بعيدا عن تميّز قطر وإبداعها في “إخراج” أحد أجمل الدورات النهائية في كرة القدم، من النواحي الفنية والتنظيمية والإعلامية، وفرضها على العالم بأسره تأمل قدرتها على تشييد “تحف” حقيقية لهياكل رياضية “دخلت حيّز الخدمة” في إطار “بروفة” تسبق بعام “المونديال العالمي”، فإن الجزائر أضفت “حجرا أساسيا” في الجانب الجمالي لـ”مونديال العرب”، حين أعطته، من الناحية الكروية، ذلك البُعد الدولي الذي يرفع أكثر من قيمة المنافسة.
كأس العرب للأمم، خلال الطبعات التسع السابقة، ظلت “نسيا منسيا”، إلى أن “تنازلت” الاتحادية الدولية لكرة القدم عن جزء من مبادئها ووافقت على رعاية بطولة مبنية على أساس العِرق، وهي تدرك أن ردود الأفعال من غير الدول العربية، ستكون، حتما، قوية، غير أن “يوم الامتحان” لم يكُن لتهان فيه المسابقة العربية، بل اختارت لها قطر تكريما لعرب آسيا وإفريقيا مجتمعين على دورتهم العربية، بلوحات فاقت توقعات العالم، من حيث القدرة على جعل الكرة الساحرة تقف مشدوهة لِما لم تراه أعينها منذ نشأتها، من سحر فضاء ممارستها ووجدته في عاشر طبعة عربية رفعت بها، أكثر من درجة الشغف بها.
وما لم يقع على عاتق قطر لتضمّنه للعالم بأسره وهو يتابع، بعيون متأملة ومندهشة، للدرجة الراقية التي تمارس فيه عربيا، اللعبة المحبوبة شعبيا، ضمان أخذ المستوى الفني والإثارة وطابع المنافسة ذلك البُعد الدولي، فمنتخب قطر لم يكن قادرا لوحده ضمان ذلك، فجاء المنتخب الوطني الجزائري، صاحب الشعبية الكبيرة والمنزلة الشهيرة، ليدفع بـ”مونديال العرب” إلى العالمية، بعد رفعه لدرجة التنافس والإثارة أمام منتخب المغرب، وقبله أمام منتخب مصر إلى أعلى المستويات على الإطلاق.
المنتخب الوطني، وقد تفنن العالم في إطلاق “تسميات” التمجيد عليه منذ أكثر من عشر سنوات، هو منتخب عالمي بكل المقاييس، وحتى إن كان الأمر يتعلق بثاني المنتخبات الجزائرية وليس أولها، وحتى لو أن مدربه ليس صانع ملحمة القاهرة، إلا أن ما بلغه “الخضر” بطبعة جمال بلماضي وما ورثه عن رابح سعدان من سمعة وقيمة “المحاربين” وشرف ذلك اللقب المكتسب عن جدارة واستحقاق منذ ملحمة “أم درمان” أمام “الفراعنة”، جعل “انتصار” المنتخب الجزائري أمام المنتخب المغربي، يأخذ أبعادا دولية بنفس حدة أهم مباريات “الأفناك” في السنوات الأخيرة، بما رفع من قيمة البطولة العربية وأدخلها من طبعتها العاشرة العالمية.
ولأن مَن تأهل، هذه المرة، في “مونديال العرب”، هو المنتخب الجزائري، بطل إفريقيا وصاحب سلسلة دون هزيمة بـ 33 مباراة، ولأن أيضا ما رافق المباراة “صور” نادرة تناقلها العالم عن الروعة لأجواء مشجعي “الخضرا” وإبداع يوسف بلايلي في طريقة وضع الكرة في المرمى، وصمود “الشبان” أمام “الفرعون” و”الأسود”، فقد اهتزت “الأرض” من كرة “يوسف” الصاروخية، وانحنت الهيئة الكروية الدولية مهنئة التشكيلة الجزائرية وبصفة رسمية.
الاحتفالات عمت ربوع الجزائر بنفس وقع احتفالات وفرحة بلوغ المونديال والتتويج بكأس الأمم، وبنفس قيمة مباراة أم درمان ورباعية كوريا الجنوبية التاريخية، وعاشت فرنسا مثل عديد من البلدان عبر العالم حيث الجالية الجزائرية القوية، ليلة بيضاء وفرحة لا توصف رُفعت الرايات الجزائرية بافتخار واعتزاز، بل إن فلسطين والصحراء الغربية، انتشت بانتصار مَن ينصر القضايا العادلة وبعثت سفارة دولة فلسطين بالجزائر ببرقية تهنئة لـ”الخضر”، ووقفت فرنسا وقفة إجلال للكبار ببرقية تهنئة رسمية من سفارتها بالجزائر، على إنجاز منتخب أعاد تذكير ضعاف الذاكرة بأن .. هذه هي الجزائر التي تنتصر ولا تنكسر..