ما الفرق بين لغة الإنسان ولغة الحيوان ؟
– مقالة فلسفية –
مقالة مقارنة في اللغة والفكر , مقالة اللغة والفكر
الطريقة : مقارنة
طرح المشكلة :
لقد اعتبر الفيلسوف لالاند اللغة هي : ” كل جملة من الإشارات يمكن أن تكون وسيلة للإتصال ” ومن هنا عد التعبير والتواصل من المهام الأساسية في اللغة لأنه ينقل الانفعالات و العواطف والأفكار ومختلف الأغراض من الداخل إلى الخارج , وهذا باستخدام الأصوات أو الحركات أو الإشارات والرموز … وغيرها وبالتالي اختلاف أشكال التعبير ومقاصده باختلاف الكائنات الحية واستخداماتها لطرق التواص والتعبير عن أغراضها , خاصة بين الإنسان والحيوان , وهذا ما جعل البعض يعتقد أن الحيوانات لها لغة خاصة تتواصل بها , تشبه لغة الإنسان , وأنساقه التعبيرية . فكيف يمكن رفع هذا اللبس وتوضيح الفرق بين لغة الحيوان ولغة الإنسان ؟
محاولة حل المشكلة :
مواطن الإختلاف :
إن الوقوف على نظام التواصل لدى الحيوان وما يحمله من حركات , وإشارات وأصوات ……..ومحاولة فهمه وتحليله من طرف العلماء والفلاسفة أدى إلى إستنتاج أن نسق التواصل والتعبير الحيواني ينحصر في التعبير البيولوجي وإرضاء الحاجات الغريزية التي تمثل اللحظة الراهنة كما يعيشها الحيوان وبالتالي فهو نسق فطري وراثي يولد مع الحيوان كقدرة ثابتة وجاهزة ولا يمكن تغييره أبدا .
أما اللغة الإنسانية فهي لغة ذهنية تكتسب بالتعلم و الإحتكاك والمحاكات للبيئة اللغوية , يوجهها القصد والإرادة والتحكم في استعمالاتها , بعيدا عن آلية المنعكس الشرطي , وهذا ما يجعلها لغة مرنة بالغة التنوع تتلاءم مع كل أوضاع المتكلم وتعبر عن خبراته وتجاربه الحاضرة والماضية والمستقبلية , كما أن نظام التواصل الحيواني محدود ومغلق ولا يعرف نموا ولا تطورا و بل يبقى ثابتا كما وجد , فأفراد النوع الواحد لا يتمايزون فيما بينهم فيها , فكل واحد منهم معد ومجهز مسبقا للتعبير عن بعض الحالات الطبيعية المرتبطة بالحياة بلا زيادة هي مجرد انعكاسات آلية لبيئة معينة بحسب النوع يقول ديكارت : ” إنك تجد العقعق الببغاء يستطيعان أن ينطفا بعض الألفاظ مثلنا ولكنك لا تجدهما قاردين مثلنا على الكلام , أعني كلاما يشهد بأنهما يعيان ما يقولان ” بعكس لغة الإنسان فهي تنيم كلامي مفتوح يمكن الإضافة إليه , والتغير والتعديل والإبداع فيه , وفق معطيات الإكتساب , كما يمكن للإنسان القدرة على ترجمة أفكاره وانفعالاته ونقلها عن ريق والعبارات , أو عن طريق الرموز والإشارات . مع هذا الفعل وما يقصد إليه , وهذا ما يعطي الإنسان القدرة على اصطناع اللغة وابتكار رموزها وإشاراتها لهذا يؤكد ديكارت : أن ” الصم والبكم يفتقرون إلى القدرة على استعمال الأصوات من أجل التواصل ونظرا لكونهم أشخاصا عقلاء يمتلكون القدرة على التفكير ابتكروا ناما من الرموز للتعبير عن أفكارهم بينهما يكتفي الحيوان بالردود الإنفعالية في حدود غريزته “
من جهة أخرى نجد أن نمط التواصل الحيواني لا يخرج عن شكل التعبير الإنفعالي المرتبط بضرورات التكيف الحياتي , وحفظ البقاء , ولهذا لا ترتقي إلى مستوى اللغة الإدراية الواعي وما تبدعه من أنساق رمزية واصطلاحات تعبيرية , وهذا لبس بسيي نقص الأعضاء المادية , بل بسبب نقص الأعضاء المادية بل بسبب غياب العقل والذكاء والفكرة وبالتالي فاللغة ليست ظاهرة عضوية بل هي قدؤة معنوية يحملها العقل . وهذا ما يجعل الإنسان وحده يمتلك القدرة على إنشاء وإبداع الإشارات واستعمالها , مما يجعل من اللغة الإنسانية مكسب ثقافي واجتماعي قابل للتغير والتطور , لهذا يقول إميل بنفيست : نمط التواصل الذي يستخدمه النحل فهو بس لغة وإنما شفرة إشارات وعن ذلك تترتب كل الخصائص : ثبات المحتوى , عدم قابلية الرسالة للتغيير , الإحالة إلى سباق واحد , عدم قابلية الملفوظ للتفكيك النقل الأحادي” أما لغة الإنسان فهي على العكس من هذا تماما
مواطن التشابه :
إن نظام التواصل عند الحيوان ونسق اللغة الإنسانية برغم الفروق الجوهرية بينهما إلا أنه مع ذلك يلتقيان في مجموعة نقاط :
فاللغة الإنسانية واللغة الحيوانية _ إن صح التعبير _ وظيفتهما الأساسية تكمن في التعبير والتواصل عن الحاجات والأغراض . لهذا يقول الجرجاني : ” اللغة هي ما يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ” , كما يلتقيان في شكل التعبير الإنفعالي ونقل العواطف والأحاسيس والإنفعالات الفطرية , لأنها مرتبطة بالحاجات الضرورية للبقاء برغم اختلاف أشكال التعبير عنها ,إضافة إلى أنهما يظهران في شكل أنساق وأنظمة من الإشارات والأصوات والرموز تحكمها علاقة الدلالة ( مع الإشارة للتميز و الإختلاف الواضح في العلامة اللسانية الإنسانية )
مواطن التداخل :
إن التداخل الذي يمكن أن نجده بين اللغة الإنسانية ونمط التواصل الحيواني يكمن في اللغة الفطرية التي تعد المهد الذي يتقاسمه الإنسان والحيوان . مع مرور الوقت وتطور العمر والنضج يبدأ ظهور الإختلاف بين الإنسان والحيوان إلى درجة بلوغ الإنسان حقيقة امتلاك اللغة وبقاء الحيوان مع إشاراته الطبيعية الثابتة , لهذا يقول هالدان : إن الطفل عندما يقول لأمه : إنني جائع أو أريد النوم , فإنه لا يزال حيوانا , لكنه عندما يقول : هذا ما فعلته في هذا الصباح فإنه يبدأ في أن يكون إنسانا ” , ولهذا صرح غسدروف : أن اللغة هي كلمة السر التي يدخل بها الطفل إلى العالم الإنساني “
حل المشكلة :
وعليه نستنتج أن القول بلغة الحيوان , ما هو إلا استعمال مبالغ فيه لكلمة لغة فهو مجرد استعمال مجازي فقط عن إشارات الحيوان , لا يرقى إلى مستوى اللغة الإنسانية العاقلة والمعبرة عن ماهية الإنسان وكيانه الواعي , حتى وإن امتلأ عالم الحيوان بالإشارات
أبطل بالبرهان الأطروحة القائلة :
” إن العلاقة بين الألفاظ والأشياء ضرورة لازمة “
الطريقة : استقصاء بالرفع
طرح المشكلة :
إذا كانت اللغة من حيث مفهومها تمثل نسقا من الرموز والإشارات الإصطلاحية , تشكل الأصوات أهم أنماطها , لكن جوهر يعبر عن ثنائية تتحد فيها الصورة اللفظية ( الصوتية ) وهي ما يعرف بالدال يما يقابلها في الذهن , وه ما يعرف بالمدلول , أي ارتباط الجانب المادي ( الدال ) المتمثل في الألفاظ , و الجانب المعنوي الذهني ( المدلول ) المتمثل في المعاني . وقد اعتقد بعض العلماء والفلاسفة أن هذه العلاقة بين الدال والمدلول أو بين الألفاظ والأشياء هي مجرد تواضع تحكمه علاقة اعتباطية تعسفية (غير ضرورية) غير أن هناك فكرة تناقضها يرى أصحابها أن العلاقة بين الألفاظ والأشياء طبيعية وضرورية، لكن الكم الاصطلاحي الذي تحمله الأنساق اللغوية الإنسانية وما فيها من ابتکار تجعلنا نشك في هذه الأطروحة ومدى صدقها. و لهذا نتساءل: كيف يمكن إبطال هذه الأطروحة ورفع مشروعيتها؟
عرض منطق الأطروحة :
إن أساس هذه الأطروحة يتمحور حول مسألة العلامة اللسانية أو الدلالة، وقضية العلاقة بين الدال و المدلول أو العلاقة بين الألفاظ والأشياء وهي تصرح أن العلاقة ضرورية ولازمة بين الألفاظ والأشياء، وقد انبنت هذه الأطروحة على أساس المسلمة القائلة: أنه يوجد ارتباط وثيق وضروري بين الدال و المدلول وهذا ما يجعل الألفاظ تطابق ما تدل عليه في العالم الخارجي، كما أن العلامة اللسانية والدلالة تشكل بنية واحدة يتحد فيها الدال و المدلول، وهذا ما يعطي للغة الإنسانية قيمتها وتميزها. و الدليل على هذا: هو أن ملاحظة الكثير من الألفاظ والكلمات بين أنها مستمدة من الواقع الطبيعي، وأنها مستنتجة من تقليد الإنسان
ومحاكاته لأصوات الطبيعة مثل كلمة: المطرقة تشير إلى الصوت الطبيعي الطرق، وكذا خرير المياه، الشوشرة وغيرها وكلها تظهر التوافق بين الدال و المدلول.
من ناحية أخرى يؤكد هؤلاء أن الأسماء وجب أن تكون مرتبطة بمسمياتها لأن الإنسان لا يمكنه أن يتقبل الأصوات التي لا تحمل ولا تدل على شيء يمكن معرفته، فتبقى بذلك مجهولة وغير مفهومة
نقد موقف أنصار الأطروحة :
و هذه الأطروحة التي تقول بالعلاقة بين الألفاظ والأشياء مناصرون وعلى رأسهم به نقد موقف أنصار الأطروحة: الصور الكلاسيكي الذي يمثله “أفلاطون وأتباعه الذين يعتبرون الأسماء أدوات نسمي بها الأشياء على نحو طبیعی بحسب خصائصها الذاتية، كذلك نجد من العصر الحديث هيجل الذي يؤكد أن الرمز اللغوي ليس خاويا من الدلالات ويدعمه في هذا بنفيست الذي يرى أن الذهن لا يحتوي على اشکال خاوية. غير أن هذا الموقف تعرض لانتقادات شديدة ترفض القول بالعلاقة الضرورية بين الألفاط والأشياء لأن الكثير من الدراسات الحديثة في علم اللسانيات تؤكد أنه لا توجد أي ضرورة بين الدال و المدلول والدليل أن المعنى الواحد يمكن أن نعبر عنه بأصوات مختلفة، وبالتالى تعدد المسميات لشيء واحد، كما أن فحص واقع البيئة اللغوية الإنسانية يبين تعدد اللغات وتعدد الأصوات في المجتمعات الإنسانية مما يؤكد عدم لزومية العلاقة بين الدال و المدلول , ولهذا يقول : ” جان بياجي ” : ” إن تعدد اللغات نفسه يؤكد بديهيا الميزة الإصطلاحية للإشارة اللفظية ” وكل هذه الإنتقادات تبين فساد الأطروحة وبطلان رأي أنصارها وهذا ما يدفعنا لتأكيد هذه الإنتقادات :
إبطال الأطروحة بحجج شخصية :
إن ظاهرة اللغة الإنسانية تعبر عن نسق من الرموز والإشارات الإصطلاحية التي ابتكرها الإنسان جيلا بعد جيل , تبعا لنضجه وتطوره وتعدد أغراضه , لذلك لايوجد ترابط ضروري بين الدال والمدلول إلا إستثناء , لأن العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية تعسفية قائمة على التواضع والإتفاق الإنساني , لهذا يقول : ” ابن جني ” ” إن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة ” , وبناء على هذا نجد العلامة اللسانية لا توجد بين اسم و شيء , بل بين مفهوم وصورة سمعية , ولهذا تختلف الأصوات وتتنوع , ويمكن توضيح حقيقة الدلالة اللغوية من خلال هذا المثال : فكلمة ” أخت ” هي تتابع للأصوات ( أ , خ , ت ) وهذا هو الدال , أم المدلول فهو معنى أخت لذلك لاتوجد ضرورة عقلية أو طبيعية فرضت على اللغة العربية التعبير عن هذا المعنى بهذه الأصوات بل تم اقتراحها دون مبرر وتم اتفاق عليها , وهكا الحال في جميع الكلمات , يقول دولاكروا : إن جماعة هي التي تعطي للإشارة اللغوية ( اللمة ) دلالتها , وفي هذا الحالة يلتقي الأفراد “
ومن ناحية أخرى لو كانت العلاقة ضرورية بين الدال والمدلول لكانت للإنسانية لغة واحدة يتواصلون بها , لكن واقع الحال يثبت أن العلامة اللسانية محل اختلاف بحسب اتفاق كل مجموعة بشرية , يقول عالم اللسانيات محل اختلاف ” دي سوسير ” : اللغة تتألف من نظام إشارات , تكون كل إشارة فيه كيانا نفسيا لا يوجد إلا في ذهن الإنسان , والعلاقة بين الإشارة والشيء الذي تشير إليه إنما هي علاقة اعتباطية وكيفية , بمعنى أنها اتفاق جماعي على ربط هذه الإشارة بذلك الشيء ” , وعلى ها يظهر أن العلاقة بين الألفاظ والأشياء ليست ضرورية ولا لزمة
حل المشكلة :
نخلص في الأخير أن الأطروحة القائلة أن العلاقة بين الألفاظ والأشياء ضرورية أطروحة باطلة وفاسدة , لأن اللغة الإنسانية نسق من الرموز والإشارات و يدل على الطابع الإصطلاحي الذي تتفق عليه الجماعة اللغوية وتقوم بتعميمه .
كتابة مقالة فلسفية حول نص “أرنست كاسيرر”
طرح المشكلة :
إن علم النفس اللغوي يربط بين اللغة و الإنسان فيعتبرها سلو کا قابلا للدراسة التجريبية، لأن إنتاج الرسالة اللغوية خاصة الكلام تسبقه عملیات عقلية كثيرة منها الإدراك و التخيل والتأؤيل و التفسير والتركيب، الأمر الذي جعلها خاصة بالإنسان للتعبير والتواصل بواسطة علامات مميزة، ولهذا ترتبط اللغة بالكلام وباللسان، لأنها اصوات يعبر بها کل قوم عن أغراضهم… لكن بعض الحيوانات وما تمتلكه من انظمة الاتصال والتواصل بواسطة الإشارات والحركات والأصوات جعلت بعض الدارسين يعتقدون أن للحيوان لغة و بالتالي الخلط بين لغة الإنسان ولغة الحيوان، ووقوفا عند هذه القضية جاء نص “ارنست كاسيرر ” ليعالج مسألة البناء اللغوي وطبيعة أشكال التعبير والفرق بين لغة الإنسان ولغة الحيوان، وهنا نتساءل: هل مستوى التعبير الإنسان والحيوان واحد؟ و هل اللغة خاصية إنسانية أم أن الحيوان بشار که فيها؟
محاولة حل المشكلة :
پری صاحب النص أن فهم حقيقة اللغة الإنسانية واختلافها عن نظم التواصل و التعبير الحيواني يتطلب معرفة صميم البناء في العلامة اللغوية وما تحمله من أشكال التعبير، وذلك يظهر أن التواصل الحيوان ليس دليلا على أنها تتكلم، لأنها لا تزيد عن التعابير العاطفية البيولوجية، أما اللغة الإنسانية والكلام الإنساني فهو بناء منطقي وقدرة على التعبير عن الأفكار ونقلها إلى الغير، وهذا ما يعني أن الكلام الإنسان ليس فعلا آليا عضويا، بقدر ما هو تعبير عن حضور العقل ونشاط الوعي. و القصد إلى الفعل وما يهدف إليه، يقول “كاسيرر”:”… وتحليل مبنى الكلام الإنسان يكشف عن فرق أساسي بين اللغتين الموضوعية والعاطفية، وكلتاهما ليستا على مستوى واحد” ويؤكد صاحب النص أن الالتقاء بين اللغة الإنسانية والحيوانية من حيث النشأة في اللغة الطبيعية المعبرة عن انفعالاتنا وعواطفنا و احساساتنا، وجميع الحاجات الضرورية للبقاء و التكيف، لكن الإنسان
يتجاوز هذه المرحلة اللغوية لينتقل إلى اللغة الاصطلاحية الموضوعية التي يحكمها الوعي، ويميزها التعقل المعبر عن ماهية الإنسان، وهذه اللغة الموضوعية هي التي ترتقي بالإنسان من مستوى التعبير الانفعالي الغريري، إلى مستوى الأنساق الرمزية، والعلاقات المنطقية، الدالة عن البعد العقلاني للإنسان ومضامينه المختلفة لهذا
يقول “غسدروف”: “أن اللغة هي كلمة السر التي تدخل الطفل العالم الانساني ” ، يقول صاحب النص: “… حتى ولو أمكننا أن نربط بين اللغة الموضوعية واللغة
العاطفية من حيث النشأة، فان انتقالنا من جنس إلى آخر ” ويدعم صاحب النص
برهنته بالتأكيد على أن وظائف اللغة الحيوانية لا تتعدى لتعبير الانفعالي وما يحمله
من دلائل، أهمها التكيف الحياني و حفظ البقاء، كما تفتقد إلى وعي علاقة الدلالة والقدرة
على التأويل، العجز عن نقل الطابع الذاتي إلى تجارب يفهمها الآخرون، لهذا يستشهد صاحب
النص بالدراسات السيكولوجية التي تثبت أنه لا يوجد أي حيوان مهما كانت قدراته في أنظمة
التواصل أنه ارتفي من اللغة الانفعالية العاطفية إلى اللغة الرمزية الموضوعية، ولو
في حدود اولية دنيا، كما يؤکد في الناحية المقابلة باستقراء الشواهد التاريخية التي
تنفی کل دلائلها على أن الإنسان حتى في أدنى مراحل الحضارة، وبدايات حياته الأولى انه
قد تقوقع حول اللغة الانفعالية العاطفية فقط واكتفي بها وبإشاراتها وأصواتها بل الوقائع الإنسانية تؤکد تطور النموذج اللغوي عند الإنسان و ارتباطه بالرموز والكلمات ومدلولاتها
المختلفة.
يقول “دیکارت”: “إن من الملاحظ أنه ليس في الناس ولا أستثني البلهاء منهم من هم من الغباوة والبلادة بحيث يعجزون عن ترتيب الألفاظ المختلفة بعضها م ع بعض، وعن تاليف كلام منها يعبرون به عن أفكارهم، في حين أنه لا يوجد حيوان يستطيع أن يفعل ذلك مهما یکن کاملا …
النقد :
إن مناقشة حقيقة الاختلاف بين اللغة الإنسانية واللغة الحيوانية تضعنا مباشرة أمام مسألة أشكال التعبير، ولهذا صاحب النص ركز على معالجة مبنى الكلام الإنساني ليوضح الفرق بين طبيعة اللغة الإنسانية ومضمونها العقلاني، وبين أنماط التواصل الحيواني المحصورة في الأبعاد العاطفية، والحالية من أشكال البناء المنطقي و عليه بعد أن صاحب النص قد وفق في نزع صفة اللغة عن الحيوان، وأظهر أن اللغة خاصية إنسانية مرتبطة بالماهية العاقلة.
الخاتمة :
و عليه نستنتج أن أي تحليل للبناء اللغوي والعلامة اللسانية يثبت بلا ريب أن اللغة الحقة مرتبطة بالكيان الإنساني وأن الحيوان مهما تعددت أنماط تواصله فإنها لن تتجاوز حدود المطالب البيولوجية والانفعالية..
تحليل نص دو سوسیور في اللغة والفكر
كتابة مقالة فلسفية حول نص “دو سوسیور في اللغة والفكر “
موضوع النص : العلاقة بين الفكر واللغة
(” لبيان أن اللغة لا يمكن أن تكون إلا منظومة قيم مجردة، يكفي الأخذ في الحسبان اعتبار العنصرين الذين يشاركان في وظيفتها: وهما الأفكار والأصوات. إن فكرنا من الجانب النفسي، وبغض النظر عن التعبير عنه بكلمات ليس إلا كتلة لا شكل لها، ولا وضوح، فالفلاسفة واللغويون متفقون دائما على الاعتراف بأنه لولا عون العلاقات وحدها، لكنا غير قادرين على التمييز بين فكرتين بشكل واضح و ثابت، وإذا ما تخذنا الفكر لذاته ، فإنه لأشبه ما يكون ضبابا، إذ لا شيء بالضرورة محددا، ولا أفكار مهيأة من قبل، ولا شيء متميز قبل ظهور اللغة و تجاه هذه الكلمة السرابية، فهل تقدم الأصوات بذاتها كيانات محددة قبليا؟ الا فليست المادة الصوتية بأكثر ثبوتا وصلابة، وهي ليست قالبا على اللغة أن تتخذه بالضرورة، وتتبنى أشكاله، بل هي مادة مرنة تنقسم بدورها إلى أجزاء متميزة، مقدمة الدوال التي يحتاج إليها الفكر، فنستطيع وصف الواقعة الألسنية برمتها، أي أن اللغة كفئة من التقسيمات الفرعية، متعاقدة، و مرتسمة في آن واحد على مستوى الأفكار الغامضة اللامحدودة، وعلى مستوى آخر محدد أيضا وهو مستوى الأصوات”).
نص دوسوسيور
مقدمة:
لقد اهتم الكثير من الفلاسفة والعلماء بمشكلة العلاقة بين الفكر واللغة، وقد اختلفوا في ذلك وانقسموا بين منتصر للفكر، ومنتقص من شأن اللغة، وبين موحد بينهما في ثنائية لا تنفصل على اعتبار أن الفكر وأفعاله وما ينتجه من مفاهیم ومعاني يقابله في اللغة الألفاظ والكلمات ورموز التعبير. من خلال هذه الزاوية التي تربط بين الفكر واللغة في شكل كيان واحد يخدم بعضه بعضا جاء نص “دو سوسيور” ليوضح طبيعة البناء الذي يهيكل فعل التفكير وفعل التعبير، ومن هنا نتساءل: هل يمكن للفكر أن يوجد في غياب اللغة التي تعبر عنه؟ وهل بالإمكان اصطناع لغة دون فكر يحكمها ويوجهها؟
في محاولة حل المشكلة:
پری صاحب النص أن ما يمكن الاصطلاح عليه باللغة وتعبيراتها المختلفة هي ليست صور مادية أو كيان يعبر عن قوالب واقعية محددة، بل إن حقيقة اللغة تدل على أنها نسق رمزي مجرد، وتنظيم ذهني تحكمه العلاقات المنطقية، وقيمها المختلفة، وللبرهنة على هذا يؤكد صاحب النص أنه يجب النظر إلى صميم البناء اللغوي والعناصر التي تؤسس لوجوده وتمكن لأداء وظيفته و هما الأفكار ببعدها المعنوي، والأصوات بعدها الحسي (المادي). فالفكر حسب “دو سوسيور” بمعزل عن اللغة هو كيان فارغ من المعين، وأنه مجرد وجود وفضاء غير محدد المعالم، وغير واضح من حيث شكله ووظيفته، وهذا ما يتفق حوله الفلاسفة واللغويون لأن العلاقات اللغوية وألفاظها هي التي تمایز بین
الأفكار وتجعل لها حدودا ومعالم تدرك بما وتدرج لها قوالب لغوية لتعرف خصائصها، وبالتالي فاللغة هي التي تبرز الفكر وتضفي عليه صورة المعرفة وتعطيه الصيغة الموضوعية والاجتماعية، يقول صاحب النص: “إن فكرنا من الجانب النفسي، وبغض النظر عن التعبير عنه بكلمات ليس إلا كتلة لا شكل لها” ويقول: “وإذا ما اتخذنا الفكر لذاته، فإنه لأشبه ما يكون ضبابا، إذ لا شيء بالضرورة محددا، ولا أفكار مهيأة من قبل، ولا شيء مميز قبل ظهور اللغة”.
النقد :
و لكن في الجهة المقابلة يستفهم صاحب النص عن الأصوات اللغوية ككيانات مادية محسوسة، هل هي معدة، وجاهزة ومحددة الأشكال والصور؟ وينفي صاحب النص هذا المعن ويصرح أن الأصوات اللغوية بدورها غير محددة وأنا أجزاء مركبة من اتحاد صورة سمعية تسمى بالدال وبين تصور ذهني للشيء المعني، ويدعی بالمدلول كفكرة أو كمعنى ذهني، وهذا كله محکوم بنوع من الاتفاق والتواضع البشري وشيوع الاستعمال، مما يقتضي توجيه الفكر وعملياته الذهنية من تحليل وتركيب وتأويل للتحكم في مادة الأصوات وتقسيماتها. و لأجل كل هذا يؤكد صاحب النص أن العلامة اللسانية هي تعاقد وظيفي بين الأصوات والأفكار، أي بين مفهوم ذهني وصورة سمعية .
أما الصياغة المنطقية للحجة فهي كالآتي:
– إذا كانت اللغة أساسها الأصوات والأفكار فإنها تعاقد بينهما – لكن اللغة أساسها الأصوات والأفكار.
– إذا فهي تعاقد بينهما.
– لكن بالرغم من أن النص حاول أن يؤسس لأطروحة جديدة لمحاولة فهم مسألة قديمة، وذلك من خلال تفكيك صميم البناء اللغوي و تحليل العناصر التي تكونه قصد معرفة وجه العلاقة التبادلية بين عنصر الفكر وعنصر الأصوات، وحكم صاحب النص بأن هناك تعاقد ثنائي بينهما وبالتالي يستحيل فصل أحدهما ع ن الآخر، وقد وفق “دوسو سسیور” فيما ذهب إليه من حيث أنه لم ينتصر لطرف دون آخر هذا لايعني القول بالمساواة بينهما لأن ذلك أمر فيه اختلاف كبير .
حل المشكلة :
إن العلاقة بين الفكر واللغة كقدرات إنسانية يغلب عليها طابع التكامل والتداخل بالرغم من صعوبة الفصل في أداء الوظيفة طل طرف بالنسبة للآخر .
دافع بالبرهان عن الأطروحة القائلة :
” إن وظيفة اللغة تنحصر في تحقيق التكيف بين الفرد والمجتمع ( التواصل ) “
مقالة إستقصاء بالوضع في اللغة والفكر
طرح المشكلة
إن اللغة ليست مجرد أداة تعبير، بل هي أساسا أداة تفكير، لأنها بناء نسقي من الرموز والإشارات محکوم بعلاقات منطقية، كما أنها مرتبطة بالقدرة على إدراك رموز و استخدامها و إبداع رموز جديدة للتعبير عن مجرى الفكر وأحوال النفس المختلفة، من هنا اعتبر بعض الفلاسفة أن وظيفة اللغة أساسها التعبير عن الفك و الأحوال النفسية المختلفة. لكن هناك فكرة تناقضها يعتقد أصحاها أن الوظيفة الجوهرية اللغة هي تحقيق التواصل والتفاهم بين البشر، والتعامل بها في حياتهم سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، وبالتالي فهي أداة لتحقيق التكيف بين الفرد واستمع الذي يكون فيه وهنا نطرح الإشكال التالي: “كيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة التي تحصر وظيفة اللغة في تحقيق التكيف بين الفرد والمجتمع؟ وكيف يمكن إثبات صحتها وتبنيها؟”
عرض منطق الأطروحة
اللغة نسق من الرموز والإشارات التي اتفق عليها البشر، وتواضعوا عليها قصد التفاهم بينهم، وتحقيق التواصل بين الفرد وغيره، لذلك فمنطق هذه الأطروحة يدور حول مسألة وظائف اللغة وحصرها أساسا في الدور الاجتماعي الذي تلعبه في تحقيق التلاؤم والتأقلم والتكيف بين الأفراد ومجتمعاتهم.و تقوم هذه الأطروحة على أساس المسلمة القائلة: أن اللغة نسق و نظام اجتماعی به تنظم عملية التخاطب والتواصل بين الأفراد. فاللغة هي التي تؤسس للعمليات الإجرائية التي يتم من خلالها تبادل الفهم والتعبير عن الأغراض من إنسان لآخر أو من جماعة الأخرى. وبالتالي التوجيه لمختلف أنواع السلوك التي يتبناها
الأفراد في إطار التوافق الاجتماعي. ويؤكد أنصار هذه الأطروحة وبالخصوص عالم الاجتماع الفرنسي “اميل دور كايم” وكذا “هالفاكس” أن اللغة هي وسيلة التفاهم وأداة التواصل كعملية اجتماعية تعبر عن علاقة الفرد بالآخرين لتبادل التجارب والمصالح المشتركة و بالتالي تحقيق الاتفاق والانسجام والتفاعل الاجتماعي. كما أن اللغة تعتبر قناة رئيسية تساعد على تعديل السلوك الفردي و تكيفه من النشر و التقاليد الاجتماعية والقيم الأخلاقية التي تنسجم مع بيئته وثقافته من ناحية أخرى فاللغة هي اللسان المعبر عن الشخصية الجماعية، وحقيقة الهوية والانتماء الحضاري، وتقوية عوامل الوحدة بين الأجيال، من حيث أنها تخلق جماعة موحدة تتجانس فيها الألسن و العقول وصناعة وحدة حضارية خاصة، يقول دو لاکرو”: كل وحدة لغوية تعبر عن وحدة حضارية
عرض منطق الخصوم :
ان اللغة الحقة هي اللغة الموضوعية المنطقية التي تحكمها علاقات الدلالة، لذلك الوظيفة الأساسية اللغة كأداة مميزة لماهية الإنسان هي التعبير عن الطاقات او القدرات العقلية، ووسيلة تنظيم النشاطات الذهنية من تحليل و ترکیب ومقارنة وتعميم , فاللغة هي المرأة التي تعكس صورة شخصية الفرد من خلال الأفكار والقيم، و الأداة التي ترتقي به من التفكير الحسي المادي إلى التفكير المجرد، كما أنها وسيلة التعبير عن مشاعر الفرد وانفعالاته وعواطفه المختلفة
النقد :
غير أن هذا الموقف يتجاهل بان اللغة ليست قدرة فردية بل هي مؤسسة وهيگل اجتماعي يتلقى فيه الفرد جميع صور التعبير، ومدلولات الأشياء. ثم ان من القدرات الفكرية وعمليات تطويرها وما تنتجه من إبداع أليس يتم في محيط اجتماعی، پبادله الرأي و يتلقى منه التجارب؟ كما أن طرق التفكير ونماذجه المختلفة فاضبط الاجتماعي هو الذي يعدها في شكل مناهج تربوية وتعليمية اكتسبها الأفراد في ما مؤسساتهم المختلفة: الأسرة، المسجد، المدرسة….. من جهة ثالثة بعد أن جميع انفعالات الفرد وكل ما يبوح به يقتضي وجود الأخر كطرف يتفاعل معه و يبادله الشعور وهذا يفرض وجود إطارا اجتماعيا للتلاقی و التلقي، لأنه يستحيل أن يمارس الفرد كل هاته الأفعال وهو معزول عن المحيط الاجتماعي، كل هذه الانتقادات تدفعنا لتدعيم الأطروحة بحجج جديدة.
دعم منطق الأطروحة بحجج شخصية:
في الواقع إن اللغة هي التي ترتقي بالفرد من مستوى المبهم و الغريزي إلى مستوى الفهم وتبادل الخبرات داخل الدائرة الاجتماعية والإنسانية، لهذا أعته ها “غسدروف” هي كلمة السر التي تدخل الطفل إلى العالم الإنساني. زيادة على أن اللغة هي الأداة التي تبلور الحبات البشرية و تجارب الأمم والجماعات ان شکل کلام مفهوم، يتفاعل معه الأفراد ويستفيدون منه، من جهة أخرى حفظ التراث الثقافي غير الأجيال، وتصون إنجازات الأمم وأفرادها كذاكرة للإنسانية لا تعرف الخيانة.
حل المشكلة:
و نستنتج في الأخير أن الأطروحة القائلة: “أن وظيفة اللغة تنحصر في تحقيق التكيف بين الفرد والمجتمع” أطروحة صحيحة ومشروعة و بالتالي يمكن الدفاع عنها و تبنيها”
اللغة والفكر ” نحن نفكر بلغتنا، ونتكلم بفكرنا “
الطريقة : الجدلية
طرح المشكلة :
لقد أرجع كوندياك” فن التفكير، إلى فن إتقان الكلام، والكلام عبارة عن ميزة وقدرة إنسانية، تمكن من استخدام الرموز والإشارات للتعبير عن الأغراض و الأفكار والتواصل مع الغير، فالكلمة وسيط بين أفكارنا وتحاربنا، فهي ترتبها وتنقلها من طابعها الذاتي، إلى دلالات يدركها الآخرون. لهذا اعتبر “جون لوك” أن كلمات اللغة هي إشارات اصطلح عليها، ولكنها لا تنوب عن الأشياء بصورة مباشرة، بل تنوب عن الأفكار القائمة مقام الأشياء، مما يجعل من اللغة الأداة التي تحدد علاقتنا مع عالم الأشياء، وكذا التواصل مع غيرنا. لكن هناك من يهاجم ظاهرة اللغة بألفاظها و کلماما ورموزها التعبيرية ويصفها بأنها عاجزة ومحدودة وأنها لا تنسه النشاط الفكر ، ومعانيه، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل فعل التعبير (اللغة) لا يتناسب مع فعل التفكير؟ وهل فعلا اللغة عاجزة وقاصرة على الإحاطة معان التفكير ودلالاته؟
عرض الأطروحة الموقف الأول :
يعتقد أصحاب الاتحاد الثنائي أن الألفاظ قبور المعاني لأن تطور المعاني أسرع م ن اور الألفاظ، وهذا ما يجعل من اللغة عاجزة و قاصرة عن اللحاق بالفكر ومن هنا اعتبر برغسون اللغة محجرة للفكر وعاجزة عن مسايرة ديمومته، فالإنسان يفکر بعقله أولا ثم يعبر بلسانه لهذا كثيرا ما تتزاحم الأفكار والمعاني في الدهن ويعجز الإنسان في التعبير عنها. والدليل أيضا على محدودية اللغة أن المعان بسيطة ومتغيرة وحيوية وواسعة في حين ألفاظ و اصطلاحات اللغة ثابتة جامدة، ومعدودة أو قوالب
قاتلة لحيوية المعاني، مما يؤ کد عن الفكر وخصوصيته، هذا يقول “أبو سعيد السيرافي النحوي”: “فقد بدا النا أن مرکب اللفظ لا بوز مبسوط العقل، والمعاني معقولة ولها اتصال ش دید وبساطة تامة، تامة، وليس في قوة اللفظ من اية لفة كان أن ملك ذلك الميا ويحيط به..”. ويقول “جسر سن”: “فاللغة مفرداتها وصيغها الثابتة قد أجبرت الفكر على أن يسلك سبلا مطروقة” كما أنه لو كانت اللغة كافية وغير عاجزة لما احتاج الإنسان إلى ابتكار وسائل أخرى للتعبير عن المعاي والأفكار والموسيقى والمسرح والسينما و الصورة، وها تظهر حقيقة المقولة الصينية: “أن الصورة أفضل من ألف كلمة مما يعني عدم التساوي و التناسب بين القدرة على الفهم (الفكر) والقدرة على التبليغ (اللغة).
النقد :
غير أن هذا الاتجاه بالغ في التقليل من شأن اللغة ووصفها بالعجز والجمود لكن هل يمكن أن يوجد فکر خالص عار من اللغة؟ ثم كيف نميز بين الأفكار والمعاني إن لم تدرج في قوالب لغوية تعرف بها و ترسم حدودها؟، كما أن الدراسات في علم النفس كشفت أن تكوين المعاني لدى الأطفال يتم مع اكتساب و تعلم اللغة فالطفل يتعلم الكلام في الوقت الذي يتعلم فيه التفكير، يقول “هيكل”: “لا يمكن الأحد أن يدعي امتلاك فكرة ما لم يقم بصياغتها في قالب لغوي فينقلها من الوجود بالامكان إلى الوجود بالفعل ” .
نقيض الأطروحة الموقف الثاني:
يرى أصحاب الاتحاد الواحدي أن هناك وحدة وترابط بين الفكر واللغة، وأنه يستحيل الفصل بينهما، قالتفكير ضاج بالكلمات، وأي عجز في التعبير هو أيضا عجز في التفكير، لأن الألفاظ حصون المعني، فاللغة ليست ثوب الفكر ومظهره الخارجي فقط كما يدعي البعض، بل هي جسده وصمیم وجوده حسب تعبير الافيل”، وقال أرسطو: “ليس ثمة تفكير بدون رموز لغوية” كما أن اللغة هي جوهر التفكير الصامت و التأمل، ولولاها لتعذر على الإنسان فهم أعماق الحقائق حينما يسلط عليها أضواء فكره، من هنا يؤكد ” واطسن” إلى أن التفكير ما هو إلا ضرب من الكلام الصامت، وما حركات الكلام سوى سلوك لغوي نسميه التفكير، لهذا قيل: “نحن نفكر بلغتنا، ونتكلم بفكرنا”، ويقول “ميرلوبونتي: “إن الفكر لا يوجد خارج العالم وبمعزل عن الكلمات”، وأكد “دولا کروا” علاقة الاتصال و التداخل وتبادل الأدوار بين الفكر واللغة بقوله: “إن التفكير يصنع اللغة وهي تصنعه” لكن لو كانت اللغة مساوية للفكر، كيف نفسر أن المعنى الواحد يمكن التعبير عنه بالفاظ متعددة قصد توضيحه والتبليغ عنه كما أن القول بالمناسب بين اللغة و الفکر، هل ذلك يعني أن حركية الفكر ومعانيه , خاضعة للقوالب الجامدة؟ أليس الواقع يؤكد أننا دائما نعمل على تطوير منظمومتنا الاصطلاحية وتجديدها حتى تساير صيرورة الفكر وإبداعاته؟ إضافة إلى أن الكثير من صور الإبداع يعجز الإنسان عن صبها في قوالب لغوية هذا يقول الشاعر الفرنسي “فاليري”: “أجمل الأشعار هي تلك التي لم نستطع التعبير عنها
التركيب :
في الحقيقة إن العلاقة بين الفكر واللغة أو بين المعاني والألفاظ تظهر على أنها تداخل وظيفي يصعب فيه الاستغناء أو فصل أحدهما عن الآخر. لأن اللغة ضرب من التفكير ولا يمكن قيامها بدونه وإلا فقد خاصيته الإنسانية، والفكر ماهو إلا ترکیب لفظي أو رمزي لا أكثر ولا أقل حسب قول “زكي نجيب محمود”. , وقد شبه “ماکس مولر ” علاقة الفكر واللغة بالقطعة النقدية ذات الوجهين، أحدهما الفكر و الآخر هو اللغة. ويستحيل قبول هذه القطعة بوجه واحد وبالتالي علاقة التلازم في الحضور وفي الغياب بين الفكر واللغة.
حل المشكلة :
في الجسم في علاقة الفكر واللغة أمر صعب، لأنها علاقة ثنائية ترفض الفصل أو از تصاد، وتعبر عن تفاعل وظيفي بين ما هو مادي وما هو معنوي، كل طرف منهما يؤسس للأخر ويخدمه ويحتاج إليه لإثبات وجوده الفعلي.
نص جورج غوسدورف في اللفة والفكر
مقدمة :
لقد اهتم الكثير من الفلاسفة و العلماء بربط التواصل بالذات الإنسانية أي أنه لا يوجد تواصل بين الذات المفكرة وغيرها و بالتالي إهمال التواصل مع الغير و على هذا الأساس جاء نص غوسدروف الذي يندرج ضمن مبحث المعرفة ليوضح حقيقة اللغة ودحض فكرة ” الآنا ” ومن هنا نتساءل : هل وظيفة اللغة تقتصر فقط على تحقيق التواصل الإجتماعي ؟
محاولة حل المشكلة :
يرى صاحب النص جورج غسدروف أن الذات لا توجد وحدها في العالم بل الحياة تفرض عليها أن تكون علاقات بأشخاص آخرين تتبادل معهم التجارب . والإنسان ليس ذاتية محضة، أي وعي منعزل ومنفصل عن الآخرين وعن العالم، فالإنسانية لا تتحقق إلا بالتواصل والانفتاح ومشاركة الغير ؛ وهنا تبرز اللغة كضامن لهذا التواصل لأنها ليست ملكا للشخص الذي يتكلم بها فحسب
“إ ن حقيقة اللغة لا تتوقف عند الإحاطة بهذين الحين المتقابلين : الأنا والعالم ، إذ يوجد حد ثالث لا تخفى أهميته، وهو ” الآخر” الذي أتوجه إليه بكلامي. فأنا أتكلم لأني لست وحيدا، وحتى حينما أتكلم مع ذاتي، كما في حالة المناجاة الباطنية فإني أمم ذاتي بوصفها آخر” . وقد برر موقفه بعدة حجج من بينها :
أن اللغة هي التي ترتقي بالفرد من مستوى المبهم و الغريزي و إلى مستوى الفهم وتبادل الخبرات داخل الدائرة الإجتماعية و الإنسانية لهذا ا عتبرها ” غسدروف ” هي كلمة السر التي تدخل الطفل إلى العالم الإنساني زيادة على أن اللغة هي الأداة التي تبلور الخبرات البشرية وتجارب و الأمم و الجماعات في شكل كلام مفهوم , يتفاعل معه الأفراد ويستفيدون منه ومن جهة
أخرى تحفظ التراث الثقافي عبر الأجيال وتصون إنجازات الأمم و أفرادها كذاكرة للإنسانية لا تعرف الخيانة , فاللغة هي التي تؤسس للعمليات الإجرائية التي يتم من خلالها تبادل الفهم و التعبير عن الأغراض من إنسان لآخر أو من جماعة لأخرى . وبالتالي التوجيه لمختلف أنواع السلوك التي يتبناها الأفراد في إطار التوافق الإجتماعي . , فهي قناة رئيسية تساعد على تعدسل السلوك الفردي وتكييفه من النظم و التقاليد الإجتماعية و القيم الإخلاقية التي تنسجم مع بيئته و ثقافته, فهي اللسان المعبر عن الشخصية الجماعية وحقيقة الهوية والإنتماء الحضاري ” إن اللغة تثبت ، من تكون أشكالها البدائية، على امتداد الأنا الشخصي خارج الات؛ فحين يضحك المولود الصغير، أو ينتقل بسرعة من الضحك إلى البكاء، فإنه يتوجه بذلك إلى من يحيط به طالبا حاجة ما. ومن هنا فوجود الإنسان ليس متمركزا على الذا ت وحدها، بل أن محدودية الجسم ، وإن وضعت حدا فاصلا ، لا تمثل نهاية مطلقة ، و” الآخر “ليس نتيجة تحصل بالخبرة والاستدلال بقدر ما هو شرط وجود الإنسان ذاته , إن وعي الإنسان بواقعه يقتضي الإقرار بتعدد الأفراد، وكذا بلامركزية الوجود؛ وقد اتضح ذلك منذ أولی أطوار حياته حينما كان يتعثر عليه التعرف على نفسه مستقلا عن الآخرين ، ولا يتم له ذلك إلا من خلال مشاركته في التظاهرات المعيشية الكبيرة لقبيلته، فلا يضع ذاته مقابل الآخرين …… الوجود الحق “
الصيغة المنطقية للحجة :
إما أن تكون وظيفة اللغة التواصل الإجتماعي أو التواصل الفردي , لكن وظيفة اللغة ليست التواصل , إذن وظيفة اللغة هي التواصل الإجتماعي
الخاتمة :
وفي الأخير نجد أن وظيفة اللغة تقتصر على التواصل الإجتماعي كهدف رئيسي لها ذلك لأن جميع إنفعالاتالفرد وكل ما يبوح به يقتضي وجود الآخر كطرف يتفاعل معه ويبادله الشعور وهذا يفرض وجود إطارا اجتماعيا اللتلاقي والتلقي , لأنه يستحيل أن يمارس الفرد كل هات الأفعال وهو معزول عن المحيط الاجتماعي.