لقد تم تقرير مرتكزات النظام الاقتصادي الدولي قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية كما تشهد على ذلك اتفاقية بريتون وودز عام 1944، وإنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ثم الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفة الجمركية عام 1947، التي بها تكون القاعدة المؤسسية للنظام الاقتصادي الدولي قد استكمل بناؤها، و الحاكمية الدولية و تحقق استقرارها
ولكن على رغم صمود هذه المرتكزات في مواجهة التقلبات والأزمات التي عصفت بالمسار التطوري للاقتصاد الدولي، فإن سجل الإستراتيجية التنموية التي اعتمدتها حاكمية النظام قد أفرز وبخاصة للغالبية من الدول النامية ومنها الجزائر، انتكاسات في كل من المجالين الاقتصادي والاجتماعي، والتي بلغت ذروتها خلال سنوات الثمانينيات، وتجسدت بأزمة المديونية من جهة، وطبيعة استجابة إستراتيجية المديونية الدولية لهذه الأزمة من جهة أخرى.
وهنا يظهر مفهوم التنمية الإنسانية المستدامة، وضرورة القيام بإصلاحات سياسية إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية، تمثلت أساسا في تبني الديمقراطية التشاركية كطريقة فعالة لبلوغ هدف التنمية مع مطلع السبعينيات، وأصبحت التنمية عملية تطول إدارة الأسواق والإدارات الحكومية والعلاقات بين الحاكم والمحكوم، والمؤسسات التشريعية والأحزاب السياسية، والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الفضائية والمؤسسات الإعلامية والتعليمية والمجتمع كله. والديمقراطية التشاركية بما تحمله من حرية ومشاركة تمثل محور عملية التنمية. لأن هدف التنمية كعملية تطوير هو زيادة نطاق الخيار الإنساني وتهيئة أسباب سيطرة الإنسان على بيئته وقدراته لبناء حاضره ومستقبله من واقع الشعور بالمسؤولية الإيجابية الحرة ومسؤولية الانتماء الاجتماعي. وبهذا تكون الديمقراطية التشاركية عاملا فعالا وسهبا لتوليد تغيير سريع في بناء إنسان يتمتع بالرفاه والحرية معا
إن مفهوم التنمية الإنسانية المستدامة، يقوم على فكرة أن التنمية تقوم من خلال الناس ولأجلهم وتتيح لكل الناس زيادة قدراتهم واستغلالها في كل المجالات وتفتح الفرص وتوسع قدرات الأجيال الحالية والمستقبلية، كما تقوم التنمية الإنسانية المستدامة على دمج العامل الإنساني والبيئي كمبادئ أساسية الإستراتيجية التنمية، وأن النمو الاقتصادي لا يكون غاية بحد ذاته، بل كوسيلة لتحسين مستويات حياة البشر، كون مشكلة التنمية ليست مشكلة تقنية تتطلب حلولا تكنولوجية، بل هي تمثل تحول مجتمع من العلاقات، وطرق تفكير تقليدية وطرق الإنتاج والإدارة التقليدية إلى طرق أكثر حداثة.