عرض: د. أحمد إبراهيم هلالي
ارتبطت انطلاقًا من الحرب الباردة كمحور رئيس للعلاقات الدولية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي، وامتداد التنافس والصراع فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، والذي امتدّ بينهما إلى مناطق مختلفة من العالم لتحقيق مكاسب استراتيجية يتفوق بها طرف على الآخر، واعتمادًا على مجموعة من المصادر الوثائقية المتنوعة، انطلقت دراسة د. محمد عبد المؤمن محمد، “التنافس الأمريكي السوفيتي في أثيوبيا (1991-1945)”، وهي في الأصل دراسة تقدّم بها للحصول على درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، كلية الآداب، جامعة عين شمس، يحت بعنوان: “التنافس الأمريكي-السوفيتي في أثيوبيا (1987-1945)”.
ولما كانت أثيوبيا أهم دول منطقة القرن الأفريقي، ليس فقط لأنها الأكبر مساحة والأكثر سكانًا، وإنما لأهميتها الجيوسياسية البالغة؛ نظرًا لقربها من خطوط التجارة الدولية -في الفترة الزمنية محلّ الدراسة- وقربها من منطقة الصراع في الشرق الأوسط كذلك.
كان الاحتفاظ إذًا بعلاقة أثيوبيا مع طرف ضد الآخر هو في حد ذاته أحد محاور الصراع بين القوتين العظميين حينذاك؛ على الرغم من مشاكل أثيوبيا المعقدة، وعلى رأسها التركيبة السكانية غير المتضافرة، وسياسات نظام الحكم الأثيوبي الذي أضاف تعقيدًا على ما هو قائم؛ كانت نتيجته هو هيمنة قومية دون غيرها على باقي القوميات من جهة، وأثر ذلك على علاقات أثيوبيا الإقليمية ومواقفها العدائية مع جيرانها من جهة أخرى.
ويؤكد د. محمد عبد المؤمن، في مقدمة كتابه، أنه على الرغم من أن التنافس السوفيتي الأمريكي ساد مناطق عدة في العالم، إلا أن التنافس بينهما في أثيوبيا كان يحيط به الكثير من العوامل والمؤثرات المتداخلة التي جعلت من القرن الأفريقي منطقةً عامرة بالصراعات والتقلُّبات، فقد كانت المنطقة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في حاجةٍ لتدخلٍ دولي لتقرير مصير الأراضي التي كانت تحتلها إيطاليا قبل الحرب، سواء في الصومال الإيطالي، أو إريتريا، بينما كانت أجزاء أخرى من المنطقة خاضعة لاحتلال فرنسا، وبريطانيا، وأثيوبيا، وكان أهالي تلك المناطق، وهم صوماليون، يتطلعون للتخلُّص من هذا الاحتلال.
وخلال فترات نفوذهما المتبادلة، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، الاستفادة من تناقضات السياسة الخارجية لتحقيق أهدافهما وتثبيت نفوذهما في أثيوبيا، من خلال دعم السلطات الأثيوبية في مواجهة أزماتها الكثيرة والمستمرة، فكان الطرف الأقل نفوذًا يسعي للضغط على أثيوبيا مُستغلًا التناقضات نفسها لإضعاف نفوذ القوة الكبرى الأخرى.
نجحت استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة كبيرة، في تحديد مصير تلك المنطقة، بعد مواجهات دبلوماسية حامية في الأمم المتحدة مع الاتحاد السوفيتي، حيث تم ضم إريتريا إلى أثيوبيا في اتحادٍ فيدرالي، وتم إعادة إيطاليا إلى مستعمرتها السابقة في الصومال الإيطالي، بوصايةٍ تحت إشراف الأمم المتحدة، فالتهبت المنطقة بمزيد من الكراهية نتيجة لما ارتكبه الإثيوبيين من جرائم في محاولة فرض سيطرتهم على شعوب المنطقة المحيطين بهم. كما ازدادت المنطقة سخونة بدخول أطراف دولية أخرى، وأخطرها إسرائيل، التي وجدت الفرصة مهيأة لها لبناء روابط قوية مع أثيوبيا من خلال الوجود الأمريكي؛ نتيجة لتوافق المصالح الإسرائيلية مع المصالح الأثيوبية. وهو ما كان يعني دعم أثيوبيا لإسرائيل في الضغط على مصر التي تأتيها معظم مياه النيل من الأراضي الأثيوبية.
وبطبيعة الحال لايمكن تجاهل أثر هذا التنافس على مصر، فلمصر مصالح حيوية كبيرة ومتعددة في منطقة القرن الأفريقي، سعت للحفاظ عليها؛ فلها مصالح مباشرة في تأمين البحر الأحمر، ومنع التوغُّل الإسرائيلي من الحصول على موطئ قدم في المنطقة، خاصة بعد أن أصبحت أثيوبيا تطلّ على البحر الأحمر، بعد هيمنتها على إريتريا. كما أن لمصر مصالح بعدم السماح لأي من أعدائها بالعبث في منابع النيل؛ وكذلك لها مصلحة في دعم الشعب الصومالي الشقيق. ولكن، كان اختلاف التوجهات السياسية، خلال معظم فترة الدراسة، بين مصر وأثيوبيا، له أثر واضح على طبيعة العلاقات بين البلدين.
وعلى هذا النحو، يؤكد المؤلف أن أثيوبيا ومحيطها الإقليمي شهد منافساتٍ وصراعاتٍ عديدة ومتنوعة، وإن كان التنافس بين القوتين العظميين له الأثر الأكبر في التحوُّلات والتقلُّبات التي شهدتها أثيوبيا والمنطقة، وهو التنافس الذي استمر حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين، مع تراجع قدرة السوفيت على الاستمرار في الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فتساقط كثير الأنظمة، ومنها النظام الإثيوبي، ولم يلبث الاتحاد السوفيتي نفسه أن انهار وتفكّك بعد أشهر من انهيار نظام حكم منجستو هيلاماريم في أثيوبيا.
جاء الكتاب في مقدمة، وخمسة فصول، وخاتمة، وقائمة بأهم الوثائق والمراجع
الفصل الأول: موقف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي من مطالب أثيوبيا الإقليمية في أعقاب الحرب العالمية الثانية
يعرض هذا الفصل لسياسة أثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلاسلاسي؛ من أجل تدعيم علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية، وتتبع التنافس بين القطبين في أعقاب الحرب، فيما عرف بالحرب الباردة، وانعكاسات ذلك على أثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي.
الفصل الثاني: تطور النفوذ الأمريكي في أثيوبيا ورد الفعل السوفيتي
يرصد فيه المؤلف دعم الولايات المتحدة الأمريكية لنظام هيلاسلاسي، في محاولةٍ لوقف المدّ الشيوعي، وهو ما انعكس في مساعدات عسكرية واتفاقات اقتصادية قدمتها وعقدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع أثيوبيا. على أن تطلُّعات هيلاسلاسي لمدّ نفوذه وسيطرته على إقليم القرن الأفريقي منفردًا، أدي إلى فتور العلاقات بين أثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية.
الفصل الثالث: المتغيرات الداخلية والإقليمية وأثرها على التنافس الأمريكي السوفيتي في أثيوبيا
يعرض هذا الفصل مُتغيّرات المرحلة الانتقالية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أثيوبيا، هذا في الوقت الذي انتقل فيه توجه أثيوبيا ناحية الاتحاد السوفيتي، وهي المرحلة كذلك الذي توسّع فيها نفوذها آنذاك في منطقة القرن الأفريقي.
الفصل الرابع: تطور النفوذ السوفيتي ورد الفعل الأمريكي إزائه
يرصد هذا الفصل وصول منجستو للسلطة في أثيوبيا، وتوجه نظام حكمه إلى الجبهة السوفيتية، وكيف أن المساعدات السوفيتية لأثيوبيا آنذاك، جاءت على حساب الصومال، فقد تمكّنت القوات الأثيوبية، بفضل هذه المساعدات، من طرد القوات الصومالية من إقليم أوجادين، وبسطت أثيوبيا يدها على هذا الإقليم المهمّ.
الفصل الخامس: تطور التنافس الأمريكي السوفيتي في أثيوبيا حتى سقوط نظام منجستو
حلّل هذا الفصل سياسة السوفيت، في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، في منطقة الساحل الشرقي لأفريقيا، على أن هزيمة قوات منجستو أمام الجبهة الإريترية، وعدم قدرة السوفيت على مسايرة الأمريكان، كما كان الحال عليه في وقتٍ سابق، في التنافس الدولي آنذاك، أدى إلى فتور العلاقات بين نظام حكم منجستو الذي انتهى بالسقوط، وأعقبه بأشهر معدودة انهيار الاتحاد السوفيتي، لتنفرد بذلك الولايات المتحدة الأمريكية بكونها القوى ذات القطب الأوحد.