رؤساء فرنسا والجزائر..القليل من الصداقة والكثير من التوتر

لم تعرف العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ القدم الكثير من الهدوء، متسمة في الغالب بالتجاذب وعدم الاستقرار، حيث يذهب أساتذة التاريخ والمؤرخون وهم يتحدثون عن طبيعة العلاقات إلى أن أغلب فتراتها تميزت بالتوتر بين الطرفين، وطفت إلى سطحها القليل من الصداقة، خاصة أن رغبة الفرنسيين في احتلال الجزائر بدأت مع الملك لويس التاسع، ورغبتها في محو تاريخ وكيان أمة انتهت مع تصريح الرئيس ماكرون مؤخرا.

رغبة فرنسا في احتلال الجزائر بدأت مع الملك لويس

تعود الأطماع الفرنسية في احتلال الجزائر إلى عهد الملك لويس التاسع، (1226م-1270م) الذي وضع، كما هو معروف لدى المؤرخين، مشروعا للقضاء على القرصنة المغاربية، وبسط السيطرة العسكرية على مراكزها الأساسية المتمثلة آنذاك في الجزائر وتونس وطرابلس. ليبدأ مسلسل طويل من الصداقة أحيانا والتوتر في أغلب الأحيان، والمتسبب في توتير الأجواء في كل مرة هو حكام فرنسا، الذين كانوا يلجئون إلى إبرام اتفاقات تجارية مع حكام الجزائر، في إطار الامتيازات التي كانت تحصل عليها الدول الأوربية في الإمبراطورية العثمانية، ثم يسارعون إلى نقضها دون سابق إنذار، باستعمال القوة وشن حملات عسكرية على الجزائر لإخضاعها من دون نتيجة، بفضل القوة البحرية الجزائرية التي كانت في فترة من الفترات، قادرة على صد كل الاعتداءات الأوربية دفعة واحدة و ليس الفرنسية فقط.

فرنسا مهتمة باحتلال الجزائر رغم مشاكلها الداخلية

بالرغم من ضعفهم ومشاكلهم الداخلية السياسية والاجتماعية، لم يتوقف الفرنسيون عن إعداد مشروع احتلالي كلما فشل سابقه، بإصرار عجيب قد يكون مصدره الذهنية الفرنسية التي يستهويها ركوب التحدي ولو كان خاسرا منذ البداية، أو الجغرافيا الجزائرية التي قال بشأنها البعض إنها الجنة الثانية، فقد توالت المشاريع الاحتلالية من دون توقف، فهذا مشروع ديكارسي 1791م الذي لم ينفذ بسبب المجاعة القاتلة التي عمت فرنسا آنذاك، وكادت أن تقضي على المجتمع الفرنسي برمته، الذي أصبح أفراده يأكلون بعضهم بعضا، لولا المساعدات الغذائية والقروض المالية التي قدمتها الجزائر ولم تسدد لغاية الآن. ومشروع نابليون بونابرت، الذي أعد خطة لاحتلال بلاد المغرب العربي لجعل البحر التوسط بحيرة فرنسية. ومشروع استعمال حاكم مصر محمد علي باشا، الذي أقنعه القنصل الفرنسي في القاهرة دروفتي، بشن حملة عسكرية لاحتلال الجزائر لصالح فرنسا، مقابل هدية مالية وعسكرية سخيفة.

وأخيرا الحصار البحري الذي فرض على الجزائر ابتداء ممن جوان 1827م، وانتهى باحتلالها في الخامس من جويلية 1830م انتقاما للشرف الفرنسي المهان، كما قيل، لتبدأ فترة مظلمة في حياة الشعب الجزائري، عرف فيها القتل والإبادة والتشريد والقمع والتجويع والبؤس والفقر والتجهيل والمسخ والتشويه والعنصرية… والتعذيب والاعتداء على حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، فضلا عن النهب و السلب لثروات البلاد.

ديغول وبومبيدو.. علاقات باردة

لم يتمكن الرئيس شارل ديغول الذي تبوأ منصب الرئيس في الجمهورية الخامسة من سنة 1959 إلى غاية 1969، من إعطاء أي روح أو دفع للعلاقات الفرنسية الجزائرية التي عايشها الرئيس أحمد بن بلة والرئيس هواري بومدين، حيث تميزت العلاقة حينها ببرودة تامة، وهي العلاقة التي لم تتغير كثيرا في عهدة الرئيس جورج بومبيدو الذي حكم فرنسا من 1969 إلى سنة 1974، وهو الرئيس الذي عاصر الرئيس هواري بومدين الذي بقي محافظا على الموقف نفسه، بدليل أنه لم يستقبل الرئيس الفرنسي ولم يزر بدوره قصر الإليزيه.

فاليري جيسكار ديستان.. أول زيارة برسائل مشفرة

كان الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان الذي حكم فرنسا من 1974 إلى غاية 1981، أول رئيس فرنسي يزور الجزائر، وكان ذلك سنة 1975، محدثا طفرة للعلاقات بين البلدين التي كانت باهتة للغاية قبلها، ورغم هذا لم تخل زيارة ديستان إلى الجزائر من الكثير من المؤشرات التي توحي بنوع التجاذب بين البلدين كتغيير سيارة الرئاسة من علامة سيتروان الفرنسية إلى علامة مرسيدس الألمانية، وتغيير منطقة الزيارة من قسنطينة التي رغب الرئيس الفرنسي في زيارتها إلى سكيكدة التي أرادها الطرف الجزائري كشاهد على همجية مستعمر، وهو ما فسره الملاحظون بأنها إشارة واضحة إلى الرئيس الفرنسي ورسالة مشفرة لقصر الإليزيه بأن الجزائر لا تقبل الانصياع، لكنها مستعدة للتعاون، وقد انتظر الرئيس الفرنسي رد الزيارة من طرف بومدين الذي غادر الحياة دون ذلك.

فرنسوا ميتران.. الشاذلي زار بلجيكا أولا

عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية نوعا من الانتعاش في فترة الرئيس فرانسوا ميتران الذي حكم من 1981 إلى غاية 1995، حيث تبادل الزيارات مع الرئيس الجزائري حينها الشاذلي بن جديد الذي فضل زيارة بلجيكا كأول بلد أجنبي يزوره قبل أن تطأ قدماه التراب الفرنسي.

جاك شيراك.. مشروع قانون يثير الغضب

رغم ميوله إلى التنوع ونبذ العنصرية، وهو ما بدا جليا عندما رافق ناشطين ضد التمييز والعنصرية ومنظمات للدفاع عن المهاجرين، وهو يزور الجزائر في مارس 2003، إلا أن الرئيس جاك شيراك الذي حكم فرنسا من سنة 1995 إلى غاية 2007، كان وراء موجة غضب عارمة بالجزائر بعدما قدم أمام نواب البرلمان الفرنسي مشروع قانون يمجد الاستعمار ويركز على الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي تم تبنيه سنة 2005، ما ساهم في فتور العلاقة بين البلدين، في عهدة الرئيس المرحوم عبد العزيز بوتفليقة، ليطلب الرئيس شيراك بعدها بسنة تعليق هذه المادة.

نيكولا ساركوزي.. استفزاز من الأراضي التونسية

بدا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي تولى الرئاسة الفرنسية سنة 2007 وغادرها سنة 2012، أكبر رؤساء فرنسا تشاؤما للعلاقات بين البلدين وأكثرهم استفزازا للجزائريين، خاصة وأنه أكثر قربا للحركى وللأقدام السوداء، حيث أدلى بتصريحات خلال زيارة قادته إلى تونس الشقيقة، بأن تونس ضحية وقوعها بين الجزائر وليبيا.

فرانسوا هولاند.. مزحة ثقيلة

لم تخل العلاقات بين البلدين في ظل رئاسة فرانسوا هولاند للجمهورية الفرنسية في الفترة الممتدة من 2017 إلى غاية 2017، من التجاذب والتوتر أيضا، خاصة بعد المزحة الثقيلة التي أطلقها خلال احتفالية للمجلس التمثيلي للهيئات اليهودية بفرنسا، مع وزير داخليته حينها فالس، قائلا “عودتك من الجزائر معافى تعد إنجازا”، وهو الكلام الذي أسال الكثير من الحبر وأثار حفيظة الجزائريين مجددا.

إيمانويل ماكرون.. اللعب على أوتار الذاكرة

أصغر رؤساء فرنسا سنا إيمانويل ماكرون، الذي اعتلى سدة الحكم سنة 2017، لم يحد عن طريق أجداده، مفضلا بدوره اللعب على وتر الذاكرة، بعد تصريحات مستفزة لجريدة لموند الفرنسية شكك فيها حتى في وجود الأمة الجزائرية من خلال تساءل خبيث “هل توجد أمة جزائرية قبل 1830؟”، وهو التصريح الذي ردت عليه السلطات الجزائرية باستدعاء السفير وغلق المجال الجوي عسكريا أمام فرنسا.

وفي محصلة هذه العلاقات، فإن الخطاب السياسي الفرنسي غالبا ما تميز بالازدواجية، خاصة ما تعلق بالاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية، فهو يتأرجح دوما بين التنكر لماض أسود خلّف القتل والاغتصاب والنهب والرفض المعلب الذي يجد في كل مرة منفذا سياسيا للتملص من أعباء التاريخ الذي سجل إدانات واعترافات، لكنها تبقى محصورة بين بعض نواب اليسار الفرنسي وبعض الوزراء دون أن تأخذ الطابع الرسمي.

Please subscribe to our page on Google News

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 15371

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *