اعداد :
- جاد مصطفى البستاني – كلية اقتصاد وعلوم سياسية قسم العلوم السياسية جامعة الاسكندرية
- محمد السيد محمد – كلية اقتصاد وعلوم سياسية قسم العلوم السياسية جامعة الاسكندرية
- محمد نبوي مصطفى – كلية اقتصاد وعلوم سياسية قسم العلوم السياسية جامعة الاسكندرية
المركز الديمقراطي العربي :-
ـ مقدمة :
بالطبع، تعتبر التجارب السياسية العالمية مرجعا أساسيا لاستنباط الدروس في شأن العلاقة الرابطة بين المجالات السياسية والاقتصادية في حياة المجتمعات، ونسعى من خلال الرجوع إلى التجارب الناجحة تاريخيا إلى فتح النقاش بشأن البحث عن المقومات الإنسانية لخدمة الحاضر والمستقبل ونظراً لأهمية دراسة دولة كوريا الجنوبية كنموذج ناجح يحتذى به في التنمية لذلك سنحاول من خلال هذه الدراسة أن نتناول المحاور التالية :
ـ المقومات السياسية لكوريا الجنوبية
- محددات السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية
- أبرز التحديات التي تواجه كوريا الجنوبية
- المشاهد المستقبلية لتحديات كوريا الجنوبية
ـ أولاً : المقومات السياسية لكوريا الجنوبية :
لكل دولة مقومات سياسية وخصائص يتمتع بها نظامها السياسي تُميزها عن غيرها وتزيد من قدرتها في التعامل والتأثير علي الصعيدين الداخلي والخارجي تتمثل في:
ـ طبيعة النظام السياسي في كوريا الجنوبية :
كانت الخطوة الأولى في عملية استقلال كوريا الجنوبية هي قرار الحكومة العسكرية للولايات المتحدة في كوريا إنشاء دولة كورية منفصلة جنوب خط الثامن والثلاثين ، وتم وضع مسودة الدستور من قبل برلمان ( الجمعية الوطنية ) والذي تم انتخابه مباشرة في مايو 1948 ، وانتخبت هذه الجمعية الوطنية بدورها سينغمان ري لمنصب الرئاسة ، وأصبحت جمهورية كوريا مستقلة في نهاية المطاف في 15 أغسطس 1948 ، وقد واجهت الدولة الشابة ظروفا غير مواتية للغاية لتطوير ديمقراطية مستقرة ، حيث لم يكن لدى الغالبية العظمى من مواطني كوريا الجنوبية أي فهم لنظام التمثيل السياسي والمؤسسات الديمقراطية .(1)
اتسم النظام الكوري الجنوبي بالعديد من السمات التي ميزته هن غير من دول المنطقة والتي نبعت بشكل أساسي من إيمانه الراسخ بثقافته السياسة والفلسفية و يمكن تقسيم خصائص هذا النظام إلي مرحلتين الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 و حتى البدء الفعلي لعملية التحول الديمقراطي عام 1987 و الثانية منذ بدء التحول حتى الآن.(2)
يعد النظام السياسي في كوريا الجنوبية نظاما جمهوريا، حيث يوجد رئيس للدولة ورئيس للوزراء يتولى رئاسة الوزارة. وتنقسم الحكومة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية
1 – الدستور
منذ نشأة كوريا الجنوبية سنة 1948 وحتى عام 1988 عرفت الجمهورية الكورية ستة جمهوريات ، وكان في كل مرة يتم فيها تعديل الدستور، فقد وضع أول دستور للبلاد سنة 1948، وتم تعديله تسعة مرات في ظل الاضطرابات السياسية التي مرت بها كوريا الجنوبية ، ويعتبر أخر تعديل دستوري سنة 1987 وهو الدستور الحالي الذي يعد من الدساتير الديمقراطية في العالم بفضل توسيع صلاحيات السلطة التشريعية وتشكيل المحكمة الدستورية المستقلة ، كما أرسى التعددية الحزبية وحقوق الانسان .(3)
وبموجب الدستور الحالي ويشار في بعض الأحيان للدولة باسم الجمهورية السادسة لكوريا الجنوبية مثل العديد من الدول الديمقراطية كوريا الجنوبية لديها حكومة تنقسم إلى ثلاثة فروع: السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والسلطة التشريعية. السلطتين التنفيذية والتشريعية تعمل في المقام الأول على الصعيد الوطني، على الرغم من مختلف الوزارات في السلطة التنفيذية تقوم أيضا بالمهام المحلية. الحكومات المحلية تتمتع بحكم شبه ذاتي، وتحتوي على الهيئات التنفيذية والتشريعية الخاصة بها. السلطة القضائية تعمل على المستويين الوطني والمحلي. كوريا الجنوبية هي الديمقراطية الدستورية.
يتم تحديد بنية الحكومة الكورية الجنوبية بموجب الدستور لجمهورية كوريا. وقد تم تنقيح هذه الوثيقة عدة مرات منذ صدور عددها الأول في 1948 منذ الاستقلال . ومع ذلك، فقد احتفظت بخصائص واسعة كثيرة، وباستثناء يقتصر على الجمهورية الثانية لكوريا الجنوبية، كان للبلد دائما نظام رئاسي مع رئيس تنفيذي مستقل.كما تم عقد أول انتخابات مباشرة في عام 1948، على الرغم من أن كوريا الجنوبية شهدت سلسلة من الديكتاتوريات العسكرية من العقد 1960 تصل حتى العقد 1980 ، ومنذ ذلك الحين تقدمت نحو ديمقراطية ليبرالية ناجحة، اليوم، كتاب حقائق العالم يصف الديمقراطية في كوريا الجنوبية بأنها “ديمقراطية حديثة تعمل بشكل كامل.
2ـ السلطة التنفيذية
يتألف مجلس الوزراء من مجلس الوزراء الذين يعينون من قبل الرئيس بناء على توصية من رئيس الوزراء, ويرأس السلطة التنفيذية من الرئيس، يليه رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة الذي ينتخب بالاقتراع الشعبي لفترة واحدة مدتها خمس سنوات. رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، الذي يتم تعيينه من قبل الرئيس بشرط موافقة الجمعية الوطنية. ويعين أيضا نواب رئيس الوزراء من قبل الرئيس بناء على توصية من رئيس الوزراء. يتكون مجلس الوزراء من مجلس الدولة الذي يتم تعيينه من قبل الرئيس بناء على توصية رئيس الوزراء ومن رئيس مجلس الوزراء, و يتم تنفيذ المهام التنفيذية من قبل الرئيس في حين تشمل مسؤوليات رئيس الوزراء الإشراف على المهام الإدارية للوزارات. وظيفة من أعضاء مجلس الوزراء هو العمل بشأن مسائل السياسة العامة ويكون مسؤولا أمام الرئيس.
3ـ السلطة التشريعية
تتكون السلطة التشريعية من مجلس واحد هو الجمعية الوطنية وأعضائها ينتخبون لمدة أربع سنوات. هناك 300 الأعضاء في الجمعية الوطنية , وهناك 246 عضوا يتم انتخابهم عن طريق الدوائر الفردية, في حين يتم انتخاب 54 عن طريق التمثيل النسبي ، يرأس الجمعية الوطنية متحدث الذي تقع على مسؤوليته الإشراف على العملية التشريعية ولا ينتمي لأي حزب سياسي .
وتتواجد على مستوى الجمعية الوطنية 16 لجنة دائمة مهمتها فحص القوانين والعرائض الواقعة تحت اختصاصها وتتولى الجمعية الوطنية العملية التشريعية بداية من الحق في اقتراح القوانين أو تقديم قرارات بشأن تعديل الدستور وكذلك سن وتعديل القوانين ، بالإضافة الى ابرام المعاهدات والمصادقة عليها وفي مجال المالية فتتولى الجمعية الوطنية مناقشة ومداولة قانون الميزانية والمصادقة عليه ودراسة مشاريع القوانين الخاصة بالأموال وتسوية حساباتها .
أما في مجال السياسة الداخلية فتقوم الجمعية الوطنية بعملية التفتيش والتحقيق في كيفية ادارة الدولة وتنظيم المؤسسات الدستورية وللجمعية الوطنية صلاحيات واسعة في الإقالة اذ باستطاعتها اقالة رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء وقضاة المحكمة الدستورية العليا وغيرهم من الموظفين العموميين في حالة انتهاك الدستور أو القوانين الأخرى في سياق تنفيذ مهامهم بالإضافة الى الحق في اصدار إلتماسات لمتابعتهم قضائيا.(4)
ونلاحظ من الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها السلطة التشريعية في كوريا الجنوبية متمثلة في الجمعية الوطنية وهذا ما كرسه التعديل الدستوري لسنة 1987 وهذا من أجل ايجاد توازن في الصلاحيات بين رئيس الجمهورية والجمعية الوطنية من أجل تفادي تركيز السلطات في يد الرئيس .
3ـ السلطة القضائية
القضاء في كوريا الجنوبية سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. وتتكون السلطة القضائية من المحكمة العليا ثلاثة محاكم، محكمة الاستئناف والمحكمة الدستورية, و المحكمة العليا هي أعلى محكمة في النظام القضائي ويتم تعيين القضاة من قبل الرئيس الذي على موافقة الجمعية الوطنية. ويعين قضاة المحكمة الدستورية من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى والجمعية الوطنية بعد طرح قائمة من الترشيحات.(5)
4 ـ القوات المسلحة الكورية
فرض التحالف الكوري الجنوبي مع الولايات المتحدة وجود قواعد اميركية دائمة فوق اراضيها طوال فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي السابق ، كما أن النزاع المستمر مع كوريا الشمالية والأرق الدائم من تهديد الشمال النووي ، خلق معضلة أمنية بينهما وفي المنطقة ، تجسدت بسباق تسلح دائم دفع كوريا الجنوبية إلى بناء جيش قوي وكبير، وتطوير صناعة حربية متقدم لتأمين الحماية لشعبها والدفاع عن حدودها ، ويعتبر الجيش الكوري الجنوبي من اقوى جيوش الشرق الاقصى، ويراوح عديد هذا الجيش بين 672 الف جندي فعلي عامل، ونحو 4 ملايين ونصف من الاحتياط ، وتتوزع الخدمة العسكرية في كوريا الجنوبية بين الخدمة التطوعية للراغبين بين سن الـ18 وال26، وعلى الخدمة الإلزامية من سن العشرين وحتى الثلاثين، وتتراوح مدة الخدمة الإلزامية بين 21 شهرًا ( للمشاة والمارينز ) ، و23 شهرًا لسلاح البحرية ، و24 شهرًا ( لسلاح الجو) كما تشمل الخدمة العسكرية النساء منذ العام 1950 ، ولكن المرأة مستثناة من الخدمة في اسلحة المدرعات والمدفعية ، والمضاد للطيران ، والكهانة. قدّرت القدرة البشرية المتاحة للخدمة العسكرية في كوريا العام 2010 حسب نسبة الاعمار (16- 49 سنة ) بنحو 25 مليون انسان ( رجال ونساء )، بينما قدر عدد المؤهلين لهذه الخدمة بنحو 20 مليون نسمة ( 10 ملايين رجل و10 ملايين امرأة ) للعام ذاته ، وقدر معدل حجم الانفاق العسكري بالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي للاعوام 2010 2011 و2012 بنحو 2.8% نحو 33 مليار دولار وفق دراسة مؤسسة « سيبري » للعام 2013)، وتعتبر كوريا الدولة العاشرة في العالم من حيث الإنفاق العسكري وفق تقديرات ذلك العام .(6)
تتألف القوات المسلحة لجمهورية كوريا الجنوبية من :
– الجيش : ويضم جميع صنوف الأسلحة والقوات البرية المعروفة في العالم من المشاة والمدرعات (2500 دبابة)، وآلاف المدافع المتنوعة العيارات ، ومعدات الهندسة والمدفعية والصواريخ المضادة للطائرات وغيرها .
– البحرية ومن ضمنها قوات المارينز : وتضم اسطولًا متحركًا من السفن الحربية المتنوعة يضم المدمرات والغواصات، وحاملات الصواريخ المضادة للسفن والطائرات .(7)
القوات الجوية : يضم نحو 65 الف جندي ، وأكثر من 800 طائرة، وتعتبر كوريا الجنوبية وفق بعض المراجع، من بين الدول العشر الاولى صاحبة أقوى أسلحة الجو في العالم. ويضم هذا السلاح انواعًا مختلفة من الطائرات الحديثة (حوالى 500 طائرة اميركية وأخرى فرنسية وروسية وأكثر من 600 هليوكوبتر). كذلك انتجت الصناعة الحربية الكورية منذ عقد من الزمن الطائرة «ت. أ 50» أو « النسر الذهبي » (طائرة مقاتلة خفيفة)، وهي تطور صناعة بعض الطائرات والرادارات، كما أنها الدولة الاولى في جنوب آسيا التي تصدر طائرات حربية إلى الخارج، وهي تعمل على انتاج طائرة شبحية في السنوات القليلة القادمة ، كذلك نجحت كوريا في الفترة القريبة الماضية في اطلاق قمر اصطناعي إلى الفضاء الخارجي ، وهي تسعى لزيادة قدراتها الصاروخية البالستية ووسائط الدفاع الجوي الصاروخي .(8)
ـ التقسيمات الإدارية الرئيسية في كوريا الجنوبية
هي ثماني مقاطعات ، وإحدى المقاطعات ذات الحكم الذاتي ، وست مدن حضرية (مدن تتمتع بالحكم الذاتي لا تشكل جزءاً من أي مقاطعة) ، ومدينة خاصة واحدة ومدينة مستقلة واحدة.
ـ الحكومات المحلية:
تقسم كوريا الى 9 اقاليم رئيسية، تديرها حكومات محلية، وسبعة مدن رئيسية. أما الأقاليم فهي: Kyonggi، Kangwon، North Ch’ungch’ong، South Ch’ungch’ong، North Kyongsang، South Kyongsang، North Cholla، South Cholla، وCheju.
اما المدن الرئيسية السبعة التي تتخذ وضع الإقليم فهي: Inch’on، Kwangjue، Pusan، Taegu، Taejon، Seoul، و Ulsan، وتتمتع الاقاليم بوضع خاص تحت ادارة الحكومة المركزية. ويتم انتخاب حكام الاقاليم ورؤساء بلديات المدن من قبل الشعب كل أربع سنوات.(9)
النظام الحزبي في كوريا الجنوبية:
يوصف النظام الحزبي في كوريا بأنه نظام تعددي، حيث عرفت كوريا الأحزاب السياسية الحديثة المرتكزة على المبادئ الديمقراطية لأول مرة عقب تحريرها من الاستعمار الياباني 1945 وقد ولدت الأحزاب السياسية وتطورت على نحو يرتبط بعميلة التحول الديمقراطي التي شهدها المجتمع هناك على مدى أكثر من خمسين عاما مضت تعرضت فيها مسيرة التطور الديمقراطي للعديد من الانتكاسات بفعل الحكم العسكري في الستينات والثمانينات وحتى في فترات الحكم المدني بدا أن هذه المسيرة تقف دون مستوى التقدم الاقتصادي الذي حققته كوريا خلال الفترة المذكورة.(10)
وهذه أهم الأحزاب السياسية الرئيسية في كوريا الجنوبية:
حزب العمل الديمقراطي أو الحزب الديمقراطي ← الحزب الديمقراطي الحاكم
الحزب الوطني الكبير أو الناتج القومي الإجمالي ← حزب المستقبل المتحد المعارض
حزب الشعب أولا ← لا يوجد
حزب أوري ← تم تشكيله في عام 2020 وحجمه صغير.
وصف الحياة الحزبية في كوريا بالتعددية، وإن كانت هذه التعددية لا تدل على صحة النظام سياسياً و قوته حيث إن معظم هذه الأحزاب السياسية قامت نتيجة لتأسيس شخصي و للالتفاف حول زعيم شعبي معين أي أنها كانت أحزاب شخصية. مما جعل التشكيل الحزبي في كوريا الجنوبية هش وضعيف حيث انهارت معظم الأحزاب بمجرد وفاة زعيمها أو قادتها أو غيابهم عن الساحة السياسة و لم تستطع الاستمرار.(11)
ـ السياق التاريخي لتطور النظام الحزبي في كوريا الجنوبية :
يمكننا القول بأن النظام الحزبي في كوريا الجنوبية بدأ في نهاية القرن 16 في وجود أشبه بما يسمى حالياً بالأحزاب وهى كانت عبارة عن تحالفات سياسية عكست أفكار واتجاهات الطبقة الحاكمة، وقد توقفت الحياة السياسية والحزبية خلال الحكم الاستعماري الياباني وحتى بعد التحرر لم يكن هناك أي نوع من أنواع التمتع بالحريات، في ظل النظام السلطوي كان هناك حوالى 40 حزب سياسي أشبه ما يكون بالنواد فقد ضمت أي أعضاء إليها وكانت بناء على الروابط الشخصية أو الإقليمية .
ويسعنا القول بأن انهيار السلطات السلطوية بدأ مع تشكيل حزب كوريا الديمقراطي الجديد وتحالفه الانتخابي مع جماعات الحركة الشعبية المؤيدة للديمقراطية والتي رفعت شعارات التحول الديمقراطي والاستقلال المحلى والانتخاب الرئاسي الحر ومرت كوريا الجنوبية بعدة انتكاسات ومراحل لا صلة لها بالديمقراطية حتى تصل إلى ما نسميه اليوم بالحياة الديمقراطية الجديدة والتعددية الحزبية.(12)
وتم تصنيف السياق التاريخ لتطور النشاط الحزبي والنظام السياسي في كوريا الجنوبية من خلال ثلاث مراحل تاريخية :
المرحلة الأولى (1945 – 1961م)
خلال حكم الجمهورية الأولى لم يكن الأساس الاجتماعي اللازم لإنجاز عملية التحول الديمقراطي موجوداً على نحو فعلى ولك نتيجة الحكم الاستعماري الاستبدادي وبفعل النزعة النشاطية الغالبة على الثقافة السياسية وانخفاض المستوى التعليمي بالإضافة إلى الحرب الكورية من 1950 حتى 1953م.
وكان تركيز سينجمان الفعلي على مواجهة الشيوعية فحسب وتأسست الجمهورية الثانية على شانج ميون مؤسساً الجمهورية الثانية التي اندفعت لتأسيس حكم ديمقراطي وشهدت تلك المرحلة تأسس الحزب الليبرالي عام 1951 وأعقبه إنشاء الحزب الديمقراطي ثم الحزب الديمقراطي الجديد.(13)
المرحلة الثانية (1961 – 1979م)
منذ استيلاء بارك شونج هي على السلطة عن طريق الانقلاب العسكري واتبع نموذجاً مثالياً في الدكتاتورية الرامية ، وأرسى نمط حكم شديد القمع والاستبداد أدى ذلك إلى عدم التطور في القدرات التنظيمية والحركية لمؤسسات النظام. حيث انتهكت الحريات وصارت الأحزاب المعارضة للحكومة هدفاً ثابتاً للاضطهاد الحكومي. وتطور الصراع بين الحزب الجمهوري الديمقراطي الحاكم الذى أسسه بارك في العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية مثل عدالة توزيع الدخل، وقد أسفرت سياسات التحديث عن تطور اقتصادي واجتماعي ومن ثم تزايد قوة المجتمع المدني وأدى إلى تزايد المعارضة للحكم العسكري. حيث تم انتخاب الجنرال مثون دوهوان حينما مارس حكماً قمعياً ضد الأحزاب والحد من حرية النشاط الحزبي وذلك عقب توليه الحكم 1980م.(14)
المرحلة الثالثة (1987 – 2000م )
بدأت تلك المرحلة بإجراء تعديل دستوري عام 1987 ويعتبر نقطة محورية في مسيرة التطور الديمقراطي في كوريا الجنوبية، حيث أقر مبدأ الانتخاب المباشر من قبل الشعب لرئيس الجمهورية لأول مرة منذ 20 عاماً، وفى أكتوبر 1987م فاز روتاى وهو مؤسس وزعيم حزب العدالة الديمقراطي برئاسة البلاد بنسبة 36,6% وكان فوزه راجعاً إلى فشل أحزاب المعارضة في الاتفاق على مرشح واحد وقد كان المرشحون الأخرون هم كيم يونج سام زعيم الحزب الديمقراطي المتحد ، وكيم داي جونج زعيم الحزب الديمقراطي ، وكيم جونج بل زعيم الحزب الجمهوري الديمقراطي الجديد، ومن ثم كانت كوريا قد تحولت إلى نظام تعددية حزبية رباعية ولكنها لم تكتسب قدر من الاستقرار السياسي يعتد به لفترة طويلة.(15)
وفى انتخابات الجمعية الوطنية عام 1988 أسفرت تلك الانتخابات عن فوز الحزب الديمقراطي من أجل السلام المعارض وبهذا يعد أول مرة يفشل حزب حاكم في أغلبية الحصول على مقاعد المجلس التشريعي. وفى 1991م سارع الساسة ورؤساء الأحزاب سريعاً للاستعداد للانتخابات التشريعية الرابعة عشر للجمعية الوطنية المقررة في يناير لمواجهة التحالف الحاكم، وقد أتحد حزب التحالف الديمقراطي الجديد برئاسة كيم داي يونج مع الحزب الديمقراطي بقيادة لى كاي تك. وفى مطلع عام 1992م أنشأ شونج جو يونج حزب الشعب المتحد لكنه خسر الانتخابات الرئيسية وحصل على 31 مقعداً في انتخابات الجمعية الوطنية وفى مايو 1995م أسس كيم جونج بيل حزب الديمقراطيين الليبراليين المتحدين.(16)
دور القيادة في عملية التحول الديمقراطى فى كوريا الجنوبية :
بعد حرب شرسة مع كوريا الشمالية ، وما يقرب من ثلاثة عقود مفنال الحكـم الاستبدادي القائـم على دعـم الجيش بالتحالف مع الجهاز البيروقراطي للدولة ودوائر رأس المال ( الفترة من حكم الديكتاتور العسكري ” بارك تشونغ هي ” 1961 الى انتخاب ” كيم يونج سام ” 1992 حصل الكوريون الجنوبيون أخيرا على الانتخابات الرئاسية المباشرة والحرة التي كانوا يطالبون بها ، بالفعل نموذجا للمتنمية ، أثبت الآن أن التصنيع والديمقراطية المتميزين يمكن أن يكمل كل منهما الأخر، فقد أدى تعميق عملية التصنيع وتحرير الأسواق في كوريا الجنوبية خلا العقود الثلاثة الماضية إلى إضعاف سلطة الدولة واستقاليتها تدريجيا ، وأدت سياسات التنمية ، وما صاحبها من توسع في التعليـم ، الى تغيير بنية المجتمع الكوري ، فأتسعت الطبقة الوسطى المدنية ، والشرائح العمالية الحديثة ، فضلا عن شريحة رجال الاعمال ، الذين ضاقوا ذرعا بالحكـم السلطوي الأمر الذي قوض مبررات ذلك الحكـم ، مع الأخذ في الاعتبار وجود نوع من مظاهر النظام البرلماني خلال تلك المرحلة .(17)
بدأت مرحلة التحول الديمقراطي أو اليبرالية السياسية بشكل أساسي من خلال الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي اندلعت عام 1987 بتأثير العوامل السابقة ، و تداعيات سقوط ماركوس ، فضلا عن تأييد الولايات المتحدة الأمريكية لإصلاح السياسي ، وكانت ابرز مطالب المعارضة تعديل الدستور كخطوة لتفكيك النظام التسلطي ولفتح الطريق للانتقال الديمقراطي ، والسماح بانتخابات ديمقراطية تنافسية لإختيار رئيس جديد للبلاد ، الا أن الانتخابات أدت لفوز روه (1988-1993 )الجنرال العسكرى السابق ، و ممثل الحزب الحاكـم “DJP”وذلك نتيجة لعاملين أساسيين هما انقسام المعارضة وتنافس اثنين من أقطابها مع (روه) ، واصرار هذا الأخير أثناء التفاوض على الدستور ونظام الانتخابات الجديد ، على ادخال اجراءات في القانون الانتخابي حالت دون تحالف وتعاون مرشحي المعارضة ، على خلفية ما تقدم جاءت خطة الرئيس (روه) للإنتقال الديمقراطي ، والتي تضمنت الموافقة على مطالب المعارضة بما في ذلك تعديل الدستور بشكل يتيح الانتخاب الشعبي المباشر للرئيس ، حيث تألفت قوى المعارضة أنذاك من الطلاب وجماعات الكنيسة والمثقفين وجماعات من الطبقة الوسطى(18)، وخلال فترة حكـم روه استطاعت الأحزاب تطوير بنيتها التنظيمية والديمقراطية ، الأمر الذي مهد لانتخاب ” كيم يونج سام ” رئيسا (1993 – 1998 ) وهو مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي ذي الاتجاه المحافظ ( يمين الوسط )والمدعوم من الجيش وهو أول رئيس مدني منتخب من ثلاثة عقود ، مما مثل تحولا كبيرا في الحياة السياسية لكوريا الجنوبية ، وقد دافع كيـم عن فكرة وجود ” حكومة نظيفة وصغيرة وقوية “، مؤكدا على الشفافية والديمقراطية والكفاءة والشرعية في قيادة عصر العولمة الجديد ، الا أن حدوث الأزمة المالية الأسيوية عام 1997 في نهاية ولايته ادى الى تصاعد انتقاد الجمهور إلى ادارته بسبب ضعف القيادة في معالجة واتخاذ تدابير الاصلاح اللازمة في الأزمة الاقتصادية . (19)
وبعد استعراض تاريخ مرحلة الانتقال الديمقراطي في كوريا الجنوبية ، يمكننا القول أن القيادة السياسية فى كوريا الجنوبية قد لعبت دورا لا يمكن تجاهله فى عملية التحول الديمقراطى خاصة بعد انتخاب كيم داي جونغ ( 1998 – 2003 ) سواء كان هذا الدور مباشر أو غير مباشرحسب كل مرحلة من المراحل التى مرت بها كوريا الجنوبية .(20)
ففى مرحلة ما قبل التحول الديمقراطى كانت القيادة بمثابة المتغير المنتقل والأساسى فى حركة النظام وقد شجعت الظروف نفسها حينذاك على أن تقوم القيادة بدور التوجيه والقيادة والضبط لحركة النظام ، وإتجهت القيادة الكورية فى هذه المرحلة إلى أهداف أخرى غير التحول الديمقراطى مثل إعادة بناء الأمة وتحقيق التنمية الإقتصادية ، ورفع مستوى المعيشة للمواطن الكورى ، وقد وضعت الهدف الأساسى لها وهو النمو الإقتصادى بمعدلات عالية ثم بعد تحقيق التنمية الإقتصادية يتم التوجه للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي وكان تبريرها لذلك بأن :
1 -عدم وجود مؤسسات سياسية واعية في ذلك الوقت
2 – الثقافة السياسية للجماهير الكورية في ذلك الوقت لم تكن تدرك التحول الديمقراطى
3 – رفع مستوى المعيشة للفرد وخفض معدلات البطالة
وفى مرحلة التحول الديمقراطى :
كانت القيادة السياسية بادرت بالإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي ولكن البعض يرى أن هذا لم يكن إلا مجرد رد فعل للنمو الإقتصادي والإجتماعى الذى شهدته كوريا الجنوبية وانتشار التعليم ووسائل الإتصال والمواصلات وانتشار الوعى السياسى بين الأفراد كان له الأثر الأكبر فى زيادة التوقع نحو التحول الديمقراطى .(21)
ونتج عن ذلك أن القيادة السياسية الكورية وجدت أن تكاليف بقاءهم فى السلطة بدون تحول ديمقراطي ستكون مرتفعة للغاية بالمقارنة بالمنافع المتحققة من عملية التحول الديمقراطي، وفى فترة التسعينيات والألفيات أتخذت القيادة السياسية الدور الأكبر في مسألة تحويل الديمقراطية من مجرد رمز إلى قيمة وحقيقة فى الواقع السياسى الكورى من خلال مجموعة من القواعد الأساسية منها توسيع نطاق السلطة التشريعية والحد من سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية .(22)
أهم المحطات السياسية في تاريخ كوريا الجنوبية:
الاحتلال الياباني: (1910-1945):
فقد ظلت كوريا الجنوبية تحت سيطرة الحكم الياباني إلى غاية 1945، عندما انهزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية وقاد ذلك إلى وضع اجتماعي واقتصادي متخلف، كما تميزت الأوضاع السياسية بسيادة الحكم الشمولي.
الاحتلال الأمريكي: (1945-1979):
الذي حول كوريا الجنوبية إلى منطقة نفوذ في إطار الحرب الباردة، ومن ثم استيلاء الاتحاد السوفياتي على كوريا الشمالية وأمريكا على كوريا الجنوبية، تلاها قيام حكومتين موازيتين عام 1948، وفي خضم الأوضاع السائدة جاءت:
الحرب الكورية: حيث دعمت الولايات المتحدة الأمريكية كوريا الجنوبية والاتحاد السوفياتي والصين كوريا الشمالية، وانتهت الحرب بين الجانبين بعد3 سنوات، توصل فيها الطرفان إلى اتفاق هدنة عام 1953، قسّم شبه الجزيرة الكورية إلى شمال وجنوب وبينهما منطقة منزوعة السلاح.(23)
استفادت كوريا الجنوبية من المساعدات الأمريكية التي عملت على تحويلها بلدا يتمتع بالحيوية الاقتصادية في إطار سعي الدولتين المتنافستين ، إلى إظهار تفوق كل منهما في العالم، حيث أن كلا الطرفين يحاول أن يثبت بأن نظامه هو الأفضل، ولكن محاولات أمريكا في البداية باءت بالفشل، و الذي حملت نتائجه الى ضعف القدرات الكورية حين اتجهت اليها الانظار متهمة اياها بالخلل في نظامها ،وفي المقابل فسر البعض الاخر الاخفاق الكوري بعدم شرعية النظام السياسي القائم.(24)
ولكن كوريا الجنوبية فيما بعد قد تجاوزت عجزها لتحقق بذلك نقلة اقتصادية، منذ مجيئ بارك الى الحكم مستفيدة بالدرجة الاولى من المساعدات الأمريكية .
ـ ثانياً : محددات وثوابت السياسة الخارجية الكورية :
لكوريا الجنوبية عدد من المحددات التي ترسم سلوكها السياسي إزاء الدول الأخرى في محيط العلاقات الدولية وتأخذ شكل السلوك اما تعاونيا عن طريق الشركات الاقتصادية وغيرها ام عدوانيا لذلك سنمر بلمحة عامة عن السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية اولا ومن ثَم التطرق بالتحليل لأبرز النقاط وهي:
ـ لمحة عامة عن السياسة الخارجة الكورية :
علينا أن نعلم بداية أن كوريا الجنوبية تقيم علاقات دبلوماسية مع أكثر من 188 بلدا. وكانت البلاد وهي أيضا عضو في الأمم المتحدة منذ عام 1991، عندما أصبحت دولة من الدول الأعضاء في نفس الوقت مثل كوريا الشمالية. في 1 كانون الثاني 2007، تولى الكوري الجنوبي وزير الخارجية بان كي مون منصب الأمين العام للأمم. وقد وضعت أيضا وصلات مع رابطة دول جنوب شرق آسيا كعضو كلا من الآسيان زائد ثلاثة، وهي هيئة من المراقبين، وقمة شرق آسيا (EAS).(25)
ان كوريا الجنوبية منذ تأسيسها في عام 1948، التزمت جمهورية كوريا بمبادئ الديمقراطية واقتصاديات السوق الحرة، اما علاقاتها الخارجية فقد مرت بتغيرات ملحوظة منذ تأسيس الجمهورية.، وبعد أن تمركزت المواجهات بين الشرق والغرب المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق وما تمخض عنها من حرب باردة واندلاع الحرب العالمية الثانية، تابعت جمهورية كوريا علاقاتها الخارجية بالتنسيق مع دول الغرب، التي تطبق الديمقراطية.(26)
وفي خلال السنوات التي تلت الحرب الكورية (1950-1953)، كانت نظرة المجتمع الدولي الى كوريا على أنها دولة منكوبة وفقيرة. الا ان تلك النظرة بدأت في التغير في عام 1962 عندما تبنت جمهورية كوريا سياسة اقتصادية تنموية تشجع التصدير، وبدأت بجد في استمالة المجتمع التجاري في كل انحاء العالم على الرغم من تزايد حدة المواجهة بين الشرق والغرب ابان الحرب الباردة، بدأت جمهورية كوريا – التي اعتبرت بانها عضو في كتلة المعسكر الغربي- في توسيع علاقاتها مع حلفائها التقليديين، وبناء علاقات تعاونية مع دول العالم الثالث. ومنذ فترة السبعينات، كرست جمهورية كوريا جهودها الدبلوماسية لتحقيق الاستقلال والوحدة السلمية لشبه الجزيرة الكورية، كما دعمت روابطها مع حلفائها وشاركت بنشاط في المنظمات الدولية.(27)
وبعد تثبيت اسس دبلوماسيتها القوية، واصلت جمهورية كوريا مساعيها خلال فترة الثمانينات لتحقيق شراكة تعاونية في المجالات المختلفة مع دول العالم كافة وفي أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات حدثت تغييرات جذرية في دول الكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق مما ادى الى نهاية عهد الحرب الباردة، وفي الوقت نفسه تحركت جمهورية كوريا بسلاسة للاستفادة من ذلك الوضع عن طريق دعمها ” لدبلوماسية الشمال “. لقد ساهمت جهود كوريا الدبلوماسية نحو دول الشمال في تقوية روابطها مع الدول الشيوعية السابقة، والتي ساءت العلاقات بينهما في الماضي بسبب اختلاف النظم والأفكار والأيدولوجيا. وتم تطبيع العلاقات مع معظم هذه الدول في فترة قصيرة، ومن بينها دول الاتحاد السوفيتي السابق والصين حيث ساعد هذا التطبيع العلاقات الخارجية لكوريا كي تصبح اكثر عالمية بحق وحقيقة. وقد انضمت كل من كوريا الجنوبية والشمالية في وقت واحد الى الامم المتحدة في أيلول 1991 متوجة بذلك دبلوماسيتها الناجحة نحو دول الشمال.(28)
وبالإضافة الى ذلك، تم وضع اسس وقواعد للتعايش السلمي بين كوريا الجنوبية والشمالية في شهر كانون الثاني 1991 وذلك عندما وقع البلدان على اتفاقية المصالحة (الاتفاقية الاساسية بين الجنوب والشمال) والتي تنص على عدم الاعتداء والتبادل والتعاون المشترك بنيها والاعلان المشترك لنزع السلاح النووي عن شبه الجزيرة الكورية وتعتبر هذه الوثائق التاريخية بمثابة بذور للسلام في شبه الجزيرة الكورية واقليم شمال شرق آسيا، كما تمثل أيضا خطوة هامة نحو اعادة توحيد البلدين المقسمين في شبه الجزيرة.
ـ كوريا والدول النامية:
لقد بدأت كوريا في مساعدة الدول النامية منذ أوائل التسعينات وذلك عندما وجهت الدعوة لعدد قليل من المتدربين لزيارة كوريا وارسلت بعضا من خبرائها الى تلك الدول. وبعد عام 1975، عندما بلغ اقتصادها مستوى عاليا من التقدم، بدأت كوريا في زيادة مساعداتها للدول النامية وبمختلف المجالات : في منحها الألات والمعدات الصناعية وتكنولوجيا البناء، وغيرها.
لقد قدمت جمهورية كوريا المساعدات للعديد من الدول النامية من خلال المنظمات المتعددة الجنسيات من خلال صندوق النقد الدولي ومنظمات مالية أخرى يكاد ان يبلغ عددها 12 منظمة وفي شهر نيسان عام 1991م، كونت جمهورية كوريا الوكالة الكورية للتعاون الدولي KOICA”” التابعة لوزارة الشؤون الخارجية وذلك بهدف تقديم المساعدات الى الدول النامية وتقدم هذه الوكالة مساعدات فنية ومالية للدول النامية والاستفادة من تجربة كوريا في التنمية الاقتصادية، حيث تفسح كوريا المجال أمام هذه الدول النامية للاستفادة من تجربة كوريا في التنمية الاقتصادية، وتوجيهها للتغلب على مشاكلها المتعلقة بقلة خبراتها في اعداد الخطط الاقتصادية، وجلب رؤوس الاموال للاستثمار في بلدانها وتنفيذ السياسات الاقتصادية اللازمة للنمو الاقتصادي فيها.(29)
وتنفذ الوكالة الكورية للتعاون الدولي مختلف برامج التعاون مثل ارسال الفرق الطبية، وخبراء الصناعة، ومدربي التايكوندو بالإضافة الى المتطوعين، ودعوة المتدربين الى كوريا مساعدة المنظمات غير الحكومية. وتساهم هذه الوكالة في ابراز صورة كوريا الرائعة، وذلك من خلال تأسيس علاقات تعاونية مع الدول النامية.
ـ كوريا والصين
تاريخياً، كان لكوريا علاقات وثيقة مع الصين. قبل تشكيل كوريا الجنوبية، وعملت من مقاتلي الاستقلال الكورية مع الجنود الصينيين خلال فترة الاحتلال الياباني. لكن، بعد الحرب العالمية الثانية، تبنت جمهورية الصين الشعبية الماوية في حين سعت كوريا الجنوبية علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. لجان المقاومة الشعبية بمساعدة كوريا الشمالية مع القوى العاملة واللوازم خلال الحرب الكورية، وتداعياتها على العلاقات الدبلوماسية بين كوريا الجنوبية وجمهورية الصين الشعبية وتوقفت تماما تقريبا العلاقات تحسنت تدريجيا و حاليا لا تزال كل من كوريا الجنوبية وجمهورية الصين الشعبية تسعيان إلى إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية الرسمية منذ 24 آب، 1992. سعى البلدين لتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين ورفع الحظر التجاري 40 عاما, و شهدت العلاقات الكوريه الجنوبية الصينية تحسنا بشكل مطرد منذ عام 1992. واندلع جمهورية كوريا قبالة علاقات رسمية مع جمهورية الصين على كسب علاقات رسمية مع جمهورية الصين الشعبية.(30)
ـ شراكات اقتصادية
في عام 2010، اختتمت كوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي اتفاقية للتجارة الحرة (FTA) للحد من الحواجز التجارية. كوريا الجنوبية تجري أيضا مفاوضات حول اتفاق التجارة الحرة مع كندا,[38] وآخر مع نيوزيلندا.[39] في نوفمبر 2009 انضمت كوريا الجنوبية للجنة المساعدة الإنمائية، وهي المرة الأولى لبلد سابق تلقى المساعدات ينضم إلى هذه المنظمة على أنه عضو مانح. واستضافت كوريا الجنوبية قمة المجموعة 20 في سول في نوفمبر 2010.(31)
تحكم السياسية الخارجية الكورية عدة محددات متباينة أثرت علي طبيعتها وتوجهاتها كما ساهمت في تبلورها ورسم سلوك خارجي لها سواء بالإيجاب او السلب نحو التفاعل مع قضاياها الاقليمية والدولية مع وتنقسم الي:
أولا: المحددات الداخلية
تنطلق كوريا في سياستها الخارجية من خلال مجموعة من المحددات الداخلية التي ترسم لها السلوك الخارجي إزاء الدول الأخرى وتنقسم الي:
1ـ المحدد الجغرافي : لا يقتصر فقط علي الجغرافيا وانما يمتد ايضا الي الاحداث والاعتبارات السياسية فنجد ان مشكلة كوريا الجنوبية الجغرافية تتمثل في وقوعها مع الحدود عند كلا من الحدود الروسية والصينية واليابانية فهذه الدول تمثل اعداء تقليديين يخشي كلا منهم ان تستخدم كوريا من قبل الاخرين ضدها ونجد ان كوريا الجنوبية وموقعها الجغرافي قد لعب دور كبير خلال الحرب الباردة باعتبارها كانت مسرح لتبادل الايدولوجيات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وكذلك مثلت نقطة ارتكاز استراتيجية بين القوي الاربع التي لها مصالح في كوريا وفي اقليم شرقي اسيا وقد دفعت التغيرات العالمية العامل الجغرافي ليلعب دور حيوي في السياسة الخارجية الكورية.
2ـ المحدد الامني السياسي: يعد المحدد الامني الساسي هو الاهم من بين محددات الساسة الخارجية الكورية وذلك استنادا ان سلوك كوريا الجنوبية بصفة عامة تحكمه مقتضيات الامن القومي وخصوصا الامن الجيوبولتيكى، ولعل ابرز دليل علي ذلك هو انقسام شبه الجزيرة الكورية والتي كان سبب في العديد من التوترات والتي تدفع البلدين سواء كان كوريا الشمالية او كوريا الجنوبية الي احداث تصعيد عسكري خطير في المنطقة ويرجع ذلك الي حالة الصراع والمماطلة بين الجانبين في المفاوضات حول الوحدة.(32)
وبصفة عامة فإن توجه كوريا الجنوبية في سياستها الخارجية نحو تحقيق الامن هو متعدد الاطراف ويرجع ذلك الي ثلاث اسباب رئيسية : الاول ان التحولات الدولية كان لها تأثيرها علي توازن القوي الدولية في المنطقة تمثل ذلك في وجود روسيا كوريث للاتحاد السوفيتي وتحالفها مع كوريا الشمالية وهو ما يسبب نوع من انوع الخطر علي كوريا الجنوبية
السبب الثاني: الموقع الجغرافي الذي دفع كوريا الجنوبية الس التعامل مع القوي مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة بإسلوب جديد يضمن لها مزيد من الامن والاستقرار، السبب الثالث: وهو تشكيل التحالفات بين القوي الرئيسية في المنطقة.(33)
3ـ الميراث الثقافي : نجد ان التراث الثقافي التي اخذته كوريا من الصين متمثلة في الثقافة الكونفوشيوسية وهو ما اثر ودفع الانظمة الكورية الي اتباع مجموعة من المحددات: الاعلاء من قيم المصالحة والسلام والتعاون، سيادة وسيطرة الافعال الايجابية في مجموع السلوك الساسي.(34)
4ـ الحركة الطلابية والتأثير علي السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية: تعد الحركة الطلابية من اهم المحددات التي اثرت علي السياسة الخارجية وذلك من خلال اهتمام هذه الحركات بعدد من القضايا سواء كانت داخلية او خارجية فنجد ان الحركة الطلابية الكورية قد لعبت دور اساسي في قلب نظام القائد ري فيما سمي آنذاك بثورة ابريل ١٩٦٠ الي جانب الجانب الخارجي في رفض الهيمنة والتبعية الامريكية والعمل علي تحقيق الوحدة القومية مع كوريا الشمالية.
ثانيا المحددات الخارجية :
1ـ انقسام شبة الجزيرة الكورية الي نصفين شمالي وجنوبي، وبالتالي سيطرة العسكريين علي الدولة الكورية .(35)
2ـ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وخلق توازن قوي بين روسيا والصين واليابان وامريكا الي جانب تطبيع العلاقات الكورية الصينية سنة ١٩٩١ وكذلك تطبيع العلاقات الكورية الروسية في اعقاب تحول روسيا نحو الديمقراطية الليبرالية.(36)
كما ان النسق الثنائي جعل كوريا الجنوبية تستفيد من كبرياء الولايات الأمريكية ففي سبيل تحيقي الحلم الأمريكي بتحقيق تفوق المنظومة الليبرالية، قد ألزمها عسكريا بشكل لا مفر منه ببذل جهد وعدم التخلي عن كوريا لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية مضطرة لدعم كوريا حتى النهاية لتجنب ما قد يسببه الانسحاب من دعاية سيئة، لقد واكب موت ستالين تغييرات في خطة السوفييت، وقد جعل تسلم دوايت ايزنهاور مهام الرئاسة إلى نهج أسلوب جديد في التعامل مع الصراع في كوريا، تم التوقيع على اتفاق الهدنة. فقد استفادت سول من مساعدات غير عسكرية من الولايات المتحدة تقدر بستة مليارات دولار في الفترة من 1945 و 1980، وبعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وتطور تلك الأحداث أدت الى تطبيع العلاقات الكورية مع روسيا والصين فضلاً عن المجهودات الأمريكية لكي ترسي دعائم مجتمع حديث وفقا للنموذج الغربي الليبرالي الامريكي في مواجهة الصين وكوريا الشمالية لقد كانت الغاية من هذا العزم الأمريكي إثبات تفوق أسلوبها في التنمية للعالم.(37)
مرتكزات السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية :
هناك ركائز للسياسة الخارجية لكوريا الجنوبية ظهرت مع ما شهدته كوريا الجنوبية من تحول ديموقراطي وما شهده المجتمع الدولي من المتغيرات وابرزها إنتهاء الحرب الباردة وظهور العولمة ويمكن القول بان هناك محاور خمسة للسياسة لخارجية لكوريا كالآتي :
1 – العولمة : تعد العولمة اول واهم المحاور الجديدة في السياسة الخارجية التي تتبعها كوريا باعتبارها محورا يحقق طموحات وامال الوحدة بين الكوريتين ، فعلي حين كانت كوريا الجنوبية تقتصر في علاقتها الخارجية مع الدول المجاورة لها فقط وعلي الموضوعات ذات الصلة بامنها القومي أصبحت تتبني سياسة تؤكد علي الدور الكوري العالمي عبر الاهتمام بالقضايا التي تتعلق بالأمن والسلم الدوليين وضبط التسلح .
2 – ثاني المحاور الجديدة لكوريا الجنوبية هو ان تتوسع في علاقتها في كل الناطق وعلي راسها مجموعة الدول في افريقيا والشرق الأقصى بعد ان كانت تركز في علاقتها علي ارع قوي رئيسيه وهي امريكا والصين وروسيا واليابان .
3 – الدور المختلط اذا تسيطر علي كوريا الجنوبية الاهتمامات الامنية في اطار التهديد المستمر لها من قبل كوريا الشمالية ، وفي ظل حالة من الشك المتبادل بين الكوريتين وامتدت السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية لتشمل ليس فحسب الجانب الأمني بل الاقتصادي والانساني .
4 – التعاون الاقليمي : حيث تنبع الحاجة ملحة للارتباط النشط لهذا التعاون من خلال رغبة كورا الجنوبية في العمل علي تنمية بنيان باسفيكي واسع وتتعدد عبر التعاون الاقتصادي والامني في آسيا الباسيفيكية وشمال شرقي آسيا بصفة خاصة .
5 – البعد المسقبلي في السياسة الخارجية الكورية الجنوبية : وهو البعد الخامس من محاور تلك السياسة ، ظلت الوحدة بين الكوريتين من اهم اهداف السياسة الخارجية الكورية ولهذا تهدف الدبلوماسية الكورية الي إعادة الوحدة لشبه الجزيرة الكورية والاعداد لمرحلة ما بعد اتمام الوحدة، حيث تضع الدبلوماسية الكورية الجديدة احتمالات مسقبلية للوحدة بين الكوريتين
وما يتطلبه ذلك من التعامل مع القضايا الدبلوماسية الخاصة باحتمالات تلم الوحدة ، وبالتالي فان السياسة الخارجية الجديدة تهدف الي التأكيد علي ان المجتمع الدولي يتفهم موقف كوريا وسياستها من اجل الحصول علي التأييد المطلوب والمساعدة الدولية ومن المأمول في كوريا الجنوبية من خلال بذل الجهود (38)
ان تقوم كوريا الشمالية علي تطبيق الاصلاحات وان تصبح عضوا مسئولا في المجتمع الدولي والأمر الذي يؤدي من وجهة نظر كوريا الجنوبية الي تحقيق السلام والرفاهية في شبة الجزيرة الكورية .
وتثير رغبة كوريا الجنوبية في ممارسة دور مهم علي المسار الدولي في اطار سياستها الخارجية وهي :
1 – المكانة التي تحظي بها كوريا مقارنة بأحجام الادوار الدول والقوي الأخري علي الساحة العالمية .
2 – مؤشرات الدور الكوري الذي يرتبط بنشاط سياستها الخارجية ومدي فاعليتها .
3 – قضية الامن الوطني كمحدد رئيسي من محددات السياسة الخارجية .
ومن خلال الدراسة التحليلية للمقومات السياسية لكوريا الجنوبية نستنتج ما يلي:
1ـ ضعف الدستور الكوري في أغلب الأحيان هي أحد السمات المميزة للنظام الكوري حيث إن كثرة التعديل في الدستور يجعله ضعيفاً غير قابلاً على ترسيخ قواعد سياسية ثابتة. فالدستور من المفترض أنه الأساس الذي تبنى عليه العملية السياسية و القوانين و الأحكام الأخرى بكافة أشكالها. و في حالة النظام الكوري فقد تم تعديل الدستور ما يقرب من تسع مرات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مما يدل على ضعف الوضع القانوني و سيادة القضاء داخل النظام. و لكن من الجدير بالذكر أن سرعة تغيير التشريعات و الدستور و القوانين كان له جانبه الايجابي في أغلب الأحيان حيث بعد بدأ عملية التحول تغيرت الدستور الكوري إلي دستور أكثر ديمقراطية عن طريق التأكيد على الحريات المدنية و حقوق الإنسان و حرية الصحافة كما أصدرت الجمعية الوطنية العديد من التشريعات بعد ذلك لتنظيم العملية الانتخابية و الأحزاب السياسية و الحث على قيام انتخابات نزيهة وسليمة قانونياً و التأكيد على القيمة السياسية لوجود نظام تنافسي.
2ـ الدور القوي الذي تلعبه المؤسسة العسكرية داخل العملية السياسية في كوريا الجنوبية والذي برز في بداية و ما قبل عملية التحول الديمقراطي حيث بدأ تدخل العسكريين في الشئون السياسية عام 1961 حين بدأ أو انقلاب و تحولت على أثرة السلطة إلي أيدي السلطة التنفيذية و ضعفت قوة البرلمان و كان هذا بحجة مواجهة الخطر الشيوعي المتمثل في الاتحاد السوفيتي و في كوريا الشمالية و بحجة تطوير و الإسراع بعملية التنمية الاقتصادية و لذلك نستطيع أن نرى كيف دخل العسكريين الحياة السياسية لاحقاً في صور مدنيين و قاموا بالسيطرة على العملية السياسية من خلال الانتخابات.
3ـ اتسم النظام الكوري أيضاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بمركزية السلطة حيث تمركزت السلطة دائماً في يد الرئيس بشكل خاص و السلطة التنفيذية بشكل عام حيث رأت النخبة السياسية في كوريا أن مركزية السلطة و وجود سلطة تنفيذية قوية قادرة على تنفيذ العديد من السياسات و القرارات يساعد على وضع أسس قوية للاستقرار السياسي في النظام الكوري و لعل هذا الاستقرار كان صورياً و لكنه يظل استقراراً بالمعنى السياسي ولذا فان تحول النظام السياسي لاحقاً إلي نظام أكثر ديمقراطية تعلب فيه الجمعية الوطنية الكورية و الهيئات القضائية دوراً أكثر فعالاً أوضح أن النظام الكوري لم يكن في حاجة إلي التشديد على مركزية السلطة للحفاظ على الاستقرار. كما تنبع مركزية السلطة في كوريا من إيمان الشعب الكوري بالثقافة الكونفوشيوسية التي تحث على أبوية السلطة و مبادئ الهيراركية.
4ـ التوافق الفكري بين طبقات الشعب كان أحد الغايات و الأهداف التي لطالما كان يصبو إليه النظام السياسي الكوري و التي أدت إلي وجود جبهة معارضة ضعيفة داخل النظام السياسي للعديد من السنوات حيث التركيز على أهمية الوحدة الأيديولوجية و عدم السماح بانتشار العديد من الأيديولوجيات داخل النظام يمكنها مخالفة الحزب الحاكم أو النخبة السياسية. فبالرغم من تغير هذا الوضع لاحقاً إلا أن أثاره ما زلت موجودة في معظم الأحزاب السياسية الكورية التي اتخذت من التنمية الاقتصادية و بعض الإصلاحات في السياسات الخارجية أساسً لأهدافها دون الالتفاف حول أيديولوجية نظرية فكرية محددة للعمل وفقاً لمبادئها وأسسها.(39)
5ـ جاءت ملامح الأحزاب السياسية في كوريا الجنوبية بصفة عامة انعكاسًا لأفكار ومبادرات القيادات الحزبية لها نتيجة لافتقارها لأيديولوجية واضحة أو برنامج سياسي واضح المعالم، كما عانت الأحزاب من الانقسام والاندماج، وكذلك من التحول لأسباب مختلفة من حزب حاكم إلى حزب معارض والعكس بالإضافة ان الاحزاب الكورية يرجع هشاشتها لكونها أحزاب شخصية.(40)
6ـ مثل التوجه الإقليمي السمة الغالبة على الواقع الحزبي في كوريا حيث مثلت الارتباطات الأسرية خاصة فترات الانتخابات الرئاسية والتشريعية أساسًا للعمل الحزبي استنادًا إلى نظرة الثقافة السياسية التقليدية العلاقات العائلية، وامتداداتها الإقليمية. ومن ثم، فإن الولاء والانتماء لم يكن للدولة الكورية، وإنما كان للفرد القائد والمناطق الجهوية
7ـ ساهمت حداثة تجربة التحول الديمقراطي، وميراث النظم السلطوية والانقلابات العسكرية وكذلك الأزمات الاقتصادية والسياسية التي أحاطت بالتجربة الكورية في السنوات الأخيرة بشكل كبير في محدودية الدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للأحزاب السياسية في التجربة الكورية الجنوبية.(41)
8ـ فرضت المحددات الداخلية والخارجية للدولة الكورية أن تتبنى سياسة خارجية قائمة على الموضوعات ذات الصلة بأمنها القومي حيث أصبحت تتبني سياسة تؤكد علي الدور الكوري العالمي عبر الاهتمام بالقضايا التي تتعلق بالأمن والسلم الدوليين وضبط التسلح كما عملت على أن تتوسع في علاقتها في كل المناطق وعلي راسها الدول في افريقيا والشرق الأقصى بعد ان كانت تركز في علاقتها علي ارع قوي رئيسيه وهي امريكا والصين وروسيا واليابان.
ـ ثالثاً : تحديات دور كوريا الجنوبية :
لا تخلو أي دولة من تحديات داخلية كانت ام خارجية ولكن تختلف تلك التحديات من حيث حجمها ودرجة تأثيرها علي الدولة تلك التحديات هي التي ترسم سلوكها الخارجي سواء كان تعاونيا او غيره وفي سياق ذلك أبرز التحديات التي تواجه كوريا الجنوبية .
ـ التحديات الداخلية لكوريا الجنوبية
بالرغم من التجربة التنموية الاقتصادية وعقود من النمو الاقتصادي المستدام التي حققتهما كوريا الجنوبية ولاسيما تجربة التحول الديمقراطي الا انها تواجه مجموعة من التحديات التي تؤثر علي فاعلية دورها علي أكثر من صعيد:
ـ علي الصعيد الاقتصادي
اذا كانت هناك بعض من مناطق البلد قد بلغت درجات عليا من التطور والتقدم فإن مناطق اخري مازالت تكافح من أجل التطور، فقد ركزت الحكومة الكورية سياستها التنموية سابقا علي العاصمة سيول ومقاطعة كيونغ كي المحيطة بها، حيث أصبحت تلك المنطقة تحتوي علي 57% من الشركات الصناعية وثلثي الانشطة المالية(42)، بالإضافة الي تواجد جُل الجامعات ومراكز البحث العلمي بسيول وضواحيها وتخصيص لها نفقات مرتفعة من الانفاق الوطني وانفقت كيونغ كي ضعف انفاق العاصمة سيول ومساهمتهما في الناتج المحلي بنسبة مرتفعة.
وهكذا أصبحت قبلة السكان بسبب حيويتها والفرص الاقتصادية المتوفرة، في حين ع الجانب الخر تعاني المناطق الاخرى غير المذكورة من ركود اقتصادي وتناقص في عدد السكان مما يؤكد حاجة كوريا الجنوبية لسياسات أكتر توازنًا.
فيما يخص مستوي بيئة الانتاج فقد تفوقت الشركات الكورية العملاقة علي التحديات التي رافقت رحلة التنمية وأصبحت رائدة عالميا علي جميع المستويات لكنها أصبحت لديها القدرة اعاقة الأداء الاقتصادي الكوري(43)، وبالرغم من الاصلاحات التي عرفتها هذه الشركات بعد الأزمة المالية الاسيوية فإن العائلات المالكة مازالت ترفض التحلي بالشفافية والتبني للطرق العصرية في التسيير والادارة التي تتبعها الشركات العالمية الكبرى مما يؤثر علي تنافسية السلع الكورية في العالم، كما تتفجر داخل الشركات من حين لأخر مجموعة من الفضائح المالية المرتبطة بالفساد المالي والتهرب الضريبي، يمثل ذلك تحدي ويحول النفوذ الكبير لهذه الشركات من الممارسات الاحتكارية دون تطور قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الذي تعتبر هذه الشركات مورد ومحرك للنمو ولخلق فرص العمل في اغلب من الدول المتقدمة.(44)
بالإضافة الي حاجة كوريا لتطوير القطاع الخدمي فهذا القطاع لدية القدرة علي خلق فرص للعمل ذات الدخل المرتفع وعلي خلاف الدول المتقدمة فإن الرواتب في القطاع الخدمي الكوري اقل من نظيرتها في القطاع الصناعي. ولا ننسي ان الموقع الجغرافي لكوريا الجنوبية قد يمثل أحد تحديات تجربتها في النمو الاقتصادي حيث تقع وتتواجد في منطقة متوترة فحالة عدم الاستقرار لا تزال قائمة بين الجانبي الشمالي والجنوبي ولم توقع الكوريتين الي وقتنا هذا اتفاقية سلام بينهم.
بالإضافة للنزاع الكوري الياباني حول الجزر كما توجد في المنطقة بؤر نزاع وتتوتر اخري كما هو الحال في تايوان وبحر الصين الشرقي في حين تأجيج تلك الصراع قد يؤثر ذلك علي تجربة النمو.
ـ علي الصعيد الاجتماعي
يشهد المجتمع الكوري مجموعة من التحديات ابرزها:
1ـ (أزمة المجتمع الشائخ) حيث يتوجه المجتمع الكوري بسرعه نحو أزمة ارتفاع عدد المسنين ليوصف بالمجتمع الشائخ ويُستشرق له ان يحتل المرتبة الثانية بعد اليابان بحلول عام 2050، ولاسيما تدني نسبة الخصوبة الي 1.23مولود لكل امرأة لتكون واحدة من أقل النسب في العالم. يعد هذان العاملان تحديًا كبيرًا تتمثل في تقلص حاد في نسبة السكان القادرين علي العمل مما يخلق أزمة اخري هي استقدام عمالة من الخارج لسد فجوة نقص العمالة الوطنية. مما يؤدي الي تراجع الاستهلاك المحلي مع ارتفاع نفقات الدولة لدعم المسنين.(45)
2ـ تعاني كوريا من تفاوت طبقي كبير بين الأغنياء والفقراء حيث تعتبر ثاني بلد بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث سوء توزيع الثروة فمثلا مناطق يمتاز اهلها بالثروات ومناطق أخري تفتقر لجزء من هذه الثروات.
3ـ تفتقر الي الموارد الطبيعية والمعادن كالبترول ومشتقاته وايضا معادن مثل القصدير وغيره مما يدفع بكوريا الي مواجهة تحدي بيئي ايكولوجي نظرًا لاعتمادها في الصناعة علي المواد كالفخم وغيره من المواد الملوثة للبيئة لتبحث عن مصادر أخري صديقة للبيئة واقل تلوثًا.(46)
ـ علي الصعيد السياسي
على الرغم من تجربة التحول الديمقراطي في كوريا الا ان توجهها تحديات سياسية فعلي سبيل المثال:
التحدي الأكبر الذي يواجه كوريا الجنوبية الآن هو ضمان سلامة وقوة ديمقراطيتها، منذ تولي حكومة بارك جيون هاي السلطة في فبراير 2013 ، تتطلب سلامة الديمقراطية السياسية اهتمامًا خاصًا، الديمقراطية الليبرالية في كوريا الجنوبية تحت التهديد. ألقت سلسلة من الفضائح السياسية بظلال من الشك على أوراق الاعتماد الديمقراطية لحزب ساينوري من بارك ورئاسة بارك نفسها. (47)
التدخل المزعوم لدائرة المخابرات الوطنية في الانتخابات الرئاسية لعام 2012 لصالح بارك والاستقالة القسرية للمدعي العام الذي يقود التحقيق في الادعاءات ؛ اعتقال النائب التقدمي الموحد (UPP) النائب لي سوك كي ؛ العداء تجاه النقابات العمالية ؛ الدعوى القانونية ضد الصحفي Sankei Shimbun Tatsuya Kato و “فضيحة Memogate” كلها أساءت لدعم بارك العام.
ليس سراً في كوريا الجنوبية أن الحكومات المحافظة استخدمت المخاوف الأمنية لأغراض سياسية محلية يشك البعض في أن إدارة بارك تسيء استخدام الأجندة الأمنية لتمويه أدائها السياسي الضعيف، منذ بداية فترة ولايتها ، لم يجتاز العديد من المرشحين للمناصب الحكومية الرئيسية – بما في ذلك رئيس الوزراء – عملية جلسات الاستماع البرلمانية أو اضطروا إلى الاستقالة مرة واحدة في منصبه بسبب الجنس والفضائح السياسية.
كما أدى الفشل في إنقاذ أكثر من 300 راكب ، بما في ذلك حوالي 250 من طلاب المدارس الثانوية في كارثة Sewol Ferry المأساوية ، إلى فقدان قدرة الحكومة والرئيس على إدارة حالات الطوارئ الوطنية. لكن أكبر فشل للرئيس بارك هو افتقارها للإرادة وعدم القدرة على التواصل مع الناخبين وحتى مع مؤيديها، هناك شكوك واسعة في أنه كلما واجه الرئيس ، تحديات سياسية خطيرة ، فإن الإعلانات عن أنشطة التجسس ومؤامرات التخريب من قبل الجماعات الموالية لكوريا الشمالية تليها. وكثيراً ما ترى المحاكم أن مثل هذه الادعاءات لا أساس لها.
إن أمر المحكمة الدستورية الكورية الجنوبية الأخير بحل حزب الشعب الباكستاني لا يخلو من هذا الشك. تم حل UPP الصغير – 5 من أصل 300 مقعد في الجمعية الوطنية – على أساس أنه “يهدف إلى استخدام وسائل عنيفة للإطاحة بالنظام الديمقراطي الحر [لكوريا الجنوبية]” و “في النهاية إنشاء نظام على غرار كوريا الشمالية”. كما أمرت المحكمة بتجريد مشرعي الحزب الخمسة من مقاعدهم البرلمانية باعتباره أول حكم من نوعه في كوريا الجنوبية ، قد يثير صراعًا سياسيًا مكثفًا لأن الكوريين الجنوبيين التقدميين يعتقدون أن الدليل على الأمر ليس مقنعًا. كما يجادلون بأن الأمر ليس عادلاً – أي أنه مدفوع سياسياً لصالح الرئيس والحزب المحافظ.(48)
من الناحية المؤسسية ، يكافح أعضاء المحكمة التسعة – ثلاثة منهم كل من الرئيس، الجمعية الوطنية، وكبير قضاة المحكمة العليا – لكي ينظر إليهم على أنهم مستقلون عن نفوذ الرئيس. عادة ، يستغرق أي حكم صادر عن المحكمة الدستورية أكثر من عامين. استغرق الأمر بحل UPP أكثر قليلاً من عام. يشير النقاد إلى أن إدارة بارك استخدمت قضية المحكمة لصرف انتباهها عن فضيحة المذكرات ، مما أدى إلى سحب تصنيف بارك إلى أدنى مستوى له منذ تنصيبه.
إن تراجع حرية الصحافة هو الشاغل الأعمق للديمقراطية الكورية الجنوبية. في عام 2011 ، في ظل إدارة لي ميونغ باك السابقة ، خفضت منظمة فريدوم هاوس كوريا الجنوبية من “حرة” إلى “حرة جزئيًا” مستشهدة بالرقابة المتزايدة على الإنترنت وزعمت أن 160 صحفيًا قد عوقبوا لانتقادهم الحكومة. زادت إدارة الحديقة من الضغط على وسائل الإعلام الناقدة ، من خلال زيادة عدد الدعاوى القضائية النشطة ضد الصحفيين بقيادة إدارة قضية سانكي الصحفي تاتسويا كاتو في أغسطس، رفعت إدارة بارك بجرأة دعوى قضائية على صحيفة هانكيوريه، وسيسا جورنال ، وشوسون ديلي ، وسيجي ديلي بتهمة التشهير المزعوم للرئيس وكبار المسؤولين الحكوميين. التكلفة الطويلة الأمد لتقويض الديمقراطية هي فقدان المصداقية الرئاسية والحكومية.(49)
ايضا الضغوطات التي تمثل عبء علي النظام السياسي اثناء تعامله مع الولايات المتحدة الأمريكية الحليف في محاولات الضبط والتقويض بل ان استطاعوا المنع للمد النووي لكوريا الشمالية في حال تخلي امريكا عن كوريا وغيرها من الحلفاء وذلك من منظور النظم السياسية ومدي رضاء الشعب عن أنظمتها.
بالإضافة الي الضغوطات علي الحكومة الكورية وحاجتها احيانا لفتح قنوات حوار مع الجزء الشمالي وخاصة اثناء انعقاد دورة الاولمبياد في كوريا الجنوبية والتي تعتبرها كوريا الجنوبية مثال لترويج للسياحة الكورية وغيرها بسبب انا من حين لأخر الجزء الشمالي يقوم بتجارب نووية وصاروخية فخوفا من الجانب الكوري الجنوبي ان ذلك يحدث اثناء انعقاد الدورة وفي نفس الوقت مدي رضاء شعب كوريا الجنوبية علي نظامها السياسي وموقفها من التعامل.(50)
ـ التحديات الخارجية لكوريا الجنوبية
تواجه كوريا الجنوبية بيئة دبلوماسية صعبة للغاية وسط تدهور العلاقات مع جيرانها ، إن تمركز النظام الأمريكي المضاد للصواريخ ثاد ، بينما تم تصميمه لمواجهة التهديد الصاروخي لكوريا الشمالية، أغضب الصين التي ترى أنها تضعف قدراتها الرادعة، على هذا النحو ، ردت بكين باتخاذ تدابير سياسية واقتصادية ضد سيول ، كما أن قضية ” نساء المتعة ” التي لم يتم حلها مع اليابان فيما يتعلق بالرق الجنسي في زمن الحرب الى جانب النزاعات الإقليمية، التي توجد أيضا في العلاقات الثنائية مع اليابان ، حتى مع أن الوضع مع كوريا الشمالية يحثهم أيضًا على التعاون بشكل أوثق ، تطرح إدارة ترامب التي تبدو غير منتظمة أيضا علامات استفهام حول الآثار المترتبة على التحالف الأمني بين الولايات لمتحدة وجمهورية كوريا ، خاصة إذا كان يتعين على الولايات المتحدة النظر في الخيارات العسكرية ضد كوريا الشمالية.
ـ الأزمة الكورية اليابانية :
في 22 أغسطس 2019، قامت كوريا الجنوبية بالانسحاب من اتفاقية “الأمن العام للمعلومات العسكرية” General Security of Military Information Agreement (GSOMIA) مع اليابان، التي تم توقيعها في نوفمبر 2016 من أجل تبادل المعلومات الاستخباراتية بين في مواجهة التهديدات النووية لكوريا الشمالية، هذا القرار الكوري قد يضر بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في حين ان كوريا ترى ان ذلك رد فعل على اليابان وبالطبع أنه في حالة نهاية الاتفاق، فسيحدث التنسيق بين الدولتين من خلال واشنطن. لقد كان هذا بمثابة نقطة خلاف جديدة قد تؤثر على التحالف الأمريكي-الكوري الجنوبي .
بعد قرار محكمة سول العليا بتعويض الشركات اليابانية لعمال السخرة في فترة الاستعمار الياباني بدأ التوتر الحالي في العلاقات الكورية، رغم تنازل الحكومة الكورية عن جميع التعويضات في معاهدة التطبيع لعام 1965 مع اليابان ، وقد رأت المحكمة أن المعاهدة تمثل انتهاكًا لحقوق المواطنين وتصاعدت الخلافات حول الاتفاق الثنائي لعام 2015 الخاص بحل قضية “نساء المتعة”، بعد أن هدد رئيس كوريا الجنوبية مون بالانسحاب من الاتفاق.(51)
وقد ظهر اتجاه داخل كوريا يسعى لمقاطعة السلع اليابانية ، وفي هذا السياق أعلنت حكومة كوريا الجنوبية عن خطة قيمتها 6.5 مليارات دولار لتقليل شراء قطع الغيار والمعدات اليابانية، في حين قامت اليابان بفرض قيود في 2019 على تصدير أشباه المواصلات التي تحتاجها كوريا وقامت كوريا الجنوبية بإزالة اليابان من قائمتها البيضاء الخاصة بالشركاء التجاريين، وقامت بإجراء تدريبات عسكرية بالقرب من جزر دوكدو/ تاكيشيما المتنازع عليها، مما أثار التوتر مع طوكيو، كما حدث انخفاض في المبيعات الكحولية اليابانية في كوريا الجنوبية بأكثر من 97٪ وأُلغيت المعارض الفنية الكورية في طوكيو ، ولا ننسى ما قامت به اليابان من رفع علم الشمس المشرقة في اولمبياد طوكيو 2020 ولذا طالبت وزارة الرياضة الكورية حظر رفع العلم من ملاعب الأولمبياد لأنه يرمز للإمبريالية اليابانية، لكن اللجنة المنظّمة رفضت ذلك. كل هذه المناوشات قد تؤثر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين التي كانت الضمانة الاساسية للتعاون السياسي بينهما هذه الأحداث التي جعلت البعض يذهب بوصف العلاقات بين البلدين بأنها الأسوأ منذ انتهاء الاحتلال الياباني لكوريا في عام 1945.
واذا بحثنا عن ما الذي يفسر هذا التدهور بين البلدين فسنجد ان هناك عامل تاريخي فقد حاول البلدين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وضع صراعاتهما جانباً ومحاولة تحسين العلاقات وكان بداية ذلك توقيع معاهدة 1965 لتعزيز التنمية الاقتصادية لكوريا الجنوبية من خلال المساعدات المالية اليابانية وتحسين العلاقات التجارية، وقد تطورت هذه الاتفاقية في 1998 بإعلان “ أوبوشي” الذي سعى لبناء شراكة بينهما ثم توقيع اتفاقية GSOMIA لكن رغم كل هذه الاتفاقيات لكن لا تزال هناك بعض القضايا العالقة بين البلدين، وعلى رأسها : نساء المتعة، وعمال السخرة جزر دوكدو/ تاكيشيما .(52)
ورغم علاقات البلدين مع الولايات المتحدة، ففي مقابلة مع رئيس كوريا الجنوبية في عام 2017 قال بان تطوير التعاون الأمني الثلاثي إلى تحالف رسمي أمر غير مرغوب فيه، ولا يوجد شك ان هناك علاقة بين التوتر في العلاقات بين طوكيو وسول واستئناف كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية وهي مسألة تقلق طوكيو بشكل كبير جدًّا لوقوعها في مرمى القدرات الصاروخية لكوريا الشمالية كما ان سياسة سول الإنفتاحية مع كوريا الشمالية تثير حفيظة اليابان ، ولم تتمكن اليابان وكوريا الجنوبية من تبادل المعلومات الدفاعية بشأن هذه التجارب الصاروخية وبالتالي فنجد ايضا هنا نقطة خلاف بين سول وطوكيو فاليابان تطلب من سول تطبيق سياسة أكثر تشددًا تجاه كوريا الشمالية والعمل على انهاء برنامجها النووي.
الملفت للنظر ان إدارة “ترامب” لم تُبدِ بهذا التدهور في العلاقات بين سول وطوكيو أي اهتمام وهذا بالتأكيد بسبب سياسة ترامب وعدم اهتمامه بالحلفاء وربما هذا بسبب عدم اهتمام “ ترامب” بالحلفاء في الخارج ورغم زيارة ديفيد مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون شرق آسيا والمحيط الهادئ، لكوريا الجنوبية وإلا أنّ هذه الزيارة لم تعيد العمل بالاتفاق، تزامن انسحاب كوريا الجنوبية من اتفاقية “الأمن العام للمعلومات العسكرية” مع قيام الولايات المتحدة الامريكية بتجميد تدريباتها العسكرية الثنائية مع كوريا الجنوبية بسبب التكاليف ويتفاوض البلدان على اتفاقية تقاسم تكاليف الدفاع ووجود القوات الامريكية(53)
كما طالب ترامب في 2019 من كوريا الجنوبية بزيادة حصتها في تكلفة هذه القوات بحلول ديسمبر القادم، وهدد بسحب هذه القوات كما فعل ذلك مع اليابان، فهو يريد مضاعفة تكاليف بقاء القوات الأمريكية هناك من ملياري دولار إلى ثمانية مليارات دولار سنويًّا. نستطيع القول ان الفائز الأول من كل هذه التطورات هي بكين لان ذلك يضعف التحالفات الأمريكية في اسيا ويمهد لدور صيني فبكين ترفض الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة وترفض نشر منظومة “ثاد” المضادة للصواريخ الباليستية في كوريا في 2017 وتعتمد في سياستها في المنطقة وتعول أكثر على الأدوات الاقتصادية .
ـ العلاقة مع الولايات المتحدة :
تواجه كوريا الجنوبية تحديات جديدة فيما يخص علاقاتها مع الولايات المتحدة تضاف الى جملة التحديات الخارجية التي تواجهها الدولة الكورية ، وظهرت هذه التحديات في ظل الادارة البراجماتية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يسعى الى تعزيز مصالح الولايات المتحدة بغض النظر عن مصالح الحلفاء أو الخصوم وكذلك ضرب كل الاتفاقيات الدولية التي يراها في غير صالح الولايات المتحدة عرض الحائط ، وبالتالي فالتعاون في مجال السياسة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية متضارب تحت ادارتي دونالد ترامب ومون جي ان ، وعلي الرغم ان الجانبين عموما تمكنوا من تجاوز الخلافات حول التجارة وسياسة كوريا الشمالية.(54)
لكن التوترات الكامنة لا تزال تظهر علي السطح حول عدد من القضايا في الآونة الأخيرة منها انتهاء ” اتفاقية التدابير الخاصة ” حول كيفية التقسيم كما انتهت صلاحية تكاليف نشر القوات الأمريكية في نهاية 2019 وفشلت المفاوضات اللاحقة في الوصول الى اتفاق ونتيجة لذلك تم اجلاء حوالي 4000 عامل كوري جنوبي في القواعد الأمريكية في ابريل 2020 ، وطلبت إدارة ترامب من سيول زيادة مدفوعاتها بنسبة 400% وأعلن ترامب علانية ان هذا الموضوع قابل للنقاش ما اذا كان وجود القوات الأمريكية هناك في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.(55)
ـ العلاقات بين كوريا الجنوبية وجارتها الشمالية وقضية الوحدة
في البداية علينا أن نشير الى أن وضع التقدم الاقتصادي لكوريا الجنوبية المتقدم على كوريا الشمالية كان دائما بمثابة عائق امام جارتها كوريا الشمالية فقد قلل إلى حد كبير من إمكانية قيام كوريا الشمالية بالاعتداء على الجنوب فضلا عن الوجود الأمريكي ومستودعات الاسلحة النووية التي أقامتها الولايات المتحدة في كوريا الجنوبية مما مثل رادع رئيسي لأي هجوم شمالي.(56)
الوضع الاقتصادي في كوريا الجنوبية أفضل من كوريا الشمالية على الرغم من ان كوريا الشمالية تتمتع وتستحوذ على الموارد الاقتصادية الا ان كوريا الجنوبية استطاعت ان تحدث الطفرة، حيث كان تقسيم شبه الجزيرة الكورية في عام 1948م، أوجد وحدتين اقتصاديتين غير متوازنتين. فقد استحوذت كوريا الشمالية على معظم الموارد الطبيعية والصناعات الثقيلة التي طورت خلال فترة الاحتلال الياباني. وقد ركزت التنمية الصناعية في الجنوب في بدايتها على منتجات الصناعات التحويلية الخفيفة الموجه للتصدير، خاصة الصناعات كثيفة العمل، مثل صناعة الالبسة والمنسوجات، الاحذية والجلود، والمواد الغذائية. ومع بداية السبعينات تم التركيز على الصناعات الثقيلة. وفي سنوات الثمانينات والتسعينات خاض أصحاب الصناعات الكورية غمار الصناعات التكنولوجية، مثل أجزاء ومكونات الكمبيوتر، واشباه الموصلات، والرقائق.. الح. وقد سيطرت التكتلات الصناعية Chaebols على قطاع الصناعة.
ومن اهم منتجات كوريا معدات الاتصالات اللاسلكية والاجهزة السمعية والمرئية (اجهزة التلفزيون، اجهزة التلفونات، اجهزة التسجيل، الفيديو، شاشات البلازما وشاشات الكريستال LCD)، وسيارات النقل، ومعدات المواصلات. وتعتبر صناعة بناء السفن من الصناعات الرئيسية في البلاد. ومن الصناعات الرائدة في البلاد صناعة الكيماويات، والماكينات والمعدات، المنتجات الغذائية والمشروبات، المعادن والمنسوجات.
فضلاً عن الطاقة التي تمتلكها كوريا الجنوبية حيث يتم توليد 62% من الطاقة الكهربائية في كوريا عن طريق مولدات الكهرباء التي تعمل بالبترول المستورد من دول الخليج وخاصة العربية السعودية، وفي بداية السبعينات (1970s) بدأت كوريا ببناء مفاعلات نووية، التي تولد 37% من الطاقة الكهربائية للبلاد. اما الـ 1% المتبقية، فيتم توليدها من محطات الالكتروهيدوليكية. وقد بلغ انتاج كوريا من الكهرباء عام 2001م زهاء 291 مليار كيلووط/ساعة وبناء علي ما سبق نستنتج ان الوضع الاقتصادي المميز في كوريا الجنوبية عن جارتها الشمالية كان بمثابة قيد أمام أي محاولة من جارتها للتوسع على حسابها .
وحيث ان الشعب الكوري ظل موحداً منذ عام 668ىميلاديا في ظل حكم مملكة silla وهي احدى الممالك الثلاثة القديمة في شبه الجزيرة الكورية لا شك أن الموقع الاستراتيجي لكوريا في شرقي اسيا جعلها هدفا لصراع القوى العظمى لقرون طويلة فبعد ان استطاعت اليابان ان تهزم الصين 1895 بدأ الصراع بين اليابان وروسيا من أجل الهيمنة على كلاً من منشوريا وكوريا، وبعد انتصار اليابان على روسيا استطاعت السيطرة على شبة الجزيرة الكورية وفي عام 1945 قرر الحلفاء ان تتخلى اليابان عن كوريا وقررت الولايات المتحدة الامريكية ان تحتل الاراضي الكورية لمنع سيطرة الروس عليها وتحاصر القوات اليابانية المهزومة بعد الحرب الشرسة مع الروس وقد وقع اتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تم بمقتضاه تقسيم شبه الجزيرة الكوبية الى شطرين شمالي وجنوبي وكانت النتيجة سيطرة الاتحاد السوفيتي وفرض الشيوعية في الجزء الشمالي وسيطرة الولايات المتحدة الامريكية على الجزء الجنوبي وفرض نظامها الرأسمالي مما جعل الاراضي الكورية احد اشهر ساحات الحرب الباردة بين قطبي النظام السابق وترتب على ذلك اندلاع الحرب الكورية التي انتهت 1953بتقسيم شبه الجزيرة الكورية الى شطرين شمالي وجنوبي .
ان المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين هي الأكثر عسكرة فى العالم! بها ما يقرب من مليوني جندي وعشرات الآلاف من الدبابات والصواريخ والمدافع المكدسة على مسافة 75 ميلا على كلا الجانبين. ومع ذلك فما زال احتمالا قائما بإتمام مصالحة كورية كورية.. فالانقسامات الأيديولوجية في معظمها قابلة للنقاش مع أفول الشيوعية وحاجة كوريا الشمالية الماسة إلى المساعدات الخارجية. ولكن سلالة كيم الحاكمة في بيونغ يانغ، والتي تشكل طائفة قيادة عائلية، لديها مصلحة في تجنب المصالحة، بل إنها تتعمد أن تمارس سلوكا استفزازيا واضحا، ما يعني على الأرجح ذوبان كوريا الشمالية في هذه الوحدة. أما الصين، راعي كوريا الشمالية، فليس لديها اهتمام كبير بالمصالحة، فهي تتخذ من كوريا الشمالية حاجزا جغرافيا بينها وبين المعسكر الرأس مالي، وبالتالي تستمر حالة الجمود ودورة الاستفزاز.(57)
وقد أعلنت كوريا الجنوبية عن ثلاثة مبادئ رئيسية يجب أن تلتزم بها السياسة الكورية حتى تحقق بها هدف الوحدة مع الجنوب وهما : التبادل سلمي تبادل الأسر المشتتة والتبادل التجاري والثقافي والرياضي، التعايش السلمي من خلال منع حرب أخرى بين الكوريتين، اقامة الوحدة بالوسائل السلمية .
في عام 1985 تم تبادل الزيارات الرسمية بين وفدي البلدين على المستوى الرسمي اضافة الى الزيارات التي قامت بها الفرق الرياضية والشعبية والغنائية والمسرحية والأسر المتشتتة بين الشمال والجنوب لقد كانت علامة مميزة في العلاقات بين البلدين ولكن بعدها قامت كوريا الشمالية بإغلاق قنوات التواصل والحوار مرة أخرى وذلك بسبب رأيها غير الثابت في المشاركة في دورة الألعاب الأوليمبية في التي عقدت في سول 1988 وقد تصاعد الخلاف بين البلدين في عام 1987 عندما أعلنت كوريا الشمالية عزمها على انجاز خطة بناء سد ضخمة في منطقة جبل “كاـ أمجانج” ka Amgang ثم أعقب ذلك اغراق كوريا الشمالية لإحدى السفن التابعة لكوريا الجنوبية في مياه البحر الأصفر مما يدل على وجود حالة من عدم الثقة المتبادلة بينهما.(58)
لقد سعي رؤساء كوريا الجنوبية تحقيق حلم الوحدة فعلى سبيل المثال حاول رووتاي بداية من عام 1988 حيث اقترح عدد من المقترحات لتوطيد العلاقات بين البلدين والتعاون مع بيونغ يانغ فضلاً عن السياسة الجديدة التي أقرها الرئيس كيم يونج سام صيغة جديدة للوحدة بين البلدين لكن الموت المفاجئ للزعيم الشمالي كيم ايل سونج مما جعل كل هذه الجهود عديمة الجدوى ونجد ما قدمه الرئيس الكوري الجنوبي كيم داي يونج من سياسة عرفت باسم الشمس المشرقة تجاه كوريا الشمالية ولكن سنجد أن ادارة كيم أولت اهمية اكبر بالتعايش السلمي مع كوريا أكثر من الوحدة كما عمل الرئيس الجنوبي موهيون على التعاون الاقتصادي كوسيلة للانفتاح نحو الشمال .
ـ تحديات التي تواجه اتمام الوحدة بين البلدين
يوجد تحديات تقع كحجر عثرة اما اتمام الوحدة بين الكوريتين سيتم عرضها بالنظرة التحليلية للباحث وبالاستنتاجات بناء علي دراسة العلاقات بين الكوريتين وهذه التحديات تتمثل في:
تحديات داخلية تتمثل في العبء الاقتصادي الذي سيلقى على عاتق كوريا الجنوبية نتيجة الوحدة المرتقبة، رجال الأعمال والحركة الطلابية في كوريا الجنوبية وما يمثلونه من تأثير كبير فهما يمثلان تحدياً أمام كوريا الجنوبية تجاه قضية الوحدة في حالة الاضرار بمصالحهم، ومن التحديات أيضاً تباعد وانقطاع الاتصالات بين شطري كوريا .(59)
كما أن هناك تحديات اقليمية أمام الوحدة ان قيام كوريا الموحدة سوف يحدث تحولات مهمة في ميزان القوى بالمنطقة وهو ما يثير قلق الدول الاقليمية المجاورة لها مثل اليابان والصين والموقف المتعنت لكوريا الشمالية وتمسكها بالانسحاب الكامل للقوات الأمريكية وسنجد أيضا من معوقات الوحدة استمرار الاستقطاب في شبه الجزيرة الكوبية هذا الاستقطاب لم ينتهي بعد الحرب الباردة بعد الاستقطاب الذي مارسه كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والسوفييت الان الاستقطاب مازال يمارس من جانب كلاً من واشنطن وبكين، وأحد معوقات الوحدة استمرار وجود القوات الأمريكية فدائماً تصر كوريا الشمالية قبل بدأ أي محادثات تتعلق بالوحدة تشترط سحب هذه القوات التي تعتبرها كوريا الجنوبية بمثابة رادع رئيسي لأي هجوم كوري شمالي محتمل، المسألة النووية عقبة أيضا فالصين لا تريد على حدودها دولة قوية عسكريا واقتصاديا منحازة للولايات المتحدة كما ان الولايات المتحدة لا تريد هي الأخرى دولة قوية اقتصاديا وعسكريا منحازة للصين واليابان تتخوف من خطورة توحيد كوريا على التوازن القائم في شرق اسيا أخيرا فان التوتر وتعثر محادثات السلام بين البلدين وانغلاق كلا الطرفين دون الاخر أحد العقبات الهامة في تاريخ الوحدة الكورية(60)
رابعاً: المشاهد المستقبلية لتحديات كوريا الجنوبية :
ـ مستقبل العلاقات بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وقضية الوحدة
1ـ سيناريو الوحدة السلمية
يشير السيناريو الأول الى امكانية تحقيق الوحدة السلمية واقامة كوريا الموحدة وذلك من خلال سلسلة من المفاوضات وتقديم التنازلات المتبادلة والتوافق بين نظامي الكوريتين مع احتمالية تدخل طرف خارجي يرغب في دعم هذه الوحدة .(61)
2ـ المصالحة مع استمرار الانقسام
هذا السيناريو يشير الى استمرار الانفصال بين الكوريتين مع الاتفاق بينهما وقبول كلا منهم بالشرعية السياسية المنفصلة لكلا منهما في شبه الجزيرة الكورية وذلك من خلال المفاوضات بين البلدين الداعمة لتحقيق الاستقرار والمصالحة والتعايش السلمي دون الوحدة .
3ـ حرب الباردة
يشير الى بقاء الوضع الراهن كما هو عليه في ظل تعنت كوريا الشمالية والمسألة النووية ورفض جميع الأطراف الدولية والاقليمية بقيام هذه الوحدة لما له من تأثير على توازن الوضع في شرق اسيا فضلاً عن الاستقطاب الذي تمارسه كلا من الاطراف الدولية وبالأخص بكين وواشنطن .
4ـ حرب جديدة
يشير هذا السيناريو الى حدوث مزيدا من التوترات بين البلدين مع استمرار الوجود الأمريكي في المنطقة والتصعيد الذي تمارسه كوريا الشمالية مما قد يدفع لشن حرب بين الكوريتين او قد تتدخل أطراف أخرى في الصراع.(62)
ـ مستقبل العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان :
1ـ بقاء الوضع الراهن
يشير هذا السيناريو الى انه بالرغم من قيام الرئيس “مون” بالإعراب عن نيته فتح التعاون بين البلدين وأنه لم يستجب للكوريين المطالبين بمقاطعة أولمبياد طوكيو الصيفية فضلا عن لقاء مون وآبي في اجتماع الآسيان في تايلاند في سبتمبر 2019، الا ان كل ذلك لم يمنع من فشل البلدان في التوصل إلى اتفاق في محادثاتهما التجارية في جنيف في 11 أكتوبر فيما يتعلق بشكوى كوريا الجنوبية أمام منظمة التجارة العالمية بشأن قيود التصدير اليابانية، وبالتالي نستطيع القول ان هذا التحسن لم يزيل القضايا العالقة والتدهور في العلاقات بين البلدين فضلاً عن الدور الأمريكي الضعيف في احداث التوفيق بين البلدين وبالتالي فان هذه الأزمة قد تمتد لفترة طويلة، خاصة في حالة عدم تراجع كوريا الجنوبية عن خطوة الانسحاب من المعاهدة قبل 23 نوفمبر القادم.(63)
2ـ التشدد
يشير هذا السيناريو الى أن الارث التاريخي للاحتلال الياباني لكوريا لا يزال يمثل حائلا بينهما رغم الاعتذار الرسمي الياباني عن فترة الاحتلال وقضية النزاع الاقليمي بينهما بشأن جزيرة ” دوكدو ” كما تطلق عليها كوريا أو ” تاكشيما ” كما تطلق عليها اليابان ، الا أن اليابان تعاود فتح القضية مرة بعد أخرى ، وكان قد أثير أن اليابان ستقترح على كوريا الجنوبية رفع تلك القضية لمحكمة العدل الدولية للبث فيها وذلك عقب قيام الرئيس الكوري ” لي ميونج باك ” للجزيرة في أغسطس 2012 كأول زيارة يقوم بها رئيس كوري ، واعتبرتها اليابان تعديا على سيادتها(64) ، كما انه هناك قضايا أخرى عالقة كنساء المتعة وانسحاب كوريا من اتفاقية التبادل الاستخباراتي وبالتالي لا يمكن القول بأن ثمة تحسن تاما في العلاقات بينهما طالما لم يتم تجاوز هذه الخلافات التي من شأنها أن تأزم العلاقات بين البلدين من وقت لأخر.
3ـ تحسن العلاقات
قد يكون للبعد الاقتصادي دورا هاما في تحسن العلاقات بين البلدين، بالإضافة الى أن شبه الجزيرة الكورية تعد أقرب الأراضي الى اليابان ، تعد كوريا مصدرا هاما للثروة الطبيعية لليابان مثل البترول والغاز الطبيعي والمطاط والنحاس، وتمثل اليابان لكوريا الجنوبية أيضا مصدرا هاما لأدوات الانتاج والتكنولوجيا ، وتعد ثاني شريك تجاري لكوريا الجنوبية بعد الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد لعبت اليابان أيضا دورا كبيرا في النهضة الاقتصادية لكوريا الجنوبية، وبالتالي فقد تدفع المصالح الاقتصادية الى مزيد من التحسن في العلاقات بين البلدين فضلا عن الدور الايجابي التي قد تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في التوفيق بين البلدين مما يمكنهم من تجاوز خلافاتهم السياسية والتاريخية، فالاقتصاد هنا قد ينجح فيما أخفقت فيه السياسة. .
ـ مستقبل العلاقات بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية:
1ـ بقاء الوضع الراهن “تشاؤمي”
يشير هذا السيناريو الى استمرار توتر العلاقات بين البلدين بسبب عدم الاتفاق حول الخلافات بين واشنطن وسيول والمتعلقة بتقديم امتيازات لكوريا الشمالية وكيفية التقسيم وقضية تقاسم التكاليف المرتبطة بالتحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية فيشير هذا السيناريو الى نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية واستمرار اصراره ان تساهم كوريا الجنوبية بشكل كبير في تكاليف الحماية ووجود القوات الأمريكية، وبالتالي فقد تدفع تلك الادارة البراجماتية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فضلاً عن معاناة الاقتصاد الأمريكي وتراجع القوة الأمريكية نسبياً الى سحب القوات الأمريكية مما يثير حفيظة كوريا الجنوبية وتسوء العلاقات بين البلدين .
2ـ عودة العلاقات الى طبيعتها
يشير هذا السيناريو الى أنه على الرغم من وجود خلافات مؤخرا بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ، وذلك لرغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيادة مدفوعات كوريا الجنوبية للحماية الأمريكية بنسبة 400% ، الا أنه من الصعوبة أن تؤثر هذه الخلافات بصورة قوية على العلاقات بين البلدين وذلك في ظل التشابك التاريخي للمصالح بين البلدين ، حيث يوجد في كوريا أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج واشنطن وكذلك لا تستطيع كوريا الجنوبية حماية نفسها بدون القوات العسكرية الأمريكية وذلك في ظل التهديدات المستمرة من كوريا الشمالية ، وبالتالي فمن المتوقع أن تصل كوريا والولايات المتحدة الى اتفاق بشأن الحماية الأمريكية ، أو أن يفشل ترامب في الحصول على فرصة رئاسية ثانية ، ومن ثم تأتي ادارة جديدة الى البيت الأبيض تعمل على اعادة صياغة العلاقات مع الحلفاء من جديد ، ومن هنا يمكن القول ان العلاقات الكورية الأمريكية ستظل كما هي عليه ولن تؤثر هذه الخلافات كثيرا على مجرى العلاقات بين البلدين .
ـ خاتمة :
لقد استطاعت كوريا أن تحقق تحولا وتقدم نموذجا للنمو في آسيا, وعلى الرغم مما حققته كوريا من تقدم في المجال الاقتصادي وكونها اليوم تحتل الاقتصاد رقم 12 على مستوى العالم, إلا أنها لم تحقق التنمية السياسية بالقدر الذى حققت فيه التنمية الاقتصادية, وذلك على الرغم من ثراء الحياة الحزبية القائمة على التعددية, إلا أنها فقدت قدرتها على التطوير والمساهمة في تحقيق التنمية لكونها احزاب اقليمية مرتبطة بأشخاص محددين, وعدم قدرتها على الاستمرار إذ كثيرا ما تتعرض للانشقاقات والاندماج, الأمر الذى فتح الباب على مصرعيه أمام منظمات المجتمع المدني لتلعب دورا أكبر.(65)
فالتقدم السياسي والاقتصادي والتكنولوجي الذي تعرفه كوريا الجنوبية اليوم كان وراءه بالأساس تفجير ما يتمتع به الشعب الكوري من طاقات وإمكانيات مكبوتة. وأن بلورة الاستراتيجيات الاقتصادية الناجعة تبقى مرهونة إلى حد بعيد بقوة العمل السياسي. وهذا الاستنتاج ليس بالجديد بل أكده جون مينارد كينس، أكثر رجال الاقتصاد تأثيرا في القرن العشرين وواحدا من مشاهير العصر من دون منازع عندما قال: ”أن الاقتصاد يحتل مرتبة ثانوية، فهو عبارة عن تربية تقنية يجب أن تكون في المقعد الخلفي لسيارة تقودها الأخلاق والسياسة”. ويرى هذا المفكر وأكبر رجال الاقتصاد تأثيرا في القرن العشرين وواحدا من مشاهير العصر، أن الشرط الوحيد لتحقيق ازدهار الدولة يتجلى في تحقيق الإتحاد بين النجاعة الاقتصادية بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية. كما اعتبر البطالة تبديدا عبثيا للاقتصاد وظاهرة منافية للأخلاق لها مضاعفات سياسية خطيرة لأنها قد تفرز توترات اجتماعية عنيفة. كما برهن أن الوسيلة المثلى للنهوض بالتشغيل لا تتجلى في تخفيض أو تجميد الأجور بل في تدخل فعال من قبل الحكومات السياسية وخاصة عن طريق مشاريع أشغال عمومية ضخمة.(66)
أن الدرس الذي قدمته لنا التجربة الكورية الجنوبية يؤكد أنه مهما بذلت الدولة من مجهودات في المجال الاقتصادي ومهما استثمرت في التجهيزات والأوراش الكبرى، يبقى التقدم المجتمعي رهين بالتقدم على الصعيد السياسي وتبقى هناك تحديات مستقبلية لابد أن يكون لها برنامج عمل جدي للتعامل مع تلك التحديات من أجل مستقبل أفضل .
ـ المراجع :
Aurel Croissant Electoral Politics in South Korea (1)
(2) United States Policy towards South Korea during the reign of John Kennedy Administration 1961-1963 (study on the political side) Researcher – Tariq Mahdi Babel Center for Humanitarian Studies2019 The second issue
(3) دستور كوريا ( جمهورية ) الصادر عام 1948 شاملا تعديلاته لغاية 1987
https://www.constituteproject.org/constitution/Republic_of_Korea_1987.pdf?lang=ar
ـ MINISTRY of government legisiation, The national law information center of the Korean reprentitve legal information,
(4) نتارى مروان ، رهانات الوحدة والحرب في شبه الجزيرة الكورية ، دراسة مقدمة لنيل الماجستير بكلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة قاصدي مرباح ورقلة .
(5) http://arabic.korea.net/Government/Constitution-and-Government/Constitution
(6)Stockholm International Peace Research Institute
(7) Korea to deploy troops for rehab By Jaime Laude (The Philippine Star) | Updated December 18,2013
http://www.philstar.com/headlines/2013/12/18/1269392/s.-korea-deploy-troops-rehab
(8) المؤسسة العسكرية لدولة كوريا الجنوبية وموقف الولايات المتحدة الأمريكية منها، أ. م.د. صالح حسن، مجمة آداب الفراهيدي، العدد 18 لعام 2017
(9) alestine trade center
https://www.paltrade.org/ar_SA/news/article/view/country-profiles/south-korea
(10) اسلام خطاب ، التنمية السياسية في كوريا الجنوبية وعلاقاتها بالأحزاب السياسية ، ملتقى الباحثين العرب
(11) أثر التعددية الحزبية على التحول الديمقراطي في كوريا الجنوبية اعداد الباحثة : نورهان أحمد قطامش – اشراف : د. هشام بشير، المركز الديمقراطي العربي.
(12) aniel BAILEY, Politics on the Peninsula: Democratic Consolidation and the Political Party System in South Korea, Graduate Journal of Asia-Pacific Studies 7:1 (2010(
(13) مرجع سبق ذكره، ص19
(14) النظام الحزبي و قضايا التنمية في كوريا الجنوبية, القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية, 2005 .
(15) Arab political Researchers forum
(16) Author: Kim Keeseok
https://www.eastasiaforum.org/2015/01/14/democracy-is-the-biggest-challenge-for-south-korea-in-2015
(17) Korea Under Roh Tae-woo .Democratization ,Northern Policy and Inter Korean Relations (Canberra ,Allen and Unwin,1993),p.30
(18) محمد السيد صدقي ، التحولات الديمقراطية في اسيا، جامعة القاهرة ، مركز الدراسات الاسيوية، 2005 ،ص96.
(19) Kalinowski T., Cho H. The Political Economy of Financial Liberalization in South Korea: State, Big Business and Foreign Investors Asian Survey ,Vol. 49,No. 2 (2009 ), p.p. 221–242.
(20) Park, Y. S., Revisiting the South Korean developmental state after the 1997 financial crisis, Australian Journal of International Affairs, Volume 65,Issue.5 (2011 ), p.p. 590
(21) The guardian, Former South Korea president leaps to death in ravine president-suicide
https://www.theguardian.com/world/2009/may/24/south-korea-former-
(22) سعيد رشيد عبد النبي, التجربة الكورية الجنوبية في التنمية, مجلة دراسات دولية, العدد الثامن والثلاثون, بغداد
(23)مقال بعنوان كوريا الديمقراطية: الاحتلال الأمريكي لكوريا الجنوبية يدمر سلام شبه الجزيرة الكورية وإعادة توحيدها، نُشر بصحيفة الشعب العربية.
http://arabic.people.com.cn/31663/7134649.html
(24)https://www.ida2at.com/the-korean-war-the-forgotten-war-that-changed-the-history
(25)CentralIntellIegencagency
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/ks.html
(26) http://www.mois.go.kr/frt/sub/a05/totStat/screen.do
(27) http://www.servat.unibe.ch/icl/ks00000_.html
(28) Emma Chanlett – AveryDick K. Nanto Specialist in Industry and Trade Analysis North Korea: Economic Leverage and Policy Specialist in Asian Affairs January 22, 2010
https://fas.org/sgp/crs/row/RL32493.pdf
(29) مقال بعنوان العلاقة العربية الكورية، دكتور صبري الربيحات، ديسمبر 2014،
(30) Chinese and South Koreans Formally Establish Relations By Nicholas D. Kristof Aug. 24, 1992
https://www.nytimes.com/1992/08/24/world/chinese-and-south-koreans-formally-establish-relations.html
(31)http://ec.europa.eu/trade/creating-opportunities/bilateral-relations/countries/korea/
(32) South Korean National Security Council
(33)http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/SKorea/Sec02.doc_cvt.htm
(34)http://arabic.china.org.cn/chinese/2019-09/19/content_75223308.htm
(35) FACTBOX – North, South Korea pledge peace, prosperity http://uk.reuters.com/article/worldNews/idUKSEO16392220071004
(36) مرجع سبق ذكره ص20. وانظر هذا https://democraticac.de/?p=47245
(37) مينا اسحق طانيوس بولس ، التحول الديمقراطي لكوريا الجنوبية وأثره في تغيير السياسة تجاه كوريا الشمالية ، المكتب العربي للمعارف
(38) مرجع سبق ذكره، ص 34
(39) الحسين بوخرطة، مقالة بعنوان “النموذج الكوري الجنوبي: من الديكتاتورية والتخلف إلى الديمقراطية والتحديث والتقدم”
https://www.hespress.com/international/15387.html
(40) مقال بعنوان دور الأحزاب السياسية في كوريا الجنوبية، الدكتور محمود عزت رئيس المشروعات الصغري في مكتبة الاسكندرية، 2017
https://middle-east-online.com8
(41) رسالة مقدم لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية بعنوان التحول الديمقراطي والتغير في السياسة الخارجية دراسة لسياسة كوريا الجنوبية في مواجهة كوريا الشمالية من 1988 حتي 2007للطالب مينا اسحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة الاسكندرية.
(42) Iain Pirie ;korean developmental state from dirigisme to neo-liberalism; Routledgr studies in the growth economies of Asia
(43) Industrial policy and territorial Industrial Policy and Territorial Development Lessons from Korea
http://www.keepeek.com/Digital-Asset-Management/oecd/development/industrial-policy-and-territorial-
(44) Five key challenges for the next south Korean president , institute for security & development policy
(45) Kim Dong-yul ;The Middle Class Is Losing Confidence, October 2012
http://www.koreafocus.or.kr/design3/essays/view.asp?volume_id=127&content_id=104251&category=G
(46) Jong-in Kim, The Presidency and Economic Democracy, December 2012
(47) علاء سلام , كوريا الجنوبية ورياح القيم الديمقراطية , السياسة الدولية , 1988م
(48) الهيئة العامة للإستعلامات الكورية http//www.korea.net
(49) مقال بعنوان كوريا الجنوبية.. من فضائح الفساد إلى الديناميكيات الدولية، بقلم: باولو بالماس ترجمة: مروة مصطفى، https://sis.gov.eg
(50) https://www.eastasiaforum.org/2015/01/14/democracy-is-the-biggest-challenge-for-south-korea-in-2015
(51) النزاع على جزيرة، دوكدو/تاكيشيما، بين كوريا الجنوبية واليابان وأثره على تطبيع العالقات بين البلدين عام 1965، الأستاذ الدكتور كاظم محسن، كلية التربية للعلوم الانسانية قسم التاريخ جامعة البصرة، المنتدي العدد 15 لعام 2018
(52) أثر القضايا الأمنية والاقتصادية على سياسات الدول في منطقة آسيا، المحيط الهادي والتوقعات المستقبلية: اليابان، كوريا الجنوبية، ماليزيا: نماذج للتحليل المقارن/عمر حامد شكر
(53) فردوس عبد الباقي، الأزمة الكورية اليابانية، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
https://www.ecsstudies.com/7534
(54) العلاقات الامنية الكورية الامريكية ، الأستاذة نسيمة، استاذة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بالجزائر، جامعة بسكرة
(55) South Korea: Background and U.S. Relations Congressional Research Service ، Brock R. Williams
(56) Jan Melisse Domestic Challenges and Soft Power، Hwa- Jung Kim South Korean Diplomacy Between
file:///C:/Users/NUMBER%201/Downloads/South_Korean_Diplomacy_Domestic_Challenges_Soft_Power.pdf
(57) دور الطرف الثالث في تسوية النزاعات الدولية دراسة حالة التدخل الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية، اعداد الطالب بطاهر آمنة فاطمة الزهرة ، لنيل شهادة الماستر، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية تخصص تعاون دولي، 2019
(58) Yonhap News Agency https://ar.yna.co.kr/
(59) مرجع سبق ذكره، ص29
(60) العلاقات بين الكوريتين ومصالح القوي الكبرى، للباحثة الدكتوراه فردوس محمد عبد الباقي، باحثة مختصه في الشئون الأسيوية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، صدر عن المركز العربي للنشر والتوزيع، ديسمبر 2019
(61) مقال النموذج الكوري الجنوبي والتوازنات الآسيوية المستقبلية، 18 ابريل 2020، في صحيفة مصرية
(62) عمر حامد شكر، رسالة مقدمة لنيل الدكتوراه بعنوان “أثر القضايا الأمنية والاقتصادية على سياسات الدول في منطقة اسيا المحيط الهادئ والتوقعات المستقبلية اليابان كوريا الجنوبية ماليزيا نماذج للتحليل المقارن (2013:2001)، كلية اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة
(63) مرجع سبق ذكره، ص36
(65) العلاقه بين الديمقراطية والتنمية الإقتصادية ، دراسة حالة كوريا الجنوبية، ا. بيدر التل، مدرس/ ملحق دبلوماسي وزارة الخارجية وشؤون المغتربين/ الأردن، 2015.
(66) ندوة الديمقراطية في الوطن العربي وأفريقيا: الواقع والآفاق، )نواكشوط، المركز العربي الأفريقي للإعلام والتنمية، 8\8\2007.