م. الفاتح عثماني
تشهد العلاقات الجزائرية والمغربية مزيدا من التأزيم والاشتعال، وما إن تستقر وتخمد التوترات لفترة حتى تتأجج مجددا وبشكل أكثر تعقيدا وتصعيدا، آخرها توفير المخزن لوزير الخارجية الصهيوني منصة وحاضنة للتهجم على الجزائر عبر التعبير عن “قلقه من دورها في المنطقة وعن تقاربها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية”. فيما ردت الجزائر واعتبرت أن الخطوة “تمت بتوجيه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة وتعكس رغبة مكتومة في جر حليفه الشرق أوسطي الجديد إلى مغامرة خطيرة موجهة ضد الجزائر وقيمها ومواقفها المبدئية”.
التقارب “الصهيو-مغربي” وتطبيع العلاقات وتبادل الزيارات وافتتاح الممثليات الدبلوماسية، تراه الجزائر “إضافة فاعل جديد في المنطقة متمثل في قوة عسكرية شرق أوسطية”، وفي قراءة تحليلية واستشرافية لموقف الجزائر وللعلاقات بين البلدين، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة البليدة 2، عبد القادر سوفي، إن ما ينظر في الميدان هو مؤشر على استراتيجيات مضمرة ومخبأة، يعمل على هندستها اللوبي الذي يتحكم في صناعة القرار بالجارة الغربية، وتقوم على تشويه سمعة الجزائر وشيطنتها، بدليل أنها وفرت الحاضنة والمنصة الملائمة لوزير الكيان الصهيوني لإطلاق تصريحات في هذا الاتجاه”.
وقال الأكاديمي في تحليله لمسارات ومآلات العلاقة بين البلدين، إن تسلسل وترابط وتزامن الأحداث تؤشر على وجود عمل استراتيجي ومنهجي، لخلق انزلاق أمني داخل الجزائر ورغبة في خلق صدام بين المغرب والجزائر، حتى يلغي ويغطي على القضية الصحراوية وترك صورة سوداء على الجزائر ودورها في المنطقة.
في حين يرى الجامعي أن طبيعة صناعة القرار في الجزائر القائمة على الدبلوماسية الهادئة والبراغماتية والتي لا تهمل الفواعل المعادية والمُساندة للجزائر، ستسمح بالتعامل مع التطورات بحزم من جهة وبما يحترم قواعد وأدبيات المحفل الدولي من جهة ثانية.
وفي تقييمه وقراءته لرد الجزائر على تصريحات وزير الخارجية الصهيوني خلال زيارته للمغرب، قال الأستاذ بأنه لا يخرج عن اعتبار المغرب دولة وظيفية موجودة لتحقيق مصالح الكيان الصهيوني، وفي النهاية -يتابع المتحدث- هما كيانان احتلال لديهما نفس التصور، وتقريبا كل الاستراتيجيات التي يتبناها المغرب هي عبارة عن إملاءات يتلقاها من الكيان الصهيوني، وما التقارب وتطبيع العلاقات سوى دليل على ذلك، مذكرا بأن المغرب تسبب في هزائم الدول العربية في حروب ماضية، بإبرام اتفاق استخباراتي وتسريب معلومات استراتيجية للقاءات عربية انعقدت في المغرب.
وفي تعليقه على العدائية التي ظهر بها وزير الخارجية الصهيوني تجاه الجزائر خلال زيارته للجارة الغربية مؤخرا، أفاد سوفي بأنها ناتجة عن مواقف الجزائر الثابتة مع فلسطين، وكذا عن رفضها منح الكيان المحتل صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، وقيادة مسعى لتجريدها من هذه العضوية ولو أنها شكلية.
ووصف المحلل التنسيق القائم بين حركة انفصالية إرهابية مع الجارة الغربية، هو بمثابة انتحار جماعي، وينسجم مع مساعي دولة الاحتلال للتواجد في المنطقة في إطار مشاريعها في المنطقة العربية الممتدة على عشرات السنوات، مستدلا بتشابك المصالح وترابطها ومن بينها تطبيع العلاقات، برنامج بيغاسوس، عضوية المراقب للكيان الصهيوني، زيارة وزير خارجيته، افتتاح ممثلية دبلوماسية وغيرها من المؤشرات، فكل هذه العمليات تخرج من مشكاة واحدة في اعتقاد المتحدث وترمي إلى هدف واحد.
ولا تخرج جريمة اغتيال جمال بن اسماعيل عن قناعة المؤامرة ضد الجزائر لدى الأستاذ، حيث قال إن الوقائع والمتورطين فيها، عبارة عن “فيلق موت” منظم وله علاقات وقيادة ووسائل ومنهجية واتصالات بمراكز عملياتية موصولة بشكل ومباشر وغير مباشر بالمخزن وتل أبيب، معتبرا أن عدم إطلاق الشرطة رصاصات تحذيرية في السماء أدى إلى تفادي انزلاق أمني خطير كان مُبتغى من قبل هذه المراكز، خصوصا وأن هناك أوجه شبه كثيرة بين هذه الأحداث وما جرى في تونس وليبيا ومصر وسوريا.