موضوع الكتاب ليس من السهل الحديث عنه أو تفصيله وهذا ما تتحدث عنه الساحة السياسية والحزبية السودانية منذ فترة ما قبل الإستقلال فنجد في السودان هناك فرق بين الدولة وما بين الحكومات التي تعقب كل ثورة من ثوراته ما بعد الإستقلال 1995م والفهم فيها يعتبر قسمة من الله تعالى بين الناس وتتفاوت فيها التحليلات والآراء وحتىالأفكار وهنا يجدني المؤلف معجب جداً بأراءه ومعجب بأطروحته الثورات السودانية ما بعد أستقلال 1955م تحديات السلطة والتغيير وأقول إذا كانت النفوس كبار تعبت في مرادها الأجسام فالمؤلف طرق باب كثير من الرجال يخافونه وهو تقييم الثورات وتقييم الحالات والأحداث التاريخية التي حدثت في السودان .
تاريخياً نجد الثورات تحدث للتغيير الكلي وليس الشكلي ونجد بدايتها كانت مع الرسل عليهم السلام فعندما جاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاء بثورة ودين تنهي ما قبلها من عبادة العباد الى عبادة رب العباد وترسي دعائم حكم جديدة وبرنامج جديد يعلو فيه الحق على الباطل يقول تعالى : (وقل جاء الحق وزهق الباطل )
(الأمين، م2020) وزهق الباطل إزهاقاً فالثورة تعني إعادة بناء ما يتناسب مع مطلوباتها وتنهي ما كان قبلها من نظام حكم او دين او أعراف وغيره .
فبالحديث عن ثورة الشعب السوداني ما بعد الإستقلال وكانت في 1958م انا أرى انها لم تحقق أهدافها ولم تكن ثورة بالمعني الحقيقي خاصة في فترة ما بعد بناءها بل اعتبرهاقريبة وشبيهة بعملية تسليم وتسلم لمقاليد حكم السودان لأنها لم تغير شيئ يذكر كما تفعل الثورات عبر المكان والزمان فنجد وزارة الخارجية استمر فيها الحال كما كان عليه وايضاً الداخلية وعليهما قس فالثورة تعني التغيير الشامل ولا تعني التغيير في الحكومة فقط ، وعندما جاء عبود تمت عملية تسليم وتسلم ليس إلا .
أما الثورة السودانية الثانية التي أعقبتها وهي ثورة 1985م وأشير هنا الى ان هناك كثير من الأحداث والتحولات والسياريوهات قد حدثت الكتاب يتناولها بالتفصيل اكثر أجد نفسي اسميها ثورة الشيوعيين الذين جاءوا بجعفر نميري فبالتالي تكرر السيناريو الذي حدث لثورة وحكومة عبود 1958م فنميري لم يقم بثورة لأنه لم يغير أي شيء يذكر بل كرس حياته وحكمه في مقاومة التمرد والذي أجد انه كان من أسباب التدهور والتغيير في موازين القوى بين الأحزاب السياسية المتناكفة على السلطة حينها .
ثورة الإنقاذ 1989م على الرغم من المغالطات في التسمية إلا انها استطاعت ان تحكم لثلاثين عام وكانت اقرب للديمقراطية مقارنة بالأخريات ولكني اصنفها قريبة الى الثورة الحقيقية مكتملة الأركان ولم تقم بالتغيير الذي تحدثه الثورات فكانت ايضاً عبارة عما يمكن تسميته تسليم وتسلم بين الأخوان المسلمين الذين كانوا يناصرون الصادق المهدي وعندما تأزم الوضع الاقتصادي والأمني وضرب نميري للجزيرة أبا استعان بمجموعة عمر البشير على
اساس برنامج الحركة الإسلامية ، فالحركة الإسلامية فكرة وليست دين كما يروج البعض فبنوا برنامجهم بعد ذلك على حكم الشريعة الأسلامية ولم يكن بالنمط الفقهي المعروف بل كانت شعاراً لتقوية حكمهم حيث كان الإقصاء ومحدودية المعني والدلالة حتى اختيار الافراد على اساس حزبي ونمطي فبالتالي ثورة 1989م ليست ثورة ويمكننا ان نقول انها انقلاب بنكهة مدنية .
إختلفت عن تلك الثورات ثورة ديسمبر 2018م والتي توفرت لها كل مقومات الثورة ولعب الشباب فيها دور كبير ومهم في تحريك الشارع نحو القيادة العامة للجيش مما أدي لإسقاط البشير عنوة عكس ما شهدناه في التجارب السابقة ويبقى تحدي السلطة والتغيير في هذه الثورة وحكومتها الانتقالية الحالية والتي تعقبها من ديمقراطية او سيناريوهات محتملة يشير اليها الكتاب في دفاته .
ولكنها لم تسلم من المناكفات الحزبية والسياسية حتى أصبحت قريبة الى عمليات التسليم والتسلم التي تحدثنا عنها في الثورات السابقة فنجد الشيوعيين والبعثيين والناصرين ركبوا موجة الثورة واستطاعوا ان يسرقوا ثورة ديسمبر 2018م فهي أحزاب اعلنت فشلها سابقاً مع نميري شأنها شأن الحزاب التقليدية كالأمة والاتحادي وهم ليس لهم برنامج واضح
لإدارة ما بعد الثورة بسبب الوضع الذي وصلت له البلاد خلال الفترة الانتقالية فهم بركزون فقط على المكاسب الشخصية كالوزارات والتوظيف وغيره .
إختصاراً وللحديث بقية ومعاني أكثر ولكن لا أريد تشتيت ذهن القارئ وأتركه يلج مباشرة لدفات هذا الكتاب الممتع والمهم أ{يد ان اقول كمعاصر لتلك الثورات جميعها إبتداء من حكومة السيدين وثورة 1964م وثورة 1985م لدي حديث طويل حول التحولات السياسية والتحديات التي تعقب كل ثورة من ثورات الشعب السوداني منذ خلافة التعايشي لزعيم الثورة المهدية الاولى نفسها وكيف انه برغبته السياسية وحبه للسلطة ساهم في
إجهاض تحقيق مطالب الثورة المهدية فهو الذي ساهم بقتل المهدي بدس السم في اللبن ، فالتاريخ هو التأريخ لأشياء وأحداث ماضية مهما كانت وكيفما ووقتما كانت ولكن التاريخ في السودان تم تزويره لخدمه أجندة بعينها .
وأختتم بالشكر الجزيل للأستاذ المؤلف عمر جبريل رحومة على منحي ثقة تقديم كتاب بهذا الحجم وهذا المضممون وهو كتاب الثورات السودان ما بعد استقلال 1955م تحديات السلطة والتغيير.
فأنا أشكره وأشكر دار ألفا للنشر بدولة الجزائروالتي استجابت وتعاونت مع المؤلف في إخراج هذا الكتاب الى القارئ العربي والسوداني أسهاماً في إعادة قراءة وتأريخ التحولات السياسية والثورية في المنطقة العربية والسودان متمني لهم ولهذا الكتاب مزيد من التوفيق .
المجتويات