تعد قضية البرنامج النووي الإيراني من أكثر قضايا الانتشار النووي تعقيدا وتشابگا في الوقت الراهن، وتثير العديد من الأبعاد التي تبدأ بالنوايا النووية الحقيقية والغموض الذي يميز سياسة إيران في هذا الإطار منذ البداية، وما يرتبط به من عدم تصديق الاطراف الأخرى لما هو معلن منها. وتتباين الاتهامات تجاه البرنامج النووي الإيراني فالمؤشرات الأمريكية والغربية تشير إلى نشاطات نووية إيرانية غير سلمية، دون وجود ما يؤيد تلك الرؤية، مقابل تأكيد إيراني بأن البرنامج هو سلمي ولغرض الاستفادة العلمية وانتاج الكهرباء لسد حاجة إيران منها، ولايزال البرنامج النووي الإيراني يثير الجدل في الأوساط السياسية والأكاديمية، وتبرز تطوراته مسارات واتجاهات مختلفة عند تحليلها، فالقضية النووية اليوم هي قضية وجود وطموحات قبل أي شيء آخر، ولعل أهمية هذا البرنامج وأهدافه ومستوياته في القضية الأكثر اثارة للجدل بمختلف أشكاله. وقد أبرمت إيران اتفاقا نوويا مع القوى الغربية الرئيسة بما يمكن من مراقبة هذا البرنامج واستمراره في صيغته السلمية، وتمكنت بذلك من التخلص من العقوبات الدولية المختلفة التي فرضت عليها بسبب استمرارها في برنامجها النووي، وبدأت ملامح مرحلة جديدة في العلاقة ما بين الطرفين وأصبح المستقبل محملا بملامح وتصورات تباينت بشكل واضح بين الطرفين. الا ان هذا الاتفاق سرعان ما نقض من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي انفردت بذلك عن القوى الغربية الاخرى، وبدأت بخطوات متسارعة في التصعيد مع إيران التعيد الجدل مجددا حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني ومستقبله.
وهناك العديد من العوامل التي تقف وراء اصرار إيران على انجاز برنامجها النووي من اهمها عاملا السمعة والتأثير، فإصرار إيران على برنامجها بعد دليلا على تقدمها وأنها اصبحت قوة صناعية حديثة متقدمة، وان سعي الغرب الحرمان إيران من استكمال برنامجها النووي هو الرغبة في السيطرة على إيران لمنعها من تبوؤ مكانتها اللائقة في المنطقة والعالم الإسلامي، كما يلعب قادة إيران دائما على وتر الفخر الوطني للإيرانيين واحساسهم بأنهم قوة عظمى، ولذلك تسلك إيران طريقا دبلوماسيا أكثر اعتدالا وانفتاح. ومفتاح الحل في نظر إيران، يكمن في معالجة مخاوفها ومخاوف الغرب بالتزامن، فالمشكلة بالنسبة لإيران هي ضمان برنامج التطوير النووي للمستقبل. فالإرادة السياسية في التوصل إلى حل تفاوضي لهذه القضية، وعدم تأزيم الوضع في المنطقة، كما أنه لا يمكن الالتفاف على إيران لإرساء الاستقرار اقليمية. فالخطاب السياسي الإيراني تراوح بين تصعيد واعتدال في خطابها الدبلوماسي والتفاوضي، وباتت إيران على شبه قناعة بأن الغرب لا يملك الوسائل الكافية للتورط في نزاع جديد في الشرق الأوسط، وتمتلك إيران وسائل بإمكانها إحداث اضطرابات في الشرق الأوسط، وهذه الحقائق تعزز انتصار ايران على التحالف العربي، فقد واجهت اشد العقوبات الاقتصادية لعشرات السنين، وباتت أكثر قدرة على الصمود، ولإيران الحق في تطوير الطاقة النووية، وهم بذلك يتطلعون إلى المصلحة القومية بزهو وافتخار غير عابئين بالتهديدات الأمريكية، ويثار التساؤل لماذا تحرم قوة اقليمية مثل إيران من حقها في امتلاك برنامجها النووي وتفعيله، وهي التي أكدت أن مساعيها في هذا المجال تهدف لأغراض سلمية، في حين يسمح لإسرائيل وباكستان بامتلاك هذه القوة، وهما الأقرب إلى إيران؟ وإذا كان العالم بأسره يسعى للحصول على سلاح نووي، فلماذا تتهم إيران بتهديد السلم العالمي والسلام في المنطقة، ولماذا تتعرض للمزيد من الضغوطات من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها؟
من ناحية اخرى يسعى التحدي الغربي إلى إقناع إيران بأن المضي قدما في البرنامج النووي لن يساهم في زيادة تأثير وسمية إيران في المنطقة، لكن إيران وبوصفها إحدى الدول التي وقعت على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية من حقها تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، أما الاتهامات التي توجه إليها من قبل أمريكا وإسرائيل وكذلك من قبل الاتحاد الأوروبي بأنها تنوي امتلاك القنبلة النووية قد يكون لا أساس لها من الصحة وهي فقط نتاج عدم الثقة في الحكومة الإيرانية. هل يعني هذا أن إيران على حق؟ إيران تشعر باستمرار بأنها تحت الضغوط الدولية والوصاية ومن ثم فإنها تحاول أن تثبت لنفسها وللعالم بأنها قوية بما فيه الكفاية لمواجهة تلك الضغوط، على الرغم من عدم وجود من يشكك في قدرات إيران النووية. فالسؤال هو هل يوجد في إيران قادة سياسيون قادرون على استغلال طاقات البلاد وتوظيفها بشكل سليم؟ وحول ذلك بدور الشك، ففي الوقت الذي يحتفل فيه الإيرانيون بهذه القفزة التكنولوجية، تزداد الفجوة بين طهران والدول التي تشكك في نواياها النووية.
في ضوء كل ما تقدم حاولت الدراسة الانطلاق من فرضية أن هناك سعيا متزايدا بين مختلف الدول الامتلاك التكنولوجيا النووية، الا ان البواعث على هذا التحرك تتباين بشكل واضح، وتحكمه إلى حد ما طبيعة العلاقات الدولية لهذه الدولة مع القوى العظمی، ان يمكن أن يكون هذا المسعى موضع ترحيب ودعم إذا كان الطرف الساعي حليفا قويا يخدم المصالح الغربية وهو ما كانت عليه إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي تحديدا ولكن اختلاف النظام السياسي واختلاف توجهاته ومصالحه عن مصالح القوى الغربية يمكن أن يثير الكثير من المشاكل والعقبات حتى وان كانت الطموحات والتوجهات ذات طابع سلمي وهو ما يبرز في حالة إيران اليوم.
ويبرز السؤال الأساسي وهو هل ستتوقف إيران عن الاستمرار في برنامجها النووي؟ وهنا تتباين الاجابة على ذلك، فإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فيكون السؤال الثاني هو: متي أما إذا كانت الإجابة بالسلب، فيكون السؤال هو: لماذا؟ وما هي النتائج؟ فهل سيؤدي استمرار هذا البرنامج إلى سقوط النظام السياسي الإيراني أم لا؟ وماهي الابعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذا البرنامج في بعده الداخلي، وما دور الدول الاقليمية والدولية في محاولة اقناع إيران بوقف برنامجها، أو التعهد الرسمي بعدم التحول إلى التكنولوجيا النووية العسكرية؟ ومتى يمكن أن تقبل إيران طواعية بالحد من تطور قدراتها التكنولوجية النووية؟