المؤلف مـريم سلطـان لوتاه* أستاذ مشارك قسم العلوم السياسية ، جامعة الامارات
مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية القاهرة، المقالة 7، المجلد 19، العدد 2 – الرقم المسلسل للعدد 75، الربيع 2018، الصفحة 179-204
تقدم العلاقات الأردنية – الخليجية نموذجاً للعلاقات التعاونية العربية، سواء لاتسامها بالاستمرارية منذ استقلال دول الخليج العربي وحتى المرحلة الراهنة، أو لتعدد جوانب ذلک التعاون ومستوياته، أو لثباتها رغم ما شهده الوطن العربي من أزمات، وتداعياتها على العلاقات العربية – العربية.
هذه الطبيعة الخاصة للعلاقات الخليجية – الأردنية تستدعي البحث والتحليل للوقوف على مرتکزات هذه العلاقة التعاونية، بغرض تعزيزها لما فيه مصلحة الطرفين من جهة، وتدعيم الأمن والاستقرار على المستوى العربي من جهة ثانية.
وقد تناولت العديد من الکتابات العلاقات الخليجية – الأردنية، أو العلاقات الأردنية بکل طرف خليجي على حده، وطرحت العديد من التساؤلات حول القواسم المشترکة التي تربط الأردن بدول الخليج العربي، وأهم مجالات التعاون الخليجي – الأردني ومستوياته، وهل يقدم التقارب الخليجي والأردني ضمانة کافية للأمن والاستقرار لکلا الطرفين.
وقد حاولت الدراسة بحث وتحليل العلاقات الخليجية – الأردنية، من خلال الإجابة على تلک التساؤلات وخلصت إلى التأکيد على أهمية الروابط والقواسم المشترکة، بالإضافة إلى التقارب النظمي، والتوافق المصلحي في تدعيم العلاقات التعاونية الخليجية الأردنية.
کما حاولت استشراف مستقبل هذه العلاقة في ظل التحديات الراهنة والمحتملة، طارحة السيناريوهات التالية: سيناريو الاتفاق، سيناريو الفتور والافتراق، سيناريو تعزيز وتوسيع دائرة الاتفاق.
ورغم احتمالية حدوث أي من هذه السيناريوهات بناء على ما تعتمد عليه من حجج، إلا أن السيناريو الثالث يعد الأکثر احتمالاً، لاعتبارين أساسيين وهما:
1) صمود هذه العلاقة لفترة طويلة نسبياً.
2) عظم التحديات المشترکة في المرحلة الراهنة واحتمال استمرارها، مما يرجح هذا السيناريو بدرجة أکبر.
مقدمة:
ترتبط دول الخليج العربي والأردن بعلاقات متينة تأخذ أطراً ومستويات متعددة، وتقدم نموذجاً للعلاقات التعاونية العربية، سواء لاتسامها بالاستمرارية منذ استقلال دول الخليج العربي وحتى المرحلة الراهنة، أو لتعدد جوانب ذلک التعاون ومستوياته، أو لثباتها رغم ما شهده الوطن العربي من أزمات، وتداعياتها على العلاقات العربية – العربية.
هذه الطبيعة الخاصة للعلاقات الخليجية – الأردنية تستدعي البحث والتحليل للوقوف على مرتکزات هذه العلاقة التعاونية، بغرض تعزيزها لما فيه مصلحة الطرفين من جهة، وتدعيم الأمن والاستقرار على المستوى العربي من جهة ثانية.
ومن المهم الإشارة إلى أن العلاقات التعاونية الخليجية – الأردنية قد شهدت قدراً من الفتور في الفترة من 1999 – 2001 متأثرة بأهم المتغيرات الدولية والعربية في تلک المرحلة والتي تتمثل في انهيار الاتحاد السوفييتي من جهة، وغزو العراق للکويت من جهة ثانية، إلا أنها سرعان ما عادت لطبيعتها التعاونية منذ عام 2001م.
وقد تناولت العديد من الکتابات العلاقات الخليجية – الأردنية، أو العلاقات الأردنية بکل طرف خليجي على حده،وتتبعت هذه الدراسات نشأة هذه العلاقة وتطورها، محاولة الترکيز على العوامل المؤثرة في تعزيزها، وتلک التي أدت إلى توترها في عقد التسعينات من القرن الماضي، بالإضافة إلى توضيح العوامل التي ساعدت على إعادة هذه العلاقات إلى سابق عهدها منذ بداية الألفية الثالثة، إلا أن اندلاع الحراک الشعبي العربي وتداعياته وما مثلته تلک التداعيات من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية على النظم والمجتمعات العربية بصفة عامة، وانعکاس تلک التحديات على خارطة التحالفات على مستوى المنطقة، مسألةتستدعي بحث العلاقات الخليجية – الأردنية من جديد(1).
وتطرح هذه الدراسة العديد من التساؤلات لعل من أهمها:
– ما هي المحددات الداخلية والخارجية التي تحکم کل من السياسة الخارجية الأردنية، والسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.
– ما هي القواسم المشترکة التي تربط الأردن بدول الخليج العربي، وتجعل العلاقة التعاونية بينهما ثابتة وصلبة في وجه التحديات التي أربکت في کثير من الأحيان العلاقات العربية – العربية، وأعادت صياغتها من جديد؟
– وما هي أهم مجالات التعاون الخليجي – الأردني ومستوياته؟
– وإلى أي مدى يمکن القول بأن الأزمات التي شهدها الوطن العربي قد أدت إلى مزيد من التقارب الخليجي – الأردني؟
– وهل يمکن القول بتماثل القراءة الخليجية – الأردنية للحراک الشعبي العربي، وکيف أثرت هذه القراءة المتقاربة في تعامل صانع القرار الخليجي والأردني مع ما مثله الحراک الشعبي العربي من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية؟
– وهل يقدم التقارب الخليجي والأردني ضمانة کافية للأمن والاستقرار لکلا الطرفين في ظل حالة عربية تعج بأسباب الصراع وعدم الاستقرار السياسي، والاختراق الإقليمي والدولي، أم أنه من الأهمية بمکان تقوية ذلک التقارب وتوسيع دائرته ليشمل أطرافاً عربية أخرى أکثر ثقلاً وتأثيراً.
– وما هي انعکاسات الخلاف القطري الخليجي على العلاقات الأردنية الخليجية خاصة في ظل استعانة قطر بقوى إقليمية کإيران وترکيا.
– وإلى أي مدى يمکن القول بأن الخلاف القطري الخليجي خلاف مؤقت يمکن احتوائه بجهود خليجية وعربية أو حتى دولية، ولن يضعف تماسک المنظومة الخليجية، أم أنه سيقود إلى خروج قطر وإضعاف مجلس التعاون الخليجي.
وسوف تعتمد الدراسة على الجمع بين المنهج التاريخي لتتبع نشأة وتطور العلاقات الأردنية الخليجية بالإضافة إلى منهج صنع القرار والذي سيعين على تحديد أهم المحددات والعوامل المؤثرة في صناعة القرار الخليجي الأردني، وتوجيه العلاقات بين الطرفين.
وسوف تحاول الدراسة بحث وتحليل العلاقات الخليجية – الأردنية، والإجابة على التساؤلات السابقة مع الترکيز على ما شهدته هذه العلاقة من تطورات خلال السنوات الخمس الماضية. وذلک من خلال المحاور التالية:
-العلاقات الخليجية – الأردنية بحث في المحددات المرتکزات والقواسم المشترکة.
-مجالات التعاون الأردني الخليجي ومستوياته.
-الموقف الخليجي والأردني من الحراک الشعبي العربي.
-استشراف مستقبل العلاقات الخليجية – الأردنية.
المحور الأول: العلاقات الخليجية – الأردنية بحث في المحددات والمرتکزات والقواسم المشترکة.
لما کانت السياسة الخارجية لأي دولة لا تأتي من فراغ ولا تخرج إلى فراغ، بل هي محکومة بمجموعة من المحددات الداخلية والخارجية التي تحکم مسارها وتوجهها(2)، فإن الدراسة هنا معنية بالبحث في أهم محددات السياسة الخارجية الأردنية والسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.
فيما يتعلق بمحددات السياسة الخارجية الأردنية يمکن الإشارة وبإيجاز لمجموعة من المحددات الداخلية والخارجية والتي تتمثل في:
أولاً المحددات الداخلية:
أ) المحدد الجغرافي ويتضمن موقع المملکة الأرنية الهاشمية وحدودها ومساحتها وکثافتها السکانية وما تعنيه تلک العوامل الجغرافية من معطيات (إمکانات أو تحديات) وانعکاسها على صناعة القرار السياسي الخارجي للأردن.
وبالنسبة لموقع المملکة الأردنية الهاشمية فهي تمثل الجزءالجنوبي من بلاد الشام سابقاً،وهي بحدودها السياسية
تقع بين قِوى عربية قوية،السعودية في الجنوب والعراق في الشرق وسورية في الشمال،وهي دول لها ثقلها السياسي على مستوى النظام الإقليمي العربي، ومن ناحية أخرى تمثل الحدود السياسية الأردنية الفلسطينية أحد أهم التحديدات المؤثرة في السياسة الخارجية الأردنية خاصة منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وتطورات الصراع العربي الإسرائيلي وانعکاساته على الداخل الأردني، وکذلک على السياسة الخارجية الأردنية(3).
ومن حيث المساحة تعد الأردن دولة صغيرة المساحة، إذ تبلغ مساحتها 89.287 کم²، وتحتل المرتبة الـ (14) مقارنة بمساحة الدول العربية الأخرى، وهي محاطة بدول أکبر منها مساحة إذ تحتل المملکة العربية السعودية المرتبة الثالثة عربياً من حيث المساحة، بينما تحتل العراق المرتبة العاشرة، وتأتي سورية في المرتبة الثانية عشرة، بينما تأتي فلسطين المحتلة في المرتبة السابعة عشرة من حيث المساحة، الأمر الذي يعني أن الأردن دولة صغيرة المساحة مقارنة بدول جوارها الجغرافي فيما عدا فلسطين المحتلة.
وتعد إطلالة الأردن على خليج العقبة في الجنوب الغربي المنفذ البحري الوحيد لها على البحر الأحمر. ويبلغ تعداد سکانها نحو 6,508,271 نسمة، مما يعني أنها دولة قليلة السکان إذا ما قورنت بتعداد سکان الدول المجاورة کسورية والعراق والمملکة العربية السعودية(4)، بالإضافة إلى ما تمثله الترکيبة السکانية الأردنية من تحد بالنسبة لصانع السياسة الخارجية خاصة وأن نسبة عالية من الشعب الأردني هم فلسطينيي الأصل مما يجعل تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي مسألة ضاغطة على السياسة الخارجية الأردنية بشکل أکبر.
ولا شک أن التوترات الأمنية والسياسية التي شهدتها العديد من البلدان العربية وفي مقدمتها الغزو الأمريکي للعراق عام 2003، والتوترات الناجمة عن ما يعرف بالربيع العربي في سورية، قد کانت لها تداعياتها الواضحة على السياسة الداخلية والخارجية الأردنية خاصة فيما تمثل في ضغط النازحين من مناطق الصراع والتوتر إلى الداخل الأردني وما يعنيه ذلک من تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية.
ب) المحدد الاقتصادي: إذ تعد الموارد مؤثراً أساسياً في صناعة القرار السياسي الداخلي والخارجي على حد سواء، ولما کانت الأردن شحيحة الموارد الاقتصادية وهي بحاجة مستمرة للدعم الخارجي الأمر الذي يؤثر بدرجة أو بأخرى على خيارتها السياسية(5).
ج) المحدد النظمي: فالنظام السياسي الأردني نظام ملکي وراثي ذو توجهات محافظة مما يجعله أقرب في سياساته الخارجية للنظم العربية الوراثية، کدول مجلس التعاون الخليجي والنظام المغربي وهذا ما يفسر التقارب الأردني الخليجي والعلاقات التعاونية الخليجية الأردنية.
د) إدراک صناع القرار: أو ما يطلق عليه البعض (العامل النفسي)، إذ أن إدراک صانع القرار للبيئة الداخلية والإقليمية والدولية مسألة على درجة عالية من الأهمية في التأثير على صناعة القرار السياسي، فهناک اختلاف بين إدراک صانع القرار لمعطيات البيئة من حوله بمستوياتها المختلفة، وحقيقة هذه المعطيات، وبقدر ما يکون هناک وضوح في رؤية صانع القرار لهذه المعطيات، بقدر ما يأتي القرار الخارجي أکثر اتزاناً وتحسباً لتأثير هذه المعطيات الداخلية منها والخارجية.
وتلعب القيادة وإدراک صانع القرار دوراً أساسياً في التأثير على عملية صنع القرار الداخلي والخارجي خاصة في بلدان العالم الثالث التي يبرز فيها دور القيادة السياسية، ويتراجع فيها تأثير المؤسسات السياسية والمؤسسات الوسيطة التي غالباً ما يکون دورها ضعيفاً وشکلياً في الکثير من دول العالم الثالث بما فيها الدول العربية(6).
ثانياً المحددات الخارجية:
ويمکن الإشارة هنا إلى محددين رئيسيين هما:
أ) المحدد الإقليمي: تعد المملکة العربية الهاشمية إحدى البلدان العربية وسياستها الخارجية محکومة بالعوامل المؤثرة في النظام الإقليمي العربي والسياسة الخارجية العربية سواء بالنسبة للفاعلين على مستوى هذا النظام، أو بالنسبة لخارطة التفاعلات والتحالفات، وما شهدته هذه التفاعلات من تطورات متلاحقة خاصة في العقدين الأخيرين، ولا شک أن الأردن کدولة صغيرة المساحة قليلة التعداد وشحيحة الموارد سوف تکون متأثرة بما يشهده النظام الإقليمي العربي من تفاعلات، أکثر من قدرتها على أن تکون مؤثرة وفاعلة في صياغة هذه التفاعلات.
ب) المحدد الدولي: وفيما يخص المحدد الدولي يمکن القول بداية بأن النظام الأردني له علاقات قوية مع الغرب منذ نشأته وحتى هذه المرحلة، وسياسته الخارجية متفقة إلى حد کبير مع الاستراتيجية الغربية تجاه المنطقة، إذ لم تشهد العلاقة الأردنية الغربية أي توترات عدا المرحلة التي تلت الغزو العراقي للکويت 1990 – 1991 والتي سرعان ما عادت إلى طبيعتها التعاونية(7).
کما يمکن ملاحظة تأثير التغير في النظام الدولي سواء على مستوى الفاعلين الدوليين ونمط التحالفات، والقيم السائدة في المناخ الدولي على السياسة الخارجية الأردنية، فنظام التعددية أو الثنائية القطبية لا شک أنه يتيح فرصة أکبر للمناورة أمام صانع القرار السياسي الخارجي والعکس صحيح، مما يفسر المزيد من التقارب في السياسة الخارجية الأردنية مع الاستراتيجية الغربية تجاه المنطقة منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، وانفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم.
وفيما يتعلق بمحددات السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، يمکن القول بتشابه السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي من حيث السمات العامة، وهي متفقة إلى حد ما مع توجهات الولايات المتحدة الأمريکية. وتتفاوت السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي من حيث تأثيرها في التفاعلات الدولية والإقليمية، وتتمحورفي ترکيزهاعلى البعد الاقتصادي المتمثل في النفط وأهميته کسلعة عامة دولية تهم جميع دول العالم خاصة دول العالم الثالث الذي يشهد حاجة کبرى إلى نفط دول الخليج، والعنصرالآخرالمهم في السياسات الخارجية في دول الخليج هوأهمية بعضها في التوازن الإقليمي من منظورأمريکي، فدائماً کانت تنظرالولايات المتحدة إلى المملکة العربية السعودية کدولة مهمة في معادلة التوازن الإقليمي، وعليه يمکن اعتبارهذين العاملين من أهم ميزات السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي: النفط والتوازن الإقليمي في ظل التطورات الإقليمية والأمنية والتطورات الدولية الاقتصادية. وفيما عدا ذلک فإن السياسات الخارجية ومدى تأثيرها تبقى محدودة الأثر وبحاجة إلى مزيد من الفهم والتمحيص، وإن کان هناک تفاوت في السياسات الخارجية لدول المجلس إلا أنها تتوافق بشکل عام في التوجه والأداء مع بروز الدور السعودي في السياسةالخارجيةالخليجية مقارنة بدول الخليج الأخرى، وفيما يلي توضيح لأهم محددات السياسة الخارجية الخليجية(8):
المحددات الداخلية ومن أهمها:
أ) المحدد السياسي:فجميع النظم السياسية الخليجية نظم وراثية محافظة، يلعب فيها الحاکم الدور الأساسي في عملية صنع القرار، ورغم البنى الحديثة لدول الخليج ووجود المؤسسات إلا أن دور هذه المؤسسات في عملية صنع القرار محدود إذا ما قورن بدور النخب الحاکمة.
ب) المحددالجغرافي: يعد الموقع الاستراتيجي لدول الخليج عاملاً مؤثراًفي السياسة الخارجية لهذه الدول، فهي تمتد في المنطقة التي تمثل أکبرمخزوننفطي،بالإضافة إلى إطلالتها على ممرات مائية مهمة کمضيق هرمز ومضيق باب المندب، وهي ممرات مائية تعبر من خلالها معظم الصادرات النفطية للدول الصناعية، کما أن موقع هذه الدول المتوسط بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية جعلها في قلب الصراع والتنافس الدولي، الأمر الذي أثر إلى حد کبير في سياستها الخارجية.
ج) المحدد الاقتصادي: يلعب المحددالاقتصادي دوراًکبيراًفيالتأثيرفيالسياساتالخارجيةلدول مجلس التعاون الخليجي، باعتبار أنعاملالنفطيمثل العامل الأکثر أهمية خاصة بالنظر إلى تأثيراته على العوامل الأخرى کالعوامل السياسية والديموغرافية، إذ يرى البعض أن وجود النفط يمثل عاملاً من عوامل الاستقرار السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي لما أتاحه من فرص للتنمية والتحديث وخلق حالة من الرضى المجتمعي والمساندة السياسية للنظم الخليجية، بالإضافة إلى دور الدول الصناعية المستوردة للنفط في دعم الأمن والاستقرار في دول الخليج لضمان تدفق امدادات النفط إليها، ومع الاعتراف بذلک نسبياً إلا أن البعض يرى أن حاجة الدول الغربية للنفط قد خلقت حالة من التبعية في اقتصادات دول الخليج للدول الغربية، وتأثير تلک الحالة على الخيارات السياسية لدول الخليج مما جعل دول الخليج تتجه مؤخراً إلى توسيع دائرة علاقتها الاقتصادية للتخفيف من حالة التبعية للغرب ولتوسيع دائرة خياراتها الاقتصادية والسياسية.
د)المحددالديموغرافية: تمثل الترکيبة السکانية لدول الخليج أحد أهم التحديات خاصة وأن السکان الأصليين في معظم هذه الدول قد تحولوا إلى أقلية مقارنة مع العمالة الوافدة فيما عدا (المملکة العربية السعودية وسلطنة عمان)، ويمثل ذلک الخلل في الترکيبة السکانية وضعاً ضاغطاً سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية والأمنية، إلى جانب تأثيره بطبيعة الحال في عملية صناعة القرار الخارجي خاصة فيما يتعلق بعلاقة دول الخليج مع الدول المصدرة لهذه العمالة.
المحددات الخارجية (الإقليمية والدولية):
المحددات الإقليمية: تفرض الجغرافيا ذاتها معطيات إقليمية لها انعکاساتها الواضحة على السياسات الخارجية الخليجية، فامتداد إيران ککتلة جغرافية وبشرية وسياسية على الضفة الشرقية من الخليج ومغايراتها لدول الخليج من حيث الهوية وطبيعة النظام السياسي، بالإضافة إلى الاختلاف المذهبي والاطماع التوسعية لإيران في المنطقة يجعل من إيران خطر يهدد أمن الخليج ويشغل صانع القرار الخليجي خاصة بعد التمدد الإيراني في المنطقة عبر تواجدها وتأثيرها بوضوح في الساحة العراقية وفي کل من سورية ولينان واليمن بالإضافة لتوظيفها للورقة الطائفية في التأثير على الطائفة الشيعية في بلدان الخليج العربي.
ويمثل قيام مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 محاولة من دول الخليج لتطويق ما يمکن أن تمثله الثورة الإيرانية وتصدير أيديولوجيتها لدول الخليج من أخطار أمنية بالنسبة للمنطقة، وقد أثبتت التوترات الأمنية مصداقية ذلک القلق الخليجي من (إيران الثورة) وأطماعها التوسعية في المنطقة، خاصة في ظل نظام ولاية الفقيه.
کما مثل البرنامج النووي الإيراني أحد أهم التحديات الأمنية بالنسبة لدول الخليج خاصة في ظل التغير في الموقف الغربي تجاه هذا البرنامج في عهد الرئيس الأمريکي السابق أوباما، مما دفع بدول الخليج لتوسيع علاقاتها الخارجية مع عدد من الدول کالهند والصين بحثاً عن تحالفات جديدة.
وفي ظل حالة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة العربية وامتدادها إلى الجوار الخليجي خاصة حالة الفوضى والصراع في اليمن الذي دفع دول الخليج للتحول من الدبلوماسية الناعمة إلى الدبلوماسية الخشنة للحيلولة دون سيطرة الحوثيين الموالين لإيران على الأوضاع في اليمن وتهديد أمن الخليج وأمن البحر الأحمر والأمن القومي العربي بصفة عامة، لذا فمجلس التعاون الخليجي بقيادة المملکة العربية السعودية وما تمثله من ثقل اقتصادي وسياسي ومساحة وکتلة ديمغرافية تعد موازناً أمنياً لإيران على مستوى المنطقة، وهي کذلک بالنسبة للاستراتيجية الغربية تجاه المنطقة أيضاً خاصة في ظل المعادلة العربية – الإيرانية(9).
وينظر البعض إلى ما يمثله وجود شبه القارة الهندية من کتلة جغرافية وديمغرافية وسياسية واقتصادية في ظل صعود الهند کقوة سياسية واقتصادية وعسکرية باعتباره يمثل أحد التحديات الإقليمية بالنسبة لدول الخليج، خاصة في ظل کثافة العمالة الهندية في دول الخليج، غير أن البعض يقلل من هذا التحدي ويرى في تطوير العلاقات الهندية الخليجية عاملاً مساعداً على توسيع الشراکات السياسية والاقتصادية والأمنية لدول الخليج، ويبدو أن هذه الرؤية هي الأکثر تأثيراً في السنوات الأخيرة، إذ سعت دول الخليج إلى تعزيز هذه الشراکة کخيار استراتيجي وأمني خاصة في ظل عدم وضوح وتذبذب السياسية الأمريکية تجاه إيران وبرنامجها النووي بين فرض العقوبات والتقارب(10).
ويمثل الصراع العربي – الإسرائيلي وضعاً ضاغطاً على السياسات الخارجية الخليجية، فدول الخليج والدول العربية بصفة عامة لم تستطع حتى الآن التأثير بشکل فاعل في إيجاد حل عادل لهذا الصراع، مما يمثل حرجاً بالنسبة لها خاصة في ظل المزايدة الإيرانية وادعاء إيران بأنها تمثل محور المقاومة وتدعم الشعب الفلسطيني، مما يجعل السياسة الخارجية الخليجية تتحرک ضمن حدود ضيقة تتمثل في الدعم الدبلوماسي للقضية الفلسطينية عبر المنظمات الإقليمية والدولية، والدعم المادي للشعب الفلسطيني، دون أي قدرة حقيقية في الضغط على الولايات المتحدة والمنظمات الدولية لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
ويمثل تصاعد الخلاف القطري – الخليجي وضعاً ضاغطاً مضافاً لما تواجهه السياسة الخارجية الخليجية من تحديات خاصة في ظل احتضان قطر لجماعة الإخوان المسلمين من جهة، واستعانتها بکل من ترکيا وإيران الأمر الذي يمثل مزيداً من الاختراق الإقليمي لأمن الخليج.
المحددات الدولية: تمت الإشارة فيما تقدم إلى أهمية هذه المنطقة من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية بالنسبة للدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريکية والتي انتهجت سياسة الرکائز في مرحلة السبعينات بالاعتماد على کل من المملکة العربية السعودية ونظام الشاه في الحفاظ على مصالحها، ثم التهديد بالتدخل المباشر في شؤون المنطقة فيما لو تعرضت مصالحها فيها للخطر في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، خاصة في ظل قيام الثورة الإيرانية 1979، ونشوب الحرب العراقية الإيرانية والتي امتدت لثمان سنوات، والتدخل السوفييتي في أفغانستان، وما مثله من تهديد للمصالح الغربية في المنطقة، والتدخل العسکري والسياسي المباشر في شؤون المنطقة منذ بداية التسعينات بعد غزو العراق للکويت وسقوط الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة بزعامة النظام الدولي، وعولمة الاقتصاد والسياسة والثقافة، والحرب الأمريکية على العراق عام 2003 وما تلاه من حالة من الفوضى والفراغ الأمني التي وفرت أرضية ملائمة لمزيد من الاختراق الخارجي الدولي والإقليمي لأمن المنطقة(11).
ومثلت نظرية الفوضى الخلاقة وإعادة ترسيم خارطة المنطقة تطوراً جديداً للاستراتيجية الأمريکية تجاه المنطقة، وتحدياً ضاغطاً على السياسات الخليجية والعربية على حد سواء، وقد وجدت هذه الاستراتيجية ترجمة واضحة لها في ظل ما عرف بالربيع العربي، الذي انطلقت شرارته الأولى من تونس في عام 2010 وسرعان ما اتسعت دائرته ليشمل أجزاء کثيرة من الوطن العربي، مما مثل تحدياً مضافاً لأمن دول الخليج ووضعاً ضاغطاً على السياسات الداخلية والخارجية الخليجية لمحاولة تطويق هذه الحالة أو الحيلولة دون وصولها إلى الداخل الخليجي، أو متابعة تطورات الأحداث في دول ما عرف بالربيع العربي کي لا تسير بالاتجاه الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة.
ويبدو مما تقدم کيف تتداخل المحددات الداخلية والإقليمية والدولية بحيث لا يمکن الفصل بين تداعياتها وتأثيرها على السياسة الخارجية الخليجية ويصل هذا التداخل إلى درجة عالية من التشابک والتعقيد خاصة في ظل بيئة دولية تتسم بحالة من السيولة والتداخل في ظل عولمة الاقتصاد والسياسة والثقافة(12).
وفي ضوء ما تقدم يتضح الدور المحوري للمملکة العربية السعودية في التأثير في السياسة الإقليمية سواء من خلال قيامها بدور القائد على مستوى مجلس التعاون الخليجي، أو من خلال ما تتمتع به من ثقل على المستوى العربي، أو المستوى الإسلامي، وما تمثله من أهمية بالنسبة للاستراتيجية الغربية تجاه المنطقة، کما يتضح مدى تأثير المحددات الداخلية والخارجية، بالنسبة للمملکة الأردنية الهاشمية من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة ثانية، في دفع الطرفين لمزيد من التنسيق السياسي والاقتصادي والأمني خاصة في ظل بيئة إقليمية تعج بأسباب الصراع وعدم الاستقرار.
والمتابع للعلاقات الخليجية الأردنية يمکنه ملاحظة ما تتسم به العلاقة التعاونية بين الطرفين من رسوخ واستمرارية مقارنة بالعلاقات الخليجية مع بعض الدول العربية الأخرى، بل أن جذور هذا التعاون ترجع لمرحلة سابقة لاستقلال ونشأة بعض دول الخليج العربي، خاصة على صعيد الخدمات التعليمية والصحية، إذ قَدِمَ بعض الأطباء والمهندسين والمدرسين الأردنيين إلى إمارات الساحل في مرحلة الخمسينات من القرن الماضي، حيث وصلت أول بعثة أردنية إلى الإمارات عام 1956 أي قبل استقلال هذه الإمارات، کما أکمل بعض أبناء الإمارات تعليمهم الجامعي في الجامعات الأردنية، إذ التحق أول طالب إماراتي بکلية الآداب في الجامعة الأردنية عام افتتاحها 1962(13).
ورغم تعدد العوامل الموجهة للعلاقات بين الدول، إلا أنه يمکن إيجازها في بعض العوامل الأساسية الحاکمة والتي يمکن تقسيمها إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى تشمل العوامل المتصلة بالروابط المشترکة کاللغة والدين والعادات والتقاليد والخبرة التاريخية المشترکة، والتقارب النظمي من حيث طبيعة النظام السياسي وتوجهاته، وأيديولوجيته.
الفئة الثانية متمثلة في العوامل المصلحية التنموية منها والأمنية.
أما الفئة الثالثة فهي مرتبطة بالتطورات سواء على مستوى تلک النظم أو على مستوى النظام الإقليمي أو الدولي والتي تنعکس على خارطة العلاقات والتحالفات بين الدول وبعضها البعض.
وإذا ما تم بحث العلاقات الخليجية – الأردنية في ضوء المعرفة بهذه العوامل الحاکمة والموجهة للعلاقات بين الدول فإنه من السهل ملاحظة ما يربط المملکة الأردنية بدول الخليج من روابط ثقافية تتمثل في وحدة الأصل والثقافة العربية الجامعة والدين الإسلامي والانتماء لذات المنطقة الجغرافية، بالإضافة إلى تشابه الخبرة التاريخية وتقارب الأنظمة من حيث طبيعتها (نظم وراثية)، ومن حيث توجهاتها وعلاقاتها بشعوبها وبمحيطها الإقليمي والدولي(14).
وإلى جانب ذلک فإن کل من دول الخليج والأردن تربطهما عوامل مصلحية على الصعيد التنموي والأمني منذ نشأة هذه الدول وعبر مسيرة تطورها(15).
وسوف يتم التطرق لهذه الروابط المصلحية المتبادلة على الصعيد التنموي والأمني في جزء لاحق من هذه الدراسة.
أما بخصوص العوامل المرتبطة بالتطورات سواء على مستوى تلک النظم أو التطورات على مستوى النظام الإقليمي أو الدولي والتي تنعکس على خارطة العلاقات والتحالفات بين الدول بعضها بعضاً، فيمکن ملاحظة حالة الاستمرارية والثبات في علاقة الطرفين بعضها ببعض بصفة عامة– باستثناء مرحلة التسعينات من القرن الماضي التي اتسمت بالفتور کما سبقت الإشارة إلى ذلک فيما تقدم -، خاصة وأن أياً منهما لم يشهد تحولات داخلية قد تصل إلى درجة التغيير في طبيعة النظام وتوجهه، وأن موقف الطرفين من التحولات التي شهدها النظام الإقليمي العربي، أو دول الجوار الجغرافي، أو النظام الدولي ککل متقارب إلى حد کبير مما دفع إلى مزيد من العلاقات التعاونية بين الطرفين رغم تعدد هذه التحولات، وجذريتها في بعض الأحيان، ووضوح تأثيرها في إعادة صياغة خارطة التحالفات العربية أو الإقليمية والدولية. وذلک ما سيتم إيضاحه في المحور الرابع من هذه الدراسة(16).
المحور الثاني مجالات التعاون الأردني الخليجي ومستوياته:
من المهم الإشارة إلى أن القواسم المشترکة المؤثرة في العلاقات الخليجية – الأردنية، إلى جانب المستجدات التي تشهدها الساحة الداخلية على المستوى الأردني أو الخليجي، أو الساحة الإقليمية أو الدولية، قد أثرت في العلاقات بين الطرفين، بالإضافة إلى أن التکامل المصلحي – سواء على الصعيد التنموي والأمني – والذي کان له أثره الواضح على العلاقات الخليجية – الأردنية، وذلک ما سيتم إيضاحه في هذا المحور.
وجدير بالذکر أن علاقة الأردن بمنظومة مجلس التعاون الخليجي وإن اتسمت بالتشابه – إلى حد ما – مع أعضاء هذه المنظومة، إلا أنها تظل محکومة ببعض المتغيرات المتصلة بحجم ومکانة الدولة بالنسبة للمنظومة الخليجية والعربية من جهة، وبمدى الثبات والتغير في السياسة الخارجية لهذه الدول من جهة ثانية. ومدى التکامل المصلحي بين الأردن وکل من دول الخليج سواء على الصعيد الأمني أو التنموي.
ووفق هذه المتغيرات تحتل العلاقات السعودية – الأردنية، محل الصدارة نظراً لما تمثله المملکة العربية السعودية من ثقل اقتصادي وسياسي وأمني على المستوى الخليجي والعربي والإقليمي(17).
وتأتي دولة الإمارات في المرتبة الثانية على مستوى العلاقات التعاونية الخليجية – الأردنية، بينما تقدم العلاقات الأردنية – القطرية حالة من الاستثنائية على صعيد العلاقات الخليجية – الأردنية نتيجة التغير على مستوى القيادة السياسية القطرية من جهة، وانعکاس ذلک التغير على السياسة الخارجية القطرية، وتأثير ذلک على العلاقات القطرية – الخليجية، والقطرية – العربية بما في ذلک العلاقة القطرية – الأردنية، بالإضافة إلى تأثير هذه المغايرة في السياسة الخارجية القطرية على الموقف من القضايا والمستجدات في الساحة الخليجية والعربية، وعلى خارطة التفاعلات والتحالفات العربية، إذ بدت المغايرة في السلوک السياسي الخارجي القطري منذ عام 1996، تلک المغايرة التي وترت العلاقات الخليجية – القطرية، ودفعت بدول الخليج للحوار مع قطر من أجل حملها على تغيير مواقفها بما يتسق مع المصلحة الخليجية المشترکة، والضغط الذي تمثل بسحب سفراء بعض الدول الخليجية من الدوحة، وبالرغم من تعهد القيادة القطرية في عام 2014 بمراجعة سياستها الخارجية وموقفها من دعم جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنها سرعان ما تنصلت من تلک التعهدات مما دفع العلاقات إلى مزيد من التأزم بلغ ذروته في يونيو 2017 باتخاذ قرار مقاطعة قطر من قبل کل من (المملکة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملکة البحرين) تبعها تضامناً من عدد من الدول العربية مع دول الخليج للضغط على قطر لتغيير سياساتها، وقد خفضت المملکة الأردنية الهاشمية في يونيو 2017 من تمثيلها الدبلوماسي في قطر بالإضافة إلى إلغاءها تراخيص قناة الجزيرة.
وإذا کانت إيران وتهديدها لأمن الخليج، وتدخلاتها في شؤون المنطقة سواء عبر الورقة الطائفية أو نفوذها في العراق بعد الحرب الأمريکية على العراق عام 2003، أو عبر علاقاتها بالنظام السوري، أو حزب الله في لبنان، وتدخلها في اليمن عبر “جماعة الحوثيين”، والتقارب الأمريکي الإيراني، والتقارب القطري – الإيراني لممارسة الضغط على دول الخليج، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار والفوضى التي يشهدها الوطن العربي منذ 2010 تمثل أسبابا کافية تدفع بدول الخليج باتجاه تعزيز علاقاتها بالمملکة الأردنية الهاشمية، فإن للأردن کذلک ظروفه الخاصة التي تجعله بحاجة للمزيد من التقارب مع دول الخليج لتجاوز التداعيات السياسية لجغرافية الأردن من جهة، ولطبيعة الترکيبة الديموغرافية للمجتمع الأردني من جهة ثانية، ولخارطة القوى السياسية الأردنية وما تمثله جماعة الإخوان المسلمين من تحدي داخلي بالنسبة للنظام السياسي الأردني.
فمن الناحية الجغرافية تقع الأردن بين خمس دول تفوقه من حيث القدرات البشرية والاقتصادية والعسکرية کما تمت الإشارة إلى ذلک فيما تقدم.
کما تفرض الخبرة التاريخية أعباء مضافة بما يحمله من إرث الثورة العربية الکبرى ودلالاته العروبية، ما يفرض قيوداً على الإطار الذي تتحرک فيه السياسة الأردنية، بالإضافة إلى تداعيات القضية الفلسطينية على الأردن بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن الأردن قد استوعبت العدد الأکبر من اللاجئين والنازحين الفلسطينيين بعد عامي 1948 و1967، بالإضافة إلى استيعابها لنسبة کبيرة من اللاجئين العراقيين بعد الغزو الأمريکي للعراق، ونسبة من اللاجئين السوريين بعد الحراک الشعبي في سورية وتطوراته التي أخلت بحالة الأمن والاستقرار فيها، وهجرت نسبة کبيرة من الشعب السوري.
ودون الدخول في کثير من التفاصيل في تتبع تطور العلاقات الخليجية – الأردنية، خاصة وأنه تمت الإشارة فيما تقدم إلى أنها علاقة تتسم بالتعاون في معظم مراحلها کما سبقت الإشارة، إلا أن الحرب على الإرهاب من جهة والموقف من الصراع العربي الإسرائيلي من جهة ثانية، والموقف من إيران وتدخلاتها في المنطقة من جهة ثالثة قد أثرت في هذه العلاقات سواء للاتفاق المصلحي بين هذه الدول حيالها، أو لتأثير الموقف الدولي تجاه هذه القضايا على تشکيل خارطة التحالفات في المنطقة.
هذه الأوضاع الضاغطة على السياسة الأردنية دفعت بالأردن إلى مزيد من التقارب مع دول الخليج، خاصة وأن الوضع الاقتصادي الأردني الضاغط، وشح الموارد لا يُمکّن صانع القرار الأردني من الاستجابة للمطالب المجتمعية بالقدر والکيفية المناسبة، وأن البحث عن شراکات وعلاقات توفر للأردن دعماً مالياً يمثل أحد أهم الخيارات أمام صانع القرار الأردني. خاصة وأن خيار الحکومات الأردنية المتعاقبة برفع الدعم عن بعض السلع الأساسية لاسيما الغذائية والنفطية، قد ولد موجات من الاحتجاج لعدة مرات في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
ولذلک سوف يتم التعرض بقدر کبير من الإيجاز لهذه العلاقات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم الحرب على العراق في 2003، وفوز حماس 2006، والحرب الإسرائيلية – اللبنانية عام 2006.
وبداية يمکن تحديد أهم مجالات التعاون الخليجي الأردني في التعاون على المستوى التربوي والثقافي، والتعاون على المستوى الاقتصادي، والتعاون على المستوى الأمني.
وتمثل العلاقات الخليجية – الأردنية على المستوى الثقافي والتربوي رکيزة ثابتة في أجندة وأولويات هذه العلاقات لما تتسم به الأردن من ريادة في قطاع التعليم. غير أن التحديات المحيطة بالوطن العربي جعلت ملفي الأمن والاقتصاد يتصدران أولويات التعاون بين دول الخليج والأردن(18)، الأمر الذي جعل جانباً من التفاعلات الخليجية – الأردنية في بداية الحراک الشعبي العربي يتمحور حول موضوع ضم الأردن والمغرب إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وما صاحب ذلک من مفاوضات(19).
کما تحرص الأردن على تکثيف التعاون الأمني والعسکري مع دول مجلس التعاون، من خلال مشارکة الطائرات الأردنية في الجهود العسکرية ضمن ما عرف “بعاصفة الحزم” في اليمن، بالإضافة إلى دور الأردن في تقديم الجهود المعلوماتية والاستخبارتية لدول الخليج، إلى جانب وجود قوات أردنية لأغراض التدريبات والمساعدة في تطوير قوات الأمن في بعض دول الخليج، کما تحرص الأردن على المشارکة في أغلب المناورات والتدريبات العسکرية التي تقوم بها القوات الخليجية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، ونتيجة لما يواجهه الأردن من ضغوط وتحديات قرر مجلس التعاون عام 2011، تخصيص منحة مالية بقيمة خمسة مليارات دولار لتمويل المشاريع التنموية في الأردن لخمس سنوات، لتعزيز أداء الاقتصاد الأردني والحد من تفاقم مشکلة البطالة والفقر، وتم التنسيق بين وزارة التخطيط ووزارة المالية ودائرة الموازنة لاختيار المشاريع التي ستموَّل(20).
وجاء قرار مجلس التعاون الخليجي بموافقة دول المجلس على منح دعم لخمسة سنوات لمشروعات في الأردن، کما قدمت دول الخليج منح مالية تعادل 3 مليار و750 مليون دولار دعماً لهذه المشروعات. وخاصة في ظل الأزمة الحادة في قطاع الکهرباء التي تعرض لها الأردن نتيجة لما واجهه من تعثر في إمدادات الغاز المصري.
وقد رکزت العلاقات الخليجية – الأردنية على تشکيل فرق عمل مشترکة في مجالات الاقتصاد والزراعة والأمن الغذائي والنقل والاتصالات والبيئة والطاقة المتجددة والموارد الطبيعية والسياحة والآثار والتعليم العالي، والتقني والبحث العلمي، والتنمية الاجتماعية والثقافة والإعلام والشباب والرياضة(21).
مما تقدم يتضح کيف دفعت المحددات الجغرافية والاقتصادية والسياسية بالأردن لمزيد من التقارب مع دول الخليج، بينما دفعت المحددات السياسية والأمنية دول الخليج إلى تعزيز علاقتها بالأردن خاصة في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة العربية، ودول الخليج في السنوات الأخيرة خاصة في ظل تنامي حدة الصراع وعدم الاستقرار في اليمن وتأزم العلاقات الخليجية القطرية، واستعانة قطر بأطراف إقليمية کترکيا وإيران، الأمر الذي يمثل عاملاً مضافاً لعوامل التوتر وعدم الاستقرار بالنسبة لدول الخليج.
المحور الثالث: الموقف الخليجي والأردني من الحراک الشعبي العربي:
إذا کانت الأسس والعوامل الموجهة للعلاقات بين الدول قد دفعت بالعلاقات الخليجية – الأردنية إلى حالة من التعاون المستمر، فإن تأثير تلک العوامل والأسس قد اتضح بشکل أکبر في ظل حالة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي التي شهدها النظام الإقليمي العربي منذ اندلاع الحراک الشعبي في أکثر من قطر.
وبالرغم من کون تداعيات ذلک الحراک قد طالت خارطة التحالفات العربية – العربية، والإقليمية والدولية، کما طالت قواعد اللعبة، وعملت على بروز وتنامي دور فاعلين جدد کالجماعات الإرهابية العابرة للحدود، إلا أن المحددات والقواسم المشترکة والموجهة للعلاقات التعاونية الخليجية الأردنية، قد بقيت صلبة وصامدة في وجه حالة الإرباک تلک، بل دفعتها حالة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي وتصاعد التهديدات إلى مزيد من التقارب والتنسيق(22).
وإذا کانت سياسة المحاور هي أهم ما يميز خارطة التحالفات الإقليمية قبيل اندلاع الحراک الشعبي العربي، إذ بقيت التفاعلات الإقليمية محکومة – في الغالب – ولسنوات عدة بما عرف في الخطاب السياسي والإعلامي الغربي “بمحور الاعتدال” الذي يضم کل من (السعودية، مصر، الإمارات، الکويت، البحرين، الأردن، المغرب، تونس، أطراف لبنانية) في مقابل محور الممانعة والذي يضم کل من (سوريا وإيران وحماس والجهاد الإسلامي والسودان والجزائر وحزب الله اللبناني). إلا أن الحراک الشعبي العربي قد دفع العلاقات الخليجية – الأردنية إلى مزيد من التعاون.
ويمکن إرجاع صمود العلاقات التعاونية الخليجية – الأردنية رغم ما أحدثه الحراک الشعبي من إرباک لخارطة التحالفات في المنطقة إلى ما يلي:
– تنامي ما يطرحه الحرک الشعبي العربي من تهديدات للطرفين.
– التقارب في إدراک صانع القرار الخليجي والأردني لحالة الحراک في کل حالة على حده، ولتأثيرات ذلک الحراک على أمن المنطقة بصفة عامة.
– تکامل وتبادل المصالح الخليجية الأردنية بشکل أکبر في ظل الحراک الشعبي العربي وتداعياته، خاصة مع سقوط نظم حليفة کمصر وتونس من جهة، ووصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في بداية الأمر من جهة ثانية.
وفيما يتعلق بتنامي ما يطرحه الحرک الشعبي العربي من تهديدات بالنسبة للمملکة الأردنية الهاشمية يمکن إجمالها في تهديدات متعلقة بجغرافية الأردن وتداعياتها السياسية، وکونها تقع في تماس مع ما خلقته حالة الحراک الشعبي من فوضى وعدم استقرار سواء من حيث متاخمتها للحدود السورية والعراقية، وقربها من الحدود المصرية وما يعنيه ذلک من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية. أبرزها انتشار الجماعات الإرهابية، واحتمال امتداد نشاطها إلى الداخل الأردني، مما جعل التصدي لتلک التهديدات يمثل أولوية للسياسة الخارجية الأردنية. بالإضافة إلى تداعيات انتشار الوجود العسکري لبعض الدول الکبرى (روسيا والناتو)، وبعض الدول الإقليمية کترکيا وإيران(23).
وبالرغم من صعوبة الفصل بين ما هو سياسي واقتصادي وأمني لترابط التداعيات ببعضها البعض من حيث مسبباتها وتأثيراتها، إلا أنه يمکن القول بأن حالة الفوضى والإرباک وعدم الاستقرار السياسي قد مثلت مزيداً من الضغوط على الاقتصاد الأردني المنهک أساساً – لما تمثله حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة العربية ککل، وفي دول الجوار الأردني تحديداً، والداخل الأردني – من تراجع لفرص الاستثمار، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وتأثير ذلک على الموازنة الحکومية، فقد واجه الاقتصاد الأردني مزيداً من الضغوط والتي من أبرزها ارتفاع معدل الدين الحکومي بشکل کبير نتيجة لارتفاع کلفة الإنفاق على قطاع الکهرباء إثر تعطل امدادات الغاز المصري، إلى جانب الآثار الاقتصادية السلبية لنزوح اللاجئين سواء من الأراضي السورية أو العراقية، بالإضافة إلى ما مثله ذلک الحراک من تحديات سياسية بالنسبة للنظام الأردني لعل من أبرزها:
– تنامي مطالب الإصلاح الاقتصادي والسياسي.
– خشية النظام السياسي الأردني من أن يؤدي وصول الإسلاميين في مصر إلى السلطة (فترة محمد مرسي) – بالإضافة إلى سيطرة حرکة حماس على السلطة في قطاع غزة، إلى تقوية نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، مما يمثل تهديداً للأمن والاستقرار الأردني.خاصة في ظل المعرفة بتشابک وامتداد نشاط جماعة الإخوان المسلمين العابر للحدود الوطنية.
وتتقارب الرؤية الخليجية مع الرؤية الأردنية بخصوص هذه التهديدات وإن بدرجات متفاوتة، وذلک ما يمکن إيضاحه فيما يلي:
– التهديدات المرتبطة بالتداعيات السياسية لجغرافية دول الخليج العربي، فهي وإن بعدت نسبياً عن خطوط التماس المباشر مع دول الحراک الشعبي العربي، إلا أنها ليست بمنأى عنه خاصة بالنسبة للمملکة العربية السعودية والتي تشتبک من ناحية مع اليمن والعراق، وعلى مقربة من کل من سورية ومصر، بل أن الداخل الخليجي خاصة بالنسبة للحالة البحرينية والمنطقة الشرقية من المملکة العربية السعودية والکويت قد شهدت – وإن بدرجات متفاوتة – بعض أعمال الشغب بتأثير من إيران وتوظيفها للورقة الطائفية(24).
– کما ينظر البعض إلى أن دول الخليج معنية بالحفاظ على الامن والاستقرار في الأردن، لما تمثله الأردن من مساحة جغرافية فاصلة بينها وبين بعض مواطن هذه الأزمات.
– جغرافية المنطقة جعلت احتمالات امتداد نشاط الجماعات الإرهابية مسألة مهددة للأمن والاستقرار في دول الخليج، خاصة في ظل تنامي نشاط هذه الجماعات العابر للحدود.
– کما أن صمود أنظمة الحکم الخليجية والملکية کالنظام الأردني والنظام المغربي في ظل ما تشهده نظم الحکم الأخرى من تهديدات، جعل مسألة الحفاظ على استقرار هذه النظم مسؤولية مشترکة، وذلک ما يفسر حرص دول الخليج على أمن واستقرار النظام الأردني في وجه التحديات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها، لاعتقادها بأن زعزعة استقراره أو استقرار أي من النظم الخليجية سوف يحمل تهديداً واضحاً لأمنها واستقرارها(25).
– ويمثل صعود جماعات الإسلام السياسي تهديداً مشترکاً لدول الخليج، عدا قطر التي تأخذ موقفاً مغايراً وداعماً لجماعة الإخوان المسلمين، مما کان عاملاً أساسياً في توتر العلاقات الخليجية القطرية کما سبقت الإشارة على ذلک فيما تقدم.
– مثلت الجهود الأمنية المکثفة وتنامي الإنفاق العسکري لدول الخليج – سواء کإجراء احترازي لمواجهة ما تمثله حالة عدم الاستقرار السياسي في الوطن العربي من تهديدات، أو للمشارکة في التحالف الدولي ضد الإرهاب، أو في التدخل العسکري في اليمن ضمن التحالف العربي – ضغوطاً اقتصادية على الموازنات الحکومية لدول الخليج بالإضافة إلى تحملها أعباءً مالية لدعم اقتصادات بعض الدول العربية کمصر بعد عزل (محمد مرسي)، والأردن، وتکلفة جهود الإغاثة في کل من سوريا واليمن، ومما ضاعف من وطأة هذه الضغوط الاقتصادية على اقتصادات دول الخليج کونها تزامنت مع تراجع أسعار النفط بشکل ملحوظ، مما أثر على إيرادات دول الخليج ومثل عجزاً في الميزانيات الحکومية لبعض منها.
ومن العرض السابق يتضح کيف عملت تداعيات الحراک الشعبي العربي على خلق تهديدات مشترکة بالنسبة لدول الخليج والمملکة الأردنية الهاشمية، وأن إدراک صانع القرار على المستوى الخليجي والأردني لهذه التهديدات ولکيفية مواجهتها، قد عززت العلاقات التعاونية الخليجية – الأردنية، ولعل ذلک ما يفسر استمرار التزام دول الخليج بدعم الاقتصاد الأردني لتمکين النظام السياسي الأردني من التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها، ويفسر من ناحية أخرى تکثيف التعاون الأمني بين الطرفين، إذ تحرص الأردن على تکثيف التعاون الأمني والعسکري مع دول مجلس التعاون، من خلال مشارکة الطائرات الأردنية في عملية عاصفة الحزم العسکرية في اليمن، بالإضافة إلى دور الأردن في تقديم الجهود المعلوماتية والاستخبارتية لدول الخليج، إلى جانب وجود قوات أردنية لأغراض التدريبات والمساعدة في تطوير قوات الأمن في بعض دول الخليج، کما تحرص الأردن على المشارکة في أغلب المناورات والتدريبات العسکرية التي تقوم بها القوات الخليجية(26).
المحور الرابع: استشراف مستقبل العلاقات الخليجية – الأردنية.
من خلال ما تقدم وفي ضوء المعرفة بالمحددات والقواسم المشترکة بين دول الخليج والمملکة الأردنية الهاشمية بصفة عامة، والتقارب في النظر إلى التهديدات وسبل مواجهتها، وما ترتب على ذلک من علاقة تعاونية بين الطرفين عززتها تحديات المرحلة الراهنة، فإن محاولة استشراف مستقبل العلاقات الخليجية – الأردنية تبدو مسألة ضرورية لضمان الأمن والاستقرار لکل منهما، بالإضافة إلى ما يمثله ذلک من أهمية بالنسبة للأمن والاستقرار على المستوى العربي.وبهذا الخصوص يمکن طرح عدداً من السيناريوهات لعل من أهمها:
سيناريو الاتفاق
ويقصد بهذا السيناريو استمرار التوافق في إدراک صانع القرار على المستوى الخليجي والأردني لمصادر التهديد وآليات المواجهة، مما يعزز العلاقة التعاونية بين الطرفين، خاصة في ظل معطيات المرحلة الراهنة وما تمثله من تحديات، واحتمالات تصاعد حدة التهديدات الأمنية في ظل استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار في الوطن العربي، وتنامي درجة الاختراق الإقليمي والدولي للمنطقة.
ومما يعزز احتمالية هذا السيناريو:
1) وجود قواسم مشترکة جامعة بين الطرفين.
2) استمرارية هذه العلاقة لفترة طويلة، وصمودها في وجه الکثير من التحديات.
3) استمرارية وتنامي حدة الأزمات التي تشهدها المنطقة إلى درجة تهدد الأمن والاستقرار، وتدفع بدول الخليج والأردن لمزيد من التقارب لمواجهة هذه التحديات، خاصة مع انطلاق الشرارة الأولى للحراک الشعبي العربي واستمرارها لما يزيد على سبعة أعوام، وتعقد حلقاتها، واحتمالية اتساع رقعة هذا التأزم وزيادة حدته، الأمر الذي يعزز في المقابل الحاجة لمزيد من التعاون وتضافر الجهود بين الطرفين.
4) التقارب في إدراک صانع القرار الخليجي والأردني لمصادر التهديد وسبل المواجهة.
سيناريو الفتور والافتراق
ينطلق هذا السيناريو من قناعة بأن ما يحکم سلوک الدول في علاقتها بالدول الأخرى هو عامل المصلحة بالدرجة الأولى، وأن الروابط والقواسم المشترکة التي تجمع الطرفين قد لا تکون کافية لاستمرارية التعاون فيما لو اختلفت أو تصادمت المصالح، وفي حالة وجود طرف إقليمي أو دولي أو عربي يمکن أن يحقق لأي منهما مصالحه بدرجة أعلى مما هي متحققة في التعاون الخليجي – الأردني، مما يجعل هذه العلاقة مرشحة للفتور أو الافتراق لاعتبارات مصلحية.
ومما يعزز احتمالية هذا السيناريو:
1) أنه ليس هناک رهان على أي تحالف طالما أن هذه التحالفات تحرکها المصالح أو الضغوط الداخلية أو الخارجية (الإقليمية أو الدولية).
2) احتمال التغيير على مستوى طبيعة النظم السياسية وتوجهاتها، مما سيؤثر على العلاقة بين الطرفين.
3) احتمال اتساع دائرة الفوضى وفق نظرية الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد إلى درجة تخل بخارطة التحالفات، وتعيد صياغتها العربية – العربية من جديد، على النحو الذي يخدم المصالح الخارجية(27).
4) إن طبيعة التحالفات اليوم قد تغيرت من تحالفات دائمة، إلى تحالفات مؤقتة، ومن تحالفات مؤطرة إلى تحالفات مرنة. ومن تحالفات کلية إلى تحالفات جزئية تتفق في بعض الملفات وتفترق في ملفات أخرى(28).
سيناريو تعزيز وتوسيع دائرة الاتفاق
ويقصد بهذا السيناريو بقاء العلاقات التعاونية الخليجية – الأردنية وتعزيزها بدخول أطراف عربية أکثر ثقلاً من الناحية السياسية والعسکرية، تمثل قوة مضافة للطرفين، وتشکل في مجموعها ثقل جاذب لمزيد من التعاون العربي لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية. ولهذا السيناريو ما يعززه:
1) اشتراک دول الخليج وأطراف عربية أخرى في الحرب في اليمن ضمن ما عرف بالتحالف العربي.
2) اشتراک الأردن ودول الخليج، ودول إسلامية أخرى في إدانة التدخل الإيراني في شؤون الخليج وفق ما أقرته قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول(29).
3) التحالف الأردني – الخليجي – المصري ودول عربية أخرى، في الحرب على الإرهاب، وحظر نشاط بعض الجماعات (کجماعة الإخوان المسلمين وحزب الله وغيرها)(30).
4) تضامن الموقف الأردني ومواقف عربية أخرى مع المقاطعة الخليجية والمصرية لقطر لحملها على تغيير سياستها الخارجية ووقف دعمها للجماعات الإرهابية وما تقوم به قناة الجزيرة من تدخل في شؤون الداخلية للدول الخليجية والعربية.
5) استمرار الدعم الخليجي والتوافق في الرؤى بين دول الخليج والأردن ومصر فيما يتعلق بالأوضاع في المنطقة مما يعني عودة فاعلية وتأثير ما عرف بمحور الاعتدال من جديد، وهو المحور الذي يمکن أن يستقطب أطرافاً عربية أخرى في ظل تعاظم التحديات التي تشهدها المنطقة العربية.
الخاتمة:
تخلص هذه الدراسة من خلالها محاورها الأربعة إلى التأکيد على أهمية الروابط والمحددات والقواسم المشترکة، بالإضافة إلى التقارب النظمي، والتوافق المصلحي في تدعيم العلاقات التعاونية الخليجية الأردنية، وأن هذه العلاقات أثبتت قدرتها على الاستمرارية والصلابة في وجه التحديات التي شهدتها المنطقة العربية سواء في العقود الماضية أو في المرحلة الراهنة، وأنها مرشحة للاستمرارية ومزيد من التعاون في ظل التقارب في رؤى صانعي القرار الخليجي والأردني، وإدراکهما لمصادر التهديد وسبل المواجهة.
وأن عظم التحديات التي تشهدها المنطقة نتيجة الحراک الشعبي العربي من جهة، والاستراتيجيات الدولية تجاه المنطقة من جهة ثانية، ومواقف دول الجوار من جهة ثالثة، قد تدفع بهذه العلاقة إما إلى مزيد من التقارب، أو إلى حالة من الفتور والافتراق، أو إلى البحث عن تعزيز وتوسيع دائرة هذا التقارب ليشمل دولاً عربية أکثر ثقلاً، وذلک ما تم مناقشته في المحور الأخير من هذه الدراسة.
ورغم احتمالية حدوث أي من هذه السيناريوهات بناء على ما تعتمد عليه من حجج، إلا أن السيناريو الثالث يعد الأکثر احتمالاً، لاعتبارين أساسيين وهما:
1) صمود هذه العلاقة لفترة طويلة نسبياً.
2) عظم التحديات المشترکة في المرحلة الراهنة واحتمال استمرارها، مما يرجح هذا السيناريو بدرجة أکبر.
وقد تأتي المستجدات على مستوى مآلات الأزمة السورية أو اليمنية بما هو جديد وکفيل بإعادة صياغة المواقف الدولية والإقليمية والعربية، بما فيها العلاقات الخليجية الأردنية وفق أحد هذه السيناريوهات على حساب السيناريوهات الأخرى، أو ربما تأتي بما هو مغاير لکل هذه السيناريوهات، خاصة في ظل المعرفة بأن إمکانية صدق التنبؤ في العلوم الإنسانية تبقى ضعيفة، ومن المتوقع أن تکون ضعيفة بدرجة أکبر في ظل المعرفة بتعدد وتداخل العوامل المؤثرة في حالة التأزم العربي، وفي صياغة خارطة التحالفات العربية والإقليمية والدولية تجاهها.
المراجع
(1) علي الدين هلال، جميل مطر، النظام الإقليمي العربي، دراسة في العلاقات السياسية العربية، بيروت: مرکز دراسات الوحدة العربية، 1978، ص ص 16-17.
(2) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مکتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 3، 2013، ص125 – 126.
(3) علي محافظة، ندوة سياسة الأردن الخارجية، مرکز الرأي للدراسات، الأردن، 2008، الموقع الإلکتروني:
http://www.alraicenter.com/alraicenter.com/User_Site/Site/View_Articlear.aspx?type=2&ID=296
(4) الموقع الإلکتروني للموسوعة الحرة وکيبيديا:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D9%87%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86
(5) علي محافظة، ندوة سياسة الأردن الخارجية،مرجع سبق ذکره.
(6) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذکره، ص 164 – 167، ولمزيد من التفاصيل يمکن الرجوع رسالة دکتوراه غير منشورة بعنوان: راکز سالم العرود، السياسة الخارجية الأردنية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي في عهد الملک عبدالله الثاني من 1999 – 2006، الإمارات العربية أنموذجاً، جامعة مؤتة، المملکة الأردنية الهاشمية، 2007، الموقع الإلکتروني: http://elibrary.mediu.edu.my/books/2014/MEDIU4842.pdf
(7) علي محافظة، ندوة سياسة الأردن الخارجية،مرجع سبق ذکره.
(8) عدنان هياجنة، محددات السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، مجلة آراء حول الخليج، الموقع الإلکتروني: http://araa.ae/index.php?view=article&id=3291:2014-08-13-23-20-25&Itemid=172&option=com_content
(9) خالد بن نايف الهباس، السياسة الخارجية السعودية في زمن الثورات العربية، جريدة الحياة، لندن، 14 أغسطس 2011، الموقع الإلکتروني:
http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/132/1691/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9.aspx
(10) خالد بن نايف الهباس، السياسة الخارجية السعودية بعد رحيل أوباما، جريدة الشروق، القاهرة، 5 مارس 2017، الموقع الإلکتروني:
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=05032017&id=cc391d53-c588-49c5-8a5e-cf5c3d762562
(11) عدنان هياجنة، محددات السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، مرجع سبق ذکره.
(12) لمزيد من التفاصيل حول تأثير عولمة السياسة والاقتصاد والثقافة على النظم السياسية العربية يمکن الرجوع إلى: محمد سعد أبو عامود، النظم السياسية في ظل العولمة، القاهرة، دار الفکر الجامعي، 2013.
(13) الموقع الإلکتروني لسفارة الإمارات في الأردن:
http://uae-embassy.ae/Embassies/jo/Content/1254
(14)سلامة، غسان، الدبلوماسية العربية في عالم متغير، المؤتمر السنوي لمرکز الخليج للدراسات، الشارقة، دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، 2003، ص 45 – 52. وکذلک ناصيف حتي المرجع نفسه، ص 94 – 96.
(15)http://www.wam.ae/ar/news/emirates-arab/1395239620314.html
(16)محمد السيد سليم، ضغوط ما بعد الثورات: الانکشاف المتزايد للنظام الإقليمي العربي، القاهرة، مرکز الأهرام للدراسات، مجلة السياسة الدولية، إبريل 2013.
(17) لمزيد من التفاصيل حول العوامل المؤثرة في السياسة الدولية للدول، وسلوکها تجاه بعضها البعض يمکن الرجوع إلى: محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذکره، ص 149 – 157.
(18)حبيبة محسن، الخليج والتفاعلات العربية 2011 – 2012، التقرير الاستراتيجي الخليجي، الشارقة، مرکز الخليج للدراسات، 2012، ص 101.
(19)معتز سلامة، التمدد الإقليمي لدور مجلس التعاون الخليجي، القاهرة، مجلة السياسية الدولية، الموقع الإلکتروني:
http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/3/111/1782/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9/%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B9%D9%88%D8%AF-.aspx#desc
(20)زياد الدباس، المنحة الخليجيّة إلى الأردن لن تتوقف، جريدة الحياة، 7 فبراير 2016، الموقع الإلکتروني: http://www.alhayat.com/Opinion/zeiad-aldabas/13813238/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D9%84%D9%86-%D8%AA%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81.
(21)الأردن والمغرب يشارکان في اجتماع خارجية التعاون الخليجي”، العربية نت. 27 نوفمبر 2013.
(22)فتوح أبو دهب هيکل، التدخل الدولي لمکافحة الإرهاب وانعکاساته على السيادة الوطنية، أبوظبي، مرکز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2014، ص 171 – 184.
(23)سريان بدرانة “محمد سعيد” فالح بدارنة، الأهمية الجيوبوليتيکية للأردن دراسة في الجغرافيا السياسية،اربد: دار الکتاب الثقافي للطباعة والنشر والتوزيع، 2004.
(24)رجاء طلب، الأردن وتحديات 2016، الموقع الإلکتروني لجريدة الرأي الأردنية:
http://www.alrai.com/article/759156.html
(25)زياد الدباس، إصلاحات في الأردن والمغرب لتعزيز تکاملهما مع دول الخليج، لندن، جريدة الحياة، 24 نوفمبر 2014، الموقع الإلکتروني:
http://www.alhayat.com/Articles/5840510/%D8%A5%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2-%D8%AA%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84%D9%87%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%B9-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC
(26) لمزيد من التفاصيل حول تأثير إدراک صانع القرار لمعطيات البيئة الإقليمية والدولية على السياسة الخارجية للدول يمکن الرجوع إلى: محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذکره، صص 414 – 415.
(27)خليدة کعسيس خلاصي، الربيع العربي بين الثورة والفوضى، بيروت، مجلة المستقبل العربي، العدد، ص 227 – 229. ولمزيد من التفاصيل حول موضوع الفوضى الخلاقة يمکن الرجوع إلى: د. أحمد بن سعادة، الجزائر، مکتبة العالم الثالث، 2012.
(28)مريم سلطان لوتاه، النظام الإقليمي العربي ومعادلات القوة العالمية، المؤتمر السنوي السادس عشر لمرکز الخليج للدراسات 2015، الشارقة، جريدة الخليج، ص 43 – 66.
(29)افتتاح قمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، 14 إبريل 2016، العربية نت، الموقع الإلکتروني:
http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2016/04/14/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%B7%D9%84%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D9%88%D9%85%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%AA%D9%87%D8%A7.html
(30)الجامعة العربية تصنّف «حزب الله» منظمة إرهابية، دبي، جريدة البيان، 12 مارس 2016، الموقع الإلکتروني:
http://www.albayan.ae/one-world/arabs/2016-03-12-1.2593149