شهدت المدة التي تلت الحرب العالمية الثانية معطيات جديدة على الساحة الصينية تمثلت في الحربٌ الأهلية التي دارت بين الحزب الشيوعي الصيني بقيادة (ماو تسي دونغ) والحزب القومي الصيني (الكومينتانغ) بقيادة (تشانغ كاي تشيك) انتهت بإنتصار الشيوعيين وتأسيس جمهورية الصين الشعبية وعاصمتها بكين عام 1949، ولجوء تشانغ وأنصاره إلى تايوان والإعلان عن قيام جمهورية الصين وعاصمتها تاييبي، ومنذ ذلك الحين تسعى الصين إلى إعادة تايوان إلى سيادتها الوطنية وفقاً للسياسة التي قدَّمها الحزب الشيوعي الصيني منذ ثمانينيات القرن الماضي المتمثلة بـمبدأ “دولة واحدة ونظامان”.
تُمثل قضية تايوان أهمية كبيرة وتأثيراً على التوازن الاستراتجي في منطقة آسيا- الباسيفيك بين الصين والولايات المتحدة والأمريكية؛ نظراً لتداخل المصالح والمنافسة بينهما، إذ تقع تايوان في منطقة استراتيجية مهمة، وان أي تغيير يجري في الوضع القائم من شأنهِ أنْ يتسبب في تهديد التوازن في تلك المنطقة، إذ تُمثل تايوان نطاقاً حيوياً للصين وتهدد باستخدام القوة في حال خطت تايوان أية خطوة نحو الاستقلال إذ ان الأخيرة تُشكِّل قاعدة استراتيجية لعمليات عسكرية محتملة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها ضد الصين؛ نظراً لأهميتها الجيوإستراتيجية التي تقع بين بحري الصين الجنوبي والشرقي ولقربها من الصين، لذا مارست الولايات المتحدة الأمريكية دعم تايوان وتزويدها بالأسلحة المتطورة، فضلاً عن توقيعها مع سلطات تايوان في شهر كانون الأول عام 1954 “معاهدة الدفاع المشترك”، التي تم بموجبها وضع الأخيرة تحت حمايتها، ويهدف الاهتمام الأمريكي بتايوان إلى تحجيم مكانة الصين في منطقة آسيا- الباسيفيك انطلاقاً من احتمالية تهديد الأخيرة للمصالح الأمريكية في المنطقة.
يُعدُّ المتغير الجيوبوليتيكي أحد أبرز العوامل المؤثرة في تحديد الأهمية الاستراتيجية لأيةِ دولة، إذ تؤدي المساحة والموقع الجغرافي دوراً كبيراً في قياس قوة الدولة وتأثيرها على الساحة الدولية في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، وبما ان العلاقة بين البيئة الجغرافية والسلوك السياسي نقطة ارتكاز في مجال الدراسات الجيوبوليتيكية؛ فإن المتغير الجيوبوليتيكي يهدف إلى تحويل السلوك السياسي لصانع القرار إلى هدف مرتبط بالبعد الجغرافي اي تحديد نمط الحكم وطبيعة التفاعلات الإستراتيجية للدولة من خلال تأثرها بخصائصها الطبيعية التي تؤثر على سلوك الدولة السياسي والاقتصادي بشكل أو بآخر، والتي كانت سبباً في معظم الحروب الدامية التي خاضتها البشرية منذ ظهور الدول القومية.
لذا يعرض البحث أهمية المتغير الجيوبوليتيكي بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية تجاه تايوان بشكل خاص ومنطقة آسيا- الباسيفيك والنفوذ الأمريكي في تلك المنطقة بشكل عام، وتتمثل إهتمامات الصين في تقديم نفسها قوة منافسة للولايات المتحدة في ظل طموحاتها لتصبح مركز استقطاب عالمي وبخاصة بعد نجاحها في إستعادة هونغ كونغ وماكاو ولم يتبقَّ لها سوى تايوان التي يُعدُّ موضوع إعادتها الى الصين أمراً في غاية الأهمية من أجل تعزيز مكانتها في منطقة آسيا- الباسيفيك، وتنبع أهمية تايوان من الناحية الاقتصادية بالنسبة للصين لأنها تقع في منطقة مهمة على طرق التجارة العالمية وبما ان تأمين مصادر الطاقة ومنها النفط والغاز تُعدُّ مصادر أساسية لتدوير عجلة الاقتصاد الصيني الذي ساهم في تحقيق صعودها السلمي وجعلها تتبوّأ المرتبة الثانية عالمياً من حيث قوة الإقتصاد وفي تعزيز قوتها وثقلها على المستوى الدولي؛ لذلك فإن الصين تعد مسألة تأمين تلك المصادر فضلاً عن ضمان حرية نقل بضائعها الى العالم مرهوناً بدرجة كبيرة بمضيق تايوان.
ويهدف البحث الى تحليل العلاقات القائمة بين الصين وتايوان ووضع المؤشرات المستقبلية لها تبعاً للمتغيرات التي تفرضها طبيعة النظام الداخلي الصيني والإقليمي والدولي، وقد ذهب البحث إلى ان قضية تايوان تُمثل واحدة من أهم المسائل في السياسة الخارجية الصينية؛ لكونها مرتكزاً جيوبوليتكياً يحقق متطلبات الأمن القومي الصيني، ومن أبرز قضايا الخلاف بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية إذ سعت الأخيرة إلى دعم تايوان سياسياً وعسكرياً بهدف تحجيم دور الصين في منطقة آسيا- الباسيفيك؛ لذا فإن التواجد الأمريكي في مضيق تايوان يمثِّل تهديداً للأمن القومي الصيني، وتنظر الصين إلى تايوان على إنها جزء من أمنها القومي وشأن صيني داخلي أفرزتهُ الحرب الأهلية.
أووضحت النتائج ان الأهمية الجيوبوليتيكية لتايوان تتمثل بما تشغلهُ من موقع مهم في منطقة آسيا- الباسيفيك بين بحري الصين الشرقي والجنوبي بوصفه من أقصر الطرق التي تربط المحيط الهادي مع بحر الصين الجنوبي لذلك فإن عودة تايوان إلى الصين سيعزز من مكانتها وقوتها في المنطقة.