تستهدف الدراسة التعرف على دور الإنفاق العام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في ليبيا خلال الفترة 1986م -2017م وذلك من خلال دراسة تطور الإنفاق العام وواقع الاستقرار الاقتصادي في ليبيا خلال فترة الدراسة، وكذلك تحليل العلاقة بين الإنفاق العام وأبعاد الاستقرار الاقتصادي في ليبيا، بالإضافة إلى قياس العلاقة بين الإنفاق العام والاستقرار الاقتصادي خلال فترة الدراسة. وقد اعتمدت الدراسة في منهجية البحث على البيانات الثانوية المنشورة من خلال مصرف ليبيا المركزي، ووزارة التخطيط في دولة ليبيا، وبيانات الأمم المتحدة المتاحة على شبكة المعلومات الدولية ، بالإضافة إلى بيانات البنك الدولي.
وقد تضمنت الدراسة ستة فصول تناول الفصل التمهيدي (الإطار العام للدراسة) في المبحث الأول منه مقدمة الدراسة ومشكلة وأهمية الدراسة وأهداف ومنهجية الدراسة. كما تناول المبحث الثاني للفصل الدراسات السابقة المتعلقة بالإنفاق العام وعلاقتهُ بأبعاد الاستقرار الاقتصادي، حيث تناول عرض لأهم نتائج الدراسات والأبحاث والرسائل العلمية ذات الصلة بموضوع الدراسة، وقد أسفرت نتائج الدراسة عن وجود اختلافات حول تناول موضوع الدراسة دور الإنفاق العام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي حيث تختلف الدراسة عن الدراسات السابقة في الأوجه التالية:
- التمييز بين دور الإنفاق العام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بأبعاده المختلفة في الدول المتقدمة والدول النامية، مسترشدة بالتجربة النرويجية والتجربة الماليزية.
- ركزت الدراسة علي بحث العلاقة بين الإنفاق العام وأبعاد الاستقرار الاقتصادي المختلفة في الاقتصاد الليبي.
- قامت الدراسة ببناء مؤشر(دليل) لكي يُعبر عن الاستقرار الاقتصادي في الدول النامية وفقاً لمربع ” كالدور” السحري.
في حين خُصص الفصل الأول لدراسة الإطار النظري للإنفاق العام والاستقرار الاقتصادي حيث تناول المبحث الأول منه الدور الاقتصادي للإنفاق العام في النظرية الاقتصادية بدأ أولها باستعراض مفهوم الإنفاق العام في النظرية الاقتصادية وتفسير دور الإنفاق العام الاقتصادي من خلال عرض أهم المفكرين الذين اهتموا بهذا الجانب.
كما عرض المبحث أهم الأسباب الظاهرية والحقيقية وراء ازدياد الإنفاق العام، وقد تعرض المبحث الثاني من الفصل الأول لتناول الإطار النظري للاستقرار الاقتصادي وقد انتهت الدراسة في هذا المبحث إلى مايلي:
يختلف مفهوم الاستقرار الاقتصادي عند أبرز المدارس الاقتصادية المعاصرة وذلك بسبب اختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الدول المتقدمة والدول النامية.
وقد انتهت نتائج هذا المبحث إلى أن الاستقرار الاقتصادي في الدول المتقدمة يهدف إلى المحافظة على مستوى التشغيل الكامل للموارد الاقتصادية المتاحة، وتحقيق درجة مناسبة من الاستقرار العام في الأسعار، بينما يهدف الاستقرار الاقتصادي في الدول النامية إلى تحقيق نمو مستقر، ومحاربة البطالة وتوفير العمل، وتحقيق التوازن الخارجي، ومحاربة التضخم، وأختص المبحث الثالث بالعلاقة بين الإنفاق العام وأبعاد الاستقرار الاقتصادي.
وأهتم الفصل الثاني بعرض تجربتا النرويج وماليزيا في دور الإنفاق العام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي لكل من الدول المتقدمة والنامية حيث تناول المبحث الأول تجربة النرويج في مجال تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال صندوق الثروة السيادي بينما تناول المبحث الثاني التجربة الماليزية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، بالرغم من أن ليبيا تمتلك صندوق سيادي (صندوق الاستثمار)، إلا أنه يعاني العديد من النقائص سواء من خلال اعتماده على مداخيل صادرات الطاقة، أو من خلال إدارته التي تعتبره مجرد حساب من حسابات الخزينة ولا يتبع أي معيار من معايير الحوكمة، مما لا يسمح بالاستغلال الأمثل لموارده بطريقة تسمح بمضاعفتها وهو ما جعلنا نعرض التجربة النرويجية في هذا الصدد، ولعل التجربة الماليزية التى اهتمت بالإنفاق في مجال الطاقة البشرية وبأسلوب التخطيط الذي يختلف تماماً عن النموذج السابق الذي تتوافر فيه الموارد المالية فمن الضروري أن يكمل كل منهما الآخر وهذا محور اهتمام الدروس المستفادة من التجربة الماليزية.
تضمن الفصل الثالث اتجاهات تطور الإنفاق العام وواقع الاستقرار الاقتصادي في ليبيا خلال الفترة 1986م -2017م، وقد تم تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين حيث اهتم المبحث الأول باتجاهات تطور الإنفاق العام بالإضافة إلى تحليل تطور الإنفاق العام وتقدير معدلات الاتجاه الزمني العام خلال فترة الدراسة، بالإضافة إلى دراسة تطور الإنفاق الاستهلاكي بشقية(العائلي والحكومي) والإنفاق الاستثماري، حيث أسفرت النتائج أن الإنفاق الاستهلاكي الجاري مهيمناً على معظم سنوات الدراسة حيث بلغت نسبة مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الجاري حوالي 61.90% في المتوسط في الفترة (1986-2017) مقارنة بالإنفاق الاستثماري الذي يساهم بحوالي 38.09% خلال فترة الدراسة.
وقد أهتم الفصل الرابع بتحليل العلاقة بين الإنفاق العام وأبعاد الاستقرار الاقتصادي في ليبيا خلال فترة الدراسة 1986م -2017م، وقد اعتمدت الدراسة – وذلك باستخدام نموذج ARDL بتقدير العلاقة في الأجلين القصير والطويل – في تحليلها علي تقسيم البيانات إلى فترتين، الفترة الأولى من 1986م– 2010 أما بالنسبة للمرحلة الثانية أى ما بعد عام 2011م والتى تميزت بعد الاستقرار بسبب الانقسام السياسي وحتى نهاية فترة الدراسة 2017م، وينقسم هذا الفصل إلى مبحثين حيث اهتم المبحث الأول بتحليل وقياس العلاقة بين الإنفاق العام بشقية الإنفاق العام وأبعاد التوازن الداخلي (العرض الكلي) للاقتصاد الليبي النمو الاقتصادي والبطالة في ليبيا خلال مراحل الدراسة واختص الثاني بقياس العلاقة بين الإنفاق العام وأبعاد الاستقرار الخارجي (التضخم وميزان المدفوعات).
حيث أظهرت النتائج أن سياسات الإنفاق العام تتباين في قدرتها على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وذلك لاختلاف الظروف الاقتصادية في الاقتصاد الليبي وهو مايتفق مع الفرضية الأساسي للدراسة حيث أشارت النتائج إلى :
- أن هناك علاقة طردية بين الإنفاق العام والنمو الاقتصادي في الأجل الطويل والقصير وهو مايتفق مع الفرض الأول للدراسة.
- كما أظهرت نتائج القياس وجود علاقة توازنية طويلة الأجل بين الأنفاق العام والبطالة حيث أن الأنفاق العام في ليبيا يؤدي الى تخفيض مستوى البطالة، وذلك ما يتفق مع الفرضية الثانية التي تنص وجود علاقة بين الإنفاق العام والبطالة في الآجلين القصير والطويل.
- أظهرت النتائج أيضاً ضعف الفرضية الثالثة التي تشير إلى وجود علاقة بين زيادة الإنفاق العام وتحسن ميزان المدفوعات حيث أثر الإنفاق العام بشكل ضعيف على تحسن الميزان التجاري، وقد يكون ذلك الأثر نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية على توازن ميزان المدفوعات في الاقتصاد الليبي خلال فترة الدراسة.
- كما توصلت الدراسة إلى أن الإنفاق العام له تأثير في مستوى العام للأسعار في الآجل القصير فقط وليس له أثار على الأسعار في الأجل الطويل وذلك يدل ايضأ على عدم الاتفاق مع الفرضية الرابعة التي تقول بأن زيادة الإنفاق العام يؤدي إلى زيادة حدة التضخم في الاقتصاد الليبي.
وتناول المبحث الرابع في الفصل الرابع قياس العلاقة بين الإنفاق العام والاستقرار الاقتصادي في ليبيا خلال الفترة (1986 -2017م)، حيث هدف الجزء الأول إلى تحليل تطور مؤشرات الاستقرار الاقتصادي للاقتصاد الليبي خلال فترة الدراسة وذلك اعتماداً على تفسير (كالدور) لمؤشرات الاستقرار الاقتصادي في الدول النامية ، ورسم المربع السحري في ليبيا خلال فترتي الدراسة وذلك لمعرفة دور الإنفاق العام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي حسب مربع كالدور.
أنه بالرغم من وجود علاقات عكسية في بعض الفترات إلا أنه هناك بعض المؤشرات التى تعبر عن الاستقرار وصلت قيمتها إلى الصفر وهو ما يعكسه المربع السحري لكالدور في اقتصاد ليبيا. وهذا مايؤكد أهمية الفرض الخامس للدراسة وهو أن الإنفاق العام يساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في الاقتصاد الليبي في الأجلين القصير والمتوسط، وذلك ما يتفق مع النظرية الكينزية، حيث أظهرت النتائج السابقة تباين دور الإنفاق العام ويعزى ذلك لعدم ترشيد الإنفاق العام أو لظروف اقتصادية وسياسية التي مر به الاقتصاد الليبي خلال فترة الدراسة، وذلك ما تتطلع له الدراسة عرض أهم المقترحات لتعزيز دور الإنفاق العام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في ليبيا، كالتالي :
- الاستفادة من التجارب الدولية في مجالي الصناديق السيادية (التجربة النرويجية) ومجال التخطيط الاقتصادي (التجربة الماليزية).
- الاعتماد على آليات إستراتيجية وطويلة المدى لضبط وترشيد الإنفاق العام لتخليص الاقتصاد الوطني من سيطرة قطاع النفط وتوفير آلية عمل لحوكمة ورقابة الصناديق السيادية وذلك لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ورسم خطواته الجادة نحو التنمية الاقتصادية.