العلاقات الجزائرية الأوربية
أُطر التعاون الجزائري الأوروبي
- التعاون الاقتصادي:
إن الهدف من الشراكة والتعاون الاقتصادي هو تحقيق التنمية المستدامة في المتوسط وتحسين المستوى المعيشي وفي هذا المجال تم التوقيع على عدة اتفاقات بين الجزائر والاتحاد الأوربي والتي تضمنت في مضمونها تحرير تبادل السلع وفقاً لأحكام منظمة التجارة العالمية وتخفيض معظم الرسوم الجمركية خلال فترة أقصاها 12 سنة وفترة سماح التنقل مدتها 5 سنوات، كما سيشرع في التحرير التدريجي لتبادل السلع الزراعية والمصنعة حيث أكد بيان برشلونة على أهمية النمو الاقتصادي والاجتماعي الدائم والمتوازن، وقد حدد البيان الأهداف البعيدة المدى التالية:
- تسريع عجلة النمو الاجتماعي والاقتصادي المستديم.
- تحسين ظروف الحياة للسكان ورفع مستوى التشغيل وتخفيف فوارق النمو في المنطقة الأورومتوسطية.
- تشجيع التعاون والتكامل الإقليميين.
وسعياً لبلوغ هذه الأهداف ارتكزت المبادرة على 3 عناصر أساسية:
- انشاء منطقة تجارة حرة.
- تنفيذ تعاون وتداول اقتصادي.
- زيادة المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي إلى شركائه.
أولاً- إقامة منطقة تجارة حرة
حيث تم تحديد سنة 2010 كتاريخ علمي لإنشاء منطقة للتبادل الحر، ويتم هذا الانشاء للمنطقة بصفة تدريجية، ومن خلال المرحلة الأولى يتم تحرير التبادل التجاري في إطار علاقات الاتحاد الأوربي مع كل شريك على حدى؛ هذا التحرير للمبادلات التجارية يكون مطابقاً للالتزامات التي تفرضها وخلال فترة انتقالية أقصاها 12 سنة فيما يتعلق بإلغاء التعريفات الجمركية بين الشركاء ابتداءً من تاريخ الدخول في تطبيق اتفاقية الشراكة، فبالنسبة إلى المنتوجات الصناعية يجرى إزالة القيود التعريفية وغير التعريفية على تدفقها وفق جداول يتفق عليها الشركاء، كما سيتم تحرير تجارة المنتجات الزراعية تدريجياً كما ستحرر التبادلات في ميدان الخدمات وفقاً للاتفاقية العامة للتعريفات في مجال الخدمات G.A.T.
أما المرحلة الثانية فتهتم بدخول الدول المتوسطية في حوار شامل بينها من أجل عقد اتفاقيات تجارة حرة فيما بينها وفقاً لمايلي:
- تبني التدابير الملائمة لما يخص قواعد المنشأ والشهادات الخاصة به، وحماية حقوق الملكية الفكرية والملكية الصناعية، وسيادة المنافسة.
- اتباع سياسات مرتكزة على مبادئ اقتصاد السوق وتكامل الاقتصاد الوطني لكل شريك، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات ومستويات النمو لكل منهم.
- العمل على تحديث وتعديل البنيات الاقتصادية والاجتماعية مع إعطاء الأولية لتشجيع القطاع الخاص والنهوض بقطاع الإنتاج، وإقامة إطار اداري وقانوني ملائم لسياسة اقتصاد السوق، والعمل على التخفيف من العواقب الاجتماعية السلبية.
- تشجيع الأولويات الهادفة إلى تنمية تبادلات التكنولوجيا.
- زيادة الاستثمارات الخاصة والنشاطات التي تخلق مناصب العمل.
ثانياً- التعاون والتداول الاقتصادي
بالنسبة للتعاون الاقتصادي فقد حددت له المجالات التالية:
- الاعتراف بالتنمية الاقتصادية يجب أن يبنى على كل من المدخرات المحلية الموجهة للاستثمار، والاستثمار الأجنبي المباشر وخلق مناخ يساعد على الاستثمار عن طريق نقل التكنولوجيات وتشجيع الصادرات.
- التأكيد على التعاون الإقليمي من أجل تنمية التبادل بين الشركاء.
- تشجيع الشركات على عقد اتفاقيات فيما بينها مما يساعد على تحديث الصناعة وضرورة وضع برنامج دعم تقني للشركات الصغيرة والمتوسطة.
- تنسيق البرامج المتعددة الأطراف والاعتراف بضرورة التوفيق بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
- الاعتراف بدور المرأة بالتنمية.
- الحفاظ على الثروة السمكية.
- الاعتراف بالدور المحوري لقطاع الطاقة في الشراكة الاقتصادية الأورومتوسطية.
- إعطاء الأولوية للموارد المائية.
- تحدث الزراعة، وتشجيع النمو الريفي المتكامل.
- تنمية وتحسين البنية التحتية من مواصلات وتكنولوجيات.
- احترام القانون الدولي البحري خاصة في النقل بين الدول.
- تعزيز طاقات البحث والتدريب.
- التعاون في مجال الاحصائيات وتبادل المعطيات.
ثالثاً- التعاون المالي:
حيث أشار بيان برشلونة إلى أهمية هذا التعاون، فلا يمكن إقامة تعاون في المجالات المذكورة آنفاً إلا بوجود الجانب المالي “المادي” حيث خصص الاتحاد الأوربي مبلغ 4685 مليون وحدة نقدية ايكو في الفترة الممتدة بين 1995-1999، في إطار ما يعرف ببرنامج ميدا1 من أهم العلميات التي تم تمويلها في هذا البرنامج نجد التصحيح الهيكلي لاقتصاديات الدول المتوسطية، التحول الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص، التنمية الريفية وقطاع الصحة والتعليم، المشاريع الإقليمية، أما برنامج ميدا2 فخصصت له ميزانية قدرت بـ 5.35 مليار يورو في الفترة الممتدة 2000-2006 حيث يصل حجم الاعتمادات التي يطرحها البنك الأوربي للاستثمار لسنوات 2000-2007 إلى 6.4 مليار أورو، إذا نظرنا بصفة عامة إلى التعاون المالي الأورومتوسطي نجد أن برنامج ميدا قدم التزامات فعلية قيمتها 6331 مليون أورو من سنة 1995-2003، ومدفوعات قدرها 2176.4 مليون أورو خلال نفس الفترة كما قام بنك الاستثمار الأوربي بتقديم قروض وصلت قيمتها 9492 مليون أورو 1995-2003 مع زيادة في السنوات الأخيرة.
رابعاً- التعاون الأمني والسياسي
حيث قامت العلاقات الجزائرية الأوربية من جانبها الأمني والسياسي على الموقع الاستراتيجي للجزائر وعلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة حيث كانت الجزائر من السباقين للمناداة بضرورة مكافحة الإرهاب، فلقد تعلقت الشراكة في محورها الأمني السياسي في إطار الشراكة الأوروجزائرية بالنقاط التالية:
- الشؤون الداخلية والعدالة: حيث أكد الطرفان على تكريس التعاون في المجال القضائي والقانوني وذلك من خلال التنسيق المتبادل لمعالجة المنازعات والقضايا ذات الطابع المدني والتجاري والعائلي وتبادل الخبرات.
- ملف الهجرة ببعديه الأمني والسياسي حيث ركز مؤتمر برشلونة على مجموعة من النقاط:
- الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية مع الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الانسان، خاصة فيما يتعلق بالحريات الأساسية (حرية التعبير وحرية الانتماء، وحرية الفكر والوجدان والعقيدة الدينية).
- العمل على نزع الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية من خلال الخضوع لمنظومة منع الانتشار النووي.
- ضبط التسلح وتجنب تطوير قدرات عسكرية تتجاوز متطلبات الدفاع المشترك.
- مكافحة الإرهاب والمظاهر المختلفة لعدم الاستقرار ومحاربة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات.
- احترام التساوي بالسيادة وكامل الحقوق الوطنية.
- الامتناع عن أي تدخل في الشؤون الداخلية واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، مع العمل على احترام حقوق الانسان وتكريس الديمقراطية.
مجالات التعاون الاق
حيث ان هذه المجالات تلعب دوراً كبيراً في حوض المتوسط حيث نلاحظ أن الحوار بين الثقافات والمبادلات الإنسانية العلمية والتكنولوجية هي بمثابة عامل أساسي في تقارب الشعوب حيث يتم هذا التقارب عن طريق نقاط يجب أن تكون متوفرة، نذكر أهمها:
- دعم الحوار والاحترام بين الثقافات والأديان كشرط ضروري للتقارب بين الشعوب.
- تنمية الموارد البشرية.
- تطوير الخدمات الصحية العامة والتعاون الطبي في حالات الكوارث.
- التفاعل التام بين المقاطعات والسلطات الإقليمية للتصدي للتحديات المشتركة.
- تحسين الأوضاع المعيشية والتشغيل وزيادة مستوى العمالة للسكان في الدول المتوسطية.
- الاهتمام بقضية الهجرة في العلاقة الأورومتوسطية وتحسين أحوال المعيشة للمهاجرين بشكل شرعي.
أبعاد الدبلوماسية الجزائرية تجاه الاتحاد الأوربي:
حيث تقوم الدبلوماسية الجزائرية في علاقاتها مع الاتحاد الأوربي على مجموعة من الأبعاد حيث تسعى في البعد الطاقوي والاقتصادي لضمان سوق خارجية لمواردها (البترول، النفط، الغاز الطبيعي) على المدى البعيد، وأيضاً لجلب الاستثمار الأجنبي الذي يضمن توفير مناصب شغل بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا الحديثة المتطورة وإقامة منطقة تبادل حر بينها وبين الاتحاد الأوربي يمهد لها الطريق للانضمام لمنظمة التجارة العالمية ومزيد من الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي، كما أن هناك أبعاد أمنية تتمثل خاصة في مواجهة خطر الإرهاب، مشكل الهجرة غير الشرعية من أجل إيجاد آليات وأدوات فعالة كما أن هناك بعد سياسي وهو السعي لتقوية وتدعيم مكانتها السياسية على الصعيد الدولي من خلال بناء علاقة قوية ووطيدة مع الاتحاد الأوربي.
أهداف الدبلوماسية الجزائرية تجاه الاتحاد الأوربي:
- السعي للخروج من العزلة التي فرضت عليها خلال العشرية السوداء.
- استرجاع مكانتها الإقليمية والدولية ودورها في حل النزاعات والقضايا التي تشغل المجتمع الدولي.
- الاستفادة من الخبرة الأوربية في مجال مكافحة الإرهاب، وتدعيمها بالتكنولوجيا والكفاءات، وأيضاً في مجال مكافحة الآفات الاجتماعية مثل المخدرات.
- جلب الاستثمارات الأجنبية من أجل تشغيل اليد العاملة وتخفيف حدة البطالة، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا ورفع كفاءة اليد العاملة وتدعيم مصالح الخوصصة.
- خلق سوق دولية للمنتجات الجزائرية من خلال منطقة التبادل الحر.
- مواكبة التطور العلمي والمستوى المعرفي من خلال الجامعات الأوربية والاستفادة من خبراتها.
- انتقال الجزائر من الشراكة المغاربية الفاشلة إلى شراكة أورومتوسطية، بالإضافة إلى توفير إطار مناسب للحوار السياسي بين الطرفين.
- توسيع التبادلات وتحديد شروط التحرير التدريجي للمبادلات الخاصة بالسلع والخدمات ورؤوس الأموال.
- تشجيع التبادلات البشرية خاصة في إطار الإجراءات الإدارية.
- تشجيع الاندماج المغاربي وترقية التعاون في شتى المجالات.
آفاق العلاقات الجزائرية الأوربية
ان الاتفاق الذي تم بين الجزائر والاتحاد الأوربي سيسهل من دون شك انضمام الجزائر للمنظمة العالمية للتجارة كما ستساهم بتنمية وترقية المستوى المعيشي للمواطن، هذا لا يمنع من وجود تحديات تواجه هذه العلاقة حيث أن الواقع الإقليمي والدولي أدى إلى وجود فرص وتحديات فعلية تواجه الشراكة الأورومتوسطية حيث فيما يخص التحديات تتمثل في:
- إن الشراكة أحدثت تغييراً في قواعد التكامل الإقليمي حيث أن هذا التعاون يجمع بين الشمال المتقدم والجنوب النامي عكس التكامل السابق الذي كان بين شمال-شمال وجنوب-جنوب، حيث أن الشراكة الحالية تتجه نحو التكيف مع النظام الاقتصادي الدولي الجديد، هذا ما يخلق صعوبة الاتفاق على اعتبار أن الأنماط الاقتصادية المتبناة من كلا الطرفين حيث أ ن الفلسفة التي يتباناها الاتحاد الأوربي في عملية الشراكة المتمثلة في تهيئة الشريك الضعيف واقحامه في الشراكة بغية رفع مستواه إلى مستوى أكثر تقدماً لكن هذه الفلسفة أصبحت مشكوكاً فيها فالملاحظ أن هذه الشراكة يغلب عليها الطابع المصحلي إلى الجانب الأوربي وهي محاولة احتواء الظواهر الاجتماعية السلبية مثل العنف والهجرة والإرهاب …الخ.
- إن هدف إقامة منطقة تجارة حرة سيشمل الصناعات التحويلية فقط وليس منتجات الصناعات الاستخراجية أو السلع الزراعية وهذا يعني صعوبة تطوير الصناعة التحويلية كما أن هناك تحد يواجه هذه الشراكة وهو عنصر حركة الأشخاص و عدم السماح للأشخاص بالهجرة من الجنوب إلى الشمال، كما أن هناك تحد آخر وهو وجود شراكة متعددة المستويات والتفضيلات مما سيؤدي إلى المزيد من الانقسامات على غرار تركيا.
الفرص:
حيث من المتوقع ان تحسن هذه الشراكة تحرير التجارة مع تعزيز الإصلاحات في بلدان الجنوب كما يمكن أن تشجع المنافسة والاستثمار كما أن التقارب الجغرافي قد يكون عامل مهم في تطوير هذه الشراكة.
ان مراجعة المواثيق الرسمية منذ بيان أول نوفمبر 54 تأكد على اعتبار الدائرة المغاربية الحلقة الأولى أو البعد الأول في سلم الأولويات بالنسبة للسياسة الخارجية الجزائرية حيث اتبعت الجزائر منذ استقلالها سياسة واضحة تجاه دول المغرب العربي، برزت في مجالات التعاون والتكامل والعمل على ضمان مصلحة مغاربية مشتركة مقابل الحفاظ على سيادتها وسلامة ترابها الوطني تمحورت الرؤية الجزائرية للمغرب العربي حول مبادئ أساسية سطرت سياستها في المنطقة تمثلت في الآتي:
1- الحفاظ على استقرار المنطقة من خلال اقامة علاقات حسن الجوار والتعاون الاقتصادي حيث أكدت على ضرورة بناء مغرب عربي موحد ومستقر.
2- تسوية النزاعات بالطرق السلمية ونبذ استعمال القوة وهذا ما يظهر جنوحها إلى وقف اطلاق النار في حرب الرمال رغم أن المغرب كان هو المعتدي.
3- رفض سياسة الكتل ومناطق النفوذ التي برزت بعد مشكل الصحراء في 1975.
4- قداسة الحدود المورثة عن الاستعمار وفقاً للمبدأ الذي ينص عليه القانون الدولي لكل ما في حوزته أو ما تحت يديه.
5- حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، خير مثال دعم الصحراء الغربية.
تجسدت هذه المبادئ في الأدوار التي قامت بها الجزائروالمتمثلة في:
أولاً- دور المدافع الاقليمي: ويظهر في تأكيدها إبان الثورة التحريرية ومعركة الاستقلال أن الكفاح ضد المستعمر هو دفاع عن المغرب العربي ككل وليس عن الجزائر فقط وحرية الجزائر هي ضمان لحرية المغرب العربي وهذا ما أكده بيان مؤتمر الصومام على أن ( الموقف السياسي لشمال افريقيا إنما يتميز بكون القضية الجزائرية تتداخل مع مشكلة المغرب وتونس … والحقيقة إنه إذا لم تستقل الجزائر فإن استقلال المغرب وتونس يبدو نوعاً من الوهم …).
ثانياً- دور صانع التكامل: يظهر هذا الدور في أشكال متعددة حيث لطالما أكدت الجزائر على وحدة الأقطار المغاربية في إطار تحرري وعلى العمل المؤسساتي في إطار البنى المؤسساتية الوحدوية ممثلة باللجنة الاستشارية أو اتحاد المغرب العربي أو من خلال ضوابط التعاون الثنائي بين الدول.
3- دور المعادي للاستعمار والداعم لحركات التحرر يظهر من خلال دعم الجزائر لاستقلال الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الاسباني مثل الصحراء الغربية وسبتة ومليلية.
إلا أن هذه الأدوار التي قامت بها الجزائر واجهتها عدة اشكاليات يمكن اختصارها كالآتي:
1- اشكالية الدولة القائد: تتخلص في وجود دولة رئيسية تستطيع أن تقود بقية الدول الأخرى في النطاق الاقليمي مستندة تأدية هذا الدور إلى عوامل التفوق النسبي على بقية الأطراف من موارد القوة أو إلى الدور التاريخي أو ثقلها السياسي الايديولوحي أو من خلال زعامة كاريزمية تجذب بقية الأطراف وللقيام بهذا الدور تتبع الدولة عدة أساليب كالضغط او الاغراء أو علاقات قوة في نطاق اقليمي إلا ان الواقع أثبت أن هذا الدور لم يمكن ولن يكن لأي دولة مغاربية إلا أن تونس والمغرب حاولتا أن تنسبا هذا الدور للجزائر بمفهومه السلبي القائم على السيطرة بإطار مقولة الحبيب بورقيبة: “ الجزائر روسيا المغرب العربي”.
2- إشكالية توزيع الثروة: تتطرح مسألة الثروة بأبعادها المختلفة النفطية أو المعدنية المائية شعوراً متعارضاً لدى أنظمة المغرب العربي بين أنظمة تفتقر دولها للثروة وأخرى تمتلك مايكفيها لتغطي احتياجات المغرب العربي كافة اقتصادياً ومعيشياً هذا ما يفسر محاولات التوسع والامتداد كالمحاولة التونسية في عهد بورقيبة جنوباً لاقتطاع جزء من الصحراء الجزائرية الغنية بالثروات النفطية وشرقاً باتجاه ليبيا ومحاولات التوسع المغربية لاحتلال الصحراء الغربية جنوباً، وشرقاً لاقتطاع تندوف وبشار، والمشاكل الحدودية الجزائرية الليبية المستمرة إلى الآن.
3- إشكالية ازدياد الضغوط من البيئة الدولية على العلاقات البينية المغاربية حيث تتميز العلاقات الخارجية للمغرب العربي خاصة تجاه دول شمال المتوسط بطابعها التدخلي الامبريالي بشكليه الاستيطاني الاستعماري أو الاستغلالي الاقتصادي إبان الحرب الباردة أين ظهر المغرب العربي منشطراً في سياساته بين توجه اشتراكي تتزعمه الجزائر وتوجه رأسمالي تقوده المغرب وتونس.
ثانياً السياق الخارجي
1- مكانة الجزائر في النظام الدولي: إن التحولات التي ظهرت بعد الحرب الباردة وبعد تصدع المعسكر الشيوعي أدت إلى تغير هرم السلطة وقواعد العلاقات الدولية، هذا الأمر فرض على الجزائر ضرورة بناء علاقات مع كل الأطراف وتعزيز التعاون في جميع القطاعات مع الفواعل الدولية الكبرى مستعملة في ذلك خبرتها في إدارة عمليات الوساطة في حل النزاعات مثل النزاع الاثيوبي الايريتري أو من خلال حمل لواء صانع التنمية في الدول النامية عن طريق مشروع الشراكة الجديدة من أجل التنمية في افريقيا “النيباد” والذي أهلها لتكون ممثلة افريقيا في المحافل الكبرى، بالاضافة إلى انتمائها للمنظمات أو البنائات العضوية و الجهوية و الدولية ومنظمات برلمانية و وظيفية عالمية كالامم المتحدة و وكالاتها مع تأكيدها على حضورها القوي في كل الحوارات عبر الجهوية مثل حوار افريقيا الصين ، العالم العربي- امريكا اللاتينية، أوربا-افريقيا، وضمن البناءات التفاعلية المتوسطية كالشراكة الأورومتوسيطة، الاتحاد من اجل المتوسط، 5+5، 75+1…
بالاضافة إلى جهودها الحثيثة في مجال مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة حيث ساهمت في تجسيد الاتفاقية الدولية لمكافحة الارهاب، واستصدار قرار أممي يجرم عمليات تمويل الارهاب بالاضافة إلى الجهود على المستوى الاقليمي تتعلق بأمن الساحل كإنشاء مجلس الأمن الافريقي، المجلس الافريقي العربي، استصدار اتفاقية عربية واخرى افريقية لمكافحة الارهاب.
الفرص المتاحة على الصعيد الدولي
حيث يمكن حصر هذه الفرص في مجالات محددة تشمل ارتفاع أسعار البترول، الحرب على الإرهاب، وجهود التنمية الدولية خاصة في افريقيا، المساهمة في حل النزاعات الافريقية، أهمية الشأن المتوسطي خاصة ما تعلق بالوضع الأمني والاقتصادي، حيث أن ارتفاع أسعار البترول قد أتاح للجزائر وفرة مالية مكنتها من التخلص من التبعية المالية للمؤسسات المالية الدولية خاصة المديونية وأصبحت محل اهتمام الشركات والمؤسسات الدولية الاقتصادية والتجارية؛ هذه الوضعية سمحت للجزائر من تنظيم مؤتمرات دولية كبرى عربية افريقية متوسطية وعالمية، مثال: الندوة العالمية للغاز.
كما ساهمت في تسديد اشتراكاتها السنوية في المؤسسات الإقليمية والدولية ومساهماتها في انشاء العديد من الصناديق التنموية والتضمانية الافريقية العربية كما كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر الأثر الكبير في دخول الجزائر كشريك أساسي في الحرب على الإرهاب أما دورها في افريقيا مهد لها الطريق لحضور قمة الثمانية وقمة اسكوتلاندا التي تعلقت بمسح الديون الدول الافريقية الأكثر فقراً بالإضافة إلى مبادرة النيباد التي دعمتها الجزائر في المحاكم الإقليمية والدولية بالإضافة إلى انشاء مجلس الأمن الافريقي وتطوير أجهزة الاتحاد الافريقي وحل القضية الاثيوبية الايريترية، ودورها الفعال في منطقة الساحل ووقفها للنزاع في مالي، بالإضافة إلى مكانتها المتوسطية التي جلعت منها شريك استراتيجي في جميع المجالات.
التهديدات والضغوطات التي تواجه الجزائر
نهاية الحرب الباردة أدت إلى ظهور تحولات كبرى في البنى الأمنية الدولية وباعتبار الجزائر دولة من دول الجنوب انعكست عليها الصراعات الغربية مما أدى إلى ظهور عدة تهديدات وضغوطات على الجزائر.
الناحية السياسية: التحول الديمقراطي الذي كرس مبدأ الفوضى أو ما يعرف بأزمة التسعينات.
الناحية الاقتصادية: انخفاض النمو الاقتصادي ونقص رأس المال شكل تهديداً واضحاً للجزائر خاصة في مجال المحروقات.
الناحية الأمنية: قد خضعت الجزائر لتهديدات أكثر خطورة من أي دولة أخرى تلخصت في الإرهاب، المخدرات، الجريمة المنظمة، ناهيك عن التنافس الغربي في هذه المنطقة.
السياق السياسي الإقليمي
أثرت التغيرات السريعة والمتلاحقة بشكل جليٍّ في رؤية القيادة السياسية للدول المغاربية لحجم التهديدات أو الضغوطات وتقديرها لمدى خطورتها وأهميتها ومدى تأثيرها عليها حيث انتهجت كل دولة رؤية خاصة بها من حيث الأولويات في تقدير المصالح الوطنية نظراً لاختلاف أنظمتها السياسية هذه الوضعية سمحت بتواجد مجموعة من الظواهر والتي حددت مايعرف بالسياق الإقليمي للدول المغاربية:
- توازن القوى غير المستقر:
حيث تعكس هذه الوضعية طبيعة العلاقات بين الدول المغاربية، إذ نجد على الساحة الإقليمية توازن متغير منه التفاعلات البينية المغاربية شهدت أنماط متعددة لتوازن القوى.
في بعض الفترات كان التوازن يقوم على أساس وجود قوة رئيسية تدور حولها قوى أخرى إلا أن هذا النمط لم ينجح لأنه برزت مجموعة من المحددات لم تستطع الجزائر من خلالها أن تلعب دور القائد، هذه الحالة أدت إلى وجود نوع من الاستقطاب الحاد في العلاقات البينية المغاربية بين الدولة الثورية (الجزائر) والدول المحافظة على غرار تونس والمغرب.
أما النمط الثاني من أنماط توازن القوى المغاربي فهو نمط يتسم بالتعددية في توزيع عناصر القوة إما نتيجة زيادة قوة دولة ما أو تراجع قوة دولة أخرى حيث أن فترة الثمانينات والتسعينات عبرت عن هذا التوازن عند تراجع دور الجزائر مغاربياً مما زاد في قوة دول أخرى على غرار كل من ليبيا والمغرب.