المبعوث الأممي ومشكلة الاداء السياسي

  د. مرعى على  الرمحي – استاذ العلوم السياسية  والعلاقات الدولية – جامعة بنغازي

يعتبر دور المبعوث الأممي للأمم المتحدة في عملية فض سواء النزاعات او الصراعات الدولية دورا محوريا خصوصا خلال عقود السبعينيات والثمانيات والتسعينيات. الا ان هذا الدور السياسي   the  political  of  roleاصبح يتقلص وبشكل واضح خصوصا بعد  ان اصبح هناك تعقد واضح في  مصالح الفاعلين الدوليين  the international   actors  of interests تجاه العديد من القضايا والازمات والنزاعات والصراعات الدولية المعاصرة وما نتج عنها من عدم التزام هذه القوى الدولية بمواثيق هيئة الامم المتحدة على غرار حرب الخليج الاولى والثانية وكذلك صراع منظومة الاتحاد السوفيتي مع الولايات المتحدة داخل الأراضي الافغانية وما نتج عنها من ولادة ابرز اشكال الجماعات الارهابية المتطرفة والمتمثلة في حركة المجاهدين المسلمين وصولا الى حركة طالبان المنطوية تحت الحماية الامريكية في تلك الفترة الزمنية .  وصولا الى المشاكل المنبثقة عن ثورات الربيع العربي مع بداية الالفية الثالثة من هذا القرن . حيث تجسدت صورة الانحراف في مسار العلاقات الدولية ووضح حالة الصراع الاقتصادي على المنطقة العربية في اغلبها حتى وان كانت ذات صبغة سياسية اكثر منها عسكرية  ولعل النموذج الليبي والسوري والعراقي خير دليل على ذلك .

 ولابد من الاخذ بعين الاعتبار ان هذا التغير او التطور الذى قد طرا على مجال العلاقات الدولية مرده الاسباب السياسية المتمثلة في :

  • رغبة الفاعلين الدوليين  the international of actors في اعادة رسم خارطة مناطق النفوذ الدولية على معايير اقتصادية اكثر من اية معايير اخرى سواء عسكرية او امنية .
  • ظهور فاعلين اقليميين the regional  of  actors  لديهم ذات الرغبة الاقتصادية مدعمون من الفاعليين الدوليين التقليديين على غرار ”  تركيا ، قطر ، اسرائيل ، ايران “
  • عدم جدية الفاعليين الدوليين في لعب دور محوري تجاه فض الصراعات او النزاعات الدولية نتيجة السببين السابقين .

ويبدو واضحا ان مجمل هذه الاسباب المذكورة سابقا هي التي انتجت حالة الفوضى السياسية دوليا . الامر الذى انعكس سلبا على اداء هيئة الامم المتحدة ومبعوثيها الدوليين    .          وهو ما يظهر بشكل واضح في بلدان ثورات الربيع العربي على غرار الحالة الليبية والسورية والعراقية .  وتنطوي الاشارة ان مسالة تعدد المبعوثين الدوليين داخل دولة الصراع او النزاع ليست بالمهمة  . بل ان المهم هو مدى قدرة تأثير المبعوث الأممي على فض ذلك النزاع او الصراع . ولعل هذا الاختبار الذى يقع فيه المبعوث الدولي يضعه في حالة الضعف على الاداء الامثل مما يؤدى الى تفوق الفوضى وازياد حالة التوتر داخل دولة الصراع او النزاع .

وبناء على ذلك فقد انعكس هذا الواقع السياسي الدولي  the political of order for world على اداء المبعوث الأممي . كما ان المعايير المتمثلة في الخبرة و الكفاءة والقدرة على الاداء تؤثر على اداء المبعوث الأممي .

كما ان المشكلة الحقيقة للمبعوث الأممي  تظهر في حال عدم التزامه بالخطوات الاساسية التي تساعده على اداء عمله بالشكل الصحيح والتي اهمها :

– العمل على عدم احترام ما يصدر عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية القائمة في الدولة المبعوث اليها   من قرارت واحكام ولوائح ونصوص  قانونية .

-عدم المامه بشكل صحيح الى طبيعة وخصائص حالة الصراع او النزاع  التي يقوم بمعالجتها كعنصر محايد .

-عدم قدرته على التعامل مع كافة القوى السياسية سواء الحكومية the  political  power of government   او غير الحكومية داخل دولة الصراع او النزاع بشكل يمتاز بالتوازن السياسي  the balance of political

– عدم قدرته في الحصول على معلومات وبيانات من مصادر رسمية  يمكن الوثوق بها وتكون غير وهمية او مخترقه او منحازة لأى طرف من اطراف الصراع او النزاع داخل الدولة .

– عدم قدرته على التفريق ما بين الفاعلين المحليين  the  local of actors سواء من حيث المستقلين او المنحازين لاحد طرفي الصراع او النزاع داخل الدولة المبعوث اليها .

– الادلاء بمعلومات وتقارير قد يشوبها الغموض او عدم الدقة او تعارضها في المضمون او عدم ملامستها للواقع الفعلي  خصوصا تلك التي تعرض داخل اروقة الامم المتحدة  .

.-  قيامه بفرض آراؤه الشخصية  the opinion your selfالمسبقة سواء على طرفي المشكلة   او احدهم من اجل كسب رضاء او تأييد الطرف الاخر سواء قبل او بعد جلسات الحوار الثنائي

–  عدم قدرة المبعوث الأممي على ابعاد القوى الخارجية من التدخل الذى يؤدى الى اطالة امد حالة الصراع  the   conflict التي تعيشها الدولة المبعوث اليها .

-عدم قدرته على خلق مناخ سياسي محلى و دولي مناسب مما يشجع طرفي الصراع او النزاع  على تقييم تنازلات ووعود تخدم في تقريب وجهات النظر توصل فعليا الى حالة الاتفاق السياسي  النهائي  the final of   political  pact

وفى الواقع ان هذه الاخطاء السياسية  the political of errorsهي التي اوقعت معظم المبعوثين الامميين خارج دائرة الاداء الامثل في فض الصراعات او النزاعات. التي اوكلوا بفضها وفق الجهود الاممية . ولعل نموذج فشل المبعوث الأممي المعاصر يتجسد في  كلا من المبعوث الأممي لدى  اليمن وسوريا  وصولا بالسيد كوبلر والسيد غسان سلامة . حيث ساهم وجود هؤلاء المبعوثين الأمميين في زيادة حدة الصراعات و النزاعات داخل هذه البلدان العربية وعدم رضاء اطراف المتنازعة على اداؤهم السياسي غير المستقل .

وبالتالى يمكن القول ان تواجد هؤلاء المبعوثين الدوليين اصبح يمثل  مشكلة حقيقة في مناطق الصراع  the zones of conflict. بل ان دور المبعوث الأممي اصبح يشكل شكل من اشكال التدخل الخارجي في شؤون الدولة الداخلية  . بل اصبح طرف ثالث من اطراف  الصراع.

ولابد من الاخذ بعين الاعتبار ان هذا الدور للمبعوث  الأممي قد ساهم في خلق مشاكل حقيقية لليبيا  متمثلة في التالي :

المشكلة الاولى – اعتبار ان حالة الصراع الليبي – الليبي هو صراع سياسي وهو ما يتنافى مع الواقع فالصراع داخل ليبيا هو صراع عسكري بحث وليس سياسي بدليل ان ما يعرف بحكومة الوفاق فاقدة للشرعية كونها غير حاصلة على ثقة مجلس النواب الليبي . وبالتالي فهي جماعة مدنية مغتصبة للسلطة التنفيذية  . وتحميها فصائل عسكرية متفاوتة في التوجهات السياسية  و العقيدة الدينية ومتفاوتة مناطقي . وان ما يقوم به الجيش الليبي الخاضع الى السلطة التشريعية هو عملية اعادة عنصري الامن الوطني والسيادة الوطنية للدولة الليبية الجديدة .

المشكلة الثانية –  حيث لم يستطيع المبعوث الأممي الى ليبيا من تحرير الاقتصاد الليبي من وقوعه في دوائر اقتصادية ومالية خارج سيطرة جهة تنفيذية شرعية متفق عليها من قبل السلطة التشريعية والمتمثلة مبدئيا في مجلس النواب الليبي .  مما ادى الى اهدار الثروات المالية لليبيا في غير مصلحة الاقتصاد الليبي   the non-economic  interest of Libya . بل اصبحت هذه الثروات الاقتصادية توظف في خدمة القلة من الاشخاص وتمويل مشاريع مشبوهة   ولعل اخرها يتمثل في  استجلاب المرتزقة السوريين والانفاق على الصفقات  العسكرية المشبوهة  من خلال شراء اسلحة تركية متطورة .

المشكلة الثالثة –  وهى ذات طابع امنى من خلال عدم قدرة المبعوث الأممي من ابعاد الاطراف غير المعنية من الحوار وادخالها في جلسات الحوار على غرار الطرف القطري والتركي .  الامر الذى انعكس سلبا على امكانية نجاح مثل هذه الحوارات التي ترعاها الامم المتحدة او البلدان الفاعلة في المجتمع الدولي   the  active states in world  .

وفى الختام يمكن القول ان ما دعا غسان سلامه لإعفائه من منصبه هو عدم قدرته على تفادى هذه المشاكل الاساسية التي اصبح الرأي العام الليبي  the opinion  public of Libya يدركها جيدا باعتبارها مشكلة ليبيا الحقيقية .

Please subscribe to our page on Google News

Mari Ali Alromhi
Mari Ali Alromhi

استاذ مشارك بقسم العلوم السياسية بجامعة بنغازي - دولة ليبيا

المقالات: 24

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *