كتاب: العقل ضد السلطةـ رهان باسكال
تأليف: نعوم تشومسكى ـ جون بريكمون
لا شك أن الضرورة تدعو إلى تفسير السبب الذي يجعل حجة براغماتية في خدمة الإيمان بالله تظهر على عنوان حوار بين لادينيين، ولهما هما الإثنان ميول إلى الفوضوية، ويصدران عن اعتقاد بأن مسألة الحقيقة في أي قضية (كتأكيد وجود الله) مقرونة بالجدوى منها ومتقدمة عليها.
يعود تشومسكي كثيراً إلى ما يعتبره تغييراً لرهان باسكال؛ يروم به الإجابة عن السؤال: “ما الداعي إلى الفعل السياسي أو الإجتماعي؟ وهي في الإمكان أن نستيقن من جدواه؟”. ففي الحوار الأول يجيب: “إذا نحن تخلينا عن الأمل، واستسلمنا إلى السلبية، كنا نساعد على حدوث الأسوأ؛ وأما إذا حافظنا على الأمل، وعملنا بجد واجتهاد للدفع بوعوده إلى التحقق، فإن من شأن ذلك أن يدفع بالأوضاع نحو الأفضل.
وإذا كان الكثيرون يعرفون تشومسكي المنتقد للسياسة الخارجية الأمريكية، فإن افكاره حول الطبيعة البشرية والتقدم، والثورات والفوضى، والسوق، وحرية التعبير، والفلسفة، والمثقفين (بمن فيهم المثقفون الباريسيون)، والعلوم، والدين، والأخلاق، لا يزال العارفون بها قليلين.
يتألف هذا الكتاب من حوارين، أُنجزا عن طريق الكتابة. يعود أولهما إلى سنة 2009، وأما الثاني فكان مبتدؤه في سنة 2001 الهدف من جمع الحوارين بين دفتي هذا الكتاب أن يكمون فيهما معين على زيادة فهم لمختلف أوجه الثراء المميّز لفكر تشومسكي.
وأما عنوان الكتاب العقل ضد السلطة فيمثل تلخيصاً وافياً بأعمال تشومسكي، وإجمالاً لمسار حياته. فالمثقف الذي من طينته لا يملك، إلا العقل وسيلة لخوض المعارك. فهو لا يملك أسلحة، ولا يستند إلى دولة، أو يعوّل على محاكم. والإختلاف – والخلاف – بين تشومسكي ومثقفين معاصرين عديدين يتمثل في أن هؤلاء كثيراً ما نبذوا سلاح العقل؛ بل إن منهم من يعدّ هذا السلاح في جوهره سلاحاً قمعياً. غير أن تشومسكي لا يحمل إيماناً ساذجاً بقوة العقل، بل يرى – حسبما يقول أحياناً – أن العقل هو كل ما نملك. ولا يصدر تشومسكي كذلك عن إيمان ساذج بالتقدم؛ لكن الديمقراطية، والحريات الفردية، واللائكية وتحرر المستعمرات، وحتى إلى وقت قريب – وكما يقول – “حقوق الأقليات، وحقوق النساء، وحقوق الأجيال المقبلة (الحركة من أجل حماية البيئة)”، تعتبر علامات دالة على التقدم، والتقدم المقرون بإعادة النظر في الأشكال التقليدية للسلطة، وهي عملية باتت ممكنة بفعل حركة النقد العقلاني والتحرري المتحدّر من الأنوار.
ورهان باسكال إذ يغيّر منه تشومسكي يصير كذلك رهاناً على السلطة، وهو يبدو في ظاهره غير مأمون، ورهاناً على العقل ضد السلطة.
للتحميل: https://ia802807.us.archive.org/1/items/ketab4ar006/647.pdf