العلاقات العربية الصينية: الحاضر وآفاق المستقبل

برزت الصين، الدولة التي یتجاوز عدد سكانها الـ 1.4 مليار نسمة، على مدى السنوات الماضية، قوةً اقتصادية عالمية لا يمكن تجاهلها، فاقتصادها يعد حالیًّا أكبر اقتصاد في العالم من ناحیة القوة الشرائیة، والثاني بعد الولایات المتحدة من حیث القیمة السوقیة، ومن المتوقع أن يصبح الأول مع نهاية العقد الحالي.

قوة الصين الاقتصادية

هذا الأداء المذهل، والتوسع الاقتصادي السريع للصين، أُنجِزا في فترة قصيرة من الزمن، حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للصین منذ انفتاح بكين على العالم الخارجي عام 1979 نحو 50 مرة، من أكثر من 300 مليار دولار إلى نحو 15 تريليون دولار في الوقت الراهن[1]. وهنا تشير أحدث بيانات لصندوق النقد الدولي، إلى أن الصين سوف تضيف إلى ناتجها الإجمالي أكثر من 9 تريليونات دولار مع نهاية 2026، أو ما يزيد على الحجم الحالي للاقتصادين الياباني والألماني معا[2].

هذا الصعود المتواصل لم يعد مفاجئًا لأحد، فقصة نهوض “التنين” الصيني أبهرت العالم بأسره، وأصبحت مصدر إلهام لكثير من الدول، ومبعثًا للقلق لدول أخرى في آن.  لكن فيما يخص الدول العربية، بات جليًّا أن صانعي القرار في معظم العواصم العربية يرون، منذ فترة طويلة، وعلى نحو متزايد، الكتابة على الجدار: “الصين قد تصبح القوة العظمى الأولى في المستقبل؛ مما يجعل نسج علاقات إستراتيجية مع هذه القوة الصاعدة قضية حيوية وإستراتيجية”.

تاريخ العلاقات الصينية العربية

في إطار هذه الخلفية الإستراتيجية، تطورت العلاقات العربية الصينية- تطورًا مطًّردًا- خلال العقود القليلة الماضية، حيث أصبحت الصين الآن المشتري الرئيسي للنفط العربي، والشريك الاقتصادي الرئيسي للدول العربية، وأكبر مستثمر في المنطقة. ومع إطلاق بكين مبادرة الحزام والطريق عام 2013، طورت الصين شراكات إستراتيجية شاملة مع السعودية، ومصر، والإمارات، والجزائر، في حين زاد نفوذها في إيران بعد توقيعها هذا العام خطة تعاون مدتها 25 عامًا مع طهران.

ويمكن القول إن هذا التحول حدث نتيجة عاملين رئيسيين؛ الأول هو أن الصعود الاقتصادي المذهل للصين على مدى العقود الثلاثة الماضية أدى إلى زيادة حادة في طلب البلاد على الطاقة. في غضون ذلك، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي، وهي أكبر مُصدر للنفط والغاز الطبيعي المسال، مركز ثقل النشاط الاقتصادي الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في حين يعكس العامل الثاني حالة عدم اليقين المتزايدة للدول العربية بشأن مسار علاقاتها مع الولايات المتحدة، والانطباع السائد لا سيما في دول الخليج أن واشنطن في طريقها إلى تقليص وجودها في المنطقة للتفرغ لمشكلاتها الداخلية ومواجهة الصعود الصيني.

محددات العلاقات الصينية العربية

وتأسيسًا على ما سبق، فإن هذه الورقة الموجزة تستعرض المحددات الأساسية التي تؤطر لتلك العلاقات، والتي سوف نشرحها على التوالي لاحقًا:

(1) المصالح الإستراتيجية والسياسية.

(2) الطاقة.

(3) المصالح الاقتصادية.

(4) المصالح الأمنية.

(5) التنافس الصيني الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.

من أجل فهم أوسع لتطور العلاقات العربية الصينية؛ ومن ثم استشراف دور الصين المستقبلي في منطقة الشرق الأوسط.

المحدد الأول: المصالح الإستراتيجية والسياسية

هناك ثلاثة عوامل مكملة بعضها لبعض قد ترسم ملامح العلاقات العربية الصينية؛ أولا: تصور الصين كقوة صاعدة ذات أجندة خالية من التدخل السياسي. ثانيًا: الاعتماد المتبادل على الطاقة. ثالثًا: أصبحت الصين أكثر مهارة في إدارة علاقاتها الدبلوماسية مع دول المنطقة. وفي المقابل، تسعى بكين إلى تعزيز “مبدأ الصين الواحدة” بشأن قضية تايوان، الذي كان جزءًا مهمًّا من أي علاقات ثنائية طورتها مع الدول العربية، ومنع انتقال الاضطرابات في منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين التي يعيش فيها غالبية مسلمي الإيغور.

وفي هذا السياق تمكنت الصين من الحفاظ على علاقات جيدة، وإن كانت فضفاضة، مع جميع الأطراف المتصارعة في المنطقة، بما في ذلك السعودية، وإيران، وإسرائيل، وفلسطين.  ولعل أقوى دليل على نفوذ الصين المتزايد هو أن جميع الدول العربية وإيران تدعم السياسة الصينية تجاه هونغ كونغ، والتبت، وشينجيانغ، وترى أن ما يحدث في تلك الأقاليم شأن داخلي يخص الصين وحدها[3]. ومع ذلك، يمكن القول إن مشروع مبادرة الحزام والطريق أحدث تغييرات كبيرة في سياسة الصين الخارجية تجاه الشرق الأوسط، حيث من المرجح أن يدفع النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين إلى مشاركة أوسع في المنطقة.

ويمكن القول كذلك إن الصين تسعى إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع الأطراف الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتعزيز أهداف سياستها الخارجية، بدلا من التركيز على المنطقة بشكل عام أو جماعي[4]. وفي هذا السياق، أقامت الصين “شراكة إستراتيجية شاملة” مع الجزائر (2014)، ومصر (2014)، والسعودية (2016)، وإيران (2016)، والإمارات (2018)[5].

  • السعودية، تمتلك مكانة دينية لدى جميع مسلمي العالم، وتعد أكبر مُصدر للنفط في العالم، والمورد النفطي الأول للصين، فضلا عن أنها أكبر اقتصاد في المنطقة، وعضو في مجموعة العشرين[6]. هذا بالإضافة إلى أن موقعها الإستراتيجي بين البحر الأحمر والخليج العربي يجعلها دولة مهمة في مبادرة الحزام والطريق.
  • الإمارات، نتيجة موقعها الجغرافي ودورها المحوري في مبادرة الحزام والطريق، تحولت إلى بوابة عبور للشركات الصينية نحو الشرق الأوسط، وإفريقيا، وأوروبا، حيث تعمل حاليًّا أكثر من 6000 شركة صينية في الأراضي الإمارتية. وبالمحصلة، تحولت الإمارات إلى أكبر سوق تصدير للصين، وثاني أكبر شريك تجاري (بعد السعودية) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا[7].
  • مصر، دولة قوية عسكريًّا، وتملك نفوذًا سياسيًّا معتبرًا، خاصةً في إفريقيا، ومنطقة شرق المتوسط، كما أنها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وسوق اقتصادية واعدة للمنتجات الصينية، بالإضافة إلى أهميتها التجارية في سياق مبادرة الحزام والطريق نتيجة سيطرتها على قناة السويس.
  • إيران، قوة كبرى في الشرق الأوسط، إضافة إلى أنها تمتلك قدرات عسكرية لا يستهان بها، ونفوذها يمتد من غزة وصولا إلى اليمن. وفي الوقت الراهن تعد الصين الشريك التجاري الأكبر لإيران، والمشتري الرئيسي للنفط الإيراني، وتعد إيران مركزًا مهمًّا في مبادرة الحزام والطريق نتيجة موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وسوقًا واعدة لمشروعات الاستثمار الصينية، فضلا عن كونها مزودًا مهمًّا للطاقة. والأهم أن الصين أبرمت مؤخرًا مع إيران اتفاقية شراكة ضخمة تشير بعض التقديرات أن قيمتها قد تصل إلى 400 مليار دولار[8].
  • إسرائيل، تشمل اهتمامات الصين الأساسية في إسرائيل التكنولوجيا المتقدمة، وموقعها الجغرافي كجزء من مبادرة الحزام والطريق.

وفي المقابل، بلغ عدد البلدان العربية التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق (حتى يناير/ كانون الثاني 2021)، من خلال توقيع مذكرة تفاهم مع الصين، 18 دولة[9]. وهنا يمكننا القول إن الدول العربية تنظر إلى علاقاتها المتنامية مع الصين من خلال أربع زوايا رئيسية:

  1. من الناحية الاقتصادية، الصين هي أكبر دولة من حيث عدد السكان، وتمتلك أكبر سوق في العالم، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومن المتوقع أن يصبح الأول مع نهاية العقد الحالي.
  2. الطاقة، تعد الصين حاليًّا أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وأكبر مستورد للنفط في العالم، ومن المتوقع أن تبقى أحد أهم المحركات الرئيسية لنمو الطلب على الطاقة خلال العقدين المقبلين.
  3. عسكريًّا، تمتلك الصين أكبر جيش في العالم، كما أنها قوة نووية، ولديها ثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة. كما أن تقنياتها العسكرية تتطور- تطورًا مطّردًا- ومن المنتظر أن تسد الصين الفجوة التكنولوجية مع الغرب على مدى العقدين المقبلين.
  4. سياسيًّا، الصين عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ومن المؤكد أن نفوذها السياسي سوف يتصاعد بمرور الوقت مع تنامي قدراتها الاقتصادية، والعسكرية.

ومع ذلك، يشعر كثير من البلدان العربية، لا سيما دول الخليج العربي، بالقلق من الاتفاق الجديد بين الصين وإيران الذي وقعه البلدان في 27 مارس (آذار) 2021. ومع أن بنود الاتفاق لم تنشر للعلن، فإن هناك تكهنات رائجة أن الصفقة تمتد إلى 25 عامًا، وستوفر للصين إمدادات من النفط الإيراني بأسعار تفضيلية. في المقابل، ستستثمر بكين 400 مليار دولار في البنية التحتية الإيرانية، من الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى الصحة وأنظمة النقل[10]. بالإضافة إلى الميزات الاقتصادية للصفقة، فإن لها جوانب أمنية مهمة تتعلق بالتعاون الاستخباراتي والعسكري[11]، مع أن الصين وإيران نفيا- نفيًّا قاطعًا- أن تكون للاتفاقية ملحقات عسكرية سرية تتعلق بقواعد عسكرية، أو ما شابه، ومع ذلك، حتى الاتفاقية الاقتصادية البحتة ستظل خطوة جديدة مهمة لا يمكن التقليل من شأن تداعياتها الإستراتيجية[12]؛ فهي من ناحية تقوض بشدة الجهود الأمريكية لاستخدام الحرب الاقتصادية ضد إيران، وتمنح إيران ورقة قوية في مفاوضاتها النووية مع الغرب، وفي المقابل تسمح للصين بالحصول على وجود اقتصادي وإستراتيجي أكبر في إيران، ومنطقة الخليج بشكل عام، فضلا عن إمكانية ربط مصالح بكين بدور جديد موسع في العراق، وروابط جديدة مع روسيا وسوريا[13].

المحدد الثاني: موارد الطاقة

منذ أن أصبحت الصين مستوردًا صافيًا للنفط، ارتفع استهلاكها ارتفاعًا كبيرًا، وتضاعف نحو خمس مرات في أقل من ثلاثة عقود فقط، حيث صعد من 2.9 مليون برميل يوميًّا عام 1993 إلى نحو 14 مليون برميل يوميًّا عام 2020[14]. ونتيجة لذلك، زادت واردات النفط أيضًا بسرعة، حيث ارتفعت من صفر عام 1993 لتتجاوز 10.8 مليون برميل في اليوم أو أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الطلب على النفط في الصين خلال العام الماضي (انظر الجدول رقم 1).

وفي سياق هذا الاستهلاك المطّرد للنفط، أصبحت الدول العربية، لا سيما الخليجية، أهم مورد خارجي؛ حيث تزود بكين حاليًّا بما يقرب من برميل واحد من كل برميلين من إجمالي استيراد الصين من النفط الخام. وعلى مدى العقد الماضي، قفزت واردات الصين من النفط من الدول العربية ما يعادل تقريبًا سبعة أضعاف من نحو 0.8 مليون برميل في اليوم عام 2003[15] إلى ما يقرب من 5.1 مليون برميل، وهو ما يمثل نحو نصف إجمالي واردات الصين من النفط نهاية عام 2020 (الجدول رقم 1).

ومن الجدير بالذكر أن خمس دول عربية من بين أكبر عشر دول موردة للنفط للصين (السعودية، والعراق، وعمان، والإمارات، والكويت). والسعودية أكبر مصدر لواردات الصين من النفط، وشكلت وحدها 16.5% من إجمالي واردات الصين من النفط الخام العام الماضي، في حين كانت قطر ثاني أكبر مورد من الغاز الطبيعي المسال (LNG) إلى الصين عام 2020 (الجدول رقم 1 و2).

وبالمحصلة، زاد حجم التجارة البينية بين الصين والدول العربية عشرة أضعاف تقريبًا، من نحو 25 مليار دولار عام 2003 إلى نحو 240 مليار دولار عام 2020.

(الجدول رقم 1): أكبر موردي النفط إلى الصين في عام 2020

الدولة/ المنطقة واردات الصين من النفط عام 2020 (ألف برميل يوميًّا) الحصة السوقية من إجمالي واردات الصين عام 2020 (%)
العالم 10,83 100
الدول العربية مجتمعة 5,07 46.8
السعودية 1,69 15.7
روسيا 1,67 15.4
العراق 1,20 11.1
البرازيل 836 7.8
أنغولا 826 7.7
سلطنة عمان 759 7.0
الإمارات 642 5.7
الكويت 546 5.1
الولايات المتحدة 405 3.6
النرويج 258 2.3

المصدرنشرة “ميس” الاقتصادية، الإدارة العامة للجمارك في الصين

(الجدول رقم 2): أكبر موردي الغاز الطبيعي المسال إلى الصين في عام 2020

الدولة/ المنطقة واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال عام 2020 (مليون طن سنويًّا) الحصة السوقية من إجمالي واردات الصين عام 2020 (%)
العالم 67.3 100
أستراليا 29.12 43.3
الدول العربية مجتمعة 9.72 14.4
قطر 8.17 12.1
ماليزيا 6.12 9.1
إندونيسيا 5.13 7.6
الولايات المتحدة 3.23 4.8

المصدرنشرة “ميس” الاقتصادية، الإدارة العامة للجمارك في الصين

المحددالثالث: المصالح الاقتصادية

تعد المصالح الاقتصادية عاملا حاسمًا في نمو العلاقات الصينية العربية، حيث أصبحت المنطقة وجهة مهمة للمنتجات الصينية، فضلا عن أنها سوق مربحة لعقود البناء والإنشاء التي تنفذها الشركات الصينية. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن الصين تعد أكبر مستثمر أجنبي في المنطقة[16]، وأكبر شريك تجاري لعشر دول عربية، بما في ذلك مصر، والسعودية، والإمارات، والعراق، وثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي ككل، وأكبر سوق لصادرات البتروكيماويات الخليجية[17].

 كما تؤدي الصين، بوصفها قوة اقتصادية عظمى، دورًا أكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية للدول العربية، فقد نما نطاق مصالح الصين في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، من التركيز الضيق على تجارة الهيدروكربونات إلى استثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والصناعة، والتمويل، والنقل، والاتصالات. والأهم أن الصين أيضًا أصبحت شريكًا مهمًّا في برامج التنويع الاقتصادي التي تنتهجها دول المنطقة، والهادفة إلى تقليل الاعتماد على تصدير الطاقة والموارد الأولية[18].

وفي السياق، أكد السفير الصيني لدى الكويت أن بلاده تستعد للعمل مع دول الشرق الأوسط على توطيد التعاون في “مجال الطاقة على جميع الأصعدة، وتوسيع التعاون في مجال الطاقة المتجددة، وتعميق التعاون في مشروعات البنية التحتية الكبرى، واستحداث أنماط جديدة للاستثمار والتمويل لرفع مستوى سهولة ممارسة التجارة البينية، وتوسيع نطاق تبادل العملات، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجال التقنيات المتطورة الحديثة، بما فيها شبكة الجيل الخامس، والبيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي، لفتح آفاق جديدة للتعاون في مرحلة ما بعد جائحة كورونا”[19].

هناك كثير من المبادرات التي قدمتها بعض الدول العربية لتأطير تعاونها مع مبادرة الحزام والطريق، مثل مشروع تطوير الجزر الخمس في الكويت، ومدينة جيزان الصناعية السعودية، والمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في سلطنة عمان، ومنطقة قناة السويس الاقتصادية في مصر، ومنطقة خليفة الصناعية في أبو ظبي[20].

 (الجدول رقم 3): تجارة الصين مع العالم الخارجي (مناطق مختارة 2020)

المنطقة   الصادرات الواردات إجمالي تجارة الصين الخارجية
جميع دول العالم (تريليون دولار) 2.59 2.06 4,65
دول اتفاقية نافتا – الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك (مليار دولار) 539.5 173.9 713.4
أوروبا (مليار دولار) 535 370.1 905.1
آسيا (تريليون دولار) 1.23 1.16 2.39
إفريقيا (مليار دولار) 113.9 72.8 186.7
الشرق الأوسط (مليار دولار) 143.4 128.3 271.7
الدول العربية مجتمعة (مليار دولار) 116.5 122.9 239.4
دول مجلس التعاون الخليجي (مليار دولار) 70.8 90.6 161.4
أمريكا الجنوبية والكاريبي (مليار دولار) 149.8 164.8 314.6

المصدر: مركز التجارة العالمي، وبيانات رسمية صينية

 (الجدول رقم 4): أكبر الشركاء التجاريين العرب مع الصين 2020 (مليار$)

الدولة إجمالي التجارة
السعودية 67.1
الإمارات 49.2
العراق 30.2
سلطنة عمان 18.6
مصر 14.5

المصدر: مركز التجارة العالمي، وبيانات رسمية صينية

(الجدول رقم 5): الاستثمارات الصینیة والإنشاءات في العالم (2005 – 2020)

المنطقة حجم الاستثمارات (ملیار دولار)
جميع مناطق العالم 2095.49
دول مبادرة الحزام والطريق 762.57
أوروبا 428.16
دول شبه الصحراء الإفريقية 303.24
غرب آسيا 302.05
شرق آسيا 300.57
الدول العربية 196.93
أمريكا الجنوبية 182.93
أمريكا الشمالية 72.39

المصدر: The China Global Investment Tracker

(الجدول رقم 6): أكبر الدول العربية استقبالا للاستثمارات الصينية خلال الفترة 2005-2020 (مليار$)

الدولة حجم الاستثمارات (ملیار دولار)
السعودية 39.9
الإمارات 34.7
الجزائر 23.8
العراق 23.7
مصر 23

المصدر: The China Global Investment Tracker

المحدد الرابع: الضرورات الأمنية

تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مركزًا بالغ الأهمية لتطوير مبادرة الحزام والطريق؛ نتيجة موقعها الإستراتيجي الواصل بين البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر والخليج العربي، والمشرف على أهم الممرات البحرية (مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس)، التي تعد حيوية لتدفق موارد الطاقة والتجارة العالمية[21].

تعمل الصين على تحسين التعاون الأمني ​​مع دول الشرق الأوسط لحماية مصالحها الخارجية، ولأغراض مكافحة الإرهاب والقرصنة والتدريب. أنشأت الصين قاعدة لوجستية في جيبوتي عام 2017. كما تشارك في مهام مكافحة القرصنة في المحيط الهندي، وترسل قوات حفظ السلام في إطار الأمم المتحدة، وتشارك- من حين إلى آخر- إلى جانب قوات تابعة لبعض الدول العربية بتدريبات مشتركة على أساليب مكافحة الإرهاب[22]، مع أن الصين تعترف بالهيمنة الأمنية الأمريكية في المنطقة، وليس لديها حتى الآن نية لتحديها. ومع ذلك، ونتيجة زيادة الاعتماد على الطاقة والاستثمارات في المشروعات العملاقة والتجارة والاتصال، فضلا عن الاهتمام باستثمارات البنية التحتية الحيوية، ونشر أعداد كبيرة من المواطنين الصينيين جنبًا إلى جنب مع الأنشطة، فإن البعد الأمني قد يصبح ​​أمرًا لا مفر منه.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن الكتاب الأزرق الذي يتناول قضایا الأمن غیر التقليدية، ویصدر سنویًّا عن أكاديمية العلوم الاجتماعیة في بكین، حدد سابقًا الأهداف الصینیة التي تهدف مبادرة الطریق والحزام إلى تحقيقها، وهي:

(أ) حمایة الأمن الاقتصادي الوطني الصیني.

(ب) تعزيز أمن الطاقة من خلال طرق الشحن البديلة.

(ج) تسهیل أمن الحدود من خلال تطوير المناطق الغربیة للصین.

(د) مكافحة الشُرور الثلاثة، أي الإرهاب، والانفصالية، والتطرف الدیني، في الداخل والخارج، من خلال التنمية الاقتصادیة، وإعادة توزیع الثروة.

(هـ) الحد من المكائد الجیوسیاسیة التي تقودها الولایات المتحدة.

(و) “(بناء) نظام أمني دولي جدید” یعزز القوة الوطنية الشاملة للصین وقوتها الناعمة[23].

المحدد الخامس: التنافس الصيني الأمريكي

مع صعود الصين، والإرهاق العسكري والاقتصادي الذي تعانيه الولايات المتحدة، زادت التكهنات في السنوات الأخيرة عما إذا كانت بكين تسعى إلى استبدال واشنطن كضامن رئيسي للأمن لبعض دول الشرق الأوسط. بالطبع فإن حدوث هذا الوضع يعتمد- جزئيًّا- على مدى تخلي الولايات المتحدة عن التزامها تجاه المنطقة، وما إذا كانت دول الشرق الأوسط ستسعى إلى ضامن بديل، لكنه يعتمد أيضًا- اعتمادًا حاسمًا- على ما إذا كانت الصين لديها أي مصلحة في لعب هذا الدور والقدرة على لعبه[24].

تدرك الدول العربية، ولا سيما في الخليج، أن النمو الاقتصادي الصيني يمكن أن يترجم في النهاية إلى قوة عسكرية متزايدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ مما يسمح لها بتبني سياسات أكثر حزمًا في المنطقة في سعيها إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية. لكن في المقابل، تعلم الدول الخليجية أنها بحاجة إلى موازنة ذلك مع علاقاتها العسكرية والأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة.

مع ذلك، لا يتوقع صانعو القرار في دول مجلس التعاون الخليجي أن الصين تملك القدرات العسكرية واللوجستية (وحتى الإرادة السياسية) لتوفير بديل موثوق به للمظلة الأمنية الأمريكية في الخليج، على الأقل في المديين القصير والمتوسط[25]. أما بالنسبة إلى الصين، ففي حين أن قاعدتها الجديدة في جيبوتي ذات أهمية جيوسياسية كبيرة، فإنها تعلم أن قوتها البحرية والجوية لا تضاهي في الوقت الراهن مثيلتها الأمريكية. كما أن أولوية بكين القصوى في الوقت الراهن هي جوارها الآسيوي، وليس منطقة الخليج؛ ومن ثم فإن من المرجح (على الأقل خلال هذا العقد) أن تركز بكين أنشطتها البحرية على المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي[26]، وسط تصاعد نشاطها العسكري تدريجيًّا في الشرق الأوسط.

في المقابل، من غير المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن وجودها العسكري في الشرق الأوسط بشكل كبير خلال هذا العقد على أقل تقدير؛ لأن هذا من شأنه أن يقوض قوتها العالمية ومرونتها في الاستجابة للأزمات الإقليمية[27]. ويمكن أن نعزو ذلك إلى أربعة أسباب رئيسية:

  1. إمدادات النفط العالمية وضمان تدفقها: في الوقت الذي انخفض فيه اعتماد الولايات المتحدة على النفط من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العقد الماضي، لا تزال أسعار النفط تحددها الأسواق الدولية، التي تتفاعل مع الأحداث العالمية، بما في ذلك عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وهنا إذا كان هدف الولايات المتحدة هو احتواء طموحات الصين في آسيا، ودعم الحلفاء المقربين، مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، فإن الانسحاب من الشرق الأوسط هو آخر شيء يجب أن تفعله؛ لأن الدول الآسيوية الرئيسية تعتمد على نفط الشرق الأوسط أكثر من الصين. كما أن التنازل عن السيطرة على الممرات المائية الرئيسية في منطقة الخليج، والبحر الأحمر، لبكين و/أو موسكو، وحتى قوى أخرى، سيجبر جميع البلدان الآسيوية على إعادة التفكير في تحالفاتها الاستراتيجية[28]. ولعل الصعود الجيوسياسي للصين وروسيا في السنوات الأخيرة، منح الولايات المتحدة أسبابًا إضافية للبقاء منخرطة في الشرق الأوسط.
(الجدول رقم 7): نسبة اعتماد أهم الدول الآسيوية والولايات المتحدة على واردات النفط الخام من الشرق الأوسط (2020)
إجمالي الواردات (مليون برميل يوميًّا) الواردات من الشرق الأوسط (مليون برميل يوميًّا) نسبة الاعتماد على نفط الشرق الأوسط أكبر مٌورد نفطي
الصين 10.866 5.083 47% السعودية
الهند 3.943 2.478 62% العراق
كوريا الجنوبية 2.658 1.843 69% السعودية
اليابان 2.473 2.275 92% السعودية
الولايات المتحدة 5.877 701 ألف برميل يوميًّا 12% كندا
تايوان 726 ألف برميل يوميًّا 536.5 ألف برميل يوميًّا 74% السعودية

المصدر: إعداد الباحث بالاعتماد على بيانات نشرة “ميس” الاقتصادية وبيانات رسمية

  1. حماية إسرائيل: السبب الرئيسي الثاني لانخراط الولايات المتحدة انخراطًا شديدًا في شؤون الشرق الأوسط هو التزامها بحماية أمن إسرائيل من التهديدات الخارجية. ومع أن البيئة الجيوإستراتيجية لإسرائيل قد تحسنت في السنوات الأخيرة، فإن الضغوط الدولية نتيجة زيادة التعاطف مع الفلسطينيين، فضلا عن التقلبات السياسية ورمال الشرق الأوسط المتحركة، تجعل الحماية الأمريكية قضية مصيرية بالنسبة إلى إسرائيل.
  2. توازن القوى الإقليمي: السبب الرئيسي الثالث لتدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو الحفاظ على توازن القوى المتنافسة في المنطقة، وهي إيران والسعودية وتركيا، ولعلها سياسة غربية أو استعمارية تقليدية تعمل على منع أو كبح جماح أي قوة إقليمية من أن تصبح لها اليد الطولى في المنطقة.
  3. محاربة “الإرهاب”: السبب الرئيسي الرابع هو إعلان الولايات المتحدة التزامها العميق بمحاربة التنظيمات والحركات التي تصنفها إرهابية، مثل القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية.

الخاتمة

تنظر الدول العربية إلى الصين على أنها قوة عظمى في طور التكوين، وتتوقع أن تبقى البلاد وجهة رئيسية لصادراتها من الطاقة خلال العقدين المقبلين؛ ومن ثم سيكون من المنطقي للعرب تعزيز العلاقات مع هذه القوة الصاعدة. من ناحية أخرى، من المرجح أن تنمو مصالح الصين ووجودها وتأثيرها في الشرق الأوسط خلال العقدين المقبلين.

مع ذلك، من المستبعد أن تسعى الدول العربية، لا سيما دول الخليج الآن، أو في المستقبل المنظور، إلى استخدام الصين كبديل عسكري للولايات المتحدة، هذا بالطبع في حال قبول الصين أداء هذا الدور أصلا. يظل الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة هدفًا رئيسيًّا للسياسة الخارجية لأغلب دول المنطقة.  لكن البلدان العربية/ الخليجية لها مصلحة كذلك في تجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة؛ ومن ثم تعمل دول مثل السعودية، والإمارات، ومصر، على مسارات متوازية: “تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية، وتنويع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع لاعبين خارجيين رئيسيين، خاصةً الصين”.

وعلى هذا الأساس، من المرجح على المدى الطويل أن تتطلع الدول العربية، لا سيما الخليجية، بجدية نحو ترتيبات أمنية سياسية متعددة إذا كانت واشنطن ستضع بعض المسافة بينها وبين الشرق الأوسط، أو إذا اتسع الصدع بين الدول العربية/ الخليجية والولايات المتحدة، وهو تطور قد يدفع بعض الدول العربية إلى تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع الصين، أو استضافة منشآت عسكرية صينية، بما في ذلك القواعد البحرية.

[1] IMF, “The World Economic Outlook (WEO) database”, April 2021,  https://bit.ly/3cIdSem

[2] المرجع السابق

[3] See:  Jamil Anderlini, “China’s Middle East strategy comes at a cost to the US”, Financial Times, 9 September 2020, https://on.ft.com/3bNPFmD and Chuchu Zhang & Chaowei Xiao (2021) Bridging the gap between overseas and Chinese perceptions on Sino-Middle Eastern relations: a Chinese perspective, Globalizations, 18:2, p.277, https://doi.org/10.1080/14747731.2020.1777626

[4] Jon B. Alterman, “China’s Middle East Model”, Center for Strategic and International Studies, Washington, D.C., 23 May 2019, https://bit.ly/3iIXiPo

[5] Bingbing Wu, “China and New Middle East”, Journal of Balkan and Near Eastern Studies, 12 February 2021, p.8, https://bit.ly/3znHxmV

[6] Timothy R. Heath, Derek Grossman, Asha Clark, “China’s Quest for Global Primacy: An Analysis of Chinese International and Defense Strategies to Outcompete the United States”, The RAND Corporation, 7 June 2021, https://bit.ly/3fYoN5Q

[7] Ali Obaid Al Dhaheri, “Proud achievements from UAE-China ties pave the way for an even brighter future”, Global Times, 30 November 2021, https://bit.ly/3gzJ3cT

[8] See: Farnaz Fassihi and Steven Lee Myers, “Defying U.S., China and Iran Near Trade and Military Partnership”, New York Times, 22 July 2020, https://nyti.ms/3xmZkci and Lars Erslev Andersen, “China, the Middle East, and the reshaping of world order: The case of Iran”, DIIS Working Paper, 11 December 2019. https://www.diis.dk/node/21863

[9] See:  https://green-bri.org/countries-of-the-belt-and-road-initiative-bri/

[10] Ardavan Khoshnood and Arvin Khoshnood, “Security Implications of the Iran-China Deal”, Begin-Sadat Center for Strategic Studie, May 10, 2021, https://bit.ly/3vbuaCR

[11] المرجع السابق

[12] Anthony H. Cordesman, “China and Iran: A Major Chinese Gain in “White Area Warfare” in the Gulf”, The Center for Strategic and International Studies (CSIS)29 March 2021,  https://bit.ly/3bWJyfF

[13] المرجع السابق

[14] “Oil Market Report”, IEA, June 2021, https://bit.ly/3cFSruE

[15] International Trade Center (ITC), “Trade Map”, https://bit.ly/3gpL1Ou

[16] Jamil Anderlini, “China’s Middle East strategy comes at a cost to the US”.

[17] See: Bingbing Wu, China and New Middle East, Journal of Balkan and Near Eastern Studies” and IMF, “The Direction of Trade Statistics (DOTS)”, https://bit.ly/3pQqa9Y

[18] C. Lons, J. Fulton, and N. al-Tamimi, China’s great game in the Middle East, European Council on Foreign Relations (ECFR), 21 October 2019. https://bit.ly/3hWzO95

[19] Li Minggang, “China a Long-term, Reliable Strategic Partner of Middle East Countries”, Chinese Embassy in Kuwait, 8 April 2021, https://bit.ly/35n2sJ5

[20] Bingbing Wu, “China and New Middle East, Journal of Balkan and Near Eastern Studies”

[21] Katarzyna W. Sidło (Ed.), “The Role of China in the Middle East and North Africa (MENA). Beyond Economic Interests?”, European Institute of the Mediterranean, July 2020, https://bit.ly/3yIZ60e

[22] Bingbing Wu, “China and New Middle East”,  p.10

[23] Yu Xiao Feng and Wei Jiang Bian, Report on Chinas Non-Traditional Security Studies (2013-2014), Beijing: Social Sciences Academic Press, 2014, https://amzn.to/3cx8zhK

[24] Tim Niblock, “China and the Middle East: A Global Strategy Where the Middle East has a Significant but Limited Place”, Asian Journal of Middle Eastern and Islamic Studies, 14:4, November 2020, p.481, https://bit.ly/2RYeG7W

[25] C. Lons, J. Fulton, and N. al-Tamimi, “China’s great game in the Middle East”.

[26] “US Unlikely To Substantially Reduce Gulf Military Presence Over Next Decade”,  Fitch Solutions, 2 March 2021, https://bit.ly/2T7b5V

[27] المرجع السابق

[28] Jamil Anderlini, “China’s Middle East strategy comes at a cost to the US”.

Please subscribe to our page on Google News

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 15380

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *