بقلم محمد بن أحمد – جريدة الخبر
على الأغلب، فإن 80 بالمائة من الجزائريين المهتمين بشراء أضحية العيد لا يعرفون أصل ونسب الأضحية التي قد يكون المعني دفع ثمنها بشق الأنفس، من أجل تنفيذ شعيرة التضحية في العيد، ولا يعرف ربما 90 بالمائة من الجزائريين أيضا أن أسلافهم كانوا “فنانين” في تربية المواشي.
يقول السيد زولي عبد القادر، مربي مواشي من ولاية الأغواط: “في سوق المواشي، بل في أي سوق مواشي، لا توجد مواشي من النوعية الممتازة، كل الأغنام التي تدخل سوق المواشي هي أغنام مخصصة للأشخاص محدودي الدخل، أما الكباش من النوعية الممتازة، فهي دائما وعند أغلب الموالين ومربي المواشي محجوزة، ويتم بيع أغلبها قبل شهر من عيد الأضحى، فالموال يعرف أنه لا أحد من روّاد سوق المواشي يمكنه دفع مبلغ 12 أو 15 مليونا في كبش عيد، بينما يمكن لبعض الأغنياء شراء هذه النوعية من الكباش”.
أضحية 5 نجوم
ويضيف المتحدث: “أنا في كل سنة، تقريبا، أنقل ما بين 15 و20 كبشا بسيارة هيليكس إلى فيلات زبائن مهمّين، يطلبون نوعية خاصة من الكباش”. ويكشف المتحدث مواصفات الكبش 5 نجوم، وهي أن الكبش يكون صغير السن (خروف)، لكنه كبير الحجم، ويحتوي على كمية لحوم تصل أحيانا إلى 55 كلغ. الشرط الثاني أن يكون من سلالة أولاد جلال أو سلالة السوڤر ذات اللحم اللذيذ. الشرط الثالث أنه يكون بمنظر جيّد، فقد تجد كبشا من سلالة أولاد جلال صغير السن وسمين، لكنه بلا قرون أو لا يتوفر على صوف كثيف، وهذه هي الشروط التي يطلبها “علية القوم”، كما يقول المتحدث.
أشهر أسواق المواشي في الجزائر
يقول الموال ومربي المواشي زولي عبد القادر عن أهم 5 أسواق مواشي في الجزائر، يختلف ترتيبها، فإذا كان الزبون يرغب في الشراء بالجملة، فإن 3 أسواق تعدّ الوجهة الأهم، وهي أسواق السوڤر بولاية تيارت، وعين الرومية بولاية الجلفة وسوق بليل بولاية الأغواط. ويواصل: “هذه الأسواق الثلاثة هي الأقل سعرا في رأيي ومن خلال تجربتي. أما إذا كان الزبون يرغب في الحصول على أفضل نوعية، فإن الوجهة يجب أن تكون في 3 أسواق، هي سوق الشريعة بولاية تبسة وسوق سيدي عيسى بولاية المسيلة وسوق خميس مليانة بولاية عين الدفلى. أما إذا أردنا الحديث عن أكبر عدد من المواشي التي تدخل السوق، فإن سوق سيدي عيسى يصنف الأول، يأتي بعده سوق سيدي بلعباس، وفي المرتبة الثالثة سوق عين الرومية في ولاية الجلفة”.
الأغنام في موسم الحصاد
مثلما يكون موسم الحصاد بالنسبة للفلاحين الحدث الأهم طول السنة، فإن الأسابيع القليلة قبل عيد الأضحى هي الأهم طول السنة بالنسبة لمربي المواشي في الجزائر، فهي الفترة التي يبدأ التحضير لها من اليوم الموالي بعد عيد الأضحى التي تقرر مصير مربي المواشي ومستقبل العام بالنسبة للمربي.
وبينما ينحصر اهتمام نسبة كبيرة من الجزائريين بالمواشي في أسبوعين أو ثلاثة قبل عيد الأضحى، ترتبط حياة نسبة أخرى أقل بالمواشي والأغنام بشكل مباشر، بل إن مصيرهم مرهون بمصير مواشيهم، لكن الحقيقة هي أن قائمة المستفيدين من هذا الموسم الذي يدر مبالغ مالية تتراوح بين 100 و125 مليار دينار، أي حوالي 10 آلاف إلى 12500 مليار سنتيم، حسب إحصاءات تقريبية، تضم مجموعة ضخمة من المنتفعين أو المتطفلين على مهنة تربية المواشي، والحديث هنا ليس فقط عن السماسرة، بل عن مجموعة كبيرة من المنتفعين من السوق.
مربو المواشي الموسميون
يقول السيد محسن عمار، صاحب مزرعة أغنام من ولاية الأغواط، يتغيّر مشهد أي سوق من أسواق المواشي في موسم العيد عن غيره. فعندما تدخل إلى سوق المواشي في أي ولاية من الولايات في الأيام العادية، ستجد أن من يبيع الأغنام في الغالبية هم إما فلاحون أو موالون يعملون في تربية المواشي، ويكون البيع محصورا بشكل كبير في الجزارين، لكن في موسم العيد، يكون عدد الباعة أحيانا أكبر من عدد المشترين، الجميع يبيع. فمن أين يأتي هذا العدد الكبير؟
في مهنة تربية المواشي، يحصر عدد من أصحاب المستثمرات الفلاحية نشاطهم في الأشهر الستة التي تسبق عيد الأضحى، ويكون نشاطهم محصورا بشكل كبير في تسمين الخرفان لا غير، بينما ينشط آخرون من أصحاب الإسطبلات في تسمين الخرفان أيضا، ويحرص أغلب الفلاحين على تربية أعداد من المواشي لعرضها للبيع في أيام العيد بحثا عن الربح، في ذات الوقت، تزدحم أسواق المواشي عبر الوطن بالسماسرة والتجار الموسميين. وينقسم السماسرة إلى عدة أنواع، يتقدمهم أصحاب محلات الجزارة الذين يعدّون خبراء في المواشي أكثر من غيرهم، وينشط عدد كبيرة من أصحاب محلات الجزارة في بيع وشراء المواشي في الأسابيع التي تسبق العيد ليس فقط من أجل تحقيق الربح، بل أيضا من أجل اغتنام الفرصة بشكل خاص في حالات انهيار أسعار المواشي، حيث يقومون بشراء أكبر عدد لبيعه كلحوم في الفترة التي تعقب العيد.
في ذات الوقت، ينشط العشرات من أصحاب الإسطبلات في شراء المواشي من أجل بيعها في الأحياء السكنية الحضرية، على اعتبار أن الكثير من الراغبين في شراء المواشي لا يحبّون الذهاب إلى السوق، أو يرغبون في الشراء من أماكن قريبة من بيوتهم، والأهم هو أنهم يرغبون في إبقاء المواشي في الإسطبلات إلى غاية يوم العيد أو يوم واحد قبل عيد الأضحى. وعند النظر هنا إلى سوق المواشي، ستكتشف أن الموالين الحقيقيين أقلية في هذا السوق، بل إن الكثير من الموالين يبيعون المواشي التي يأتون بها في الدقائق الأولى بعد دخول السوق ويفضلون البيع بالجملة للسماسرة، ويعدّ هذا أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار الماشية في الجزائر.
الدفتر العائلي لـ”النعجة”
ارتبطت حياة الجزائريين من البدو الرحّل بشكل مباشر بالغنم، حتى أن الاسم الشائع للغنم في مناطق كثير بالسهوب الوسطى والغربية والشرقية هو “المال”.
ارتباط الجزائري البدوي بالنعجة والكبش يفوق كل تصور، ففي مناطق مثل الجلفة والأغواط وبسكرة وسهوب ولايات النعامة البيض وتيارت وسعيدة، كانت عائلات مربي المواشي الكبيرة تحرص، شديد الحرص، على نقاء دم سلالات الأغنام التي تملكها، إلى درجة أن رعاة المواشي كانوا يعرفون اسم وأصل كل كبش وخروف ونعجة، بل إن الكثيرين من الذين عاشوا في السهوب مع البدو الرحل أو قضوا بعض الوقت مع كبار السن من رعاة الغنم، يعرفون أن البدوي كان يسمّي كل نعجة باسم، وكل عنزة أيضا باسم، ويعرف اسم أمها وجدتها وجدة جدتها، ويحرص بشدة أثناء موسم التزاوج على نقاء الدم، وعلى ما يسمى في لهجة البدو “الصيل” أو “الأصل”، حتى أن الراعي البدوي كان يحرص بشدة على إبعاد النعاج من ذوات الأصل النبيل عن أي كباش سيئة، من أجل منع أي تزاوج ينتج عنه ميلاد خرفان ضعيفة أو غير ذات أصل.
الحسب والنسب
هنا، يقول السيد بني عبد القادر، راعي غنم في العقد السابع من العمر من العطف بولاية غرداية: “كنت صغيرا في البادية، وكنت أرى والدي رحمه الله وهو يعزل الكباش الضعيفة عن القطيع مع بداية موسم التزاوج، ويحرص بشدة على مشاهدة التزاوج بصفة شخصية، كل هذا لأن البدوي منا كان يتفاخر بأنساب كباشه وكأنه يتفاخر بنسبه هو”.
هذه الكلمات من هذا الراعي القديم تجعل المستمع لحديثه يدرك أن الرعي بالنسبة لقدامى البدو الرحل الجزائريين لم يكن مجرد عملية سوق للقطعان نحو المراعي، لقد كان فنا وهواية يمارسها البدوي عن حب. ويضيف المتحدث: “لم أر أكثر حرصا على أصل الكباش من أولاد نايل الذين عايشتهم في صحراء الأغواط وفي مواقع أخرى”.
البدويات كبيرات السن، وأغلبهن فارقن الحياة، كن يتحدثن مع النعجة كما تتحدث المرأة مع صديقة لها، ويعرفن تماما كيف تحمل وتلد النعجة والعنزة، بل إنه في صحراء الرعي السهبية بولايات البيض، النعامة، تيارت، سعيدة، الجلفة، الأغواط وبسكرة، تخصصت بعض العجائز في القديم في توليد النعاج التي تتعسر عليهن الولادة، وتعرف تماما أنواعا من خلطات الأعشاب التي تستعمل في علاج النعاج، وهذا التراث غير المادي الذي لا يقدّر بثمن، وللأسف، اندثر أغلبه واختفى.
الكباش التي لا تقدّر بثمن وممنوع بيعها
قد يعتقد غير المختصين بأن ثمن أغلى كبش قد يزيد عن 8 أو 10 مليون سنتيم، أو 100 ألف دينار، لكن هذا الاعتقاد هو اعتقاد خاطئ تماما، لأن بعض البدو بشكل خاص من الذين ورثوا تقاليد تربية المواشي من جدودهم، قد لا يقبل بمبلغ 100 مليون سنتيم للتنازل عن أحد كباشه، أو عن خروف صغير السن، بل إن مزايدة على كبش “الصيل” (يسمى الفحل في مناطق أخرى)، فما هو السبب؟
“المصيّل”.. “الڤارح”.. “الريّاع” ومسمّيات أخرى
يسمي البدو الرحل في صحراء الأغواط والجلفة الكبش “المصّيل”، أي “ابن الأصول”، ويكون في أغلب الحالات ضخم الجثة بـ”الڤرّاع”، وفي بعض اللهجات في المنطقة الغربية “الڤارح”، وفي لهجات أخرى في الشرق الجزائري “الريّاع” أو “الفحل”.
هذا الكبش يكون من أنقى السلالات، وهو في عرف أولاد نايل والأرباع في الوسط لا يباع، بل يرثه الابن الأكبر من والده، ويحرص البدوي على توليد بعض الخراف وانتقاء أفضلها من سلالة هذا الكبش الذي يقود القطيع أيضا.
نفس الأمر بالنسبة للنعاج، ولكن بدرجة أقل. وعندما يتقدم سن الكبش، يقود هذا الأخير القطيع ويتقاعد، وفي أغلب الحالات لا يذبح إلا عندما يتأكد صاحبه بأنه يشارف على الموت، فيقوم بـ”تحليل لحمه”، كما يقال.
هذه الكباش في عرف البدوي لا تباع ولا تشترى، وأفضل ما يمكن أن يقدّمه البدوي لصديقه الحميم أو قريبه هي أن يسلفه له، ويسمّى في هذه الحالة “كبش السبيل”، وفي الماعز يسمّى “عتروس سبيل”. هذه التفاصيل تكشف إصرار الموّالين الجزائريين على العناية الخاصة بالسلالة ونقاء دمائها، على الأقل في السابق.
“عرس النعجة”
من أكثر تقاليد أهل البادية الجزائريين إثارة للاهتمام، ما يرتبط بموسم التزاوج أو “الطرادة” باللهجة العامية الجزائرية، وهو الموسم الذي يمتد في الجزائر بين شهري ماي وأوت أو سبتمبر من كل سنة، وما لا يعرفه أغلب غير المهتمين بسيرة وتقاليد أهل البادية في الجزائر هو أن البدوي والراعي يحضران النعجة للتزاوج بشكل قريب من تحضير العروس لعريسها، وتبدأ التحضيرات في نهاية شهر أفريل وبداية شهر ماي، في موسم جز الصوف أو بالعامية “زج الصوف”، فإزالة الصوف، كما يقول أهل البادية، لا تتعلق بالحصول على الصوف لبيعه، وتخفيف الصوف عن الأغنام حتى تتمكن من تحمّل الحرارة في صيف الصحراء، بل تحضير النعجة والكبش للتزاوج.
وهنا، يقول السيد سمران الشيخ، مربي مواشي من الأغواط: “إلى اليوم، يحافظ الرعاة على تقاليد زج الصوف في الصحراء، فموسم زج الصوف يبدأ بتنظيم وليمة جماعية يحضرها الأقارب، في شكل “معروف” أو “صدقة”، يقدمها أهل البيت للأقارب، ويتم زج الصوف من قبل عدد من الأقارب الذين يتعاونون في العملية، ويولون عناية خاصة لإزالة صوف النعاج بشكل خاص، بعد انتهاء العملية”. ويضيف محدثنا: “كنا نحرص على غسل النعاج، ومن الضروري هنا اختيار يوم الزج، أي يكون يوما مشمسا.. بعد انتهاء العملية، كنا نضع قليلا من الحناء لكل نعجة، وفور انتهاء الموسم يبدأ موسم التزاوج. وهنا، تتعقد وتصعب مهمة الراعي، لأن الصراع على إناث القطيع قد يؤدي إلى موت بعض الكباش، ويجتهد الراعي لمنع المعارك بين الكباش الكبار، ويعرف كل الرعاة أن بعض حوادث التناطح الخطيرة قد تؤدي إلى موت الكبش.. وقبل كل هذا يعزل الكباش الذين لا ينتمون للسلالة الجيّدة عن القطيع، ويوضعون في مواقع خاصة. وفي أغلب الحالات، يتم إما بيع هذه الفئة للجزارين أو تحضيرها للبيع في عيد الأضحى”.
حقيقة جودة لحم الخروف الجزائري عالميا
يقول المختصون إن العالم يضم 130 نوعا أو سلالة ضأن، منها الأصلية والمهجنة. وتشير الدراسات إلى تصنيف الضأن من خلال 04 عوامل مختلفة. العامل الأول تجاري اقتصادي، من حيث كمية اللحم التي يحصل عليها المربي من الخرفان، وكمية الألبان أيضا. والثاني يتعلق بقدرة بعض سلالات الضأن على مقاومة الأمراض، وفي هذا المقام تصنف المواشي الإفريقية في المقدمة. والعامل الثالث هو جودة نوعية اللحوم، وهذا هو شأن بعض المزارع المتخصصة حصريا في إنتاج أجود أنواع لحوم الضأن والبقر في أوروبا وفي شمال أمريكا. أما العامل الرابع، فهو التزاوج، حيث تتجه دراسات لتهجين النعاج من أجل أن تتمكن من إنجاب أكثر من خروف واحد.
وتركز أغلب الدول على تربية مواشي تنتج أكبر كمية ممكنة من اللحوم، لكن وطبقا لكل التصنيفات الأربعة، فإن الأغنام الجزائرية خارج التصنيف، فمنتوج شعبة الضأن الجزائرية من الألبان لا يكاد يذكر، بالرغم من تأكيد المتخصصين على القيمة الغذائية العالية جدا لألبان الضأن.
والحديث عن جودة لحوم الأغنام الجزائرية قديم وشائع، ويعتز الجزائريون بسلالات المواشي المحلية ويعتبرونها من أجود الأنواع، لكن باحثين يقولون كلاما مغايرا لما يتم تداوله حول جودة لحوم المواشي الجزائرية، فتصنيف أفضل لحوم الضأن عالميا، والذي وضعه خبراء عالميون في الطبخ، لا يضم في الحقيقة أيا من السلالات الجزائرية.