شهدت السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بمكانة الجماعات الإقليمية في نظام الحكم الداخلى لأية دولة تسعى إلى تحقيق التنمية بمفهومها الحديث، وكبديل موسع لمقاهيم تنموية سابقة، كانت محصورة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فجاء المفهوم الجديد ليعتبر التنمية الحقيقية هي العملية التي تقر بضرورة تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي يتلاءم مع قدرات البيئة، وذلك من منطلق أن التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة هما عمليات متكاملة وليست مناقضة، وبالتالي فإن التنمية المستدامة تسعى لتحسين نوعية حياة الإنسان ولكن ليس على حساب البيئة.
ولأن التنمية بمفهومها العام تتم بشكل قاعدي أي من الأسفل إلى الأعلى، بمعنى أنها تهدف إلى إحداث تغييرات هيكلية ووظيفية في المجتمع المحلي والتي تمكنه من الخروج من حالة الركود إلى حالة التقدم والنمو، وهذا ما يعرف بالتنمية المحلية، لذا فإن إدراج مصطلح الاستدامة لهذه الأخيرة أصبح أكثر من ضرورة تقتضيها التحولات والتطورات العالمية التي تفرض على الجماعات الإقليمية القيام بدورها الأساسي والمتمثل في بناء قاعدة تنموية محلية مستدامة عن طريق منحها صلاحيات جديدة تتمثل في مشاركة الحكومة في صنع السياسة | العامة وتوفير المناخ الملائم لجذب الاستثمارات المنشئة للثروة وتمكين المواطنين وليس مجرد تقديم الخدمات العامة، وهذا ما تسعى إليه الجزائر مؤخرا من خلال الاهتمام المتزايد بمكانة الجماعات الإقليمية داخل الدولة وتوسيع نطاق مشاركتها في اتخاذ القرار التنموي المحلي كشرط مسبق للتنمية المحلية المستدامة والتي تعد حجر الأساس للتنمية الوطنية الشاملة تطبيقا لقاعدة بناء الدولة من القاعدة إلى القمة بدأ اهتمام الجزائر بالتنمية المحلية المستدامة لأول مرة ولو بطريقة ضمنية من خلال القانون رقم : 03/83 والمتعلق بحماية البيئة، الذي كرس مجموعة من المبادئ المتعلقة بحماية البيئة من أجل التنمية المستدامة فنص في مادته السابعة على الجماعات الإقليمية ودورها في حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة بقوله:
تمثل المجموعات المحلية المؤسسات الرئيسية لتطبيق تدابير حماية البيئة، تحدد كيفيات مشاركتها بموجب نصوص تشريعية أو تنظيمية»، ولقد مثل هذا القانون التوجه الجديد في التشريعات الوطنية بطرحه لمبدأ التوازن بين النمو الاقتصادي ومتطلبات حماية البيئة، بعدما كانت المواد القانونية التي تهتم بحماية البيئة متناثرة بين مختلف القوانين ذات الطبيعة القطاعية المتعلقة بعنصر أو أكثر من عناصر البيئة المياه والغابات …، إلا أنه وبعد مرور عشريدين من الزمن على صدور هذا القانون، ويسبب العراقيل التي منعته من تحقيق أهدافه، خاصة التباطؤ في إصدار المراسيم التنظيمية التي تبين كيفية تطبيق الكثير من مواده، جاء القانون رقم: 10/03 والمتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة المعدل والمتمم، في ظروف دولية جديدة زاد فيها الاهتمام بمشاكل البيئة العالمية، فكرس توجه الجزائر في دعم العلاقة التكاملية بين البيئة والتنمية، ورغم أن هذا القانون الأخير جاء بأدوات جديدة لتسيير وحماية البيئة، ويمتادئ عامة تحكم التنمية المستدامة عكس القانون رقم: 03/83 الملغى، إلا أنه لم يعطى للجماعات الإقليمية المكانة الحقيقية التي يجب أن تحظى بها في مجال.