لماذا لا تثق الجزائر في سياسة الجارة المملكة المغربية؟ سؤال كبير جدا، والجواب عليه لا يحتاج إلى أدلة وبراهين كثيرة.. ثمة حوادث لا تنسى، خاصة عندما يتعلق بطعنات الخنجر في الظهر، ولو مر عليها عشرات السنوات.
في بيانه المتضمن الإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، عدّد وزير الخارجية رمطان لعمامرة حزمة من المبررات التي لا تحتاج إلى تمحيص أو تمعن كبيرين لفهم ما تلا القرار بالقطيعة. آخرها حوادث الحرائق التي التهمت مناطق غابية في شمال البلاد، واستهدفت بالتحديد ولايتي تيزي وزو وبجاية، من أجل إشعال فتنة بين سكان الولايتين وباقي سكان البلاد بدافع الانتقام من الشهيد جمال بن اسماعيل.
من دون الغوص في التحقيقات الأمنية والقضائية التي ستصبح بعد أسابيع متاحة للرأي العام الوطني للاطلاع عليها ومتابعاتها بالباء والتاء، عبر جلسات المحاكمات التي سيمثل فيها المشتبه بهم في إحراق الغابات وقتل جمال والتنكيل بجثته، إلا أن آخر ما صدر عن الجارة المملكة المغربية ما تضمنته مجلة “ماروك إيبدو” الأسبوعية المقربة من القصر الملكي، بإفرادها مقابلة خاصة مع مؤسس ورئيس ما يسمى حركة تقرير المصير في منطقة القبائل “الماك”، فرحات مهني، والتي عنونتها المجلة بمانشيت فيه الكثير من المغالطات بدأتها بمنح صفة رئيس الحكومة المؤقتة للقبائل إلى فرحات مهني، مبرزة بالبنط العريض العنوان التالي: “القبائل محتلة عسكريا، إنها مستعمرة”.
ويأتي هذا الإصدار ليناقض بشكل عملي تصريحات رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني (الإخواني) المغلوب على أمره، الذي تبرأ وبرأ العرش من تصريحات مندوب بلاده لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، حول مزاعم احتلال الشعب القبائلي من طرف الجيش الوطني الشعبي.
وفي تبرير العثماني أن عمر هلال، كان يحاجج ردا على موقف الجزائر الداعم للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، المعترف بها منذ عشرات السنوات من عشرات الدول، وتحظى بعضوية المنظمات الدولية والإقليمية، بما فيها الأمم المتحدة عبر بعثة البوليساريو. كما أن العثماني لم يوضح للرأي العام المغربي والعربي والدولي، لماذا انتظرت سلطات بلاده أكثر من شهر، أي من 16 جويلية حتى 24 أوت كي يرد على طلب الجزائر المتعلق بتوضيحات على افتراءات عمر هلال؟ والأخطر أن العثماني أكد أن استقرار الجزائر وأمنها من استقرار المملكة وأمنها؟ فكيف يضبط هذا الكلام وكل الوقائع والحقائق على الأرض تؤكد غير ذلك.
كيف نصدق؟
بأعصاب باردة.. إنها ازدواجية الخطاب التي تنم عن إصرار على نشر العداوة بين الشعبين وتكريسها، لا لشيء سوى خدمة لأجندة إقليمية، ترعاها قوى استعمارية معروفة بمقاومتها لتغييرات قادمة إلى المنطقة بفعل تدافع الأقطاب الدولية الكبرى الأخرى والتي بدأت ملامحها ترتسم في أفغانستان، وهي تزحف نحو الغرب الإسلامي بسرعة.. إنه الشرق الأوسط الكبير لمن نسي، والذي تعطل تجسيده بسبب جمود فرضه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأعاد إطلاقه الديمقراطي ورفيق رئيسه السابق باراك أوباما، الذي وعد بإرساء أنظمة وحكومات في الشرق الإسلامي لا تعادي أمريكا ولا تهدد حياة حليفتها إسرائيل. بالمختصر المفيد، إنه استثمار في الخطأ والتغليط.. فالشعب الصحراوي وجبهته البوليساريو حركة تحريرية مسجلة كذلك في الأمم المتحدة منذ عقود.
أما ما تزعم الرباط أنه “شعب قبائل محتل عسكريا وأرضه مستعمرة”، وله حكومة مؤقتة، تنظيم إرهابي مطلوب عناصره والناطقون باسمه في أي مكان من العالم للعدالة الجزائرية. ولمن فاتته الفرصة، نحيله إلى تأكيد مندوب الجزائر بالأمم المتحدة، سفيان ميموني، أن الوضع الخطير الذي تشهده الصحراء الغربية منذ 13 نوفمبر 2020، تاريخ استئناف الحرب، هو نتيجة مباشرة لتقاعس الأمم المتحدة عن فرض قراراتها المتعلقة بتنظيم استفتاء حر ونزيه يسمح للشعب الصحراوي بممارسة حقه في تقرير المصير، مبرزا في كلمة أمام اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة (لجنة الأربعة والعشرين) التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، أواخر أوت الماضي، بأن عمل الأمم المتحدة المستمر منذ أكثر من خمسة عقود لم يحقق نتائج تذكر على طريق تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية.
إن عملية الأمم المتحدة، يعاين ميموني، تعرضت لعقبات متعددة ورغبة واضحة في انحرافها عن الهدف المحدد لها، وأدت عقود من التقاعس إلى تدهور كبير للوضع على الأرض مع انهيار وقف إطلاق النار، واستئناف الأعمال العدائية، وغياب آفاق عملية السلام، وشغور منصب المبعوث الشخصي في الوقت الحالي، أكثر من سنتين.
وشدد أن الوضع الحالي في الصحراء الغربية هو فصل آخر في السياسة التخريبية التي تتبناها دولة الاحتلال، والتي تهدف إلى عرقلة جميع المبادرات والفرص لتأمين حل عادل ونهائي لمسألة الصحراء الغربية، بدأ بخطة التسوية المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، التي قبلتها المملكة المغربية وجبهة البوليساريو رسميا في عام 1991، وصادق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي نصت على قيام الأمم المتحدة بتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية تبع ذلك عقود من المبادرات والمفاوضات انتهت كلها بالفشل بسبب العراقيل المغربية.
وأكد أن لجنة الأمم المتحدة المعنية بإنهاء الاستعمار لديها واجب تاريخي وسياسي وقانوني لضمان عدم ضياع إيمانها بالشرعية الدولية وعملية السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة، حيث حدد مجلس الأمن معيار الحل للقضية الصحراوية من خلال دعوة الطرفين إلى الدخول في مفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية لتحقيق حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يوفر حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، هذا هو النهج الأكثر واقعية، الذي يجب أن تدعمه اللجنة والجمعية العامة. انتهى كلام السفير ميموني.