الوضع في أوكرانيا والمعارك المشتدة التي تحاول خلالها القوات الروسية السيطرة على كييف وباقي المدن الرئيسية وإسقاط حكومة فلودومير زيلنسكي، ما هي إلا حلقة من حلقات انتهاك القانون الدولي والعبث بمضامينه، ليس فقط من طرف روسيا ولكن حتى من طرف الدول المنددة بما يفعله الرئيس الروسي فلادمير بوتين في أوكرانيا.
هذا التناقض في تطبيق القانون الدولي يتوقف عنده الكاتب والمحلل السياسي بيتر بيرنات، والذي يشغل منصب أستاذ علوم الإعلام والعلوم السياسية بمدرسة “نيومارك” للصحافة بنيويورك، في مقال له على أعمدة جريدة “الغارديان” الأمريكية، حيث يربط بين ما تقوم به روسيا في أوكرانيا وموقف الولايات المتحدة منه، وموقف الأخيرة من ضم دولة الاحتلال الإسرائيلية لمرتفعات الجولان السورية، وأيضا ضم المغرب للصحراء الغربية.
يعود الكاتب بيتر بيرنات في مقاله إلى موقف الولايات المتحدة وحلفائها خاصة بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، من انتشار القوات الروسية على الحدود الأوكرانية في شهر ديسمبر من العام الماضي ووجهت تحذيرات لبوتين بأن “أي استخدام للقوة لتغيير الحدود محظور تمامًا بموجب القانون الدولي”. بعد شهر من ذلك، ومع رفع موسكو من نسق نشر قواتها على الحدود الأوكرانية والتي تجاوزت الـ100 ألف عسكري، خرج وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بتصريحات جديدة يحذر فيها الروس من أن “حرمة الحدود” تعد من بين “المبادئ التوجيهية للسلوك الدولي”. نفس المسؤول علق على اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي “دونتسك” و”لوغانسك” عن أوكرانيا، بأن هذه الخطوة تعتبر انتهاكا “لسيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية” وأنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
صاحب المقال قال إن ما ذهبت إليه الإدارة الأمريكية صحيح ولا جدال حوله، انطلاقا من أن إعادة رسم الحدود بالقوة ينتهك مبدأ أساسيًا من مبادئ القانون الدولي، ووجه كلامه لإدارة بايدن بأن تقوم أكثر “من مقاومة العدوان الروسي في أوكرانيا.. يجب أن تتوقف عن انتهاك نفس هذا المبدأ” أي إعادة رسم الحدود بالقوة.
ويفصل الكاتب الأمريكي في مقاله، كيف أن الولايات المتحدة تنهى عن فعل وتأتي مثله، باستشهاده بمواقف الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث اعترف سنة 2019 بضم الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية التي احتلها في حرب 1967، وبذلك تكون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بهذا الضم غير الشرعي والمنافي للقانون الدولي. ويستشهد الكاتب بيتر بيرنات بتصريحات إلياف ليبليش، أستاذ القانون بجامعة تل أبيب، إلى أن القرار الذي يتعارض مع قرار إجماعي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدعمه الولايات المتحدة نفسها، يشكل “خروجا عن الحظر القانوني الأساسي للضم من جانب واحد”.
ووصفت أونا هاثاواي من كلية الحقوق بجامعة ييل الأمريكية هذه الخطوة بأنها “شائنة ومن المحتمل أن تزعزع استقرار النظام الدولي بعد الحرب”. ووصفته الحكومة الروسية بأنه “مؤشر على ازدراء واشنطن لقواعد القانون الدولي”.
بعد حوالي سنة من اعتراف الولايات المتحدة بضم دولة الاحتلال لمرتفعات الجولان السورية، أقدمت على سلوك مماثل من ناحية التعدي على القانون الدولي وإعادة رسم الحدود القوة، باعتراف بضم المغرب للصحراء الغربية التي احتلتها سنة بعد انسحاب الاستعمار الإسباني 1975، ونفس الأمر تعد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الوحيدة التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في تحد للمجموعة الدولية وانتهاك صارخ للقانون الدولي، بتوفيرها الدعم خارج القانون لاحتلال دولة وإعادة رسم حدود خارج الشرعية الدولية والقانون الدولي.
ووصف حينها وزير الخارجية الأمريكي السابق، جيمس بيكر، والذي يعتبر أشهر وسيط أممي في نزاع الصحراء الغربية، وصاحب “مخطط بيكر” للحل والذي تبناه المغرب قبل أن يتراجع عنه بدعم فرنسي أمريكي، اعتبر قرار ترامب بأنه “تراجع مذهل عن مبادئ القانون الدولي”.
ويعلق الكاتب الأمريكي على قرار واشنطن بأن “مرة أخرى، تناقضت الولايات المتحدة مع قرارات مجلس الأمن التي أيدتها بنفسها.. مرة أخرى، انتقدت روسيا الولايات المتحدة لانتهاكها مبدأ القانون الدولي المعترف به عالميا”.
ويشير بيتر برنات إلى أن إدارة بايدن لم تنقض أيا من قرارات سابقه، بل بالعكس تواصل بتقديم الدعم العسكري للاحتلال الإسرائيلي بحوالي 4 مليارات دولار مساعدات عسكرية، وتفعل نفس الشيء مع المغرب بمساعدته عسكريا بالرغم من احتلاله للصحراء الغربية وانتهاكه لحقوق الإنسان في الإقليم المتنازع عليه بشهادات وتقارير حقوقية، على غرار منظمة “فريدوم هاوس” الأمريكية.
الوضع القائم اليوم في أوكرانيا وموقف الولايات المتحدة منه، يكشف من جديد نفاق الولايات المتحدة ومواصلة تلاعبها بالقانون الدولي، حيث تقدم نفسها كمدافعة عنه لما يتعلق الأمر بمصالحها، وتتلاعب به وتخرقه لما يتعلق الأمر بمصالحها أيضا، وعليه فإن الولايات المتحدة يجب أن تراجع نفسها وتنظر إلى المرآة قبل أن توجه أي كلام أو انتقاد لروسيا لأنها هي من شرعت الخطوة الروسية في أوكرانيا.