يحتدم الخلاف بين الرئيس السابق “دونالد ترامب” وبعض المسؤولين السابقين بإدارته، وعلى رأسهم وزير الدفاع السابق “مارك إسبر” الذي أعفاه “ترامب” من منصبه بعد بدء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020، وهو ما دفع إسبر إلى توجيه انتقادات حادة للرئيس السابق خلال كتابه الأول بعد خروجه من السلطة، مشيراً إلى إخفاقاته المتكررة في السياسة الخارجية، ورغبته في الزج بالولايات المتحدة في صراعات غير مجدية؛ هذا بجانب نائب الرئيس “مايك بنس” الذي رفض التصديق على مزاعم “ترامب” بشأن تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020، ورفض حملات إثارة الانقسام والتشويه التي شنَّها الرئيس السابق قبل صدور نتيجة الانتخابات. ورغم الانتقادات المتعددة التي يواجهها مسؤولون سابقون بإدارة “ترامب” له، فإنه لا يزال يتمتع بنسب تأييد عالية في استطلاعات الرأي الأمريكية؛ حيث أظهر استطلاع حديث لشبكة سي إن إن، أن الرئيس السابق يتمتع بدعم واسع بين الجمهوريين؛ إذ أوضح 51% من الناخبين ذوي الميول الجمهورية إلى أن الحزب الجمهوري ستكون لديه “فرصة أفضل لاستعادة الرئاسة إذا كان ترامب هو المرشح” في الانتخابات الرئاسية القادمة.
سياسات خاطئة
اتسمت فترة حكم الرئيس السابق “دونالد ترامب” بالاضطرابات والمشاحنات داخل الإدارة الأمريكية، وعلى مستوى السياسة الخارجية، التي أضرت بسمعة الولايات المتحدة. ويرجع ذلك إلى السياسات التي تبناها، والتي رغب في فرضها على مسؤولي إدارته الذين رفض بعضهم الانصياع له، موضحين أن تلك السياسات من شأنها الإضرار بالولايات المتحدة. وفيما يأتي يمكن إيجاز السياسات الخاطئة التي ساهمت في تشكيل جبهة معارضة ضد “ترامب”:
1– تهديد الأمن القومي الأمريكي: يرى بعض المسؤولين السابقين أن ترشُّح الرئيس السابق “دونالد ترامب” من جديد في الانتخابات الرئاسية القادمة، ووصوله إلى البيت الأبيض سيُمثِّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي؛ إذ يؤكد وزير الدفاع السابق “مارك إسبر” في كتابه المُعنوَن “قسَم مقدس: مذكرات وزير دفاع في أوقات استثنائية”، أن الرئيس “ترامب” أراد اتباع عدد من السياسات الخارجية الخاطئة التي كانت ستُشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، مُدللاً على كلامه بالإشارة إلى رغبة “ترامب” في إطلاق صواريخ على المكسيك لتدمير معامل صناعة المخدرات، وسياساته التي اتبعت مبدأ “أمريكا أولاً” والتي أسهمت في توتر العلاقات الأمريكية مع حلفائها.
2– تعزيز انقسامات الداخل الأمريكي: يرى بعض المسؤولين السابقين أن الرئيس السابق “ترامب” كان أحد المسؤولين الرئيسيين عن إثارة الانقسامات الداخلية، ودفع المتظاهرين للهجوم على مبنى الكابيتول هيل يوم 6 يناير 2021 أثناء إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية؛ وذلك بسبب المزاعم التي روَّج لها بشأن تزوير الانتخابات، والتشكيك في نزاهة القضاء الأمريكي. فضلاً عن رغبته في استخدام الجيش الأمريكي وإطلاق النار ضد المتظاهرين الذين احتجوا على مقتل المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، على يد الشرطة في عام 2020، بالعاصمة واشنطن. ومن ثم فإن وصوله من جديد إلى سُدة الحكم سيحمل مخاطر على السياسة الأمريكية، وسيعزز الانقسامات بين الشعب الأمريكي.
ويُوصَف الرئيس السابق “ترامب” بأنه شخصية “لا يمكن التنبؤ بها”، وأنه يسير وفقاً لأهوائه الشخصية، ولا يتمسك بقيم أو مبادئ؛ ما انعكس سلباً على الحزب الجمهوري الذي وصفه “روبرت جيتس” وزير الدفاع الأسبق بإدارتي “جورج دبليو بوش” و”باراك أوباما”، بأنه بات يفتقر إلى “القيم والمبادئ”، وأنه لم يَعُد إلى عهده السابق، وقوته خلال فترة حكم الرؤساء الجمهوريين السابقين. كما أوضحت “أليسا فرح جريفين” التي شغلت منصب مدير الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض والمتحدثة باسم نائب الرئيس السابق “مايك بنس”، أن “ترامب” يدعم المرشحين الجمهوريين بناء على ولائهم الشخصي له، الذين يرددون مزاعمه نفسها بشأن تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020، لا بناءً على مدى ملاءمتهم للمصالح العامة وشعبيتهم؛ ما يعني أن اختياراته غير الرشيدة ستظل أمراً ملازماً إذا وصل إلى السلطة.
3– التحالف مع خصوم واشنطن: زعمت “ستيفاني جريشام” المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض خلال الفترة من يوليو 2019 إلى أبريل 2020، التي شغلت أيضاً منصب رئيسة الموظفين والمتحدثة باسم السيدة الأولى السابقة “ميلانيا ترامب”، أن “ترامب” تهاون مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، مشيرةً خلال كتابها الذي جاء تحت عنوان “سأتلقى أسئلتكم الآن”، إلى أن “ترامب” أخبر “بوتين” أنه كان يتصرف “بصرامة” معه “من أجل الكاميرات”؛ ما يعني أنه كان منصاعاً لموسكو، ومتحالفاً مع خصوم الولايات المتحدة الاستراتيجيين.
4– عدم احترام الديمقراطية الأمريكية: أوضحت “جريشام” أن “ترامب” رفض التخدير أثناء خضوعه لفحص القولون بالمنظار في عام 2019 حتى لا يتمكن نائب الرئيس حينذاك “مايك بنس” من تولي السلطة ولو مؤقتاً؛ مما يشير إلى تمسكه بالسلطة التي من أجلها أسهم في حدوث هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول عبر تحريض المتظاهرين.
5– التقليل من شأن فيروس كورونا: عمل “ترامب” منذ ظهور الفيروس على التقليل من شأنه، وحاول ثني الأمريكيين عن النظر بأهمية إلى الفيروس، ووصف الفيروس بـ”الصيني”، متسبباً في إثارة مجموعة من الحوادث العنصرية داخل الولايات المتحدة؛ ما أسفر عن انتقاده من جانب مسؤولي إدارته المختلفين ضده، وضد معلوماته المضللة عن الفيروس، التي تبناها عدد لا بأس به من المسؤولين الجمهوريين، وأعضاء الحزب الجمهوري، وأسهموا في دفع ملايين المواطنين نحو اتباعها أيضاً، متسبباً في ذلك الوقت في حدوث تفشٍّ واسع للفيروس داخل الولايات المتحدة، وحصد لأرواح كثير من المواطنين الأمريكيين.
مواقف متناقضة
دفعت الانتقادات المتعددة من المسؤولين السابقين بإدارة الرئيس “دونالد ترامب” له، إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الانتقامية ضدهم. وفيما يأتي أبرز تلك المواقف التي اتخذها الطرفان، وهي على النحو الآتي:
1– دعم مرشحين مختلفين في الانتخابات: منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية لعام 2020، زادت التوترات بين نائب الرئيس السابق “مايك بنس” وبين الرئيس السابق “ترامب”؛ حيث رفض الأول ترديد مزاعم “ترامب” المتعلقة بتزوير الانتخابات. وحاليّاً، هناك تعارض مباشر بينهما بشأن دعم المرشحين في انتخابات الكونجرس وحكام الولايات؛ فبينما دعم “ترامب” السيناتور الأمريكي السابق “ديفيد بيرديو” ضد الحاكم “بريان كيمب” في الانتخابات التمهيدية للحكام الجمهوريين في جورجيا؛ أيَّد “بنس” الأخير وروَّج له في ولاية جورجيا.
2– تبني سياسات انتقامية متبادلة: حذَّرت “ستيفاني جريشام” المواطنين الأمريكيين من فوز “ترامب” بالسباق الانتخابي في عام 2024، مشيرةً إلى أنه سيتبنَّى سياسات انتقامية ضد كل من عارضه أو انتقده أو حاول عزله أثناء وجوده في منصبه، وقد أكدت أن من عملوا في البيت الأبيض خلال فترة وجود “ترامب”، كان يسعون وراء السلطة، ولم تشغل بالهم مسألةُ خدمة الولايات المتحدة، كما رأت “جريشام” أن “ترامب” غير لائق لكرسي الرئاسة الأمريكية من جديد. وقد ردَّ الرئيس السابق وزوجته على “جريشام” متهمين إياها بالتلاعب والخداع، ومحاولة التربح من خلال إشاعة المزاعم والأكاذيب عن “ترامب” وعائلته.
3– تغيير خريطة الحلفاء السياسيين: أوضح الرئيس السابق “ترامب” أن من الصعب أن يكون “مايك بنس” نائباً له من جديد خلال السباق الانتخابي الرئاسي في عام 2024، لكنه وصفه بأنه كان “صديقاً جيداً”؛ ما يعني أن “ترامب” سيكون بحاجة إلى البحث عن شخصيات سياسية جديدة تدعمه في حملته الانتخابية، كما سيكون عليه بناء تحالفات سياسية جديدة تساعده على الفوز بالانتخابات.
4– البحث عن وجوه سياسية جديدة: إذا خاض الرئيس السابق “دونالد ترامب” الانتخابات الرئاسية القادمة، فإنه قد يتوجه لاختيار وجوه جديدة تؤازره خلال السباق الانتخابي، وتساهم في كسبه مزيداً من الأصوات النسائية؛ حيث إن من المُرجَّح أن يختار سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة خلال إدارته، وحاكمة ولاية كارولينا الجنوبية سابقاً نيكي هايلي، لتلعب دور نائبة الرئيس، لا سيَّما أنها قد أعلنت صراحةً أنه في حال ترشح ترامب للرئاسة من جديد، فإنها لن تعارضه. وفي ظل قبول الأمريكيين وجودَ امرأة في منصب نائبة الرئيس بعد وصول “كامالا هاريس” إليه لأول مرة، فإن “هايلي” ابنة المهاجرين القادمين من الهند، التي تعرضت لأشكال من الفصل العنصري والتعصب والاعتداء الجسدي، ونجحت في إثبات نفسها ونجاحها، ستكون خير مثال يستطيع جلب المزيد من أصوات الطبقة العاملة الكادحة إلى الرئيس ترامب. وبجانب “هايلي” فإن هناك نماذج نسائية أخرى داخل الحزب الجمهوري من الممكن أن يعتمد عليهن “ترامب”، وإن لم تكن في قوة “هايلي”، ومن بينهن “كاي آيفي” حاكمة ولاية ألاباما، و”كريستي نويم” حاكمة ولاية ساوث داكوتا، و”كيم رينولدز” حاكمة ولاية أيوا، فضلاً عن بعض عضوات مجلس الشيوخ الأمريكي.
جبهات معارضة
وختاماً، على الرغم من أن الرئيس السابق “دونالد ترامب” لم يعلن رسمياً عن ترشحه في الانتخابات الرئاسية خلال عام 2024، وأن استطلاعات الرأي لا تزال تؤكد دعم الجمهور الأمريكي له، فضلاً عن إمكانية كسب المزيد من الأصوات النسائية من الطبقة العاملة، لكن واقع الأمر يؤكد أنه سيجابه جبهات متعددة ضد ترشحه من بين الجمهوريين الذين خدموا معه سابقاً، والذين يرون أنه أضر بسمعة الحزب الجمهوري، وأذكى الخلافات داخل الولايات المتحدة، وأضر بسمعة الولايات المتحدة على المستوى العالمي.