يسعى الكتاب إلى مناقشة وتحليل المشهد العربي الجديد وما يترتب على السلفيين فيه من استحقاقات فكرية وسياسية، وما يصدر عن دخولهم المشهد السياسي من نتائج وتداعيات.
ينطلق هذا الكتاب في تحليله من زاويتين: الأولى، دراسة تأثير الثورات والانتفاضات العربية في الحركات السلفية، أيديولوجياً وسياسياً؛ والثانية، دراسة تأثير الدور السياسي المتوقع للحركات السلفية في اللعبة السياسية في بعض المجتمعات العربية.
ويرى الكاتب أن حقبة الثورات والانتفاضات العربية دفعت بالتيار السلفي عموماً نحو مرحلة جديدة، حين قرّرت جماعات وحركات سلفية خوض غمار العمل السياسي والتجربة الحزبية، بعدما بقي الطيف الرئيسي والعام من هذا التيار مصرّاً خلال العقود الماضية على أولوية العمل الدعوي والاجتماعي والتربوي، رافضاً الولوج إلى اللعبة السياسية، بذرائع وأسباب متعددة ومختلفة.
إلاّ أنّ المرحلة الجديدة لم تكن بلا تكاليف سياسية وفكرية، سواء على السلفيين أنفسهم أو على اللاعبين السياسيين الآخرين، بعدما بات السلفيون الذين دخلوا اللعبة “الديمقراطية”مطالبين بقبولهم شروط هذه اللعبة ومخرجاتها ومحدّداتها، الأمر الذي بات يستدعي منهم إجراء مراجعة أيديولوجية وفكرية لميراثهم السابق، وهو أمر لا يزال موضع نقاش، ليس لدى السلفيين وحسب بل لدى خصومهم أيضاً.
يتضمن الكتاب خمسة فصول إلى جانب الفصل التمهيدي والخلاصة التنفيذية والمقدمة والخاتمة.
يجيب الفصل التمهيدي عن سؤال “من هم السلفيون؟”، ويتناول الفصل الأول “الثورة المصرية: الربيع السلفي”، ويعالج الفصل الثاني “السلفي الحزبي: أسئلة جديدة وتحديات مختلفة”، ويتحدث الفصل الثالث عن “تصدير الثورة السلفية المصرية”، أما الفصل الرابع فيتناول “رهانات المستقبل: السلفيون وطريق الإخوان”، في حين يتطرق الفصل الخامس إلى “الدين والديمقراطية والعلمنة”.
يخلص الباحث الأردني محمد أبو رمان في كتابه الجديد “السلفيون والربيع العربي: سؤال الدين والديمقراطية في السياسة العربية”، الصادر مؤخّراً عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، إلى أنّ حقبة الثورات الديمقراطية العربية دفعت بالتيار السلفي عموماً نحو مرحلة جديدة، عندما قرّرت جماعات وحركات سلفية خوض غمار العمل السياسي والتجربة الحزبية بعد أن بقي الطيف الرئيس والعام من هذا التيار مصرّاً خلال العقود الماضية على أولوية العمل التربوي والدعوي والاجتماعي، ورفض الولوج إلى اللعبة السياسية، بذرائع وأسباب متعددة ومختلفة. دخول السلفيين إلى المشهد السياسي وتشكيل الأحزاب السياسية جاء ابتداءً عبر البوابة المصرية، ثم بدأ يلقي بظلاله على السلفيين في أنحاء متفرقة من الدول العربية الأخرى، إلاّ أنّ المرحلة الجديدة لم تكن بلا كلف سياسية وفكرية، سواء على السلفيين أو على اللاعبين السياسيين الآخرين؛ فالسلفيون الذين دخلوا اللعبة الديمقراطية كانوا مطالبين ابتداءً بالالتزام بقبولهم بشروط اللعبة ومخرجاتها ومحدّداتها، ما يعني مراجعةً أيديولوجيةً وفكريةً للميراث السابق، وتنقيحه لتحقيق الحدّ الأدنى من المطلوب، وهي قضية لا تزال موضع نقاش داخل السلفيين، ولدى خصومهم أيضاً. في المقابل أصبح السلفيون لاعباً سياسياً جديداً تقاسم مع الإخوان المسلمين الأصوات المحافظة (دينياً) في المجتمع، ودخل في مواجهات ومنافسات مع القوى السياسية الأخرى، لكنّه بالرغم من تحالفه مع الإخوان فيما يتعلق بسؤال الهوية السياسية وتنافسه معهم في الانتخابات، يقدّم خطاباً سياسياً مغايراً في سماته العامة عن الخطاب الإخواني، فهم (أي السلفيون) يبدون أقوى التزاماً بمبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية، وأكثر وضوحاً في هوية الدولة والموقف من مصطلح الدولة المدنية، وأشد خصومة مع التيارات العلمانية الأخرى. ما قام به الباحث في كتابه الجديد هو تحليل المشهد الجديد، وما يترتب على السلفيين من استحقاقات فكرية وسياسية، وما يترتب على دخولهم المشهد السياسي من نتائج وتداعيات عبر زاويتين رئيستين؛ الأولى: دراسة تأثير الثورات الديمقراطية العربية على الحركات السلفية، أيديولوجياً وسياسياً، والثانية: تأثير الدور السياسي المتوقع للحركات السلفية على اللعبة السياسية.
الفرضية الرئيسة التي قامت عليها هذه الدراسة تكمن في أن الثورات العربية أحدثت تأثيراً على هذه الحركات أدت إلى تحولات في دورها السياسي، الأمر الذي ينعكس على خطابها وعلى حضورها في المشهد السياسي في المرحلة القادمة. لتحقيق هذه المهمة المعرفية؛ ولجت الدراسة إلى تحليل التجربة السلفية المصرية، ما قبل (25 يناير 2011)، وخلالها، ثم تشكيل الأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات بعدها، وصولاً إلى مناقشة مدى وجود تحولات في الموقف السلفي من الديمقراطية والتعددية واستنطاق الأجندة السياسية والاجتماعية السلفية، ثم نقارن بين تجربة السلفيين السياسية الجديدة وتجربة الإخوان، الذين كانوا يقدمون خطاباً سياسياً مشابهاً في بعض جوانبه للخطاب السلفي قبل أن يطوّروه إلى القبول الكامل بالديمقراطية وشروطها، ونتساءل فيما إذا كان السلفيون سيسيرون على خطى الإخوان المسلمين أم أنّ هنالك مساراً آخر متوقعاً. ثم ناقشت تأثير حقبة الثورات الديمقراطية العربية على الحركات السلفية عموماً في العالم العربي، وردود الفعل الأولية والاستجابات الملموسة لها، ونتناول تجربتين مختلفتين في هذا السياق، الأولى التجربة اليمنية، إذ وقعت ثورة وبدت إرهاصات تحول سلفي، والتجربة الأردنية التي شهدت حراكاً مطالباً بالإصلاح، فيما تبدو الاستجابة السلفية أكثر تباطؤاً، والتيار الرافض للتحول أقوى شوكةً.
بعد ذلك عبرت الدراسة من قراءة المواقف والأدوار السياسية السلفية الجديدة على أرض الواقع إلى الشق النظري، وإلى السؤال الأكثر أهمية الذي يطرحه هذا الحضور في الواقع العربي اليوم، وهو سؤال الاشتباك بين الدين والديمقراطية، وصور وصيغ هذه العلاقة الممكنة نظرياً، ثم نسقط التصورات السلفية للديمقراطية على العلاقة المعيارية النظرية، لنقيس المسافة الفاصلة بين النقطتين، وأخيراً نطرح سؤالاً استشرافياً حول أبعاد الدور السياسي للسلفيين وآفاقه الممكنة والمحتملة في المستقبل. يمكن تلخيص أبرز النتائج والخلاصات التي وصل إليها الكتاب في النقاط التالية:
أولاً؛ شكّلت الثورات الديمقراطية العربية والأجواء السياسية الجديدة في العالم العربي صدمة عنيفة للتيارات السلفية عموماً، التي لم يكن أغلبها يشارك في اللعبة السياسية، بل كان هنالك موقف سلبي تجاه العمل السياسي والحزبي عموماً، مرتبط بتحفظات نظرية وفكرية تجاه الديمقراطية ومخرجاتها، تتباين طبيعة هذه التحفظات بين التيارات السلفية المختلفة.
ثانياً؛ لم تكن الاستجابة لدى التيارات السلفية موحدة لمرحلة ما بعد الثورات الديمقراطية، فالتيار الموسوم بالجامي أو المدخلي، في كثير من الدول العربية، استمر على موقفه من رفض العمل السياسي ورفض تشكيل الأحزاب، بوصف ذلك حرام دينياً، والإمساك بمبدأ “طاعة ولي الأمر”، فيما حدث تحرك داخل تيارات سلفية أخرى، كانت ترفض المشاركة السياسية، ليس وفقاً لمبدأ “طاعة ولي الأمر”، بل لأسباب مختلفة، أهمها عدم الشعور بجدوى ذلك، أو الخوف من الصدام مع السلطة، وقد انبثق عن هذه التحولات في مصر تشكل أحزاب سياسية، قريبة من السلفية الدعوية- في الاسكندرية (حزب النور)، أو السلفية القطبية- الحركية في القاهرة (حزب الأصالة)، والجماعات السلفية الجهادية- سابقاً، مثل الجماعة الإسلامية (حزب البناء والتنمية)، والجهاد الإسلامي (حزب السلامة والبناء).
ثالثاً؛ عملية تصدير الثورة السلفية المصرية أو استلهام التحولات التي حدثت للسلفيين بدأت من خلال صعود دعوات وعقد مؤتمرات تطالب بإعادة النظر في الموقف السلفي من العمل السياسي، وتدفع باتجاه المشاركة السياسية وتأسيس الأحزاب السياسية.
رابعاً؛ بدأت، عملياً، موجات التأثر بالتجربة المصرية الجديدة، وبأجواء الثورات الديمقراطية، ففي اليمن أعلن عن توجه لتأسيس حزب سلفي يمني، وربما لن يكون الحزب السلفي الوحيد هناك، وفي الأردن يلمّح بعض السلفيين إلى نيتهم لتأسيس حزب بالرغم من معارضة السلطات هناك، فيما تبدو هنالك مؤشرات شبيهة من قبل التيار السلفي الجهادي في المغرب العربي.
خامساً؛ دخول السلفيين على المرحلة الانتقالية الحالية يمثّل إشكالية حقيقية، فهم يعلنون منذ البداية أنهم يقبلون الديمقراطية بوصفها مرحلة انتقالية نحو الدولة الإسلامية، أو أنّهم سيعملون على أسلمة الدولة والمجتمع، ويميزون بين الفلسفة والقيم الديمقراطية من جهة والآليات من جهة أخرى، مما يثير المخاوف أنّنا نواجه لاعباً غير ديمقراطي إلى الآن داخل اللعبة الديمقراطية، يمكن أن يتسبب بإعاقة أو فرملة المرحلة الانتقالية الحساسة.
سادساً؛ بالرغم من ذلك، فإنّ التزام السلفيين بقواعد تداول السلطة والقبول بالتعددية، وعدم حصولهم على الأغلبية النيابية، كل ذلك يعزز من سيناريو احتواء السلفيين واستدراجهم إلى خطاب أكثر واقعية وبراغماتية، ووجود مراكز القوى العسكرية والأمنية خارج أيديهم يحدّ كثيراً من مخاوف انقلابهم على اللعبة الديمقراطية والانفراد بالحكم، فهو سيناريو مستبعد، لكن الخوف من ركوب المؤسسة العسكرية أو القوى المعادية للسلفيين هذه “الفزّاعة” للانقلاب على المسار الديمقراطي. وفقاً لهذه الخلاصات، فإنّ السيناريوهات المتوقعة لمشاركة السلفيين السياسية أو حدود دورهم السياسي وأبعاده المختلفة تتباين ما بين الأكثر إيجابية والأكثر سوءاً، تبدأ من تكريس نظام ديمقراطي، تكون القوى والأحزاب السلفية لاعباً فيه، تطور خطابها السياسي والأيديولوجي للقبول بقيم اللعبة الديمقراطية، ومخرجاتها، مروراً بسناريو تعجز فيه الأحزاب السلفية من إحداث تطوير حقيقي جوهري على خطابها السياسي، لكنها تبقى جزءاً من اللعبة الديمقراطية والسياسية، وتمثّل جناح يمين اليمين، ضمن الخطاب الديني والإسلامي، على غرار الأحزاب الدينية الإسرائيلية، أو تجربة التيار الصدري في العراق، وصولاً إلى سيناريو انشطار التيارات السلفية ما بين النزعة البراغماتية والمحافظة،
وأخيراً فإنّ السيناريو الأكثر خطورة وسلبية، يتمثل في تجذر الصراع العلماني- الإسلامي، واتخاذه أبعاداً اجتماعية وسياسية مختلفة، مما يؤثر على سير العملية الديمقراطية، ويؤدي إلى تدخل المؤسسة العسكرية، وربما توقف المسار الديمقراطي أو حظر الأحزاب السلفية، وانكفائها مرة أخرى نحو العمل الاجتماعي والدعوي.
Please subscribe to our page on Google News