تتلخص أهدافي في الأبحاث الراهنة في إعادة طرح علم الاقتصاد السياسي، ذلك العلم الاجتماعي المنشغل بقانون القيمة. القانون الحاكم لظاهرتَي الإنتاج والتوزيع على الصعيد الاجتماعي. وهو ما استلزم، من جهة أولى، تكوين الوعي النَّاقد بمحدّدات وقوى ظاهرتي الإنتاج والتوزيع الاجتماعيَّين وما يرتبط بهما من إشكالياتٍ تاريخية وهيكلية وآنية. كما استوجب، من جهة ثانية، نقد قانون القيمة نفسه. وفي سبيل ذلك كان من المتعيَّن أن أسير فكريًّا وعلى نحوٍ ناقد، وفق منهجية هدفها الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، منها ما طرحتُه على ذهني صراحة ومنها ما فرض نفسه ضمنًا. هذه الأسئلة منها ما ارتبط وتعلَّق بأصول العلم محل انشغالي الفكري، أي بالتكوين العضوي للجسم النَّظري لعلم الاقتصاد السياسي الَّذي تكون من خلال مساهمات الآباء المؤسسين. ومنها ما ارتبط وتعلَّق بالشكل الخارجي لهذا الجسم النَّظري، أي بالطرح التاريخي للأفكار والظواهر الَّتي كونت الإطار المعرفي للعلم نفسه؛ فجعلت منه علمًا أوروبيًّا خالصًا وأفرَغته من محتواه الحضاري! الأمر الَّذي جعلني أعيد فتح العديد من الملفات المطوية تاريخيًّا على مسلماتٍ هشَّة وموروثٍ زائف. رافضًا، ابتداءً من وحدة المعرفة الإنسانية، كلَّ ما هو مُعطًى في موضوع علم الاقتصاد السياسي، ناقدًا لنصوص وتراث رجاله المؤسسين، باحثًا في التاريخ الموازي، والمسكوت عنه، لظواهر الإنتاج والتوزيع على الصعيد الاجتماعي، منقّبًا في التاريخ الحضاري. الإنساني. لا التاريخ الأوروبي الَّذي اتخذته أوروبا أساسًا لتاريخ البشر ومقياسًا لتطورهم. ولم يقتصر انشغالي، في سبيل الإجابة عن الأسئلة الَّتي كانت محل بحثي، على نقد العلم داخليًّا وخارجيًّا فحسب على نحو ما ذكرت، بل تجاوز الانشغالُ ذلك إلى محاولة الإجابة عن الأسئلة المتعلّقة بمعالم تطور علم الاقتصاد السياسي كعلمٍ اجتماعي، لا مَعملي، هدفه الكشف عن القوانين الموضوعية الحاكمة للإنتاج والتوزيع في المجتمع ابتداءً من قانون القيمة، وصولًا إلى التعرُّف، في إطار تكوين الوعي بطبيعة الرأسمالية المعاصرة وتاريخ تطوُّرها الجدَلي، إلى أسباب اختفاء علم الاقتصاد السياسي من الوجود الأكاديمي وتراجُعه إلى حقل التاريخويَّة في تصور النظرية الرسمية. وإنى لآمل أن تُسهِم هذه الأبحاث في فتح باب المناقشة الَّتي تعي أن درس الحاضر في ضوء الماضى لفائدة المستقبل، إنما يعني الفهم النَّاقد الواعي بحركة التاريخ البطيئة والعظيمة، الَّتي كونَت في رحمها الحاضر بجميع تفاصيله، وتركت لنا تشكيل المستقبل بدفع عجلات التاريخ نحو مشروع حضاري عمادُه وحدة المعرفة الإنسانية، وقِوامُه تراث البشرية المشترك.
—————
عن المؤلف
الدكتور محمد عادل زكي: مفكِّر مصري يُعَد من أبرز مجدِّدي علم الاقتصاد السياسي في العالم العربي، ومؤسِّس مدرسة الإسكندرية كتيارٍ فكري هدفه إحياءُ الاقتصاد السياسي بصفته علمًا اجتماعيًّا، وإعادةُ النظر في مسلَّماته ونظرياته. من أهم مُساهَماته نقدُه الحاسم لنظرية التبادل غير المتكافئ، وتصحيح مقياس القيمة بعد أكثر من مِائتَي سنة من كتابات «ماركس». وتُعَد نظريته في تسرُّب القيمة على الصعيد العالمي من النظريات المهمة في تفسير تخلُّف بلدان العالم الثالث.
تحميل الكتاب – الطبعة السادسة (طبعة مُنقَّحة)