أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 23 مارس 2022، أن روسيا تطلب من الدول التي وصفها بـ”غير الصديقة”، الدفع مقابل الغاز الروسي بعملة الروبل المحلية، وأنه تم إصدار قرار للبنك المركزي والحكومة، بوضع خطة للتعامل بالروبل خلال أسبوع، وسط معارضات غربية لذلك القرار، فيما أعلن وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي، في 24 مارس 2022، أن بلاده تدرس الموقف مع المؤسسات المعنية، مضيفاً: “لا نفهم ما نية الجانب الروسي؟ وكيف سيتم تنفيذها؟”. وفي سياق متصل، فقد بحثت الدول الأوروبية، في 24 مارس الجاري، إمكانية عقد صفقات مشتركة لشراء الغاز؛ من أجل تقليل اعتمادها على الإنتاج الروسي. ويمكن تناول أبرز التداعيات المرتبطة بالقرار الروسي الأخير؛ وذلك على النحو الآتي:
1– ارتفاع قيمة العُملة المحلية الروسية عقب قرار بوتين: من أبرز التداعيات المُتسارِعة للقرار الروسي، ارتفاع سعر العُملة الروسية في أسواق الصرف؛ حيث ارتفع الروبل مقابل الدولار الأمريكي بنسبة نحو 8.27%، وهو الارتفاع الحادث للمرة الأولى خلال الأسابيع الثلاثة الماضية؛ إذ تراجع سعر صرف الدولار إلى أقل من 95 روبلاً للمرة الأولى منذ الثالث من مارس 2022. ويمكن النظر إلى قرار الرئيس الروسي باعتباره “إعلان حرب” على المستوى الاقتصادي ضد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين؛ وذلك في مواجهة حُزم العقوبات المختلفة التي طُبِّقت ضد موسكو، والتي باتت مصدر عدم يقين بالنسبة إلى بعض الدول الأوروبية حول جدواها وحول حجم ارتداداتها السلبية على الاقتصادات الأوروبية في المديَيْن المنظور والمتوسط.
2– إضعاف الثقة بتجارة الطاقة العالمية بالدولار واليورو: أحد التداعيات المرتبطة بالقرار الروسي، هو تصاعد القلق الغربي من تراجع الثقة بالتعامل بالدولار واليورو، خاصةً في ظل صعوبة تخلي القارة الأوروبية عن الغاز الروسي في الوقت الحالي، حتى إن رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لين”، قد ذكرت في 23 مارس 2022، أن الاتحاد الأوروبي يرغب في الحصول على تعهد أمريكي لتقديم إمدادات إضافية من الغاز الطبيعي المُسال لفصلَي الشتاء القادمَيْن، في ظل تخوُّفات من توقف الإمدادات الروسية. ومن شان القرار الروسي الأخير أن يُضعف الثقة بتجارة الطاقة المرتبطة بالدولار واليورو بدرجة كبيرة.
3– إجبار الدول الأوروبية على دفع تكلفة سياسية باهظة: تحصل دول الاتحاد الأوروبي على نحو 40% من الغاز الخاص بها من روسيا، وبما يعادل ما بين 30 و40 مليار دولار سنوياً. وتواجه الدول الأوروبية صعوبة في تجنب الاعتماد على الغاز الروسي في الوقت الحالي. ومن ثم، فإن قرار بوتين يضع الدول الأوروبية أمام معضلة حقيقية: إما الالتزام بمطالب بوتين، أو التوقف عن استيراد الغاز من روسيا. والخياران كلاهما ستكون له تكلفة سياسية كبيرة على الموقف الغربي إزاء التدخُّل الروسي في أوكرانيا. وقد أكد مستشار الرئيس الإيطالي “فرانشيسكو جيافتزي”، عقب القرار، أن الإجراء الروسي وسيلة لموسكو من أجل التهرُّب من العقوبات؛ حيث تحصل إيطاليا على نحو ثلث احتياجاتها من الغاز من روسيا، فيما اتهم وزير الاقتصاد والمناخ الألماني “روبرت هابيك” الرئيس بوتين بخرق عقود الطاقة، في وقت تعتمد فيه برلين على روسيا في أكثر من نصف وارداتها من الغاز.
4- تكثيف الضغوط على الدول المنتجة للنفط: من شأن القرار الروسي الذي تسبَّب في حالة إرباك لأسواق الطاقة، لا سيما الأوروبية، أن يدفع الإدارة الأمريكية وبعض قادة الدول الأوروبية إلى تكثيف الضغوط على بعض الدولة المنتجة للنفط؛ من أجل إقناع قادتها بضرورة تعويض النقص الروسي المُحتمَل في المعروض من الطاقة، وهو مسعى كانت قد فشلت فيه الإدارة الأمريكية وكذلك بريطانيا في الآونة الأخيرة بشكل كبير.
5– احتمال فرض موسكو الروبل على كافة صادراتها الخارجية: قد تتجه موسكو، في الفترة المقبلة، إلى فرض العملة المحلية على كافة الصادرات الروسية، لا سيما التي لا غنى عنها للسوق العالمية، مثل القمح والنيكل والأسمدة وغيرها، وهو ما يمثل ضربة قوية لهيمنة الدولار في العالم. جدير بالذكر أن وكالة الفضاء الروسية كانت قد أعلنت، مساء 23 مارس 2022 عن إتمام أي تعاملات مالية خارجية مرتبطة باتفاقيات مع دول أخرى بالعُملة الروسية “الروبل”.
6– تبني بعض الدول النهج الروسي في ملف الطاقة: تداولت بعض التقارير أنباء حول إمكانية تحوُّل المملكة العربية السعودية إلى اليوان الصيني في التجارة مع بكين، فيما ذهبت تقارير أخرى إلى إمكانية بيع المملكة نفطها بالريال السعودي؛ من أجل تعزيز عملتها على الأقل إقليمياً، وهو توجُّه إن تم تطبيقه فعلياً، فسيفتح الباب واسعاً أمام دول أخرى حول العالم من أجل منح الأولوية لعملات أخرى غير الدولار في تعاملاتها البينية.
وفي المجمل، تعكس التطورات الأخيرة إمكانية التأثير سلباً على سيادة الدولار في أسواق النفط العالمية، علاوةً على بداية التأسيس لنظام اقتصادي بديل للنظام الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قد يُحفِّز دولاً أخرى على تبني النهج الروسي. وفي المقابل، فإن الدول الأوروبية باتت أمام أزمة حقيقية تتعلق بأمن الطاقة، وهو ما يعزز الضغوط على واشنطن بضرورة البحث عن مُقارَبات يمكن من خلالها تحجيم موسكو وردعها بالعقوبات، بالتزامن مع الحفاظ على مصالح الحلفاء وعدم الإضرار بها.