أن منطوق الفصل الدستوري يكرس مبدأ السيادة للشعب الذي يمارسها بواسطة ممثليه. لكن قراءة هذا الفصل بالموازاة مع الفصل الثاني والأربعين الذي ينص على أن “الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها…” يستنتج وجود عمل بمرتبتين للسيادة، أي السيادة المجسدة في شخص الملك، كما كرس ذلك دستور 1970 وأبقت عليه كل الدساتير المتعاقبة، وسيادة الأمة، التي تباشرها مباشرة بالاستفتاء أو بصفة غير مباشرة عن طريق المؤسسات الدستورية(23).

فالنص على التمثيلية الأسمى للملك لا تنفي باقي المؤسسات، ولكن تجعلها في مرتبة أدنى من سمو المؤسسة الملكية، وبالنتيجة الارتباط التاريخي بين الملك والشعب والتبعية الدينية للملك الساهر على الشأن الديني و”الحامي لحمى الملة والدين”، تلغي الوساطة بين الشعب والملك، ما دام الملك هو المؤمِّن لاستمرار الدولة ودوامها، والمؤمِّن للمسار الحقوقي للمواطن المغربي في شتى المجالات اليومية، باعتبارها ملكية سائدة وحاكمة في ذات الآن. لهذا فتعارض مبدأ الشرعية الانتخابية للمؤسسات المنتخبة، والشرعية الدينية والتاريخية، في ظل الاختصاصات الواسعة التي تملكها، ينشئ إشكالية جدوى العملية الانتخابية برمتها، كما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين، والتي توكل للوسطاء المتنافسين وظيفة تمثيل من أنيطت به السيادة دون سواه، أي الشعب أو الأمة(24).

فرغم الصلاحيات الجديدة التي أضحت تتمتع بها المؤسسات المنتخبة في المغرب، مقارنة بباقي الدساتير السابقة، فإن الحديث عن ممارستها للسيادة الشعبية يبقى محط تساؤل، في ظل استمرار الحضور الوزان للمؤسسة الملكية في الحياة السياسية لدرجة جعلت النخب السياسية، سواء أكانت المشاركة في الحكومة أو في المعارضة، تسارع إلى التعبير عن تبعيتها للمؤسسة الحكومية، حيث لا تنفك عن التعبير بأنها “حكومة جلالة الملك” والمعارضة “معارضة جلالة الملك”. وهو ما يؤكد أنه رغم التقدم في تحقيق النزاهة الانتخابية وشفافيتها في المغرب نسبيًّا مقارنة مع الاستحقاقات السابقة، إلا أن المحددات البنيوية المتدخلة في هندسة العملية الانتخابية، تلقي بظلالها حول فعالية هذه الانتخابات في تكريس التمثيلية والسيادة الشعبية. وهو ما خلصت إليه مونيا بناني الشرايبي في أحدث دراساتها حينما رأت أن “الانتخابات في المغرب وسيلة لهيمنة السلطة القائمة على المجتمع عبر لعبة انتخابية غير تنافسية وبدون مفاجآت، ومن دون أي تأثير على جوهر السلطة السياسية القائمة”(25).   

العزوف الانتخابي وإشكالية السيادة

إذا كانت المشاركة الانتخابية تعني اختيار ممثلي المواطنين الذين يمارسون عملية تدبير القرارات التي تهم مصير العامة، وأيضًا إضفاء الشرعية على أولئك الذين يمارسون السلطة “وتحسيسهم بانتمائهم للمجموعة الكبيرة بفضل ممارستهم الجماعية لامتياز مشترك”(26)، فإن العملية الانتخابية في المغرب، فضلًا عن المنعطفات التي تطبع نزاهة الاقتراع وشفافيته، وإشكالية ممارسة النخب الحكومية المنتخبة للسلطة في ظل الخصوصية التي تطبع النظام السياسي المغربي، تشهد إشكالًا آخر يمس بجوهر التمثيلية من خلال سيادة أشكال “العزوف الانتخابي”، التي عرفتها معظم الاستحقاقات الانتخابية خلال العشرية الأخيرة، وباتت واضحة أيضًا خلال الانتخابات التشريعية للثامن من سبتمبر/أيلول 2021 رغم سياق الإصلاح الدستوري والمؤسساتي الذي جاءت ضمنه.

تثير إشكالية “العزوف الانتخابي” العديد من التساؤلات عن جدوى وشرعية هذه التمثيلية، وذلك من خلال مستويين: مستوى شرعية المؤسسات المنبثقة عن العملية الانتخابية، ومستوى ثان متمثل في جدوى العملية الانتخابية وبالنتيجة الفعل السياسي بالمغرب. وهذا ما يقود إلى الحديث عن أزمة السياسة والسياسي في المغرب. فالسياسي في المغرب أضحى بدون شرعية شعبية من خلال المؤسسات التي يديرها، فمثلًا إذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، يوم 8 سبتمبر/أيلول 2021، لم تتجاوز 51% مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الموعد ضم كافة الانتخابات العامة بالمغرب، ثم انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016 التشريعية لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 43%، وهي نسبة أقل من تلك التي عرفتها انتخابات 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، والتي بلغت المشاركة فيها 45.40%. بالمقابل، تعد مخاصمة 57% من الناخبين لصناديق الاقتراع (عدد المسجلين حوالي 16 مليون ناخب) وعزوف حوالي 14 مليونًا من المغاربة البالغين سنَّ التصويت عن التسجيل في اللوائح الانتخابية، أمرًا مقلقًا لكونه يتسبب في ضعف التمثيلية؛ مما يمس بشرعية المؤسسات المنتخبة(27)؛ وهو الأمر الذي ما فتئ يسائل كذلك السلطة السياسية والأحزاب؛ إذ نجد أن مؤسسة البرلمان، الذي انبثقت من أغلبيته تشكيلة الحكومة، لا تتجاوز شرعيته الشعبية نسبة 20% من الجسم الانتخابي؛ مما يكون له بالضرورة انعكاس على مصداقية هذه المؤسسات ومعيار الثقة والارتباط بالأمة في مشاريعها وسياساتها العامة. وعليه، يمكن الحديث عن ضعف هذه المؤسسات وضعف مغزى وروح اللحظة الانتخابية، التي تعني في عمقها تداول السلطة وتجديد المشروعيات السياسية.

إن العزوف الانتخابي يخلق أيضًا إشكالية السياسة وجدواها في ظل قواعد لعبة متحكم فيها سلفًا، واغتراب سياسي للمواطن جرَّاء التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي يعانيه. فهناك سياسة بدون مصداقية وبدون ضمانات، بدأ يتولد عنها قطيعة ما بين المجتمع والدولة قد تؤدي إلى خلق حقل مضاد للحقل الرسمي من الممكن أن يكون لها انعكاسات سلبية على مستوى مسار الانتقال السياسي؛ “ففي الدول الديمقراطية التي تكون فيها المؤسسات المنبثقة عن الانتخابات ذات مصداقية، يشعر المواطن بأن الحكومة سريعة الاستجابة لمطالبه ويشعر بالثقة في النفس وفي قدرته على التأثير في القرارات الحكومية. وفي هذه الحالة، تصدق مقولة: “السيادة للشعب يمارسها وحده بواسطة المؤسسات التمثيلية”(28)، أما في حالة المغرب فعنصر الثقة يظل منعدمًا في ظل النسب الضعيفة للمشاركة الانتخابية، وبالنتيجة خلق شعور بعدم الرضا الشعبي عن أداء السياسات العامة ودورها في التغيير المجتمعي، التي تمس مواطنة الفرد وكرامته بالأساس.

إن ظاهرة “العزوف الانتخابي” في المغرب تحيل على مظهرين: مظهر يتجلى في اندماج سياسي واجتماعي ضعيف للعديد من الشرائح المجتمعية، التي ترى نفسها مقصية من المشهد العام، ومظهر يتجلى في أناس مطلعين على المجال السياسي ومتتبعين له، ويُعد امتناعهم عن التصويت تعبيرًا عن رفضهم للعرض الانتخابي، وللشروط التي تدار بها العملية الانتخابية. فهم يعتبرون أن صوتهم ليس له أية فاعلية ما دام المنتخب بذاته ليست له أية فاعلية داخل المؤسسة التمثيلية التي يشتغل بها.

تقود هذه العناصر إلى ثلاث نتائج:

– النتيجة الأولى: أن سلوك “العزوف الانتخابي” في المغرب يتحكَّم فيه بشكل كبير ضعف الاندماج الاجتماعي، فالناخبون من الشباب المعطل، وسكان المناطق الفقيرة لا يصوتون لشعورهم بأنهم غرباء عن الرهانات التي تتحكَّم في العملية السياسية بالمغرب.

– النتيجة الثانية: أن الضعف البنيوي للمؤسسات السياسية يؤثر في اختيار الناخبين لسلوك العزوف عن التصويت، فهم لا يجدون من المرشحين من هو قادر على التعبير عن همومهم وتفضيلاتهم؛ فالأحزاب السياسية تكرر في كل محطة انتخابية البرامج والوجوه نفسها؛ مما جعل المواطن يفقد الثقة فيها وفي قدرتها على التغيير. وحتى الأقلية المصوِّتة يبقى دافعها المال الذي تفشى توظيفه بشكل كبير في العملية الانتخابية الأخيرة جرَّاء الحياد السلبي للإدارة، والذي أيضًا كان له دور لا يستهان به في استمالة نسبة من الناخبين للتصويت.

– النتيجة الثالثة: أن سلوك العزوف الانتخابي ينعكس بشكل سلبي على شرعية المؤسسات القائمة باعتبارها غير منبثقة من الأغلبية الشعبية، ولا تمثِّل الإرادة العامة، وهو ما يفرغ العملية السياسية في المغرب من شرعيتها الشعبية؛ إذ تسنى للمواطن من خلال العملية الانتخابية أن يعلن احتجاجه على حكومة لا تحكم وبرلمان لا يمثل. ويتضمن فعل التمثيل بقاء السياسيين أوفياء للسياسات التي انتُخبوا على أساسها، والتي بدورها تقدم مسوِّغًا جليًّا للانضباط الصارم للحزب(29). وفي الحالة المغربية ينتفي هذا الشرط على اعتبار أن الحكومة لا تعبر عن البرنامج الذي تعاقدت على أساسه مع الناخب خلال الحملات الانتخابية؛ لأن طبيعة نمط الاقتراع في المغرب لا يفرز أغلبية مطلقة تستطيع تشكيل الحكومة وفق برنامجها الحزبي؛ مما يضطر الحزب الحائز على أغلبية المقاعد إلى البحث عن شركاء يسهمون معه في تشكيل الأغلبية المطلقة، وهي الحالة التي سقط فيها حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2011 وسنة 2016؛ فأغلبيته النيابية لم تمكِّنه من تشكيل الحكومة بمفرده، مما اضطره للبحث عن شركاء حزبيين لتحقيق ذلك وهو ما يخلق إشكال الانسجام الحكومي والأيديولوجي. فقد يظهر التوجه المحافظ مع التوجه اليميني واليساري في حكومة واحدة بالمغرب، تضيع معها الهوية الموحدة للساهر على تدبير الشأن الحكومي بالمغرب، وتنتفي معها أيضًا جدوى البرنامج السياسي الذي تعرضه هذه الأحزاب على المواطنين خلال الاستحقاقات الانتخابية.

خاتمة

يذهب صامويل هنتنغتون في نظريته عن التحول الديمقراطي إلى إقرار دور الانتخابات في عملية التحول، واعتبارها جوهر عملية الانتقال إلى الديمقراطية، وهي أطروحة أثبتت نسبيتها في الحالة العربية؛ حيث يلاحظ التعايش التام بين المسلسل الانتخابي ومظاهر السلطوية، بل تلعب الانتخابات في كثير من الأحيان وظيفة الشرعنة لاستمرارية السلطوية وإعادة إنتاجها بأشكال أكثر حداثة؛ الأمر الذي ينطبق على الحالة المغربية. فالملاحظ أن القابلية للانتقال الديمقراطي في المغرب لا ترتبط ضمنيًّا بالفعل الانتخابي مهما تعددت فرص التنافسية من داخلها، فقد أثبت تراكم التجارب الانتخابية بالمغرب أن العملية الانتخابية لا تقود بالضرورة إلى إفراز نخب موجهة لصناعة القرار السياسي، نظرًا لطبيعة وخصوصية النظام السياسي في المغرب، بقدر ما تؤدي وظيفة تحديث بنية النظام السياسي دون تهديد لاستمرار مظاهر السلطوية، وبالنتيجة تؤدي الانتخابات وظيفة هندسة التمثيلية السياسية التي تمارس من أعلى عن طريق الإدارة وبالأساس وزارة الداخلية، التي تخطط للتمثيلية عبر الوسائل التقنية للانتخابات المتعارف عليها، مثل التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع(30).

رغم ما أثبتته تجارب الانتقال في ظل ما سمي بالموجة الديمقراطية الرابعة في بعض بلدان أوروبا الشرقية، والتي اضطلعت فيها الانتخابات بأدوار مركزية في تحقيق انتقال السلطة نحو الديمقراطية، فإن قراءة الفعل الانتخابي في المغرب يجب ألا تسلك نمط البراديغم الغربي للانتقال بالنظر إلى خصوصية البنيات المتحكِّمة في صنع السياسة بالمغرب، وهي لا تقتصر على المعطى الموضوعي للنظام بل تتخطاه إلى طبيعة النخب الحزبية، ونضج الثقافة السياسية المتحكِّمة في تصور الفرد للسياسة في المغرب. 

وفي الختام، يمكن أن نستخلص مما سبق درسين:

 – الأول: لا يوجد رابط شرطي بين العملية الانتخابية وإقامة الديمقراطية مهما تقدمت تنافسية الانتخابات، وحافظت على دوريتها ونزاهتها؛ إذ يلاحظ أن الانتخابات ما تنفك أن تعود إلى النقطة التي انطلقت منها عبر إعادة إنتاج أشكال السلطوية نفسها واستمرار أشكال التحكُّم الفردي في الحياة السياسية. وهكذا، فإن دراسة الانتخابات المغربية من زاوية التمثيلية تفتح آفاقًا خصبة للاستفادة من التراكم النظري في حقل علم السياسة لفهم وظيفة الانتخابات باعتبارها ممارسة حديثة تعكس التحولات السوسيو-سياسية التي يشهدها المغرب.

– الثاني: توجد متغيرات مستقلة بلغة علم السياسة تُعد القاعدة الصلبة لتحقق الانتخابات وظيفتها، سواء أكان في تكريس الثقافة الديمقراطية للأنظمة السياسية الديمقراطية، أو ضمان نجاح مسلسل دَمَقْرَطَة الأنظمة في مراحل انتقالية. لذلك، فإن قابلية تحقيق الديمقراطية بالتقاطع مع الوظيفة الانتخابية تشترط بداية وجود بيئة دستورية تضمن فصلًا للسلط، وفعالية المؤسسات الدستورية المنتخبة، فضلًا عن امتلاك الكتلة الناخبة حدًّا أدنى من الثقافة السياسية، حتى يتسنى لها التمييز بين البرامج الانتخابية، والتيارات السياسية التي تمثِّلها داخل الأجهزة التنفيذية للسياسات العامة، والقطع مع ثقافة الولاء والتبعية للشخص والدم والقبيلة.

نُشرت هذه الدراسة في العدد السادس عشر من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب

عبد الإله سطي

أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن زهر أكادير- المغرب.

مراجع

)1( Herb Michael, “Princes and Parliament in the Arab World,” Middle East Journal, Vol. 58, no. 3 (Summer, 2004) “accessed October 21, 2021”. shorturl.at/hkTX7.

(2) يتعلق الأمر ببعض بلدان أوروبا الشرقية التي شهدت عملية انتقال ديمقراطي خلال أواخر التسعينات من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، وهي: سلوفاكيا 1998، وصربيا وكرواتيا 2000، ثم جورجيا 2003. للمزيد عن الموجة الديمقراطية الرابعة، انظر: 

Michael McFaul, “Transition from Post Communism,” Journal of Democracy, Vol. 16, no. 3, (July 2005), “accessed October 30, 2021”, https://bit.ly/3GPalce.

(3) نادين عبد الله، “الانتقال الانتخابي للسلطة والتحول إلى النظام الديمقراطي في أوروبا الشرقية”، منتدى البدائل العربي للدراسات، القاهرة 2008، ورقة قدمت في المؤتمر السنوي لجمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية في القاهرة، 5 يوليو/تموز 2010، ص 3.

)4( Guy Hermet, “Les élections sans choix,” Revue Française de sciences politique, no. 1, (1977): 30-33. “accessed August 25, 2022”, shorturl.at/FGK06.

(5) أندرو هيوود، النظرية السياسية: مقدمة، ترجمة لبنى الريدي (القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2013)، ص 285.

(6) يمثِّل هذا التوجه مصطفى السحيمي من خلال أطروحته الموسومة:

Mustapha Sehimi, Études Des Élection Législatives Au Maroc (Casablanca : Soumaded, 1978).

(7) يمثل هذا التوجه كل من عبد الرحمن القادري وخالد الناصري ومنية بناني الشرايبي من خلال أعمالهم:

– عبد الرحمن القادري، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري، (الدار البيضاء، دار النشر المغربية، 1985)، ج 1.

– Khalid Naciri, Le droit Politique Marocain, (Thèse d’Etat, Paris 1984).

– Mounia Bennani-Chraibi et all., (dir), Scènes et coulisses de l’élection au Maroc: Les législatives 2002, (Paris: Editions Karthala, 2004).

(8) يمثل هذا التوجه محمد معتصم وجون كلود سانتوشي من خلال عمليهما:

– محمد معتصم، الحياة السياسية المغربية (الدار البيضاء، مؤسسة إيزيس للنشر، 1992).

– جون كلود سانتوشي، “الأحزاب السياسية المغربية تحت محك السلطة: تعددية تحت المراقبة”، ترجمة محمد حمادي، مجلة وجهة نظر (الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2003).

(9) Anthony Giddens, Runaway World, How Globalization is Reshaping our Lives, (London: Routledge, 2002), 45.

)10( Samuel Huntington, The third Wave: Democratization in the Late Twentieth Century, (Norman: University of Oklahoma Press, 1991), 7.

)11( Joseph Schumpeter, Capitalism, Socialism and Democracy, (London: Allen and Unwin, 1954), 259.

)12( Abdelatif Manouni, “Le recours à l’article 19 une Nouvelle Lecture de la Constitution,” Revue Juridique Politique et Economique du Maroc, no. 15, (septembre 1984): 28-32.

(13) الفصلان 41 و42 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011.

(14) مصطفى محسن، “في التنمية السياسية”، منشورات مجلة وجهة نظر، (الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 2007)، ص 15.

(15) Hohammed Madani, Le Paysage Politique Marocain (Rabat: Dar el Qalam, 2006).

(16) “50 سنة من التنمية البشرية وآفاق سنة 2025″، (ب.ت)، fiekr.com، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2016)، https://bit.ly/3TtHfoF.

(17) محمد مصباح (محرر)، البرلمان وما وراءه: تجديد الثقة من خلال بحث جذور نقصها، (الرباط، المعهد المغربي لتحليل السياسات، 2020)، ص 75.

(18) عبد الله حارثي، حوار بجريدة “الأحداث المغربية”، 25 سبتمبر/أيلول 2003، ص 6.

(19) لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة: التعليق على المادة 25، الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.

(20)  أمحمد المالكي، الانتخابات البرلمانية في المغرب في ضوء معايير النزاهة الانتخابية، ورقة قدمت لندوة النزاهة في الانتخابية البرلمانية مقوماتها وآلياتها في الأقطار العربية، بيروت، مارس/آذار 2008، (تاريخ الدخول: 17 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3mhIBTX.

(21) محمد الهاشمي، “تجديد السلطوية بقواعد ديمقراطية”، مجلة وجهة نظر (الدار البيضاء، العدد 33-34، 2007)، ص 16.

(22) يونس برادة، “الإشكالية الانتخابية في المغرب: مقاربة أسس الحكم وتجاذبات المسار الانتخابي”، ورقة قدمت ضمن سياق اللقاء السابع عشر لمشروع دراسات الديمقراطية بعنوان الديمقراطية والانتخابات في الدول العربية، (كلية سانت كاترين جامعة أكسفورد، 18 أغسطس/آب 2007).

(23)  الهاشمي، “تجديد السلطوية بقواعد ديمقراطية”، وجهة نظر، ص 17.

(24)  المالكي، “الانتخابات البرلمانية في المغرب في ضوء معايير النزاهة الانتخابية”، مرجع سابق، ص 5.

)25) Mounia Bennani Chraïbi, Partis Politique et Protestations au Maroc (1934-2020), (Rennis: Presses universitaires de Rennes, 2021), 72.

(26) فيليب برو، علم الاجتماع السياسي، ترجمة محمد عرب صاصيلا (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر، 1998)، ص 305.

(27) محمد إنفي، “على هامش انتخابات 7 أكتوبر: قراءة في نسبة المشاركة”، الحوار المتمدن، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2016، (تاريخ الدخول: 25 أغسطس/آب 2022)، https://bit.ly/3TcCKyC.

(28) خالد الشرقاوي السموني، “الانتخابات كأداة للتعبير عن الحرية السياسية: الانتخابات التشريعية بالمغرب 1997 نموذجًا”، المجلة المغربية للإدارة المحلية (العدد 26، يناير/كانون الثاني- مارس/آذار 1999)، ص 101.

(29) هيوود، النظرية السياسية، مرجع سابق، ص 402.

(30) Bennani-Chraibi et all., Scènes et coulisses de l’élection au Maroc, op, cit.

Please subscribe to our page on Google News

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 15229

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *