صدر في نهاية شهر مارس الماضي كتاب مهم، عن منشورات جامعة كولومبيا الامريكية Columbia University Press، للباحث بريان جادج Brian Judge، تحت عنوان: الديمقراطية الافتراضية: التمويل وصعود الليبرالية الجديدة في أمريكا
Democracy in Default: Finance and the Rise of Neoliberalism in America
يقدم هذا الكتاب منظورًا جديدًا حول ولادة الليبرالية الجديدة ، موضحًا أن هذا السرد المشترك ،يخلط بين السبب والنتيجة،وتطرح جملة من التساؤلات :كيف نشأت الليبرالية الجديدة في مواجهة أزمات السبعينيات ؟
وكيف حدث تحالف بين المثقفين الليبراليين الجدد، والساسة المحافظين، وأصحاب المصالح التجارية،لصالح مشروعا ضخما لعزل الاقتصاد عن الديمقراطية؟
وأن هيمنة التمويل هي الآلية التي سمحت لليبرالية الجديدة بأن تتجذر.
في هذا السياق اتبدو الليبرالية الجديدة كمشروع سياسي، لإعادة تهيئة الظروف لتراكم رأس المال، واستعادة قوة النخب الاقتصادية، و أن “الليبرالية الجديدة هي بمثابة ترياق محتمل،لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها النظام الاجتماعي الرأسمالي، وتم ترسيخها باعتبارها “عقيدة اقتصادية جديدة تنظم السياسة العامة على مستوى الدولة”. لقد تم الترويج لدولة الليبرالية الجديدة، باعتبارها الجهة المنفذة لنظام وسلوك الأسواق، الممتد عبر المجتمع بأكمله.
وعلى عكس الليبرالية الكلاسيكية، فإن الليبرالية الجديدة،هي نظرية الدولة التي تتطلب اتخاذ تدابير فعالة، لضمان عمل آلية السوق،دون عوائق من المطالب الاجتماعية والسياسية،وأن الدولة القوية تضمن المجتمع الحر،ولذلك تنظر الليبرالية الجديدة إلى النظام الاجتماعي للدولة،على أنه تحت إشراف ونتيجية للأسواق التنافسية، ومن هذا المنظور يتم تفسير النيوليبرالية،على أنها نموذج سياسي متعمد ،يخدم المصالح المادية لرأس المال المنتشر، لنزع فتيل الحركات النضالية العمالية المتزايدة .
بعد2008 انفجرت الفقاعة المالية، وعجلت بحدوث الأزمة المالية العالمية، إيذانا ببدء حقبة جديدة من ردود الفعل الشعبوية والاضطرابات الاجتماعية.
يجادل المؤلف بأن التمويل المالي، كان بمثابة استجابة شبه عفوية لأزمة داخل الليبرالية،وأن الليبرالية تتنصل من مشكلة الصراع التوزيعي، مما يجعلها عرضة للخطر عندما تندلع تلك الصراعات. وعندما بدأ محرك النمو في فترة ما بعد الحرب في التباطؤ، وعد التمويل بطريقة للخروج من المأزق السياسي الناجم عن ذلك، مما سمح للديمقراطيات الليبرالية بعدم تسييس مسائل التوزيع والحفاظ على النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم.
وأن المسؤولين المنتخبين تبنوا عن طيب خاطر، الحلول المالية لمشاكلهم السياسية ، وكان ذلك دافعا لإطلاق العنان للضرورة المالية ،لتوليد عوائد نقدية أدت الى تحولات شاملة.
وكيف أنه منذ الأزمة المالية لسنة 2008، تعمل أولويات الأسواق المالية على إحداث تغيير جذري في الحكم الديمقراطي الليبرالي، من خلال إعادة صياغة التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها نصف القرن الماضي، ويقدم الكتاب وصفًا جديدًا وقويًا للعلاقة بين الليبرالية الجديدة والأمولة.
يستكشف الكتاب الطرق التي تتنصل بها العقيدة السياسية الليبرالية، من مشكلة الصراع التوزيعي وتنزع عنها الطابع، ويحلل كيف يستجيب التمويل للصراعات المتجددة، والتي تحدث تحولًا أساسيًا في الحكم الديمقراطي الليبرالي.
Mohamed Khodja