مؤلف هذا التاريخ “تاريخ العالم” هو بلو أروسيوس “Paulus Orosius” أصله من أقليم براكارا في مقاطعة جليقة في الشمال الغربي من إسبانيا، ولا يعرف تاريخ ميلاده، لكن يحتمل أن يكون قد ولد فيما بين سنة 375 و380 بعد الميلاد، ودرس اللاهوت حتى تخرج قسيساً. وكتب أوروسيوس كتابه هذا بناءً على تكليف من القديس أوغسطين الذي أوعز إليه بكتابة مختصر للتاريخ العام للإنسانية منذ البداية حتى سنة 416م يبين فيه ما أصاب الإنسانية من كوارث ومصائب على مدى تاريخها، ليبرهن للوثنيين أن كوارث روما والإمبراطورية ليست من عمل المسيحية، بل أمر إنساني عام حدث على مدى تاريخ الإنسان.
وقد أتم أوروسيوس هذه المهمة ونشر كتابه في سنة 417-418م. ومن هنا جاء الكتاب مقوداً بهذه الغاية: إبراز ما جرى في تاريخ الإنسانية من مصائب وكوارث، أرجعها إلى ارتكاب الإنسان للخطيئة الأولى، ولهذا فإن هذه المصائب ترجع إما إلى خطيئة الإنسان أو إلى عقاب الله له جزاء وفاقاً لهذه الخطيئة.
وقد كان لكتاب أوروسيوس انتشاراً واسعاً جداً في أواخر العصر القديم وطوال العصور الوسطى في أوروبا وحتى عصر النهضة واستعان به الكثير من المؤرخين في تلك الفترة وهذا الانتشار الواسع لكتاب أوروسيوس في أوروبا اللاتينية هو الذي يفسر اختيار ترجمته إلى العربية. ومما يدل دلالة على سعة انتشاره في أوروبا في العصر الوسيط وجود أكثر من مائتي مخطوط لاتيني منه. وقد تمت الترجمة من اللاتينية إلى العربية في عهد الحكم الثاني المستنصر بالله وكان من أعظم خلفاء الإسلام اهتماماً بالعلوم واحتفالاً لجمع الكتب، فضلاً عن علمه الغزير بالتاريخ.
هذا وإن أول مصدر عربي ذكر أوروسيوس هو أبو داود سليمان بن حسان الأندلسي المعروف بابن جلجل في كتابه “طبقات الأطباء والحكماء” الذي ألفه سنة 377هـ. إلى جانب ذلك، ذكر ابن خلدون خبر نقل أوروسيوس إلى العربية هكذا: “وما نقله أيضاً هروشيوش، مؤرخ الروم، في كتابه الذي ترجمه، للحكم المستنصر من بين أمية، قاضي النصارى وترجمانهم بقرطبة”. ويؤكد الدكتور عبد الرحمن بدوي على استعانة ابن خلدون بهذا المصدر اللاتيني إلى جانب مصادر يونانية ولاتينية أخرى، الأمر الذي لم يلتفت إليه الباحثون، من هنا أراد د.عبد الرحمن بدوي ومن خلال مقدمة الترجمة التي يضمها هذا الكتاب، تناول جانب مما أهمله الباحثون، وهو المصادر اللاتينية، واليونانية التي استعان بها ابن خلدون في كتابه الجزء الأول من تاريخه وهو التالي للمقدمة مباشرة، فيما يتعلق بتاريخ اليونان والرومان، مقتصراً في حديثه على مصدر واحد من مصادره اللاتينية واليونانية، وهو “تواريخ” أوروسيوس، لأنه المصدر اللاتيني الوحيد من هذه المصادر، الذي نقل عنه مباشرة، ونقل عنه مراراً عدة تستغرق كل فقرات هذا التاريخ اليوناني والروماني.