جاءت مرحلة مهمة في دراسة العلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا، تمثلت في فرضية معتبرة لدي ثلة من الباحثين، منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، مفادها انتهاء حقبة تدخل العسكريين في السياسة، وهذه الفرضية ثبتت صحتها، أو تكاد أن تكون صحيحة إلى حد كبير، | عقب موجة التحول الشكلي نحو الديمقراطية في كثير من الدول الإفريقية مع مطلع التسعينيات من القرن العشرين، إلا أنه سرعان ما تكشف الواقع عن هشاشة هذا الاقتراض وخطئه على مدار العقدين المنصرمين من الألفية الجديدة، حيث عاد الجيش للمشهد السياسي الإفريقي عبر أكثر المسارات فجاجة وتقليدية، وهو مسار الانقلابات العسكرية.
فعمدت جماعات واسعة من الباحثين في الشؤون الإفريقية إلى إعادة القراءة والنظر والبحث، والتحليل النظريات ومقولات وافتراضات العلاقات المدنية العسكرية واستدعاء كتاباتها الكلاسيكية، وعلى رأسها كتاب (الجندي والدولة) الصامويل هنتنجتون المنشور عام ۱۹۵۷م، في محاولة منهم لتجسير الفجوة بين العلاقات المدنية العسكرية نظريا؛ وبين واقعها الراهن المتمثل في موجة عسكرة السياسة في إفريقيا في القرن الجديد، وإعادة قراءة المشهد السياسي الإفريقي بعد إعادة تموضع الجيش فيه من جديد، وهو الارتداد الذي يسبب خلطا كبيرا في كثير من الأحيان، لانطلاق تحليل واقع العلاقات العسكرية المدنية في إفريقيا من افتراضات ومقولات التراكم النظري الحقل العلاقات المدنية العسكرية.
في الخبرة الديمقراطية، وهو ما يؤكده هنتنجتون نفسه، كما سيرد لاحقا، لتأتي هذه الدراسة محاولة لإعادة قراة تلك العلاقات في واقعها الإفريقي وعليه؛ يستعرض الباحث في هذه الورقة الاتجاهات النظرية الرئيسية بشأن العلاقات المدنية العسكرية أولا، ثم يعرج إلى مسارات تلك العلاقات في واقع الحالة الإفريقية، والدوافع وراء التدخلات، وملامح تلك العلاقات الراهنة،أولا: الاتجاهات النظرية الرئيسية | المؤطرة للعلاقات المدنية العسكرية الغربية.
بعرف الجيش، اصطلاحا بأنه: كل تنظيم تسلسلي هرمي لأفراد من حاملي السلاح، تؤسسة الدولة ليقوم بمهمتين أساسيتين هما صد المعتدين عليها أولا، ونقل الحرب خارج حدودها ثانيا كأصل عام، ومهمة مؤقتة تتصل بحفظ النظام داخل الدولة كاستشاء، ومن ثم هو أحد الأدوات الصراعية للدولة لتغيير حالة، وفرض إرادة، وتحقيق مكتسبات جديدة. وحالة الصراع التي يكون جيش، أو أكثر، طرفا فيها تسمى الحرب .