واجهت السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، مجموعة من التحديات والتحولات التي ارتبطت بالتحول الكبير الذي أحدثه تفكك الاتحاد السوفيتي وظهور دولة روسيا الاتحادية، ومن أبرز هذه التحديات التي واجهتها روسيا الاتحادية تمثلت في الجدل حول الهوية الروسية، فقد كان وجود الاتحاد السوفيتي على امتداد القرن العشرين حاملا لواء الفلسفة الشيوعية – الاشتراكية سببا في غياب الهوية القومية للدولة، لا سيما في ظل وجود الأيديولوجية الشيوعية كفلسفة عامة حاكمة لجميع القطاعات في الدولة وفي مقدمتها السياسة الخارجية، بيد أن تفكك الاتحاد السوفيتي وانحدار روسيا الاتحادية إلى مرتبة دون القوة العظمی في البنية الهيكلية للنظام السياسي الدولي أدى إلى ظهور تحولات كبرى في توجهات السياسة الخارجية الروسية، منها تراجع المنطلقات الأيديولوجية مقابل ظهور المنطلقات البراغماتية في السياسة الخارجية الروسية ما بعد الحرب الباردة، إلى جانب الجدل حول مستقبل الهوية الروسية وتأثيرها في السلوك السياسي الخارجي الروسي
إذ يمثل الجدل حول الهوية الروسية إحدى أبرز المعضلات التي واجهت السياسة الخارجية الروسية في عالم ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، في ظل حالة الفراغ الأيديولوجي الذي تعرضت له روسيا الاتحادية، وقد أدى ذلك إلى حصول جدة فكرية وسياسية واسعة حول الهوية الروسية الجديدة، وظهر إزاء ذلك توجهان أساسيان: يتمثل الأول بالتوجه الأطلسي الذي يريد إعادة ربط روسيا بالعالم الغربي كونها كانت جزءا منه، ويمثل هذا التوجه النخب الفكرية والسياسية التي تؤمن بالقيم والمنطلقات الليبرالية الغربية والتي ولدت كردة فعل على ما أصاب روسيا في العهد السوفيتي، لذا فهي تدعو لتوجه روسيا نحو أوروبا واندماجها في الحضارة الغربية، أما التوجه الآخر فيعرف بالتوجه الأوراسي الذي يدعو أنصاره إلى الإقرار بالهوية الأوراسية لروسيا الجديدة، من خلال استعادة التركيز على البعد الجيوسياسي الذي تتميز به روسيا كونها تعد على منطقة واسعة من العالم تشمل قارتي آسيا و أوروبا، وتتمثل منطلقات هذا التوجه بالأبعاد الجيوسياسية التي تعد على وفق رؤيتهم المصدر الأساسي للهوية الروسية في تجميع القوميات الروسية في الفضاء السوفيتي السابق، وفي خضم احتدام الجدل حول التوجهات الفكرية للسياسة الخارجية الروسية ظهر التوجه القومي الذي ارتبط بوصول الرئيس فلاديمير.