«لا يوجد هنالك نظام دولي جديد» مارغريت تاتشر
«ان ما ظهر بعد انتهاء الحرب الباردة لم يكن نظاماً عالمياً جديدا وانما كان اقرب إلى ترتيبات جديدة يستخدمها نظام عالمي قديم يعيد لها تأكيد دوره في ظروف متغيرة» محمد حسنين هيكل
إذا كان النظام الدولي الجديد ليس إلاّ ترتيبات جديدة لاستيعاب المتغيرات الجديدة الحاصلة اثر انهيار الكتلة الشيوعية، فان العالم الاسلامي والشرق الاوسط بشكل خاص يمثل الساحة المثلى لتشريع تلك الترتيبات واعطاء النظام الدولي الجديد دوره فيها ليست لانها مركز حيوي للمصالح الاميركية فحسب لأنّها تشكل تحدياً حضارياً للكبرياء الغربي وبالأخص الرسالة الاميركية.
يقول مارتن انديك المساعد الخاص للرئيس الاميركى مدير الشرق الادنى وجنوب آسيا في مجلس الامن القومي الاميركي عن هذا التحدي في معرض اعلانه عن السياسة الاميركية تجاه الشرق الاوسط:
«ان عقوداً من الاهمال والآمال المحيطة بالمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية غذّت حركات عُنفية تنكرت باقنعة دينية وبدأت تتحدى الحكومات في انحاء العالم العربي ما ينطوي على خطر كامن لزعزعة الاستقرار في المنطقة. ينبغي علينا ان لا نبسط تحدياً معقداً تطرحه الينابيع المختلفة الاقليمية والوطنية. ويجب ألاّ نرفض جميع الاصلاحيين الدينيين باعتبارهم متطرفين لكن لا يمكننا في الوقت نفسه ان نتجاهل ان بعض المتطرفين الدينيين وجدوا بلجوئهم إلى العنف العون من التضامن في ايران والسودان ولذا فالتحدي الثالث امامنا هو ان نساعد شعوب الشرق الاوسط وحكوماتها لمواجهة هذا التهديد الناشىء بالسعي الحثيث إلى السلام من جهة وباحتواء التطرف في انحاء المنطقة من جهة اخرى وبالتمسك برؤيتنا كبديل للتطور السياسي الديمقراطي والتطور الحر لاقتصاد السوق».
ولما كانت قضايا «الشرق الاوسط» تمثل جوهر النظام الدولي الجديد فيمكن الاعتماد على دراسة الاستراتيجية السياسية الاميركية لتحديد طبيعة ذلك النظام.
اوجز انديك سياسة الولايات المتحدة الاميركية بالنقاط التالية:
الاحتواء المزدوج للعراق وايران في الشرق.
دفع السلام العربي ـ الاسرائيلي في الغرب.
3ـ بذل جهود نشطة لوقف انتشار اسلحة الدمار الشامل ودفع الرؤية لمنطقة اكثر ديمقراطية وازدهاراً لجميع شعوب الشرق الاوسط.
ويحدد انطوني ليك مستشار الرئيس الاميركي بيل كلينتون لشؤون الامن القومي العوامل الاربعة التي ترتكز عليها «استراتيجية التوسع الاميركية» وهذه العوامل:
1ـ تقوية الديمقراطيات التي تعتمد الاقتصاد الحر اساساً لها.
2ـ تقديم المساعدة للديمقراطيات الجديدة ولاقتصاد السوق حيث امكن.
3ـ مواجهة العدوان من قبل الدول المعادية للديمقراطية وللسوق الحر.
4ـ المضي فى دعم اجندا انسانية ليس بتقديم المساعدات فحسب بل أيضاً عبر مساعدة الديمقراطية واقتصاد السوق في المناطق التي تواجه مشاكل انسانية.
ان الشعور بعوامل القوى المادية هو الذي يصوغ المفاهيم الاميركية ويسيّر سلوكها مع العالم الخارجي. ومن هنا تبرز المشكلة الاميركية حين يصطدم منطق القوي مع «القيم النبيلة» التي تبشر بها النظام الدولي الجديد.
يقول سكوكروفت مستشار الرئيس الاميركي للامن القومي الاسبق:
«ان الفرصة مهيأة امام الولايات المتحدة الآن ـ 1993 ـ ولأن توفّق بين رسالتها في حماية النظام العالمي من خلال القيام بدور رجل البوليس لردع اي نظام يغامر بفرض سيطرته على الآخرين وبين رسالتها في نشر تلك القيم النبيلة التي آمن بها الاميركيون وعملوا من اجلها طوال قرنين من الزمان ان كل ذلك يتطلب ارادة بارعة لمجابهة الازمات فاقامة عالم افضل لن تتحقق إلاّ بوجود قيادة مستقرة والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة المؤهلة لممارسة هذه القيادة حيث لا توجد اي دولة اخرى أو حتى منظمة عالمية تملك النظرة البعيدة المدى وتتمتع بالهيبة والاحترام وتتمتع بالامكانات المالية التي تؤهلها للعب دور قيادة فعال على المستوى الدولي.. اننا لا نستطيع تعطيل أو اهمال قيادتنا للعالم حتى نقوم بترتيب بثنا من الداخل كما يطلب بعض الاميركيون ـ ذلك ان التاريخ لا يأخذ اجازة».
وعبّرت ازمة الخليج عن ابلغ صورة للمنطق الاميركي في جانبه المادي اما رسالة القيم النبيلة فقد انحسرت امام مصالحها المادية في المنطقة لان تلك المصالح باتت فوق حرية الشعوب. فبينما تمثل الديمقراطية ومبدأ حقوق الإنسان وحرية الشعوب والشرعية الدولية عناصر التوجه الجديد للولايات المتحدة وتمثل رسالتها الإنسانيّة للعالم، تؤكد سياسة كلينتون ان الوسائل اللازمة لمواجهة الدول التي لا تلتقي مع مصالح الولايات المتحدة وبالتحديد العراق وايران تكمن في الحفاظ والاعتماد على حلفاء في منطقة الشرق الاوسط بصرف النظر عن شرعيتهم وسلوكهم السلطوي مع شعوبهم، وفي هذا الصدد يوضح مارتن انديك عن هذه السياسة قائلاً:
«وطالما بقينا معتمدين على حلفائنا في المنطقة للمحافظة على موازنة القوى لمصلحتنا في الشرق الاوسط كانت لدينا الوسائل اللازمة لمواجهة النظامين العراقي والايراني ولن نحتاج إلى الاعتماد على احدهما لمواجهة الآخر».
ويستمر التأكيد على مبدأ القوة والمصالح في وقت اختفت فيه القوى التقليدية المنافسة للزعامة الاميركية اما الحديث عن القيم الاميركية فهي ليست إلاّ غطاء لتشريع اجراءات الهيمنة ويلاحظ ان التأكيد على القوة يسبق القيم الاميركية وفي الوقت الذي تستغرق السياسة الاميركية في توضيح كيفية الاحتواء وتجريد العالم من اسلحة الدمار الشامل، تفتقد تلك السياسة إلى آلية ترويج المفاهيم والقيم الاميركية. تقول مادلين اولبرايت مندوبة اميركا لدى الامم المتحدة:
«.. التاريخ علمنا انّه سيأتي وقت لا يعود فيه الكلام كافياً ولا العقوبات أو الدبلوماسية».
وتضيف: «ان ادارة كلينتون وضعت اطاراً جديداً اكثر تنوعاً ومرونة من الاطار السابق سيعزز المصالح الاميركية ويروّج القيم الاميركية ويحافظ على الزعامة الاميركية».
وإذا كانت الامبراطورية الشيوعية الفاعل الرئيسي لتحديد القوة في عصر الحرب الباردة، فان الاميركيون لا يخفون اليوم قلقهم من اعتبار الإسلام الخطر القادم. وهذا الخطر هو الفاعل والداعي لسلوك الهيمنة في المنطقة الإسلامية. ويعبر وارن كريستوفر وزير الخارجية الاميركية عن هذا القلق قائلاً:
«اننا في حاجة إلى تحرك قوي وملموس للتعاطي بحزم ولكن بشكل مبتكر مع دول خطرة تساهم في التوتر في مناطق مثل الشرق الاوسط. ان البلد الذي يثير القلق اكثر من غيره بين هذه البلدان والذي في استطاعة اوروبا التأثير عليه مباشرة هو ايران».
ومن هنا يؤكد على ضرورة ان «تفهم ايران وتقتنع بأنها لا تستطيع مواصلة نهج التسلح الخطير».
ان تجريد الانظمة الشرعية من حقها في التسلح لا يستند على أي شرعية دولية انما الغطرسة الاميركية تقتضي ابقاء الشعوب الإسلامية ضعيفة حتى لا تتمكن من تحرير نفسها وثرواتها من قبضة الارادة الاميركية.
ويطمئن وارن كريستوفر اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة قائلا: «اننا نبقى ملتزمين ان تبقى قوى الاعتدال في المنطقة اقوى من قوى التطرف.. وان الولايات المتحدة واصدقاءها وحلفاءها سيتخذون الخطوات الضرورية لضمان فشلكم (قوى التطرف)».
وتعبّر السياسة الاميركية عن الخط الاميركي في المنطقة بقوى الاعتدال بينما تُلقي صفة التطرف على جميع الحركات الإسلامية والانظمة التي ترفض الهيمنة الاميركية بكل اشكالها.
ويحذّر انطوني ليك «قوى التطرف» بالرد الحاسم وبشكل منفرد خروجاً على قاعدة الشرعية الدولية التي تشكل احد المضامين للنظام الدولي الجديد. فيقول ليك:
«انّه عندما تبدأ اعمال هذه الدول «ايران والعراق» في تهديد شعبنا وقواتنا مباشرة أو تستهدف مصالحنا الحيوية علينا ان نكون مستعدين للرد بشكل حاسم ومنفرد كما فعلنا عندما حاول العراق اغتيال الرئيس السابق جورج بوش».
وهنا مرة اخرى تبرز المشكلة في تجاوز مبدأ القوة لمبدأ الشرعية الدولية المعتمد كقيمة عليا من القيم الاميركية والقانون الدولي. ان العلاقة بين القوة والمصالح الذاتية مع القيم الاميركية المتمثلة بشعارات احترام حقوق الإنسان والشرعية الدولية والديمقراطية وحرية الشعوب، هي علاقة الاضداد. ومن هنا تسود التناقضات في الاطروحات الاميركية واجراءياً تبرز الازدواجية لتلغي مصداقية المشروع المسمى بالنظام الدولي الجديد.
اما محاولة استمالة الشعوب الإسلامية من خلال الاعراب عن احترام الغرب الشكلي للاسلام، فلم تكن فعالة لان المواجهة الاميركية للاسلام تعيشها الشعوب المسلمة في أمر واقع.
ان الغرب يعبّر احياناً عن احترامه للاسلام إلاّ انّه وفي نفس الوقت يطعن بالقوى المخلصة للاسلام ولا يسمح لها بممارسة نفوذها وحريتها الدينية التي تمثل عنصر اساس في الشخصية القومية الاميركية. فيقول ليك:
«ان واشنطن تحترم ما قدّمه الاسلام للعالم منذ 1300 عام وتعرض كل تعابير الصداقة لاولئك المؤمنين بالاسلام الذين يلتزمون السلام والتسامح لكننا سنوفر كل مقاومة لمواجهة المتطرفين اللذين يشوهون العقائد الإسلامية ويسعون إلى توسيع نفوذهم بالقوة».
وهكذا فمن منطلق الحرص الكبير على الإسلام تقاوم واشنطن الاسلاميين لتشويههم العقيدة الإسلامية!
وتسعى الولايات المتحدة إلى طمأنة المسلمين بأنها لا تنظر للاسلام مصدر تهديد وليست العقيدة التي تلي الشيوعية لتواجه الغرب. لكن يبقى منطق القوة يرافق كل موقف سواء دافعه حوار أو مجابهة فهذا ادوارد وجرجيان مساعد وزير الخارجية الاميركية يعلن عن اتحاد مرن إلاّ انّه يؤكد في خاتمته الموقف الاميركي من الحركات الإسلامية بعنوان الارهاب والتطرف:
«ان دور الدين اصبح اكثر بروزاً ويجري اعطاء اولوية ومزيد من الاهتمام لظاهرة تسعى بأسماء مختلفة مثل الإسلام السياسي أو اليقظة الإسلامية أو الاصولية الإسلامية والشكوك حيال تلك كثيرة فان البعض يقول انها تسبب توسيعاً في الهوة الفاصلة بين القيم الغربية والقيم الإسلامية، لذلك فمن المهم ان نفهم هذه الظاهرة بعمق وعناية حتى لا تقع ضحية مخاوف ليست في محلها أو ضحية تصورات مغلوطة لذلك فان حكومة الولايات المتحدة لا تعتبر الاسلام انّه العقيدة التالية ـ بعد الشيوعية ـ التي تجابه الغرب أو التي تهدد السلام العالمي اذ ان الحرب الباردة لا يجري استبدالها بمواجهة جديدة بين الإسلام والغرب ذلك ان الحملات الصليبية قد انتهت منذ وقت طويل كما ان الاميركيين يعترفون بالاسلام على انّه احد اعظم الاديان الذي له اتباعه في كل قارة ويؤمن به ملايين الاميركيين ونحن كغربيين نعترف بالاسلام بصفته قوّة حضارية تاريخية من بين الكثير من القوى التي أثرت في ثقافتنا واثرتها.. ان تراث الثقافة الإسلامية الذي وصل إلى شبه الجزيرة إلاّ يسير به ـ الاندلس ـ في القرن الثامن الميلادي هو تراث غني بالعلوم والآداب والثقافة وبالتسامح حيال اليهودية والمسيحية ذلك ان الإسلام دين يجل الرموز الرئيسية للتراث اليهودي ـ المسيحي ابراهيم وموسى وعيسى..».
«دعوني اوضح بكل جلاء اننا نختلف مع اولئك الذين يمارسون الارهاب ويضطهدون الاقليات ويدعون إلى التطرف وعدم التسامح والعنف والحرمان والتعصب والقهر والارهاب لان الحرية الدينية والتسامح يمثلان عنصرين اساسيين في الشخصية القومية الاميركية».
اما جوبيه وزير خارجية فرنسا فلم يترك اي شكل في التعريف بالموقف الغربي من الإسلام:
«اننا نسعى إلى تحديد خط سياسي واضح تجاه الجزائر.. ان هذا الخط يقضي بعدم التساهل مع الحركات السياسية التي تعتمد قيماً واهدافاً تتنافى مع كل ما نؤمن به واعتقد انّه ليس لدينا ما نكسبه عبر التساهل مع الاسلاميين السياسيين.. ان البعض يدعو إلى الحديث معهم لأنهم قد يتمكنوا من الوصول إلى الحكم في يوم من الايام لكن الامثلة التي شهدناها خلال السنوات تؤكد ان التساهل الغربي ادى إلى بروز افاعي تمكنت من ايذائنا».
لقد كان التعامل البوليسي مع ارادة الشعب الجزائري في تجربته الديمقراطية والموقف اللااخلاقي للذب تجاه انتفاضة الشعب العراقي ضد صدام حسين وما يجري حالياً في البوسنة مصاديق تعبر عن حقيقة ما يسمى بالنظام الدولي الجديد مهما تختار الساسة الغربيون من عناوين لتشويه حركة الشعوب.منقول للافادة.
النشأة
النظام العالمي الجديد» مصطلح استخدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب وجهه إلى الأمة الأمريكية بمناسبة إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج «بعد أسبوع واحد من نشوب الأزمة في أغسطس 1990م» وفي معرض حديثه عن هذا القرار، تحدث عن فكرة «عصر جديد»، و «حقبة للحرية»، و «زمن للسلام لكل الشعوب».
وبعد ذلك بأقل من شهر «11 سبتمبر 1990م»، أشار إلى إقامة «نظام عالمي جديد» يكون متحرراً من الإرهاب، فعالاً في البحث عن العدل، وأكثر أمناً في طلب السلام؛ عصر تستطيع فيه كل أمم العالم غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم.
التعريف والمغزى
إن جوهر النظام العالمي هو مجموعة القوانين والقيم الكامنة التي تفسر حركة هذا النظام وسلوك القائمين وأولوياتهم واختياراتهم وتوقعاتهم. أخلاقيات الإجراءات يقول دعاة النظام العالمي الجديد إن ما يدعو إليه النظام هو شكل من أشكال تبسيط العلاقات وتجاوز العقد التاريخية والنفسية والنظر للعالم باعتباره وحدة متجانسة واحدة. والنظام العالمي الجديد، حسب رؤيتهم، هو نظام رشيد يضم العالم بأسره، فلم يعد هناك انفصال أو انقطاع بين المصلحة الوطنية والمصالح الدولية وبين الداخل والخارج. وهو يحاول أن يضمن الاستقرار والعدل للجميع «بما في ذلك المجتمعات الصغيرة»، ويضمن حقوق الإنسان للأفراد.
الآليات
وهو سينجز ذلك من خلال مؤسسات دولية «رشيدة» مثل هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية والبنك الدولي وقوات الطوارئ الدولية. وبإمكان كل الدول أن تستفيد من الخبرة الدولية في إدارة شؤون الداخل وتكييفه مع النظام العالمي الجديد. وسيتم كل هذا في إطار ما يقال له «الشرعية الدولية» التي تستند إلى هذه الرؤية، وإلى المقدرة على تحويلها إلى إجراءات، تماماً كما حدث في حرب الخليج حينما تم صد العدوان العراقي على الكويت.
المؤيدون
أميركا واليابان وأغلبية الدول الأوربية : ويرى دعاة هذا النظام أن بوسعه أن يحقق قدراً معقولاً من النجاح بسبب وسائل الإعلام الغربية «العالمية على حد قولهم» التي حوّلت العالم «كما يظنون» إلى قرية صغيرة. فتدفق المعلومات يجعل المعلومات متاحة للجميع، الأمر الذي يحقق قدراً من الانفتاح في العالم وقدراً كبيراً من ديمقراطية القرار، وقد أدّى انهيار المنظومة الاشتراكية والتلاقي «Convergence» بين المجتمعات الغربية الصناعية، واختفاء الخلاف الأيديولوجي الأساسي في العالم الغربي، إلى تقوية الإحساس بأن ثمة نظاماً عالمياً جديداً وإلى أنه لم تعد هناك خلافات أيديولوجية تستعصي على الحل.
ويرى المدافعون عن هذا النظام أن الخطر الذي يتهدد الأمن لا يأتي من الخارج وإنما من الداخل، من قوى تقف ضد الديمقراطية وضد تأسيس المجتمع على أسس اقتصادية وعلى أسس التكيف مع النظام العالمي، هذه القوى هي التي تجر الداخل القومي إلى صراع مع الخارج الدولي بدعوى الدفاع عن الكرامة أو الاستقلالية أوالشخصية القومية أو الرغبة في التنمية المستقلة، وهي تكلف الداخل ثمناً فادحاً، ومن المنطقي أن يتصور المبشرون بهذا النظام أن القيادة فيه لا بد أن تكون للقوة الاقتصادية العظمى، أي للمجتمع الصناعي الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن الدول كلها يجب أن تنضوي تحت هذه القيادة، وثمة افتراض كامن بأن المجتمع الأمريكي «الذي يفترض أن الدافع الأساسي في سلوك البشر هو الدافع الاقتصادي» لابد أن يصبح القدوة والمثل الأعلى. (ارجوا من قارئ هذا النص مشاهدات سلسلة فديوات القادمون The arrivals للفائدة ) مع ملاحظة أن أخر هذه السلسلة يقع في حبائل النظام العالمي الجديد ويؤسس إلى فكرة خاظئة أن المهدي هو محمد العسكري، والمهدي المنتظر بنص السنة اسمه محمد بن عبد الله، ويظهر ويبايع في مكة المكرمة.
أولا: تعريف النظام الدولي:
يقصد بالنظام الدولي مجموعة الوحدات السياسية -سواء على مستوى الدولة أو ما هو أصغر أو أكبر- التي تتفاعل فيما بينها بصورة منتظمة ومتكررة لتصل إلى مرحلة الاعتماد المتبادل مما يجعل هذه الوحدات تعمل كأجزاء متكاملة في نسق معين.وبالتالي فإن النظام الدولي يمثل حجم التفاعلات التي تقوم بها الدول والمنظمات الدولية والعوامل دون القومية مثل حركات التحرير والعوامل عبر القومية مثل الشركات المتعددة الجنسية وغيرها.
ثانيا: تطور النظام الدولي:
المرحلة الأولى 1648 – 1914
تبدأ هذه المرحلة من معاهدة وستفاليا سنة 1648 والتي أنهت الحروب الدينية وأقامت النظام الدولي الحديث المبني على تعدد الدول القومية واستقلالها، كما أخذت بفكرة توازن القوى كوسيلة لتحقيق السلام وأعطت أهمية للبعثات الدبلوماسية، وتنتهي هذه المرحلة بنهاية الحرب العالمية الأولى.
وكانت قوة الدولة مرادفة لقوتها العسكرية، وكانت أوروبا تمثل مركز الثقل في هذا النظام. أما الولايات المتحدة الأميركية فكانت على أطراف هذا النظام ولم يكن لها دور فعال نتيجة سياسة العزلة التي اتبعتها.
كانت الفكرة القومية هي الظاهرة الأساسية في النظام الدولي فهي أساس قيام الدول وأساس الصراع بين المصالح القومية للدول، ولم تكن الظواهر الأيدولوجية الأخرى قد ظهرت بعد مثل الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية وغيرها.
المرحلة الثانية 1914 –1945 Multi-polarity
تبدأ هذه المرحلة من الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، وقد تميزت هذه المرحلة بزوال أربع امبراطوريات ،كما اقتحمت أوروبا موجة جديدة من الجمهوريات ،وتحول عدد كبير من الدول الأوربية لديكتاتوريات ، وشجع حق تقرير المصير على ظهور قوميات جديدة طالبت بالاستقلال، وظهرت الولايات المتحدة كدولة ذات نفوذ وأخيرا ظهرت اليابان وروسيا كدولتتي عظميين، ومن أجل ذلك اتسمت هذه المرحلة بالأزمات التي أدت إلى عدم التفاهم بين الدول ومن ثم نشوب الحرب العالمية الثانية.
المرحلة الثالثة 1945- 1989
نشأت مع الحرب العالمية الثانية وامتدت حتى عام 1989م والتي وصفت بأنها مرحلة (الحرب الباردة) واتسمت بالثنائية القطبية Bipolarity حيث شهدت هذه المرحلة صعوداً سريعاً لقوتين كبيرتين متنافستين هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. وكانت القنبلتان النوويتان اللتان ألقتهما الولايات المتحدة الأمريكية على “هيروشيما ونجازاكي” في شهر أغسطس عام 1945م إيذاناً ببدء عصر تكون لأمريكا فيه اليد الطولى، سواء كان ذلك على الصعيد العسكري أم السياسي أم الإقتصادي، إذ تم تدعيم الموقف العسكري بموقف سياسي من خلال مبدأ ترومان المعلن في مارس 1947م، واقتصادياً ببرنامج (مارشال) للمساعدات المعلن في يونيو 1947م والذي ساعد على إعادة إعمار أوروبا الغربية واليابان، كما ساعد في تدعيم الاقتصاد الأمريكي.
وخلال هذه المرحلة ظهرت الأيدولوجية كإحدى أهم الظواهر في المجتمع الدولي وأخذ الانقسام داخل النظام الدولي يأخذ طابع الصراع الأيدولوجي بين المعسكر الشرقي الاشتراكي والمعسكر الغربي الرأسمالي، وتبع ذلك ظهور عدد من الظواهر مثل الحرب الباردة والتعايش السلمي والوفاق الدولي وغيرها.
المرحلة الثالثة 1945- 1989
نشأت مع الحرب العالمية الثانية وامتدت حتى عام 1989م والتي وصفت بأنها مرحلة (الحرب الباردة) واتسمت بالثنائية القطبية Bipolarity حيث شهدت هذه المرحلة صعوداً سريعاً لقوتين كبيرتين متنافستين هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. وكانت القنبلتان النوويتان اللتان ألقتهما الولايات المتحدة الأمريكية على “هيروشيما ونجازاكي” في شهر أغسطس عام 1945م إيذاناً ببدء عصر تكون لأمريكا فيه اليد الطولى، سواء كان ذلك على الصعيد العسكري أم السياسي أم الإقتصادي، إذ تم تدعيم الموقف العسكري بموقف سياسي من خلال مبدأ ترومان المعلن في مارس 1947م، واقتصادياً ببرنامج (مارشال) للمساعدات المعلن في يونيو 1947م والذي ساعد على إعادة إعمار أوروبا الغربية واليابان، كما ساعد في تدعيم الاقتصاد الأمريكي.
وخلال هذه المرحلة ظهرت الأيدولوجية كإحدى أهم الظواهر في المجتمع الدولي وأخذ الانقسام داخل النظام الدولي يأخذ طابع الصراع الأيدولوجي بين المعسكر الشرقي الاشتراكي والمعسكر الغربي الرأسمالي، وتبع ذلك ظهور عدد من الظواهر مثل الحرب الباردة والتعايش السلمي والوفاق الدولي وغيرها.
المرحلة الرابعة 1989 حتى الآن
تبدأ هذه المرحلة من نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي بانهيار الاتحاد السوفيتي وحتى الآن، ويطلق عليها النظام الدولي الجديد وأخيراً العولمة، وتعود بدايات شيوع هذا المفهوم إلى حرب الخليج الثانية (1990) حيث بدأت الدعاية الأميركية بالترويج لهذا المفهوم ،حيث ظهر لأول مرة عند إعلان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب من على منصة قاعة اجتماع الهيئة التشريعية لمجلس النواب الأمريكي في 17 يناير 1991 بداية النظام العالمي الجديد New World ويلاحظ استخدام كلمة Order ولم يستخدم كلمة System مثلاً وذلك لأن في كلمة Order من القسر والتوجيه والأمر ما ليس في غيره.ونتناول فيما يلي أهم خصائص النظام الدولي الجديد.
ثالثا:خصائص النظام الدولي الجديد:
1- القطبية الأحادية Uni-polarity:
فالسمة الأساسية هي هيمنة hegemony الولايات المتحدة على النظام الدولي من الناحية السياسية والعسكرية ، وانفرادها بقيادة العالم والتصرف بصورة فردية دون حاجة للحلفاء بدلاً من القطبية الثنائية السابقة.
· فعلى المستوى السياسي قامت أمريكا بدور المنظم للمجتمع الدولي، وراود الكثيرين في العالم الأمل بانتهاء الحرب والاتجاه بخطوات ثابتة نحو السلام العالمي، ومنذ أحداث 11 سبتمبر ظهرت نوعية جديدة من الاستقطاب وحلت ثنائية جديدة تتمثل في مواجهة بين الولايات المتحدة وقوى الإرهاب ودول وصفتها أميركا بالدول المارقة والتي تشكل ملاذاً للإرهاب. وفي هذا الصدد كشف التحرك الفردي للولايات المتحدة تجاه الحرب على أفغانستان واحتلال العراق عن عجز أوروبا عن أن تشكل قوى سياسة تتبوأ مكاناً يليق بقوتها إلى درجة وصفها بأنها عملاق اقتصادي لكنها ليست سوى قزم سياسي.
· وعلى المستوى العسكري استندت الولايات المتحدة في فرض زعامتها على العالم، إلى قوتها العسكرية والنووية الكبيرة،مما أدى إلى انفرادها بالقرارات العسكرية دون الالتزام بالشرعية الدولية،بحكم قوتها الاقتصادية والعلمية والعسكرية في مجال الاستخبارات والتجسس الالكتروني والمراقبة بواسطة الأقمار الاصطناعية والعدة الحربية المتطورة من السفن والطائرات والمدفعيات والصواريخ الرشاشات… ،كما يتسم النظام الدولي الجديد بحل الأحلاف العسكرية الاشتراكية السابقة كحلف وارسو، إقامة القواعد العسكرية الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم وخاصة في الشرق الأوسط- كالكويت والسعودية وقطر والضغط على الدول المنتجة للسلاح وخاصة النووي كإيران وكوريا الشمالية.
· وعلى المستوى الثقافي نجد هيمنة العولمة الثقافية الغربية والأمريكية تحديدا، وتسخيرها لآليات إعلامية وفنية ولغوية لفرض نفوذها وتهديد وجود الهويات الثقافية المحلية على الصعيد العالمي ويطلق عليها البعض ثقافة الكاوبوي.
· أما على المستوى الاقتصادي فيمكن القول أن النظام الحالي هو نظام متعدد الأقطاب تبرز فيه قوى اقتصادية كبرى سواء في أوروبا أو في دول شرق آسيا ،خاصة مع تصاعد حدة الأزمة المالية العالمية التي أظهرت هشاشة الاقتصاد الأمريكي.
2- تعدد الفاعلين الدوليين:
بتعدد وتوزع مصادر السلطة على مستوى العالم نتيجة تصاعد قوة الشركات المتعددة الجنسية والمنظمات عبر القومية والمنظمات غير الحكومية التي أصبحت تشكل تحدياً لسيادة الدولة وسلطتها،كما يمكن القول إن النظام الدولي قد عرف فاعلا جديدا كعنصر من عناصر المجتمع الدولي يتمثل في عولمة الإرهاب، فقد خرج الإرهاب من رحم العولمة الأمريكية ليمثل نوعاً من العولمة المضادة، وهو فاعل ليس قطرياً ولا إقليمياً ولا يمر عبر مؤسسات الدول وله مقوماته الذاتية واستقلاليته وكثير من الجماهير المتعاطفة معه ، وهناك أيضا تزايد دور منظمات ولجان حقوق الإنسان والدفاع عن البيئة.
3- تعدد الدول:
يتسم النظام الدولي الجديد بزيادة عدد الدول الداخلة فيه فبعد أن كانت الدول الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة 51 دولة من بينهم مصر أصبح اليوم عدد الدول الأعضاء 203 دولة تشمل جميع القارات، ومن ثم سقط مفهوم الاجماع حول الأولويات الدولية.
ويطلق البعض على هذه المرحلة مرحلة الإستقطاب Polarization ،حيث يرى بعض المحللين أن السنوات القادمة وتحديدا خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ستعيد الى الواجهة عدد من المتنافسين العالميين المتنمرين الصغار كالهند واليابان الى الساحة الدولية وعودة بعض القوى الكبرى كالصين وروسيا الى رقعة الشطرنج الدولية كذلك كدول متحدية ومنافسه للولايات المتحدة الاميركية ، وهو ما سيحول النظام الى نظام تعددي أكثر من ميوله الى نظام ثنائي القطب ، ولكن سيكون أقرب الى التعددية القطبية الفضفاضة منه الى المحكمة ، حيث سيبدو نظام التعددية القطبية فيه على شكل تحالفات بدلا من تكتلات.
وفي مقال للكاتب “دانيال دريزنر” تحت عنوان “ما بعد النظام العالمي الجديد” أو “جديد النظام العالمي الجديد” The New New World Order والذي نشرته مجلة Foreign affairs 2006، حيث يوضح أن المعطيات التي فرضها الواقع الدولي من تصاعد قوى ذات ثقل اقتصادي وسياسي متنام أصبحت محددات لا يمكن لأمريكا غض الطرف عنها. وفي سبيل بحث الولايات المتحدة عن مصالحها ربما تجد من الأفضل أن تتلاقى مصالحها مع مصالح هذه القوى المتنامية؛ لتعيد تشكيل النظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب ، غير أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تأسيس جديد لنظام متعدد الأقطاب بقدر ما تسعى إلى احتواء هذه القوى الصاعدة، وخاصة العملاقين الصيني والهندي.
4- وجود السلاح النووي وسيادة مبدأ توازن الرعب النووي:
كانت إستراتيجية الولايات المتحدة العسكرية تتبنى سياسة الردع والاحتواء مع الاتحاد السوفياتي والدول المعادية الأخرى، وتقوم هذه السياسة على إقناع العدو بضرورة الابتعاد عن تهديد الأمن والمصالح الأميركية خوفاً من اللجوء إلى الأسلحة النووية والتدمير الشامل، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي اتجهت السياسة الأمنية الأميركية نحو تقليل تدخل الولايات المتحدة عسكرياً في الخارج وظهر هناك نوع من التوافق الدولي نحو تجنب الحرب والعمل على تسوية المنازعات بالطرق السلمية.
إلا أنه بعد أحداث 11 سبتمبر تحولت هذه الإستراتيجية نحو إعطاء أولوية للحرب على الإرهاب وتبني سياسة الضربات الوقائية ، وفي الوقت نفسه احتفظت السياسة الأميركية لنفسها بحق استخدام الأسلحة النووية بشكل محدود ضد الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة دول مارقة ترعى الإرهاب وتهدد السلم العالمي بامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل مثل العراق وإيران وكوريا الشمالية، وقد قادت هذه السياسة إلى وجود مفهوم جديد للأمن .
أما على صعيد الأسلحة الإستراتيجية، فإن التوجه الدولي العام هو ضبط مثل هذه الأسلحة، خصوصاً وأن اتفاقية [ستارت2] start2 بين الولايات المتحدة وروسيا في العام 1993 قضت بتخفيض الترسانتين النوويتين بنسبة عالية. وهناك تعاون روسي – أميركي لضبط الأسلحة النووية الموجودة في أوكرانيا وروسيا البيضاء وكازاخستان. على أن التفجيرات النووية المتلاحقة في الهند وباكستان، وامتلاك إسرائيل لمئات الرؤوس النووية، من العلامات البارزة على انتشار السلاح النووي وبقاء المخاطر المهدّدة للإنسانية.
وفي نفس الوقت عقد مؤتمر الانتشار النووي بنيويورك في الفترة من 3مايو إلى 28 مايو الجاري لضبط المخزون النووي وتقنيات استعمالاته الحربية والغرض المباشر من هذا المؤتمر هو طبعاً ضبط المخزون النووي في دول الاتحاد السوفياتي السابق لمنع تسربه إلى الشبكات المعادية، وفي الوقت نفسه التضييق على الدولتين غير الخاضعتين لهذه المنظومة (إيران وكوريا الشمالية) لمنع تسريبهما التقنية والمواد لأطراف ما.
5- اضمحلال دور القانون الدولي وازدواجية المعايير:
ثمة مشاهد عن تجاهل القانون الدولي العام، أو عن التناقض في تطبيق قواعده في غير منطقة من العالم، سواء بالنسبة لحقوق الإنسان، أو حفظ السلام، أو حماية البيئة الطبيعية من التلوث والتدمير… ، حيث نجد ازدواجية في المعايير وتجاوزات عديدة في مفهوم حقوق الإنسان ، فحصار العراق على مدى سبع سنوات سبّب أضراراً بالغة في أوساط الشعب العراقي، من وفيات الأطفال إلى التهديد البيولوجي لحياة الملايين من المدنيين. هذا رغم احتجاجات الصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية على الإبادة الجماعية، المنافية للقانون الدولي،
كما سبّب حظر التجارة الأميركية المضروب على كوبا زيادة معدل الوفيات، وانتشار الأمراض التي تحملها المياه، وفي فلسطين تستمر انتهاكات القواعد الدولية من خلال الأوضاع المأساوية للمساجين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
6- تآكل سيادة الدول :
في الوقت نفسه تدهورت سلطة الدولة القومية ومن ثم سيادة الدولة وتضاءل دور المنظمات الدولية في تسوية الصراعات الدولية وحل المشكلات الدولية ليحل محلها دور الولايات المتحدة قائدة العالم ،ويعود تراجع مكانة الدولة في العلاقات لعدة عوامل أهمها:
· بروز فاعلين أقوياء في شبكة التفاعلات الدولية: الشركات المتعددة الجنسية، المنظمات الإقليمية والدولية، المنظمات غير الحكومية، رجال الأعمال، الأسواق التجارية..الخ.
· التحول في سلوك المنظمات الدولية، فقد كانت المنظمات الدوليــة في السابق عبارة عن مؤسسات تابعة للدولة القومية، أما الآن فقد غدا للمنظمات الدولية وجود متميز ومستقل عن إرادات الدول المنشئة لها. وليس أدل على ذلك من إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1991م الذي أيد التدخل الإنساني من دون طلب أو حتى موافقة الدولة المعنية كما حدث من استخدام القوة لمصلحة “السكان المدنيين” في الصومال.
· التحول الكبير الذي طرأ على مفهوم السيادة للـدولة القومية، حيــث أنهت الاختراقات الثقافية والإعلامية الوظيفة الاتصالية للدولة، ما جعل من نظرية سيادة الدولة نظرية خالية من المضمون. وليست عملية التشابك الاقتصادي الدولي التي جعلت من سيطرة الدول على عملها أمراً غير واقعي، إلا إحدى تجليات انتهاء السيادة بمفهومها السابق.
7- استمرار عدم التوازن في القوى:
نلاحظ أن مجلس الأمن الدولي لا يزال يعكس موازين القوى السائدة منذ مؤتمر يالطا عقب الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب الباردة، فما زالت الدول تستخدم حق الفيتو إلا أنه برز النفوذ الأميركي في قرارات هذا المجلس، انعكاساً لموازين القوى الجديدة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي. فالقرارات المتعلقة بالغزو العراقي للكويت جاءت من دون اعتراض دولة من الدول الدائمة العضوية خاصة بعد غياب “الفيتو السوفييتي” .
8- تغير مفهوم القوة وظهور المنظمات الاقليمية:
في السابق كانت القوة العسكرية تتمتع بمزايا لا مثيل لها في تحقيق الفائدة السياسية والاقتصادية للدولة. لكن تحولات العصر وتطوراته قد جعلت الأداة الاقتصادية في سلم أدوات السياسة الخارجية وأصبحت القوة الاقتصادية المقياس الفعلي لقوة الدولة، وقد ترتب على هذا الأمر ما يأتي:
· أصبحت هناك دول تمتلك قدرات عسكرية فائقة، ومع ذلك فإن أمنها مهدد مثل روسيا.
· وكذلك أصبحت هناك دول لا تمتلك قدرات عسكرية جبارة ومثالها اليابان، ومع ذلك فإن أمنها غير مهدد.
· تغيرت طبيعة التحالفات من تحالفات عسكرية إلى تحالفات ذات طبيعة اقتصادية ومثالها: النافتا، الاتحاد الأوروبي، آسيان، وابيك…الخ.
9- الميل نحو التكتلات الدولية الكبيرة:
من أبرز ملامح النظام الدولي الجديد هو اتجاهه نحو التعامل «الكتلي» أي إلى الكتل والمجموعات الكبرى ، إن لم تعد الدولة مرتكزاً أساسياً في رسم تصورات المستقبل مهما كان من حجم لهذه الدولة على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي أو السكاني ، ولذا فإن أنظمة الدول المستقلة لن تجد لها مكاناً بارزاً إلاّ من خلال تكتلات كبرى بدت ملامحها من المجموعة الأوربية التي تشكل أقوى قوة اقتصادية إلاّ أن هذه التكتلات لا تتوقف عند نقطة المصالح الاقتصادية بل تمد نظرها إلى أفق بعيد أرحب وأشمل للتحول بعد ذلك إلى كتل سياسية كبرى . ولعل نموذج الوحدة الأوربية واضح في هذا الأمر فالعصر القادم هو عصر التكتلات أو المجموعات السياسية الكبرى الذي تحتفظ فيه الدول القطرية بشخصيتها القانونية ومكانتها وسيادتها ، إلاّ أنها تدور في فلك واسع هو الكتلة التي تنتمي إليها .
10- الثورة التكنولوجية:
من السمات المميزة لهذه المرحلة الثورة الهائلة في وسائل الاتصال ونقل المعلومات وسرعة تداولها عبر الدول، والتي انعكست بشكل كبير على سرعة التواصل وفي معدل التغير. فإذا كانت البشرية قد احتاجت ما يقرب من 1800 عام حتى تبدأ الثورة الصناعية الأولى واحتاجت كذلك إلى مائة عام تقريباً حتى تدخل الثورة الصناعية الثانية، فقد احتاجت إلى ما لا يزيد على ربع قرن لتدخل الثورة الصناعية الثالثة التي نعيشها الآن عبر التطور الكبير في مجالات الفضاء والمعلومات، والعقول الالكترونية، والهندسة الفضائية.
ونتج عن ذلك عولمة المشكلات والقضايا التي تواجهها الجموع البشرية مثل الفقر والتخلف والتلوث البيئي والانفجارات السكانية وغيرها الكثير، حيث لم تعد تقتصر نتائج هذه المشكلات على دولة محددة أو مجموعة دول، وإنما تعدى ذلك إلى دول أخرى بعيدة جغرافيا.
11- خاصية اللاتجانس:
فالنظام السياسي الدولي يشكل نظاماً غير متجانس، حيث تتجلى مظاهر عدم التجانس في:
· حالة التباين الشديد بين وحدات النظام الدولي من حيث الحجم والقوة رغم تمتعها نظرياً بالسيادة والمساواة أمام القانون.
· العلاقة غير المتوازنة بين دول الشمال ودول الجنوب، فعلى صعيد التجارة الدولية تستحوذ الدول الصناعية النصيب الأعظم من النشاط التجاري العالمي في حين لا يمثل نصيب الدول النامية إلا قدراً ضئيلاً.
· وتظهر حالة انعدام التجانس في ازدياد الهوة التكنولوجية بين الشمال والجنوب، ما خلق حالة من التبعية التكنولوجية نتيجة سيطرة الشمال على أدوات الثورة العلمية والتكنولوجية.
12- تصاعد التوترات والصراعات:
فقد تزايدت التهديدات الإرهابية على الصعيد العالمي للمصالح الغربية والأمريكية تحديدا ، كما تزايدت التحديات البيئية التي تواجه العالم كالاحتباس الحراري والتصحر والتغيرات المناخية والأعاصير والفيضانات والتلوث،مع تزايد الحروب الأهلية والإقليمية بأسباب دينية أوعرقية أو اقتصادية مثل باكستان،الصومال،رواندا بروندي،رواندا وحاليا العراق وأفغانستان…ثم تنامي الهجرة القسرية بسبب الحروب والفقر والكوارث الطبيعية…وتزايد التوتر السياسي في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وإفريقياالوسطى.
كما تزايدت حملات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة فقد شنت حملة عسكرية شنيعة على العراق سنة 1991 أعقبها حصار اقتصادي ساحق إلى غاية سنة 2003،لتعود الولايات المتحدة وحلفائها إلى احتلال العراق دون موافقة الأمم المتحدة.كماتدخلت عسكريا بشكل منفرد في الصومال خلال سنتي 1992-1994.وفي سنة 1999 أقحمت حلف شمال الأطلسي في حملتها العسكرية على يوغوسلافيا،كما شنت غزوا عسكريا بغطاء أممي على أفغانستان في سنة 2001 وفي الفترة الحالية يتخوف المجتمع الدولي من تداعيات التهديدات والضغوط التي تشنها ضد إيران وكوريا الشمالية وسوريا .
ومن أجل ذلك قامت الولايات المتحدة بتقسيم العالم إلى مناطق إقليمية وتسهيل قيادة هذه المناطق الإقليمية للدول التي تقبل بالزعامة الأمريكية وتقبل أن تكون حليفة للولايات المتحدة الأمريكية؛ بحيث تتولى هذه الدول ضبط الأوضاع في هذه المناطق مما لا يضطر الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في كل صغيرة وكبيرة في العالم ما سيترتب على ذلك من تكاليف مالية وبشرية لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تحملها.
ختاما ومن خلال استعراض أهم خصائص النظام الدولي الجديد في مرحلته المعاصرة يتبين أننا على أعتاب مرحلة جديدة تبدو فيها الولايات المتحدة بيدها خيوط التأثير الدولي إلا أنها في الوقت نفسه تؤمن بضرورة إفساح المجال للقوى الصاعدة إقتصاديا لا لتزاحمها في مجال الصدارة بل لاحتوائها وطيها في ركابها والأيام القادمة ربما تكشف عن ملامح مرحلة جديدة من النظام الدولي تشهد نوع من القطبية المتعددة ولكن من طراز مختلف.
النظام الدولي الجديد يرسخ الثنائية أم الانفتاح نحو التعددية؟
د. محمد علي السقاف * كاتب يمني
أليس مثيراً وغريباً في قمة مسار العلاقات الدولية ملاحظة أن العالم الغربي بتوجهه الاقتصادي الرأسمالي والليبرالي تسيد لعدة قرون العلاقات الدولية، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ليبرز على مسرح العلاقات الدولية الاتحاد السوفياتي بتوجهه الماركسي والاقتصاد الموجه، وبصعود الصين أمام الولايات المتحدة، وهي ليست دولة ليبرالية، واقتصادها كما يسمى رأسمالية الدولة، يقدم للعالم نموذجين للتنمية الاقتصادية والأنظمة السياسية المختلفة فما مغزى ذلك وتفسيره؟
بمعنى آخر، في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية نجد الدول الأوروبية المسيطرة على المسرح الدولي كانت قواسمها المشتركة تتمثل بالأنظمة السياسية المتقاربة (باستثناء الفترة التي هيمنت فيها أنظمة فاشية ونازية في كل من إيطاليا وألمانيا)، فماذا يعني أن يشهد العالم بعد الحرب العالمية الثانية، بوجود نموذجين للأنظمة السياسية والاقتصادية مختلفين ومتضادين، في حرب باردة وصراع آيديولوجي بين القطبين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي؟
عمدت الولايات المتحدة بنهاية الحرب العالمية الثانية إلى إطلاق «مشروع مارشال» لمساعدة إعادة بناء أوروبا، والحيلولة دون وصول الأحزاب الشيوعية الموالية للاتحاد السوفياتي إلى السلطة، خاصة في كل من فرنسا وإيطاليا.
وسعت أيضاً الدول الغربية في الوقت ذاته، في إطار الحرب الباردة بين العملاقين إلى إظهار مزايا دول الاقتصاد الحر، بتقديم مساعدات سخية لدول النمور الآسيوية، مثل كوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند وسنغافورة، لإنجاح نموها الاقتصادي، وتحديثها كنموذج رأسمالي بديلاً للنموذج الاشتراكي المجاور لها.
والآن في مطلع القرن الواحد والعشرين تحول الصراع من صراع الآيديولوجيا، الذي كان سائداً في النصف الثاني من القرن الماضي إلى صراع المصالح والنفوذ في حرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة. واستخدامنا لعبارة «حرب باردة» جديدة تعني هنا صراعاً بين قوتين كبريين، تستخدم كل منهما أدوات القوة التي في حوزتها باستثناء المواجهة العسكرية.
كما أن وصفها بالحرب الباردة «الجديدة» لتمييزها عن فترة الصراع بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، الذي كاد يصل في الأزمة الكوبية في الستينات، إلى صراع عسكري مفتوح بين القوتين، حين وافق خرتشوف على سحب صواريخه من كوبا، التي اعتبرها كيندي أنها تهدد الأمن القومي الأميركي.
فالصين هي قوة اقتصادية وذات سوق واسعة، وقوة عسكرية كبرى في محيطها الإقليمي، إضافة إلى أنها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي.
فالصين الوطنية كانت من الدول المؤسسة للأمم المتحدة بحضورها مؤتمر سان فرانسيسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 1945. وكانت الولايات المتحدة تعترض بشدة على إحلال تمثيل الصين الوطنية بالصين الشعبية لعدة سنوات، في الوقت الذي كانت فيه بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن فرنسا وبريطانيا وبالطبع الاتحاد السوفياتي تعترف بها، ولم تنفرج معضلة التمثيل إلا في عهد الرئيس نيكسون.
ومنذ استعادة العلاقات الدبلوماسية في السبعينات بين الولايات المتحدة والصين، حرصت الدولتان على تفادي مواجهة مباشرة بينهما بإرساء نوع من التعايش السلمي لمدة خمسين عاماً. لكن التنافس الاقتصادي بينهما كأكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، تحول بعد ذلك إلى صراع سياسي، صراع المصالح والنفوذ، كل منهما يسعى إلى احتلال المرتبة الأولى في العالم.
وقد تجلَّى مؤخراً أحد أوجه الصراع بين واشنطن وبكين بخصوص جائحة كورونا، حيث اتهمت الولايات المتحدة الصين بأن الفيروس جاء منها، من مختبر في مدينة ووهان بالتحديد، واتهم الرئيس دونالد ترمب الصين بتضليل العالم بعد أن «أخفت» معلومات عن انتشار الفيروس، واعتبرت الصين أن تلك التصريحات «غير عقلانية»، ورأت الصين في هجوم مضاد أن الولايات المتحدة تحاول التهرب من أزمتها الخاصة، بتفاقم أزمة تفشي فيروس كورونا بين مواطنيها، من خلال توجيه الاتهامات إلى الصين بأنها هي سبب انتشار الفيروس، بينما رأت الصين أن الولايات المتحدة هي سبب انتشار الفيروس في الصين، لأنها أرسلت جنوداً أميركيين إلى مدينة ووهان وكانوا يحملون الفيروس!
ولم يقتصر الأمر على الاتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة حول انتشار وباء كورونا ليمتد إلى اتهام الرئيس ترمب منظمة الصحة العالمية بأنها منحازة للصين، التي تهيمن بالكامل على المنظمة، وقرر في 29 مايو (أيار) الماضي، وقف العلاقات مع منظمة الصحة العالمية، وبرر ترمب قراره أمام الصحافيين في البيت الأبيض قائلاً: «لأنها فشلت في القيام بالإصلاحات اللازمة والمطلوبة، نحن ننهي اليوم علاقتنا بمنظمة الصحة العالمية، ونعيد توجيه هذه الأموال إلى حاجات أخرى ملحة في مجال الصحة العامة في العالم»، وتعتبر الولايات المتحدة أكبر الدول الداعمة في ميزانية المنظمة.
والمحور الآخر في الصراع بين الدولتين مرتبط بالتجارة بينهما، حيث تطور التنافس التجاري بينهما في ربيع 2018، إلى حرب تجارية غير مسبوقة، حيث عزمت الولايات المتحدة على وضع حد لانتهاك الصين حقوق الملكية الفكرية، والمنافسة غير الشريفة من قبل الشركات الصينية، التي تحظى بدعم وقروض من الدولة الصينية، ولهذا تبادلت الدولتان فرض رسوم جمركية مرتفعة قدرت بمليارات الدولارات، مما أعاق الاستثمارات في كلا البلدين وانسياب التبادل التجاري بينهما.
وفي افتتاحية لصحيفة «اللوموند» الفرنسية في 23 مايو الماضي، اعتبرت أن هونغ كونغ أصبحت ضحية المواجهة الأميركية – الصينية. فعند إعادة بريطانيا في يوليو (تموز) 1997 هونغ كونغ إلى الصين، تفاءل العالم نسبياً من أنَّ ذلك سيحدث تقارباً بين الصين والغرب، وستكون هونغ كونغ إحدى آليات هذا التقارب، ولكن بعد ربع قرن من تاريخ ذلك الاتفاق، تبيَّن صعوبة التعايش بين النظامين المختلفين. فالاتفاق الذي طرح حينها يقوم على أساس مبدأ «بلد واحد ونظامان»، والذي تحول وفق تصريح الرئيس ترمب إلى «بلد واحد بنظام واحد».
وجاءت هذه التصريحات على إثر شروع الصين في سن قانون الأمن القومي في هونغ كونغ الذي يحظر «الخيانة والانشقاق وإثارة الفتنة وأعمال التخريب».
وقد تبنى البرلمان الصيني في 28 مايو الماضي قراراً للمضي قدماً في تشريع قانون الأمن القومي، وتقول الصين إن التشريع يهدف للتصدي للميول الانفصالية والتآمر والإرهاب والتدخل الخارجي، واعتبر رئيس الوزراء الصيني أن القانون سيكون مفيداً لاستقرار هونغ كونغ ورخائها على المدى البعيد، وستظل صيغة «بلد واحد ونظامان» سياسة وطنية، وبذلك فرضت الصين رؤيتها برغم اعتراض سكان هونغ كونغ واحتجاجاتهم الصاخبة.
والمشكلة تكمن في طرح قضية هونغ كونغ في صلب الصراع الأميركي الصيني، لتقوم الولايات المتحدة بتوسيع نطاق توتر علاقاتها مع الصين، من خلال إشادتها بتايوان (الصين الوطنية) في طريقة معالجتها بفعالية لأزمة تفشي «كورونا» في الجزيرة، وانتقدت بهذا الصدد مجدداً منظمة الصحة العالمية وإهمالها تحذيرات تايوان المبكرة لتفشي فيروس كورونا، وذلك بإيعاز من الصين، وفق تصريحات وزير الخارجية الأميركي.
مع أنه من المفترض أن جائحة كورونا تهدد العالم بأسره من دون تمييز بين الدول الكبرى وبقية دول العالم، وأن تكون الحرب ضد هذا الفيروس تدفع إلى التعاون الدولي متعدد الأطراف. وللحديث بقية.