تحيي الجزائر، اليوم، الذكرى السنوية الـ51 لتأميم المحروقات المصادفة لتاريخ 24 فيفري، في ظرف اقتصادي واجتماعي مرتبط بتداعيات خلفتها جائحة كورونا. ويظل اقتصادنا مرهونا ببورصة أسعار النفط، في انتظار إيجاد موارد أخرى لتمويل الاقتصاد الوطني من غير الريع النفطي.
هل ستنجح الأزمة الاقتصادية والمالية التي واجهتها الجزائر منذ سنة 2014 في طي ملف الريع النفطي نهائيا، مثلما أمر به رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، والتوجه إلى فتح صفحة جديدة عنوانها “التشمير عن الساعد”؟ أم أن أنظار المسؤولين وأصحاب القرار ستبقى دائما صوب الأسواق النفطية في ترقب لأسعار البرميل التي تبنى عليها جميع السياسات الاقتصادية؟
وما يثير إشكالية توظيف موارد المحروقات، تلك المبالغ من العملة الصعبة التي درتها “البقرة الحلوب”، حيث حصلت خزينة الدولة خلال الاثنتي عشرة سنة الأخيرة ما يعادل 542 مليار دولار، أي بداية من سنة 2010 إلى غاية 2021، استنادا للإحصائيات الرسمية التي تحصلت عليها “الخبر”.
استغلت الجزائر خلال العشرية الأخيرة كميات كبيرة من احتياطياتها من الغاز والبترول، حيث يتم إنتاج ما يصل حجمه إلى معدل 100 مليون طن معادل بترول سنويا، وهي الكميات التي تراجعت خلال سنتي 2019 و2020 إلى 92.6 و82.4 مليون طن معادل بترول على التوالي، لترتفع بعد ذلك إلى 96.8 مليون طن معادل بترول سنة 2021، مقابل 119.3 و113.7 مليون طن معادل بترول سنتي 2010 و2011 على التوالي، وهي الكميات التي تسابق سوناطراك الزمن لإعادة تجديدها من خلال تثمين اكتشافاتها وتعزيز احتياطياتها من النفط، لكن المهمة تبقى صعبة في ظل تردد الأجانب في الاستثمار في الجزائر، رغم الامتيازات الجبائية والضريبية والتسهيلات التي منحت لهم في قانون المحروقات الجديد. ويعزى ذلك إلى تراجع حجم الاستثمار العالمي في القطاع النفطي، لاسيما بعد الهزات المالية التي سجلتها شركات النفط الدولية بفعل جائحة كورونا، ما جعلها توجه استثماراتها إلى قطاعات بديلة.
وتشير الأرقام الرسمية لعائدات النفط ومستوى الإنتاج المنخفض مقارنة بسنوات أخرى إلى أن التراجع هيكلي وليس ظرفيا، لاسيما في ظل ارتفاع الاستهلاك الداخلي للمواد الطاقوية، الذي بلغ ما يمثل معدله 46 بالمائة من الإنتاج الوطني من المحروقات، ما يؤثر سلبا على صادرات الجزائر من النفط مستقبلا.
الجائحة تؤثر على مداخيل الجزائر من “الدوفيز” من برميل بـ112 دولار إلى 41 دولارا
ولم تشفع الملايير المحصلة طيلة سنوات البحبوحة، التي بلغ فيها معدل سعر البرميل ما يعادل 112 دولار للبرميل سنة 2011، ثم 110.7 دولار في 2012 و109.1 دولار للبرميل سنة 2013.. كلها أرقام كان من شأنها أن تجعل من اقتصاد الجزائر في مصف الدول النامية أو تلك التي تشق طريقها نحو الازدهار والتطور. لكن وعلى عكس ذلك؛ فإن “لعنة” البترول لاحقت مؤشرات البلاد المالية والاقتصادية، حيث تبقى عائدات النفط تمول الاقتصاد الوطني بنسبة تتجاوز الـ90 بالمائة، وتمثل بأكثر من 60 بالمائة من ميزانية البلاد.
ولم تحصل الخزينة العمومية خلال الثلاث سنوات الأخيرة، أي في الفترة الممتدة من 2019 إلى 2021، سوى على 89 مليار دولار، في وقت كانت الحصيلة أكبر سنوات البحبوحة المالية زمن سعر البرميل بأكثر من 100 دولار، حيث بلغت سنة 2011 لوحدها ما قيمته 71.5 مليار دولار، فيما قدرت سنة 2010 بـ70.6 مليار دولار.
لكن رب ضارة نافعة؛ حيث دفع تقلص فاتورة صادرات البترول والغاز إلى البحث عن سبل أخرى للخروج من الأزمة، انطلقت بتقليص فاتورة الواردات وميزانية الوزارات والمؤسسات، بعيدا عن البذخ الذي ميز السنوات الماضية.
لكن رغم شح الموارد المالية الذي ميز السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لم يمنع السلطات العمومية من اتخاذ قرارات تصب في صالح تحسين القدرة الشرائية للمواطن، كاستحداث منحة البطالين والعمل على الرفع من النقطة الاستدلالية للأجور المتدنية، إلى جانب تجميد الرسوم المطبقة على بعض المواد الأساسية، كلها قرارات ينتظر الجزائريون تجسيدها في أقرب الآجال بالنظر إلى الوضعية الاجتماعية المزرية التي تعيشها فئة كبيرة من المواطنين، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.