السياسة الخارجية للكويت زمن الأمير الشيخ الصباح الأحمد

الملخص

لقد فرض الموقع الجيوسياسي على الكويت من حيث محدودية المساحة وعدد السكان والموقع الجغرافي في بيئة متصارعة يسودها الاستقطاب السياسي والتنافس الإقليمي ومنطقة الأطماع الاقتصادية حيث تتوفر منابع الطاقة محل اهتمام الدول الكبيرة وحيث امتداد القضية الفلسطينية قلب القضايا في الشرق الأوسط. فرض كلّ ذلك العمل على عدم استعداء الجوار واعتماد سياسة صفر أعداء وعلى الدبلوماسية الإنسانية وسياسة التعاون والتضامن الدبلوماسي، وهو ما بات من ركائز السياسة الخارجية لدولة الكويت وهو ما أضحى تعرف به في الأوساط الدبلوماسية الدولية. وفي هذا المشهد يرجع الفضل إلى الأمير الصباح الأحمد الصباح في نحت هذه السياسة إذ أصبح بموجبها عنوان السياسة الدبلوماسية الإنسانية.

المقدمة

هناك دول تتأثر سياستها الخارجية بحجم سكانها ومساحة أراضيها مثل الصين أو الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي، لكن يبدو أن قدر السياسة الخارجية الكويتية صار رهينا لموقعها الجغرافي، فهي دولة صغيرة في مساحتها وعدد سكانها الذي يقدر ب 4 ملايين و137 ألف نسمة سنة 2018 منهم فقط 1,128,381مليون كويتي أي بنسبة 30بالمائة والبقية غير كويتيين (قرابة 3 ملايين ونيف يشكلون 70 بالمائة من السكان). كما يشار إلى وجود أقلية شيعية في الكويت.  “وتعد مساحتها 17،818 كلم مربعا، وتأتي في المرتبة 158 عالمياً من حيث المساحة، وفي الترتيب 17 عربياً، إذ “تأتي بعدها كل من قطر ولبنان وفلسطين المحتلة والبحرين”.

فكيف تعاملت الدولة الكويتية مع هذا المعطي الجغرافي السياسي والمعطى التاريخي؟

تأثير موقع الكويت أو مثلث الضغط على سياستها الخارجية:

تقع الكويت جنوب غربي القارة الأسيوية، وتحديدا في الشمال الغربي للخليج العربي وتحيط بها ثلاث دول كبيرة (جمهورية العراق من الشمال والغرب ومن الجنوب المملكة العربية السعودية ومن الشرق الخليج العربي وعلى ضفته الأخرى جمهورية إيران) وتنصهر عوامل متعددة لتؤسس لدور الكويت منها عامل الجغرافيا وعامل التاريخ وعامل التصنيع وعامل امتلاك الاقتصاد القوي والأسلحة الإستراتيجية .

إن مجرد إلقاء نظرة في التاريخ البعيد للكويت ومنذ نشأته في عام 1613 م  تبدو مظاهر اجتياح الفضاء الخليجي المجاور له تسوده الإمبراطوريات المتصارعة ونفس الأمر يتكرر في ما تشهده الساحة الخليجية اليوم من تجاذبات وصراعات وحروب عربية وخليجية وإقليمية.ويمكن الحديث عن عامل الجيوسياسي في السياسة الخارجية الكويتية المؤثر وربما المحدد لتوجهات الإستراتيجية الكويتية وهو عامل يمكن تسميته ب «  مثلث الضغط ” فالكويت دولة صغيرة محاطة بثلاث دول كبرى في المنطقة وهي العراق وإيران والسعودية، مما يفرض على هذا البلد إتباع سياسة صفر أعداء ويقتضي ذلك  التعامل برشد وحكمة مع التقلبات الإقليمية والحفاظ على العلاقات الجيدة مع الجميع وسط  مثلث الضغط خاصة لما تكون الأجواء مشحونة في العلاقات البينية لأضلاع هذا المثلث، وإذا ما علمنا أن هذا الضغط مرتبط أساسا بالصراع الشرق أوسطي والتحالفات بين الأقطاب والمحاور الدولية حيث يتسم بالاستمرار وطول الأمد، تصبح مهمة السياسة الخارجية شبه مستحيلة للدبلوماسية الكويتية في الحفاظ على إستراتيجية السلم مع الجميع وهو التحدي الذي  كان على الدوام هاجسًا كبيرًا في سياسة الكويت الخارجية  والذي نجحت فيه منذ استقلالها في عام 1961إلى الآن.

2- التوازن والحياد الإيجابي:

يشكل التوازن والحياد الإيجابي أهم مرتكزات السياسة الكويتية وذلك من أجل تحقيق المعادلة الصعبة بوجودها في كماشة البلدان المجاورة المؤثرة في المنطقة والتي يغلب الجنوح للنزاعات الإقليمية (حرب الخليج ….) بربط علاقات جيدة واتخاذ مواقف غير عدائية تجاهه وتحقيق مصالحه الأمنية والحفاظ على استقراره في ظل الأمواج المتلاطمة التي تحيط بالمنطلقة. تلتزم السياسة الكويتية في كل الأوقات بنهجها الدائم وهو الاحتماء من صراعات وتجاذبات قوى المنطقة والبقاء على مسافة الوسط بين كل الأطراف المتدخلة والاحتفاظ بعلاقات صداقة مع الجميع، وبذلك قام الكويت بتحييد كل الخصومات  المحتملة بشكل بلغت به مراده الاستراتيجي وهو صفر خصوم بشكل مكنه من تجنب الأخطار المحدقة  وحتى في الحالة التي تعرّض فيها إلى أطماع خارجية اصطف أغلب الأصدقاء معه في محنته (غزو العراق للكويت 2 أوت عام 1990).وهذا المنحى هو صمام الأمان وهو أيضا الشرط الأساسي للنجاح في مهمة الوساطة. مما أعطى الكويت المقبولية والحياد المطلوب في النزاعات الدولية.

تشير بعض الدراسات في السياسة الخارجية للدول العربية على امتداد السنوات الأخيرة أن ” الكويت في مقدمة الدول التي لديها سياسة خارجية حققت مؤشرين (صفر توتر خارجي) و(صفر أعداء) بامتياز، ويمكن تصنيف الكويت على أنه البلد العربي الوحيد وضمن ترتيب الدول الأُوَل في العالم الذي لم يسجل أزمة دبلوماسية خارجية خلال السنوات الأخيرة” ومعلوم أن الكويت حافظ على علاقاته الجيدة مع جيرانه وكل الدول في العالم وحتى موقفه من النظام السوري فقد جاء في إطار التناغم الدبلوماسي مع الالتزام بالقرار العربي والدولي في علاقة بالجرائم الإنسانية لهذا النظام.

وتستنتج هذه الدراسات أن:” الكويت يقع في مقدمة الدول في العالم على مستوى تحقيق السلام العالمي وتحييد الخصوم مع كل أقطار العالم، ورغم موقعه في رقعة جيوسياسية متوترة جدا لم تنجرف سياسته إلى الوقوع في علاقة توتر -مباشرة- مع أي طرف خارجي أو دولة تقع في مجالها الإقليمي. وعلى الرغم من تلقيها في فترة ما، مزاعم تهديد من تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، إلا أنها التزمت الحياد، ولم تشارك بصفة مباشرة في الحملة العسكرية الدولية ضد تنظيم الدولة، مكتفية فقط بتوفير دعم لوجيستي للتحالف الدولي ضد الإرهاب.

3-  دبلوماسية الوساطة:

  • الوساطة ثمرة تراكم التجربة والخبرة:

بحسب يعقوب يوسف الغنيم في كتابه ملامح من تاريخ الكويت، يذكر انه منذ التاريخ المبكر لدولة الكويت تصدرت سياسة الوساطة الدبلوماسية الكويتية لمهمة الوساطة بين الدولة العثمانية وسلطان نجد، وذلك بعد أن دبت بينهما كثير من المنازعات، فدعا أمير الكويت كلا الجانبين إلى مؤتمر “ الصبيحية، الذي عقد في جنوب الكويت عام 1914 م،وذلك من أجل حسم القضايا الخلافية وتقريب وجهات النظر.

وهو ما علق عليه أحد المهتمين بالشأن الكويتي قائلا : “” وبذلك الموقف التصالحي الذي تصدر له مؤسس الدولة الحديثة في الكويت الشيخ مبارك الصباح، صاغت هذه الإمارة الصغيرة بداية حقيقية لتاريخها التصالحي في المنطقة، الذي نراه متجسداً في سلوك أسرة الكويت الحاكمة، فالبديل الحقيقي لسعة الأرض وترامي أطراف البلد انه وتلك السياسة الحاذقة التي تميل في الغالب إلى رفع رايات التقارب، وشل حركات العبث، والاجتهاد نحو إرساء دعائم الهدوء لا في حدوده الجغرافية الصغيرة فقط بل في محيطه الإقليمي عامة، وبذلك يتم لها كدولة صغيرة جغرافيا أثر ما فاعل على الساحة السياسية، مقترن بتقدير دائم وامتنان مستطيل من قبل كل الدول الكبيرة منها قبل الصغيرة”.

يشكل التاريخ الكويتي مسيرة طويلة من الوساطات الإقليمية والدولية وذلك من البدايات ولمدى عقود ونذكر من ذلك ما قامت الكويت من وساطة، في 1965بين المملكة العربية السعودية ومصر لحل الصراع الدائر بين الدولتين في اليمن. وقد زار الشيخ صباح السالم، رئيس الوزراء الكويتي حينها، الرياض، واجتمع مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود لبحث الأزمة في اليمن وتكللت باستضافة الكويت لأطراف الصراع مصر والسعودية واليمن وجرت اجتماعات وحوارات في الكويت سنة 1966 وأنهت الوساطة الكويتية النزاع باللباقة الدبلوماسية المحترفة والمعهودة آنذاك.كما تمت تسوية الصراع المسلح الذي حدث بين النظام الأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية، في سبتمبر/أيلول 1970، والذي عُرف بـ”أيلول الأسود «بمشاركة الكويت في الوساطة بين الإخوة الأعداء. كما عملت الكويت في بداية السبعينات من القرن الماضي على حل النزاع بين باكستان وبنغلاديش.  وفي العام 1971 حصلت البحرين على استقلالها بفضل إسهام الوساطة الكويتية في أواخر الستينات، في النزاع بين إيران والبحرين مفاده مطالبة إيران بضم البحرين والتي انتهت بإجراء استفتاء شعبي واستقلال هذه الأخيرة. وقامت الكويت سنة 1972 بمساعي جدية في لم شمل الإخوة الأشقاء في النزاع الحاصل بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي. وفي عام 1982 لعبت الكويت دورًا مهمًّا في إعادة العلاقات التي قُطعت لأكثر من عام بين ليبيا والمملكة العربية السعودية. وفي شهر أكتوبر من نفس السنة أصبحت الكويت قبلة الوساطة العربية وحل الأزمات ولم شمل الأشقاء العرب حيث تم توقيع اتفاقية سلام بين اليمن الجنوبي وعُمان في الكويت. وبنفس الروح ومنهج الوساطة المثمر قامت الكويت بدور كبير أنجح مساعي السلام وحل الأزمة سنة 1984 بين عمان واليمن. وبلغت مساعي الدبلوماسية الكويتية ضفاف المتوسط الغربية وتدخلت بالوساطة الناجحة في حل مشكلة الأقلية التركية في بلغارية سنة 1989.

لقد ساعد الانتماء القومي والإسلامي للكويت أن تلعب دوراً مميزاً داخل الدائرة العربية والدائرة الإسلامية حيث علاقاتها الثنائية المتميزة مع غيرها من الدول العربية والإسلامية وحيث دعمها لقضايا المنطقة الأساسية كقضية التحرر وكقضية السلام وقضية التضامن العربي الإسلامي،ومما يؤكده تاريخ الكويت أنها لم تنخرط في أي وقت من الأوقات في الاصطفافات بين قوى الثورة العربية وخصومها طوال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات أو في أية خصومات عربية مباشرة مما ساعدها على أن تلعب دور الوسيط في عدد من الحالات العامة. تعتبر الكويت من بين البلدان القليلة في العالم التي ليست لديها أعداء أو خصوم مباشرون أو حتى توترات في علاقاتها الخارجية من شأنها أن تشكل تهديدا على الأمن القومي للبلاد”.

  •  الخروج المؤقت عن دور الوساطة إبان التحرير في عام 1991

كان تحرير الكويت من براثن الاحتلال العراقي تاريخا مفصليا في السياسة الخارجية الكويتية وكانت تمثل رجة قوية وصدمة عنيفة في العقل الاستراتيجي الكويتي ومثل انعطافة في تقدير الموقف السياسي آنذاك وظهر في تلك المرحلة من تاريخ الكويت الحديث مصطلح “دول الضد”، والمقصود به الدول التي أيدت العراق في عملية احتلالها وهي: موريتانيا، والجزائر، وليبيا، والأردن، واليمن، والسودان، ومنظمة التحرير الفلسطينية. واتجهت حينها سياسة الكويت إلى معاقبة تلك الدول والمنظمات بحرمانها من المساعدات الاقتصادية والمالية والمساهمة في المشاريع التنموية التي كانت تقدمها والتي كانت تقدمها مجانا دون ان تربطها بشروط سياسية لتثبيت أمنها القومي مثل ما تفعل عادة الدول. ومنذ ذلك الحين حادت الكويت عن إحدى ثوابت سياستها الخارجية وهو الحياد، وأصبح بعد مرحلة التحرير طرفًا رئيسيًّا في النزاع العربي، ولم تعد تحافظ على سياسة صفر عداء مما لم يعد يؤهله للقيام بدور الوساطة وحل الخلافات في المنطقة. لقد اتجه الكويت بعد تحريره لأراضيه إلى إعادة النظر في كل مرتكزات عمله الدبلوماسي وسياسته الخارجية ونحت نحو التركيز على الهدف الأول والإستراتيجية وهو الحفاظ على الكيان والوجود وحماية الأمن الوطني كأولى الأولويات وبكل الوسائل المتاحة. لقد قامت الخارجية الكويتية بمراجعات شاملة في كل السياسات المعتمدة تجاه المنطقة والعالم العربي والإسلامي. لقد حدث شرخ كبير في العلاقات وفقد الكويت الثقة وخاصة في الدول والمنظمات التي رعاها لفترة، وأغدق عليها المساعدات مما أفقده الإيمان بأسس الدبلوماسية القديمة والتي كانت إلى وقت قريب من الثوابت الراسخة التي لا تتزعزع.

  • رجوع محسوب إلى الأدوار الإقليمية والدولية:

فضل الكويت بعد صدمة عملية غزوه من العراق الانزواء والاكتفاء بحماية أمنه والاهتمام بشؤونه الداخلية وفي هذا السياق جاءت فرصتها للانتقام حيث ساند الكويت غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق عام 2003 الذي أدى إلى إسقاط نظام صدام حسين. ولم يظهر الكويت على الساحة الدولية إلا في بعض المبادرات القليلة لوساطة ويعود هذا ربما لحصول الاطمئنان من جهة أمنه بعد سقوط صدام، ومن خلال الخبرة التي يتمتع بها الشيخ صباح الأحمد أمير البلاد، الذي كان يشغل قبل تولِّيه الإمارة منصب وزير الخارجية لفترة طويلة في الكويت؛ حيث عاد الأمير للوساطة بين الإمارات وعُمان في أزمة 2009.

وهذا يدفعنا للقول إن خروج الكويت عن ممارسة أدواره المعتادة دبلوماسيا كان مؤقتا، ومحكوما بتطورات الأوضاع الدولية المحيطة، ولم يدم هذا الاستثناء طويلا، ويمكن حينئذ اعتبار الرجوع الحقيقي للعب الكويت أدوار الوساطة الإقليمية الحقيقية تم عندما تدخل بالوساطة لحل الأزمة الخليجية الأخيرة في سنة 2014، بسبب قيام السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر وتدخلت لنفس الملف، وعالجه بحله الأزمة بين مصر وقطر في سنة 2017. كما استضاف الكويت مؤتمرًا لتسوية الصراع في اليمن في عام 2016. في استعادة لأدوارها التقليدية وتمثلها لإستراتيجيتها التاريخية للدبلوماسية الكويتية.

  • السمعة الدبلوماسية الجيدة والإيجابية

لقد اتسمت السياسة الخارجية الكويتية بالواقعية وانبنت على المعطى الجغراسياسي لذلك كان  الكويت دائما يسعى إلى تحقيق أمنها القومي من خلال تكوين شبكة واسعة من العلاقات الدولية بما يخدم مصالحها وأهدافها السياسة والإستراتيجية. لقد حقق هذا التمشي الاستقرار في منطقة يسودها منطق الطائفية والصراع على مصادر القوة الاقتصادية سواء مصادر الطاقة أو المضائق والمعابر الإستراتيجية. إن الرقعة الجغرافية التي تقع فيها الكويت رقعة دسمة بالنزاعات الإقليمية التي تنعكس على أمنها.

لقد حققت الكويت بانتهاجها سياسة الوساطة السمعة الدبلوماسية الجيدة ومما يدل على هذه السمعة الإيجابية للكويت في الوسط الدولي وثقة الدول بالدبلوماسية الكويتية وتوجهها السلمي في العلاقات الدولية “حصولها على 188 صوتا من أصل 192 صوتا في انتخابات مقاعد مجلس الأمن غير الدائمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة”.

من المفارقات أن يلعب حجم الكويت الصغير مساحة وسكانا دورا إيجابيا في زرع الاطمئنان في الأوساط الإقليمية والدولية، باعتباره دولة لا تسعى لتوسعة نفوذها أو ترغب في الهيمنة أو لعب أدوار عسكرية في المنطقة، بل من المسلمات في السياسة الخارجية الكويتية بحثها عن استقرار المنطقة بوصفه جزءا من أمنها القومي، ومن ذلك أننا لا نلاحظ عدم اصطفاف السياسة الخارجية الكويتية إلى أي محور أو قطب على حساب آخر. وعلى العكس من ذلك بقي الكويت دولة منفتحة ومحافظة على علاقات تفاهم وتعاون مع الجميع بما فيهم الدول التي تسعى إلى إحراجها بملف الأقليات وخاصة الطائفية.

  1.  الدبلوماسية الإنسانية: 
  •  الأحمد الصباح أو القائد الإنساني

يمكن القول إن الأمير الصباح الأحمد أمير الكويت منذ 2006 هو السبب الرئيسي لإنجاح الوساطات وتحقيق معادلة صفر أعداء وكسب ثقة الدول وذلك لأدواره التاريخية ولخبرته الطويلة وامتلاكه المهارات العالية والقدرات الفائقة في مجال الوساطة.هذه المساهمة في نجاح السياسة الدبلوماسية الكويتية وأدوار الوساطة المثمرة التي انفرد بها الأمير الصباح تعطي أهمية كبيرة للبعد الشخصي في مسيرة السياسة الخارجية الكويتية، ويكفي لتدليل على ذلك أن هذه الخبرة الدبلوماسية الطويلة والثرية امتدت لأكثر من نصف قرن في مجال إدارة السياسة الخارجية، حيث تولى حقيبة وزارة الخارجية منذ عام 1963 حتى عام 2003. فحضور البعد الدبلوماسي في شخصية الأمير الأحمد الصباح بديهي وراسخ في المشهد السياسي الكويتي فهو وزير الخارجية أيام الأمير الصباح جابر الصباح صاحب المبادرة والفكرة في إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة عمان العربية سنة 1980 والذي تم إحداث المجلس بإشرافه في 25 ماي 1981 بمشاركة الدول الخمس السعودية والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان.

لقد حصل الأمير الشيخ الأحمد الصباح على شهادات تبرز القيمة الإضافية التي امتاز بها هذا الرجل في إدارة العلاقات الخارجية لما كان وزيرا للخارجية وإلى حدود شيخوخته وكبره في السن وهو أميرا للبلاد، فهو لا يكتفي بإسناد الأدوار الدبلوماسية إلى وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة بل يتجند بنفسه للقيام بمهام الوساطة خاصة بين بلدان الجوار الشقيقة رغم تقدمه في السن وتجاوزه التسعين من العمر لقناعاته بأهمية هذا الدور، وهو ما حدث في الأزمة الخليجية الأخيرة. وبفضل تراكم هذه الجهود اختيرت الكويت في 9 سبتمبر 2014، “مركزًا للعمل الإنساني” وسُمي صباح الأحمد “قائدا للعمل الإنساني” في مراسم حفل تكريم أقامته منظمة الأمم المتحدة. ومما قال عنه آنذاك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: «أن جهود الشيخ صباح الأحمد مكّنت الأمم المتحدة من مواجهة ما شهده العالم من معاناة وحروب وكوارث في الأعوام الماضية”. وأضاف في كلمة أثناء احتفالية تكريم الأمم المتحدة لصباح الأحمد، إن “مقابل حالة الموت والفوضى التي شهدها العالم، شاهدنا مظاهر كرم وإنسانية من قبل جيران سوريا قادتها دولة الكويت أميرا وشعبًا”. مضيفًا أن “الكويت أظهرت كرمًا استثنائيًا تحت قيادة الشيخ صباح، رغم صغر مساحة البلاد، إلا أن قلب دولة الكويت كان أكبر من الأزمات والفقر والأوبئة”.

إضافة إلى ما سبق يتمتع الشيخ الصباح الأحمد بمؤهلات القائد الرشيد وبالحس الديمقراطي وهو ما حصن التجربة الكويتية في محيط سياسي متقلب وتجارب استبداد في أنظمة عربية لا تحترم شعوبها، إذ تتمتع الكويت بتجربة فريدة وتاريخية منذ التأسيس، قياسا بما هو عليه من أنظمة الخليج العربي والمحيط الإقليمي حيث يعتبر البرلمان الكويتي من التجارب العربية العريقة في الديمقراطية برعاية أمراء البلاد، ومما يعرف عن هذه التجربة الديمقراطية الكويتية ظاهرة سحب الثقة من الحكومات وهي تميز العمل الرقابي في البرلمانات الحديثة.وقد ساهم الأمير الأحمد الصباح في إذكاء التجربة البرلمانية والديمقراطية،بما وفر ثقافة المصالحات وأرسى تقاليد التفاهمات والتوافقات بين مكونات المشهد السياسي والفكري المتنوع في الكويت، واستيعاب جميع الحساسيات السياسية والتيارات الفكرية والعائلات القبلية والإرادات المعارضة، ويبقى البرلمان الكويتي المعدل للسياسيات الداخلية والخارجية والمعبر عن انتظارات وثوابت الشعب الكويتي وصوته في القضايا الداخلية والإقليمية.

  • إستراتيجية التضامن الدولي المساعدات الاقتصادية:

سمحت السمعة الجيدة للسياسة الخارجية لدولة الكويت اعتماد إستراتيجية التضامن الدولي والتضامن الإنساني مع القضايا الإنسانية والدولية واعتماد الدعم والإغاثة وتقديم المساعدات لعديد الشعوب العربية والإسلامية والصديقة. ومما هو مسطر في الورقات الرسمية للخارجية الكويتية أن:”من الأهداف الدبلوماسية الكويتية تطبيق مفهوم العدالة في العلاقات الدولية من حيث خاصية توزيع الثروة الكويتية الفائضة عن حاجتها بصورة إنسانية على الدول والشعوب العربية والإسلامية ومن ثمة دول العالم الفقيرة والنامية”.لقد اعتمدت الكويت أهم عنصر من عناصر القوة الناعمة في السياسة الخارجية وهي المساعدات الاقتصادية للدول الفقيرة، واستفادت من ذلك في تسويق اسمها دوليا وإقليميا ومن سمعتها الإيجابية في الوساطات المثمرة للدبلوماسية الكويتية. ومن أجل تفعيل هذه السياسة الإستراتيجية اعتمدت دولة الكويت آلية الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية الذي لعب دورًا كبيرًا في تفعيل إستراتيجية التضامن الدولي والتضامن الإنساني الأمر الذي مكن الكويت من لعب أدوار وساطة دولية ناجحة ونحت سمعة دولية مثمرة لإقامة شبكة علاقات تستفيد منها الكويت في دعم قضاياه الوطنية والإقليمية والدولية. في هذا الصدد ترى إحدى الدراسات:” أن الكويت قد نجح في توظيف ما يمتلكه من موارد نفطية للتقليل من التهديدات الخارجية وحتى فبراير 2017، بلغ إجمالي قيمة القروض المقدمة من خلال “دبلوماسية الدينار” والصندوق الكويتي للتنمية نحو عشرين مليار دولا استفادت منها 106 دول، إضافة إلى تقديم منح بقيمة 71.44 مليون دولار ومعونات فنية بقيمة 86.26 مليون دولار.  ومن فوائد الاستثمار السياسي لهذا التوجه الإنساني للسياسة الخارجية الكويتية ما أدلى به بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة بقوله في حفل تكريم:”  “نحن مجتمعون اليوم لنشكر سمو أمير دولة الكويت وشعب الكويت، على كرمهم الكبير تجاه السوريين والعراقيين”. مضيفا أن “المبادرات التي قام بها دولة الكويت دفعت المجتمع الدولي إلى جمع المزيد من المساعدات بفضل جهود سمو أمير البلاد، ما ساعد الأمم المتحدة على القيام بوظيفتها الإنسانية وأن الدعم المستمر لسمو الأمير مكننا من ذلك”. وقد علق صباح الأحمد عند تكريمه، قائلا: “إن أعمال البر والإحسان قيم متأصلة في نفوس الشعب الكويتي تناقلها الأبناء والأحفاد بما عرف عنه من مسارعة في إغاثة المنكوب وإعانة المحتاج ومد يد العون لكل محتاج”.

الخاتمة

الآن وبعد أن فقدت الكويت أحد أكبر الشخصيات المؤسسة وأحد الزعماء ورجالات السياسة المؤثرين في المنطقة العربية والإسلامية، هل ستتبع السياسة الخارجية الكويتية خطى الشيخ الصباح الأحمد قائد مسيرة الدبلوماسية الإنسانية، والتي ساهمت في تشكيل بصمة الإستراتيجية الكويتية وحافظت على استقرار الكويت في منطقة متوترة لمدة تزيد عن نصف قرن؟ وهل أن هذه الثوابت ستبقى صامدة في ظل تغير القيادة الكويتية الجديدة وفي ظل مشروع صفقة القرن وموجة التطبيع التي تقودها دول مؤثرة في منطقة مثلث الضغط؟ وما مدى صلابة سياسة الحياد الإيجابي في ضوء التداعيات الجديدة على المنطقة، والصراعات المتجددة عربيا وخليجيا وشرق متوسطيا؟

وحدة التقدير السياسي بمركز الدراسات الاستراتيجية و الدبلوماسية

Please subscribe to our page on Google News

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 15371

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *