البحث الاول : من اعداد : جارش عادل – باحث دكتوراه في المدرسة العليا للعلوم السياسية (الجزائر)
المـــلخـــــص:
إ ن التغيرات الهيكلية والقيمية وما تلاه من تحولات وتغيرات في البيئة العالمية منذ نهاية الحرب الباردة (The Cold War) ساهمت في رسم مجتمع كوني يتميز بالتعقيد والترابط والغموض وتختلف فيه حدة التهديدات الأمنية بين الزيادة والنقصان من منطقة إلى أخرى.
فلقد تغيرت هيكلة وخارطة المخاطر والتهديدات الأمنية من نمط تقليدي إلى نمط جديد اصُطلح عليه في الكثير من الأحيان “بالتهديدات اللاتماثلية” Asymmetric Threats، وبصورة أحدث “التهديدات الهجينة”Hybrids Threats كتعبير عن زيادة التعقيد والحركية والتطور المستمر الذي يمس الظاهرة الأمنية في العلاقات الدولية انطلاقاً من تفاعلها بما يحصل على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بالتطور التكنولوجي والمعرفي والتقني.
وتأسيساً على ذلك فإن الدراسة تستهدف إلقاء الضوء على التحولات التي لحقت بطبيعة التهديدات الأمنيةمنذ فترة نهاية الحرب الباردة، إضافة إلى محاولة تشخيص لأبرز التهديدات الأمنية الجديدة التي تدرج على سلم أولويات قضايا المجتمع الدولي.
الكلمــــــات المفتــــاحيـــــة:التهديد الأمني، الأمن القومي، التهديدات اللاتماثلية، التهديدات الهجينة، التحولات الدولية، التطور التكنولوجي والمعرفي.
إذا كانت الحرب الباردة مصدراً قوياً للصرامة والاتساق الإيديولوجي بقيادة المعسكرين (USA & USSR)، كونها فرضت خط صدع واحد بين الاختلافات في النظام الدولي (الشيوعية الاشتراكية/الليبرالية الرأسمالية)، فإن هذا الخط الجديد بدأ في الانطماس والتفكك في نهاية الثمانينياتجراء تفاعل مجموعة من الأسباب أدت إلى تغيرات هيكلية وقيمية عميقة مست النظام الدولي والعلاقات الدولية.
وأعقب ذلك أيضاً أحداث متفرقة مهمة تركت بصمات واضحة في السياسة الدولية والأمنية كأحداث الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وهي وقائع عند رصدها ضمن سياق أمني بشكل دقيق، فسنجد أنها تُعبر عن مجرى جديد للبعد الأمني في العلاقات الدولية بمفاهيم ونظريات وفواعل وتهديدات أمنية جديدة تتجاوز النطاق العسكري الدولاتي الضيق للأمن والتهديد، حيث دعى الكثير من المفكرين أمثال “باري بوزان”Barry Buzan و”أول ويفر” Ole Waever إلى تجاوز التفكير الضيقللأمن والتهديدات الأمنية الذي ينحصر حول أمن الدولة والأمن العسكري، وتوسيع هذا التفكير من خلال البحث عن الفواعل الجديدة المهددة للأمن والتهديدات الأمنية الجديدة.
* طالب دكتوراه في المدرسة العليا للعلوم السياسية (الجزائر)
ووسط هذه المعطيات أيضاً سنلمس أن أغلب النقاشات المطروحة اليوم في الأوساط السياسية والأكاديمية تتضمن قضايا أمنية جديدة تتميز بالطابع اللاتماثلي مثل: الظاهرة الإرهابية، الجريمة المنظمة، الهجرة غير الشرعية…وغيرها، وهي تهديدات أمنية جديدة(New Threats) تحركها في الكثير من الأحيان فواعل أمنية غير تقليدية تُحاول تحقيق أهدافها المنشودة.
المشــكــلــــة البحـــثيــة:
تحاول هذه الأوراق البحثية الوصول إلى بناء إطار معرفي حول التهديدات الأمنية اللاتماثلية والكشف عن أبرز المضامين الفكرية انطلاقاً من طرح التساؤل المركزي التالي:
ولتبسيط هذه المشكلة سيتم تفكيكها إلى عدة تساؤلات فرعية على النحو التالي:
ما هو التهديد الأمني؟ وماهي أبرز تصنيفاته؟
ما هي التهديدات اللاتماثلية؟ وأين تجد المكان المثالي لها؟
استناداً إلى ما يحدث من وقائع في العلاقات الدولية، فيما تتمثل أبرز التهديدات الأمنية اللاتماثلية التي تؤثر بالسلب على الأمن العالمي؟
أهميــــة الــــدراســــــة
تتمثل أهمية الدراسة بأنها:
تستمد أهميتها وقيمتها العلمية والواقعية من أهمية الدراسات الأمنية والاستراتيجية في العلاقات الدولية، فهي تحاول إيصال فكرة أن الأمن هو “قيمة ثابتة” في الحياة الإنسانية، ولا بد من الحفاظ عليه وذلك من خلال معرفة مهددات الأمن الجديدة وربطها بالتحولات والتطورات الحاصلة في البيئة الأمنية العالمية.
مهمة كونها تكشف عن الأشكال الجديدة للتهديدات الأمنية، والتي يمكن من خلالها التساؤل عن كيفية احتواءها والحد من تفاقمها وخطورتها حتى يتم الوصول إلى نهج انكفائي لتأمين الأمن، ولاسيما أننا أصبحنا في بيئة أمنية جد معقدة وغامضة تحكمها حالة “عدم اليقين” Uncertainly.
تُعد الدراسة مجالا جديداً للبحث، فهي متزامنة مع المستجدات الحركية الحاصلة في البيئة الدولية، وبالأخص في المنطقة العربية.
أهـــــداف الــــدراســـــة
تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها:
محاولة الوصول إلى إطارمعرفي لمناسب يمكن من خلاله تفسير وتحليل التهديدات الأمنية اللاتماثلية
دراسة العلاقة بين متغيري التهديد الأمني والتحولات والتطورات الحاصلة البيئة الدولية، ومدى انعكاس هذه العلاقة على الأمن العالمي.
منهـــــجية الـــــدراســـــــــة
تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي(Descriptive Analytical Method) الذي تم من خلاله تحديد خصائص وأبعاد الظاهرة المدروسة ووصفها وصفاً موضوعياً عبر جمع الحقائق والبيانات وباستخدام أدوات وتقنيات البحث العلمي.
وتجدر الإشارة بأن الدراسة تنطلق من العام إلى الخاص، بدءاً بتوضيح مفهوم التهديد الأمني وتحديد طبيعته وتصنيفاته بصفة عامة، ثم التطرق إلى التهديدات الأمنية اللاتماثلية، إضافة إلى دراسة أبرز التهديدات اللاتماثلية التي تؤثر على الأمن العالمي مستدلين بأمثلة وعدة براهين
الــــدراســـــات الســــــابـــقة
تم التطرق لهذه الدراسة في العديد من الدراسات السابقة بشكل جزئي كمحاولة لتقديم أطر علمية أكاديمية تساعد على فهم التهديدات الأمنية الجديدة، ونذكر منها:
مقال “لسليمان عبدالله الحربي” حول: “مفهوم الأمن، مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم والأطر) الصادرة عن المجلة العربية للعلوم السياسية عام 2008، حاول فيها الباحث التوصل إلى اقتراب فكري أو إطار معرفي للتحديد الدقيق لمحددات الأمن عبر دراسة أبعاده ومستوياته وصيغه، كما تعرض الباحث للعلاقة بين الأمن والتهديد.
دراسة للباحث “هانس براوتش” Hans Günter Brauch المعنونة “بمفاهيم التهديدات الأمنية، التحديات، نقاط الضعف والمخاطر” “Concepts of Security Threats, Challenges, Vulnerabilities and Risks”، وهي دراسة تحليلية مفصلة لأبرز المفاهيم المستخدمة عند دراسة الأمن القومي، وتم التطرق فيها إلى مفاهيم: الأمن، التهديد الأمني، المخطر، نقاط الضعف.
دراسات ومقالات أخرى متفرقة حول التهديدات اللاتماثلية والهجينةتم الاعتماد عليها في موضوعنا كدراسة “توني بافنر” Toni Pfanner حول الحروب اللاتماثلية “فرانك هوفمان” Frank G Hoffmanحول “النزاعات في القرن الواحد والعشرين صعود الحروب الهجينة” Conflict in the 20 th Century the Rise of The Hybrid Wars.
هيـــكــــلة البـــحـــث
تنقسم الدراسة إلى ثلاث عناصر إضافة إلى مقدمة وخاتمة، حيث سيتم توضيح عدة مفاهيم كالتهديد والتحدي والمخطر والرهان، وأبرز تصنيفات التهديدات الأمنية في العنصر الأول، أما الثاني فيستعرض التهديدات اللاتماثلية، بينما يتضمن الثالث أبرز التهديدات الجديدة التي تؤثر على الأمن العالمي كظاهرة الإرهاب العابر للحدود والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وغيرها.
أولاً: فهم التهديدات الأمنية
يستوجب التطرق إلى موضوع التهديدات الأمنية الجديدة توظيف بعض المفاهيم الأساسية التي لا بد من التدقيق في استعمالها ومعرفة فحواها، ومن بينها مفهوم التهديد(Threat) والخطر(Risk) والتحدي (Challenge)، كما أن الإحاطة بأبرز تصنيفات التهديد الأمني ومعرفة العوامل التي تُساهم في تحديده أمر ضروري يسمح لنا بالتقرب منه أكثر واستكشافه بدقة.
تعريف التهديد الأمني
اشتقت كلمة “تهديد” من الناحية اللغوية من لفظ “هدد”، ويقصد به محاولة إلحاق الضرر والأذى بشيء معين قصد الإخلال بالأمن[1]، ويشار إليه في اللغة الانجليزية “Threat” وبالألمانية “Drohung” أو “Budrohung” وبالفرنسية “Menace”، ويُعبر التهديد عن وجود نية لإيذاء أو معاقبة أو إلحاق ضرر من خلال عمل عدائي على شخص معين[2].
ولقد ورد في قاموس “أكسفورد” Oxford على أن التهديد هو: “محاولة شخص أو شيء الإضرار بحياة الآخرين” مثل: التلوث يهدد حياة الحيوانات والناس[3].
أما من حيث المعنى الايتمولوجي للمصطلح فإن كلمة التهديد ذات المدلول الجديد كلمة مستحدثة نسبياً على المستوى الأكاديمي، فالتهديدات التي كانت تتعرض لها الدول في السابق كانت تندرج ضمن الدائرة العسكرية الضيقة ذات المنشأ الخارجي، لكن مع تعقد الظاهرة الأمنية إثر التحولات الهيكلية والقيمية الحاصلة في العلاقات الدولية نتيجة لنهاية الحرب الباردة (The Cold War) جعلت دائرة التهديدات تتوسع لتشمل التهديدات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ليست ذات منشأ خارجي فحسب، بل تنشأ أيضاً على الصعيد الداخلي، وهو ما أدى إلى تعدد مستوياته (فردي، إقليمي، دولي…)، وما ولد من الناحية النظرية مفهوم جديد للتهديد ذات طابع معقد متعدد المجالات والمستويات والفواعل[4].
ويرى “تيري ديبيل” Terry L. Debel على أن التهديد: “عمل نشط وفعال تقوم به دولة معينة للتأثير في سلوك دولة أخرى، ويشترط نجاحه توفر عدة عوامل أبرزها المصداقية والجدية والقدرات التي تتناسب مع التهديد، وهناك ثلاث سمات يتميز بها التهديد، وهي: درجة الخطورة ومدى احتمالية وقوع التهديد وعنصر التوقيت”[5].
أما باري بوزانفقد عرف التهديد على أنه:”تهديد لمؤسسات الدولة باستخدام الإيديولوجيا أو استخدام مكونات القدرة للدولة ضد دولة أخرى، حيث يمكن أن يكون إقليم الدولة مهدداً بضرر أوغزو أو احتلال، ويمكن أن تأتي التهديدات من الخارج أو من الداخل، ويعتقد باري بوزان أن الدول القوية عادةً ما تتعرض للتهديدات خارجية عكس الدول الضعيفة التي تتعرض للتهديدات من الداخل والخارج”[6].
ويعتبر الباحث التشيكي “يان إيشلر” Jan Eichlerأن التهديد يعبر عن إرادة إلحاق الضرر بفاعل (الفرد/جماعة/دولة…)، ويشترط فيه توفر العناصر التالية:
أن يسبب حالة من الهلع والخوف.
توفر القدرة على الاستهداف سواء استهداف الدولة مباشرةً أو مواطنيها أو الدول المجاورة للدولة، وهنا يكون للتهديد تأثير جيوسياسي، فمثلاً: الفوضى الأمنية والتهديدات الأمنية الموجودة بدول الجوار الجزائرية خاصة ليبيا تجعل الجزائر في حالة من الخوف والترصد والتأهب لمواجهة تهديدات محتملة قد تأتي منها.
درجة الخطورة، أي طبيعة الخطورة (محتملة، فعلية، كامنة)، فكما كان التهديد خطير كلما تطلب ذلك رد فوري فعال من الطرف المهدد[7].
وانطلاقاً من هذه العينات المختارة من التعريفات سالفة الذكر يمكن استخلاص عدة نقاط تشكل الوعاء الحقيقي لمفهوم التهديد على النحو التالي:
أن التهديد يُعبر عن نية لإلحاق الضرر والأذى قصد الإخلال بالأمن.
يتأثر التهديد بالمستجدات والتغيرات التي تحدث على أرض الواقع، وهو ما يضفي الطابع الحركي والنسبي لمفهوم التهديد.
تتعدد مستويات التهديد (فرد، جماعة، دولة، إقليم وغيرها)، ومصادره (من داخل وخارج الدولة) ومسبباته وأنواعه، وهو ما يجعله مفهوم مركب ومُعقد.
يتداخل ويتفاعل التهديد في البيئة الراهنة مع عدة تهديدات أخرى.
التهديد الأمني ومفاهيم مشابهة
لا تزال إشكالية التدقيق في الضبط التعريفي للمصطلحات المتعلقة بالتهديدات الأمنية محل نقاش كبير بين الباحثين والدارسين، فالكثير منهم يخلط في استعمال مفردات”التحدي” و”الخطر”، ويستعملها كمرادف للتهديد الأمني، وهو ما قد ينعكس سلباً على تقديرات الدراسة.
لذلك لابد من التمييز بين هذه المفاهيم، والتحكم في استعمالها بدقة استناداً إلى قول “فولتير” Voltair : “إذا أردت أن أفهمك فلا بُد لك من توضيح مصطلحاتك”، وهو ما ارتأينا إليه في هذا العنصر.
1.2 التحدي (Challenge)
اشتقت كلمة “تحدي” من الناحية اللغوية من اللفظ “تحدى”، حيث يُقال في اللغة العربية فلان تحدى فلان حول شيء معين أي طالب مباراته في هذا الشيء، ويقابل لفظ التحدي في اللغة الإنجليزية كلمة (Challenge)، وفي الألمانية (Herausforderung) وبالفرنسية (Défi).
وتشير القواميس الانجليزية البريطانية إلى عدة معاني للتحدي، فهو يعبر على شيء صعب يجب اختباره ويحتاج إلى القوة والمهارة، وهو أيضاً دعوة للمنافسة والمواجهة كأن يقترح شخص مبارزة آخر وما إلى ذلك[8].
ومن الناحية العلمية؛ فإن المتفق عليه أن مُفردة “التحدي” يقصد بها مجموعة معقدة من المشاكل والظروف التي ننتجها في الواقع والمستقبل بإرادتنا ورغباتنا الواعية وغير الواعية[9]، فلقد عرفها “سليمان عبد الله الحربي” بأنها: “المشاكل والصعوبات أو المخاطر التي تواجه الدولة وتحد وتعوق من تقدمها وتشكل حجر عثرة أمام تحقيق أمنها واستقرارها ومصالحها الحيوية الذاتية المشتركة ويصعب تجنبها أو تجاهلها”، فعلى سبيل المثال تعتبر كل من معضلة البطالة ومشاكل الانفجار الديمغرافي تحدياً بالنسبة للدولة[10].
والتحدي شيء صعب يتم فيه اختبار قدرة الدولة على إدارة شؤونها ومنافسة الآخرين، سواء تعلقت هذه التحديات بالمشاكل الداخلية أو الخارجية[11].
الخطر (Risk)
عرف قاموس Le Petite Robert “الخطر” على أنه كل فعل مهدد يُحتمل وقوعه وإمكانية التنبؤ به تتأرجح بين الزيادة والنقصان، وهو مرتبط بمدى قدرة المجتمع ومناعته حيال مواجهته[12].
ويعتبره الكثير من المفكرين والمختصين على أنه خاصية تدل على شيء يلحق ضرر معنوي أو مادي، فعندما نقول عن شيء خطر بمعنى أنه يحمل ضرر معنوي أو مادي يُحتمل وقوعه، وقد يؤدي إلى الخسارة أو الدمار أو الإصابة، ويشملالخطر ثلاث عناصر أساسية تتمثل في:
المصدر المنتج للخطر.
الوسيلة الناقلة للخطر بحيث قد تكون ميكانيكية أو كيميائية أو إشعاعية.
البيئة الناقلة للخطر التي قد تكون مائية أو حضرية أو هوائية[13].
ويرى “ألريش بيك” Ulrich Beck في كتابه “مجتمع الأخطار” La Société du Risqueأن الخطر عبارة عن ضرر يهدد أمن الأفراد والبيئة والجماعات البشرية، لكنه يوشك أن يحدث أو حدث فعلاً ويمكن احتواءه إن لم يتفاقم، كما يعتبر ألريش بيك أن الأخطار استفحلت وتنوعت مع التطور التكنولوجي والعلمي وتزايد تأثيرات العولمة وأصبحت تتميز بسرعة الانتشار من منطقة إلى أخرى[14](انظر الشكل01).
الشكل (01): جدول يُبين أبرز أوجه الاختلاق بين التهديد والتحدي والمخطر
المفهوم
مؤشر التمييز
التهديد
(Threat)
التحدي
(Challenge)
المخطر
(Risk)
من حيث مضمون كل مفهوم محاولة إلحاق الضرر بفاعل معين (دولة/ جماعة/ أفراد…). مشاكل وصعوبات يقتضي للدولة مجابهتها . فعل مُهدد يُحتمل وقوعه وإمكانية التنبؤ به تتأرجح بين الزيادة والنقضان.
من حيث البعد الزمني يكون آني نتيجة لإدراك وجود خطر يهدد الفاعل. مشاكل ننتجها في الواقع والمستقبل. تهديد يكون على وشك الحدوث، أو حدث فعلاً.
من حيث الهدف عادةً ما يحمل أهداف سياسية اختبار مدى قدرة الدولة على المنافسة والمواجهة محاولة إلحاق الضرر المعنوي أو المادي
المصدر: تصميم الباحث
تصنيفات التهديدات الأمنية
هناك عدة معايير مستعملة لتصنيف التهديدات الأمنية من قبل الدارسين والباحثين، حيث تعددت المعايير المستعملة لتصنيف التهديدات الأمنية، إذ يركز بعض الباحثين على معيار “المجال” Fieldفي تصنيفهم للتهديدات، ومنهم من يستخدم المعيار “الجغرافي” Geographical، ومنهم من يحبذ استخدام تصنيفات معاصرة تركز على معيار “التماثل” Similarty و”التأثير” Influence.
من حيث المجال: يحبذ الكثير من الباحثين تصنيف التهديدات الأمنية حسب معيار المجال، بحيث يتضمن هذا التصنيف مايلي:
التهديدات السياسية:تتضمن غياب نظام سياسي يتميز بالقبول العام الداخلي والخارجي متماسك ومتجاوب مع تطلعات الشعب، إضافة إلى غياب شبه تام لمؤشرات الديمقراطية والحكم الرشيد.
التهديدات اقتصاديّة: تتمثل فيعدم وجود توزيع عادل للثروة، وضعف في الناتج القومي والدخل الفردي وتأثر الدولة بإفرازات العولمة الاقتصادية والأزمات المالية والعقوبات الاقتصادية.
التهديدات الاجتماعية والثقافية: تتجلَّى في اتساع دائرة الفقر والجوع والأمية والبطالة والأوبئة والهجرة والتزايد الديمغرافي الذي لا يتماشى ولا يتوافق مع نسبة النمو الاقتصادي، وزيادة التفكك الاجتماعي وتدني مستوى الخدمات الاجتماعية مما يؤدي إلى تدهور حالة البشر، إضافةً إلى الاختراق الثقافي لهوية المجتمعات والدول نتيجة لتطور مسارات العولمة التي ارتبطت ارتباطاً عضوياً بتطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا، وجعلت العالم ينتقل من صفة المحدود إلى اللامحدود، وتزايد الحركات الأصولية المتطرفة التي أصبحت تمثل الخطر الرئيسي على السلام العالمي.
التهديدات البيئية: وتتضمن كل تهديد يمس الحيز (المحيط) الذي نعيش فيه سواء كان يابسة أو ماء أو هواء، وتعتبر البيئة قضية أمنية ذات طابع أفقي كوني غير محدودة جغرافياً تمس كل الفواعل والمجالات، وتشمل هذه التهديدات التلوث، الاحتباس الحراري وتآكل طبقة الأوزون، وظاهرة الانقراض الحيواني والنباتي، وتلوث التربة بسبب سوء استخدام الأسمدة والمبيدات، وتلوث الهواء والمياه العذبة والجوفية ومياه البحار والمحيطات والاستهلاك المفرط لمصادر الطاقة غير المتجدِّدة (نفط، فحم حجري، غاز طبيعي وصخري…)[15].
حسب درجة الخطورة: يرىالمفكر العربي “سليمان عبد الله الحربي” في مقال له بالمجلة العربية للعلومالسياسية موسوم بما يلي “مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم والأطر)” أنه يمكن تصنيف التهديدات الأمنية من حيث درجة الخطورة إلى:
التهديدات فعلية: وهي ما يعرض الدولة لخطر داهم نتيجة الاستخدام الفعلي والجاد للقوة العسكرية.
التهديدات المحتملة: تُرصد هذه التهديدات من خلال مجموعة من الأسباب الحقيقية التي تؤكد تعرض الدولة لمجموعة من التهديدات دون وصولها إلى مرحلة استخدام القوة العسكرية .
التهديدات الكامنة: تتميز بأنها غير مرئية(كامنة)، كوجود أسباب خلاف بين دولتين أو أكثر دون وجود أي مظاهر مرئية على السطح.
التهديدات المتصورة: وهي التهديدات التي يُحتمل ظهورها مستقبلاً[16] (أنظر الشكل 02).
الشكل (02): يُبين تصاعد حدة خطر التهديدات
المصدر:تصميم الباحث
حسب درجة التماثل: يرى بعض الباحثين أنه يمكن تصنيف التهديدات الأمنية حسب درجة تشابه الفواعل (Actors) إلى:
– التهديداتالتماثلية: يطلق على النمط التقليدي للتهديدات الذي تتميز بالطابع البيني والعسكري وتتشابه في الفواعل من حيث الخصائص كالتهديد العسكري الذي يكون بين دولة “أ” ودولة “ب”، مثل: التهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية باستخدام القوة بينهما.
التهديدات اللاتماثلية:هي تلك التهديدات التي تُبنى على فكرة الغموض وعدم إمكانية تحديد ماهية العدو، إذ تكون بين أطراف غير متكافئة من حيث القوة، ويشمل هذا النوع من التهديدات الجريمة الاقتصادية والمتاجرة بالأسلحة والإرهاب العابر للحدود، والجريمة المنظمة والنزاعات الداخلية، وما يصحبها من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، والإبادة الجماعية التي تجد لها مكاناً مثالياً في الدول الفاشلة (Failed States)، ولقد برزت نتيجة للتغير المهم في هيكلة المخاطر الأمنية من النمط التماثلي (باعتبار تماثل أطرافها) إلى “النمط اللاتماثلي” (بالنظر إلى لا تناظر طبيعة أطرافها) تزامناً مع التحولات والتغيرات الحاصلة في النظام العالمي[17].
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مجموعة من العناصر التي تساهم في تحديد التهديد الأمني، ويمكن من خلالها تحليل أي تهديد أمني لا بد من التطرق لها على النحو التالي:
طبيعة التهديد:ما هو تصنيف هذا التهديد؟ و ما هي أبرز أبعاده؟
مكان التهديد: ما هو النطاق الجغرافي لهذا التهديد؟ وما هي امتداداته؟
زمان التهديد: ماهي تأثيراته الحينية والمستقبلية؟
درجة التهديد:ما قوة هذا التهديد؟ وما هي خطورته؟
تعبئة الموارد: ماهي الإجراءات والتدابير المناسبة المادية والبشرية والمعنوية لمواجهة هذا التهديد ومحاولة الحد من تأثيره وأبعاده[18]؟
وكنتيجة لما سبق نستنتج أن مفهوم التهديد الأمني هو مفهوم معقد نسبي وحركي،ولذلك لا بد من الدقة العلمية في تحديده من خلال معرفة أبرز السمات والأبعاد التي يتميز بها هذا المفهوم حتى يسهل تشخيصه وعلاجه،فمثله مثل الحالة التي يريد من خلالها الطبيب الكشف عن طبيعة الداء الذي أصاب مريضه، ومن ثم محاولة تشخيصه وعلاجه.
ثانياً: التهديدات اللاتماثلية
عند توصيف البيئة العالمية الأمنية منذ نهاية الحرب الباردةفإننا سنقترب من فرضية أساسية مفادها أن: “تطور الإنسانية يثبت قدرة كبيرة على صنع التغيير والتحول”، وهذا هو الفارق بين كل حقبة وحقبة زمنية أخرى، فإذا كان هذا التغير يمس مواطن القوة في العلاقات الدولية فسيؤثر على موازين القوى في النظام الدولي وترتيب الوحدات ومنظومة القيم فيه، وهو ما يجعلنا نعيد النظر في الكثير من المعطيات، ومن بينها الأمنية.
فالراصد لمؤشرات البيئة الأمنية العالمية في العقود الثلاث الأخيرة، سيرى أن هناك تحول قد لحق بطبيعة المخاطر التي تُهدد الأمن العالمي من النمط التقليدي الذي يُركز على الدولة كفاعل مُهدد، وعلى الطبيعة العسكرية للتهديد إلى أنماط جديدة عديدة، ومن بينها التهديدات اللاتماثلية، والتي سنحاول توضيحها وتبسيطها في هذا العنصر.
تعريف التهديدات اللاتماثلية
وتُسمى أيضاً بغير المتناظرة أو غير المتكافئة، وتكون بين فاعلين غير متكافئين من حيث القوة وعادة ما يكون هذا النمط من التهديدات وسيلة للتعويض عن نقص في الموارد للطرف الضعيف الذي يستخدم التهديد من خلال الاعتماد على أساليب ووسائل متعددة يستهدف من خلالها المساس بنقاط الضعف للطرف الأقوى.
ومن أمثلة هذه التهديدات حرب الدولة ضد الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة، ومصطلح “التهديدات اللاتماثلية” عكس مصطلح التهديدات التماثلية التي تعني الطرح الكلاسيكي للتهديد ذات الطابع العسكري والبيني بين الدول (انظر الشكل03).
وبمستوى أعلى من التهديد يُشار في الكثير من الدراسات إلى الحرب اللاتماثلية ( AsymmetricWar)؛ وهي النمط الغالب في حروب اليوم لذلك تُسمى بـــــــــــ “حروب العصر”، بحيث تكون الأطراف المتحاربة غير متساوية ومتفاوتة في القوى والوسائل والتنظيم، وتتخذ عدة أشكال، ويُمكن قراءتها على ثلاث مستويات؛ فهناك المستوى الميداني (يتميز بكثرة العمليات السرية، المفاجأة، الغدر والحيل…، وما إلى ذلك)، والمستوى الاستراتيجي العسكري (حرب العصابات، الحرب الخاطفة، …، وغيرها)، والمستوى الاستراتيجي السياسي (حرب ذات معطى ثقافي أخلاقي وديني)[19].
ولقد استعمل هذا المصطلح في الكثير من الدراسات الأنجلوساكسونية، مثل دراسة: “ستيفن لمبكيز”Steven Lambakis، “جيمس كيريس” James Kirasو “كريستين كولتKirstin Kolet في دراسة موسومة بــــ:Understanding Asymmetric Threats to the USAو”دايفيدبيوفلو” David Buffaloe حول “تعريف الحرب اللاتماثلية”Defining Asymmetric Warfare.
وتم استعمال هذا المصطلح في الولايات المتحدة لتوصيف المخاطر الجديدة التي تواجه الأمن القومي الأمريكي على النحو التالي:
التهديدات الجديدة التي تتميز بعنصر المفاجأة والحركية والغير مألوفة.
الأساليب والتكتيكات العملية الجديدة التي تستخدمها المجموعات لتهديد الأمن الأمريكي.
غموض وصعوبة تحديد ماهية العدو المهدد للأمن الأمريكي.
الشكل (03): جدول يُبين أبرز أوجه الاختلاق بين التهديداتالتماثلية والتهديدات اللاتماثلية
نوع التهديد
مؤشر الاختلاف
التهديدات التماثلية
التهديدات اللاتماثلية
من حيث مضمون كل مفهوم هي التهديدات التقليدية التي تحمل بُعد عسكري تحاول فيها دولة تهديد دولة أخرى بغرض تحقيق أهدافها. تهديدات تكون بين فواعل غير متناظرة كحرب دولة ضد جماعة إرهابية، وتُعبر عن النمط الجديد من التهديدات السائدة بكثرة منذ أحداث الحادي عشر من ستمبر 2001.
من حيث المصدر الدولة فاعل من غير الدولة: جماعات الإرهابية، وجماعات تمرد، عصابات جريمة منظمة…، وغيرها.
منحيث الخصائص يكون العدو واضح ويمكن تحديده بسهولة واستهدافه، وعادة ما تكون بين أطرف متشابهة كتهديد دولة لدولة ويتشابهان في العديد من النقاط. تُبنى على فكرة الغموض وعدم إمكانية تحديد ماهية العدو،وتكون بين أطراف غير متكافئة تختلف من حيث القوى التنظيم وامتلاك الوسائل والأساليب.
المصدر: تصميم الباحث
التهديدات اللاتماثلية والتهديدات الهجينة
يعود استعمال عيارة “هجين” Hybrid أو “خليط” إلى تحليل قامت به قوات سلاح البحرية الأمريكية للتجارب العملياتية في العراق وأفغانستان، ففي سنة 2005 كتب الجنرال “جيمس ماتيس” James Mattisالذي شغل منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية في مجلة “الاجراءات” التابعة لمعهد البحرية الأمريكية عن ظهور طرق غير منتظمة للتهديدات مثل: الإرهاب وأعمال التمرد وتجارة المخدرات.
وجاء في هذا التحليل أن الخصوم غير النظاميين يسعون الى استغلال الأفضلية التكتيكية في وقت ومكان يختارونه بأنفسهم بدل الخضوع إلى قواعدنا، إذ يحاولون مراكمة سلسلة من الأثار التكتيكية الصغيرة ثم يضخمونها باستعمال الإعلام وحرب المعلومات لإضعاف العزم الأمريكي، وهكذا تظهر عملية اندماج بين طرق ووسائل حربية مختلفة تُشكل تهديد هجين وبمستوى متقدم تؤدي إلى “حرب هجينة” .Hybrid War
ويعرف “فرانك هوفمان”F.Hoffmanالتهديدات الهجينة : بأنها تتضمن مجموعة كاملة من الوسائط المختلفة من الحرب بما في ذلك القدرات النظامية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية بما في ذلك العنف العشوائي والإكراه والإجرام العشوائي.
“Hybrid threats incorporate a full range of different modes of warfare including conventional capabilities, irregular tactics and formations terrorist acts including indiscriminate voilence and coercion, and criminal disorder”[20].
وتتواجد التهديدات الهجينة بكثرة في الأقاليم التي لم تعد خاضعة لسيطرة الدولة، وتتميز بسرعة الانتشار وتتعلق بفواعل غير دولاتية تجمع بين استخدام الوسائل التقليدية وغير التقليدية مثل الحرب التقليدية والجريمة المنظمة والإرهاب والأعمال التخريبية والتحكم في التكنولوجيا واختراق المواقع الالكترونية، وتتميز أيضاً بتعدد أشكالها وطبيعتها المستعصية الفهم، نظراً لغموضها وكثرة تفاعلاتها وتفرعاتها، كما تمثل التهديدات الهجينة خصماً يصعب معرفته وتحديده وتوقع أعماله ونتائجه وتنطبق هذه الحالة على التهديد الهجين ” داعش” أو ما يُسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق(ISIS)[21].
وتُمثل التهديدات الهجينة تحدي جد عويص لأمون الدول والأمن العالمي، وهي أكثر تعقيداً وتشابكاً وغموضاً من التهديدات اللاتماثلية، وأشمل منها.
ثالثاً: أبرز التهديدات اللاتماثلية
أصبحت التهديدات اللاتماثلية تسيطر على نقاشات الدوائر السياسية والأمنية، ويتعلق ذلك خاصةً بمثلث الإرهاب، الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، وهي من أبرز المشاكل التي تُخل بالسلم والأمن العالمي اليوم نظرا لحركيتها وصعوبة مواجهتها.
الظاهرة الإرهابية
إن المتطلع على مختلف الأدبيات التي تتعلق بظاهرة الإرهاب سيلاحظ أن هناك مناقشة مطولة حول إشكالية تحديد تعريف معين للإرهاب يتم الانطلاق منه لقياس هذه الظاهرة، إلا أنه لحد الآن لا يتواجد إجماع حول تعريف ملائم حول هذا التهديد المتنامي الذي يحدق بالبشرية.
ففي دراسة قام بها “ألكس شميد” Alex Schmid على أكثر من مئة تعريف لخبراء وباحثين في مجال الإرهاب استنتج أن الإرهاب هو مفهوم مجرد دون جوهر حقيقي Terrorism is an abstract concept with no real essenceيخضع للطابع البراغماتي للدول المهيمنة على الساسيات الدولية حيث تركز أغلب التعاريف حسبه على ثلاث عناصر أساسية، وهي: الفاعل (The Actor)، الفعل الإرهابي (The Terrorist Act)، الضحية (The Victim)[22].
وكتصور يمكن القول أن الإرهاب عبارة عن:”عمل عنيف يستهدف ارضاخ جماعة ما لآرائه وفرض معادلة مغايرة بمنطق القوة من خلال القيام بنشر الخوف وزرع القلق، وهو وسيلة يستخدمها الأفراد والجماعات ضد الحكومات، ويمكن أن تراعاها وتستخدمها حكومات ضد مجموعات معينة”، حيث يعتبره “دافيد تيكر” David Tucker في مقال له عن أبرز مستجدات الإرهاب ومدى خطورته على أنه عبارة عن شبكة جديدة من المجموعات والهواة التي تترابط بشكل شبكي فيما بينها، وتختلف عن الشكل الهرمي التقليدي الذي يتم فيه تدمير الجماعات الإرهابية من خلال عملية قطع الرأس (القضاء على القائد).
وتتميز هذه المجموعات بالمرونة والقدرة على التكيف والاحترافية، وعادة ما تستخدم طرق تقليدية ويتعدى ذلك إلى طرق جديدة وهجينة لتنفيذ هجماتهم كاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية والشيفرة والقرصنة والمواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية، وهو ما يزيد في عمليات الفتك والقتل ليس فقط على المستوى الوطني بل العالمي[23].
ولابد من الإشارة إلى أنه إضافة إلى إرهاب الجماعات هناك ما يسمى “بإرهاب الدولة”Terrorism by State الذي يقوم به النظام السياسي اتجاه شعبه نظراً لعدم قدرته على تحقيق مطالبه وتلبية احتياجاته، وتنطبق هذه الحالة على محاولات القوات الصربية تحت قيادة “سلوبدانميلوزفيتش”Slobodan Milosovischتطهير المسلمين في صربيا[24].
ويؤثر الإرهاب بالسلب على الأمن الوطني فهو يمثل تهديد وتحدي في آن واحد، كما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي وسلامة واستقرار المجتمع الدولي، ويؤدي إلى استفزاز للمشاعر الإنسانية والضمير العالمي، ويمثل عامل من عوامل التوتر في العلاقات الدولية بين الشعوب والدول فهجوم القاعدة المزعوم على الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر 2011م الذي أدى إلى مقتل حوالي 2985 قتيل عزز التوتر بين الولايات المتحدة والدول العربية، كما أن تصاعد حدة هذه الظاهرة بصورة مطردة، وتزايد أعداد العمليات الإرهابية والخسائر الناجمة عنها يعزز سيناريو أن استفحال هذه الظاهرة خاصة في الدول الفاشلة والهشة (Failed and Fragile States) يؤكد أن الإرهاب سيظل عقبة كبيرة وتحدي مستقبلي عويص لتحقيق الأمن، وتنطبق هذه الحالة على المنطقة العربية التي دق فيها منذ سنة 2013م نقوس خطر الدعشنة في الفترة الآنية[25].
الجريمة المنظمة
تُعرف أيضاًالجريمة المنظمة على أنها تنظيم إجرامي يضم أفراد أو مجموعات ينشطون بشكل منظم للحصول على فوائد مالية من خلال ممارسة أنشطة غير قانونية، ويعمل أعضاؤه من خلال بناء تنظيمي دقيق ومُعقد يُشبه ما عليه الحال في المؤسسات الاقتصادية، وتشمل الجرائم المنظمة جرائم السرقات والسطو والسلب والنهب الاقتصادي والاجتماعي، والتهريب والمخدرات، والمتاجرة بالبشر والغش الصناعي والتزوير والاحتيال والاتجار بالأعضاء البشرية، وأي عمل يحرمه القانون الداخلي والدولي يُرتكب بصورة منظمة ومعدة سلفاً بالتخطيط والترصد والتصميم[26].
وتلتقي الجريمة المنظمة مع الظاهرة الإرهابية في عنصر التنظيم والعمل غير المشروع قانونياً، ويختلفان من حيث الهدف، حيث يهدف الإرهاب إلى تحقيق هدف سياسي إيديولوجي عبر العنف ونشر الهلع والتخويف، في حين تهدف الجريمة المنظمة إلى تحقيق الربح المادي، ويتميزان بوجود طابع علائقي من حيث التعاون الوظيفي من خلال تبادل الخبرات الفنية كتزويد عصابات الجريمة المنظمة الجماعات الإرهابية تقنية تزوير الهويات، وأيضاً الأدوار من خلال تبادل الأفراد النشيطة، كما توفر عصابات الجريمة المنظمة الجماعات الإرهابية المال والسلاح في حين تعمل الجماعات الإرهابية على حمايتها[27].
الهجرة غير الشرعية
أصبحت الهجرة ظاهرة عالمية تزايدت نسبتها وتوسعت نطاقها من حيث الحجم والانتشار، وتعددت أشكالها، خاصة في العقود الأخيرة نظراً لعوامل الدفع المختلفة التي تحركه عوامل بسيكولوجية واجتماعية واقتصادية سلبية، وعوامل الجذب التي تستقطب المهاجرين بحثاً عن حياة أفضل في البلد المستقبل.
وتشير مختلف المراجع والمصادر على أن الهجرة* تعني بصفة عامة، الانتقال للعيش من مكان إلى آخر، مع نية البقاءفي المكان الجديد لفترة طويلة، كما تنقسم الهجرة إلى عدة أنواع تتعلق بالمعيار العددي أو بنطاق الهجرة، أو بالمدة الزمنية، أو بالوضع القانوني ورضا الطرفين حول الهجرة، وهي على التوالي(جماعية/فردية، محلية/خارجية، دائمة/مؤقتة شرعية/غير شرعية)، وما يهمنا في هذه الدراسة هو التصنيف الأخير، حيث يقصد بالهجرة الشرعية على أنها تلك الهجرة التي ترتبط بمدى رضا الأطراف وسلامة الإجراءات القانونية لعملية الهجرة، حيث تتم بجوزات سفر أو وثائق معتمدة من قبل الدولة المهاجر إليها وموافقتها عن طريق عقود محددة المدة وبترخيص من الدولة المستقبلة، أما الهجرة غير الشرعية تعني أن المهاجرين يدخلون بطريقة غير قانونية وشرعية بدون تأشيرات أو دون إذن مسبق للدخول للوصول إلى الدول الصناعية من خلال التعاقد مع مقاولي تهريب المهاجرين، والتسلل من خلال الحدود والزواج الشكلي الذي يهدف من خلاله المهاجر للإقامة، كما أن البعض يستخدم الوثائق وجوزات سفر مزورة وغيرها.
وما يلاحظ أن الهجرة غير الشرعية كتهديد أمني لا تماثلي أصبحت اليوم عامل مؤرق للدول سواء منها المستقبلة أو المرسلة، وحتى دول العبور كمنطقة المغرب العربي[28]، فمن الناحية الأمنية من المحتمل أن يقوم المهاجرين غير الشرعيين بالجرائم وأعمال عنف وربما أعمال إرهابية، نتيجة لعدم وجود مناصب عمل مناسبة لهم، أو قد يستغلون من طرف الجماعات المسلحة كتنظيم القاعدة، كما أن توافد المهاجرين يؤثر على البناء الديمغرافي السوسيوثقافي للدول المستقبلة خاصة إذا تمسك المهاجرين بثقافتهم، وهو ما يخل بالأمن الاجتماعي والثقافي.
أما من الناحية الاقتصادية فيمكن القول أن المهاجرين هم الإسفنجة التي تمتص التنمية حسب بعض المحللين لأن زحف الفقراء نحو دول متقدمة بأعداد كبيرة يزيد من عبء البطالة ويزيد من مستوى المنافسة بين مواطني الدولة المستقبلة والمهاجرين خاصة في حالة ركود اقتصادي، وهو ما يُولد حالات اضطراب داخل الدولة[29].
خاتمة:
يتبين لنا من خلال ما تم عرضه في هذه الورقة البحثية أن التهديدات اللاتماثلية هي نتاج لما يحصل من تطورات في البيئة العالمية الأمنية، فطبيعة هذه التهديدات أخذت أشكال أكثر تعقيداً لتأثرها بالتطور التكنولوجي والمعلوماتي الحاصل، والتي أوجدت فيه وسائل وآليات جديدة للمواجهة يصعب تحديدها، عكس عدو الأمس التقليدي الذي يسهل مواجهته وتحديد مكانه.
وعادة ما تجد هذه التهديدات المكان المثالي لها في الدول الفاشلة والهشة لتوفر البيئة المناسبة والمساعدة لها، ومن أمثلة هذه الدول نجد ليبيا، العراق، سوريا، دول الساحل…إلخ، وهي دول وجدت فيها حركات التمرد والانفصال والجماعات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة مناخاً ملائما لتوسيع وزيادة نشاطاتها.
وأمام تعقد هذا النوع من التهديدات لا بُد من وجود سرعة أكثر للتكيف معها من خلال معالجة التركيبات الجديدة للتكتيكات التي تستعملها الفواعل المُهددة وردعها، وزيادة العقوبات الاقتصادية والذكية عليها، ومواجهتها بلغة الجماعة، وتفعيل البانوبتية.
قائمة المراجع
أولا: باللغة العربية
أبو جودة إلياس، “الأمن البشري وسيادة الدول”،مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت،
المشافية أمين، وسعد شاكر شبلي،” التحديات الأمنية للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب الباردة”،دار ومكتبة حامد للنشر والتوزيع،عمان، 2012.
حجاج قاسم، “التدخل الإنساني للجيش الوطني الشعبي في مواجهة الكوارث الطبيعية”،ورقة بحث قدمت في الملتقى الدولي حول: “الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر، 12-13 نوفمبر2014.
ديبيل تيري،” استراتيجية الشؤون الخارجية…منطق الحكم الأمريكي“، ترجمة: وليد شحادة ، دار الكتاب العربيومؤسسة محمد بن آل راشد آل مكتوم، بيروت 2009.
شهرزاد أدمام، “الطبيعة اللاتماثلية للتهديدات الأمنية الجديدة”، مجلة الندوة للدراسات القانونية، العدد1، 2013،
عبد الله الحربيسليمان، “مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم و الأطر”،المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 19،صيف 2008.
عكروم لندة، “تأثير التهديدات الأمنية بين شمال و جنوب المتوسط”، دار ابن بطوطة للنشر والتوزيع، عمان، 2013.
ثانياً: باللغة الأجنبية
Brian Forst, “Terrorism, Crime and Public Policy“,Cambridge University Press, UK, 2000.
David Tucker,”What’s New About the New Terrorism and How Dangerous Is It?”,Terrorism and Political Violence,13 Autumn, 2001.
Frank G.Hoffman,“Conflict in The 21 Century: The Rise of Hybrid Wars“, Potomac Institute for Policy Studies, Virginia, December, 2007.
Jan Eichler, “Comment apprécier les menaces et les risques du monde contemporain?“, Défense nationale et sécurité collective, vol.62, n°11, Novembre2006.
Hans Gunter Brauch,“Coping with Global Environmental Change, Disasters and Security“,VerlagBerlin Heidelberg: Springer, 2011.
LivierNay,“Le xique de Science politique vie et Institutions politiques“, Europe Media Duplication SAS, Toulouse, 2008 .
“Oxford Basic English Dictionary”, Oxford University press, USA, 2012.
Stephen Saches, “the Change of the definition to The Security“, look atthe cite:http://www.stevesachs .com/papers/paper_security.html(13/04/2015).
Thomas Copeland,Is the “New Terrorism” Really New?An Analysis of the New Paradigm for Terrorism, The Journal of Conflict Studies, , Vol. XXI, No. 2, Winter 2001.
Toni Pfanner,“Asymmetrical warfare from the perspective of humanitarian law and humanitarian action“, International Review of the Red Cross, V8 ,N875, Marche 2005.
[1]لندةعكروم، “تأثير التهديدات الأمنية بين شمال و جنوب المتوسط”، دار ابن بطوطة للنشر والتوزيع، عمان، 2013، ص30.
[2] Hans Gunter Brauch, “Coping with Global Environmental Change, Disasters and Security“,Verlag Berlin Heidelberg: Springer, 2011, p 62.
[3]”Oxford Basic English Dictionary”, Oxford University press, USA, 2012, p 404.
[4] Stephen Saches, “the Change of the definition to The Security“, look atthe cite:http://www.stevesachs.com/papers/paper_security.html(13/04/2015).
[5]تيري ديبيل،” استراتيجية الشؤون الخارجية…منطق الحكم الأمريكي“، ترجمة: وليد شحادة ، دار الكتاب العربيومؤسسة محمد بن آل راشد آل مكتوم، بيروت 2009، ص ص 258-261.
[6]المرجع نفسه، ص270.
[7]Jan Eichler, “Comment apprécier les menaces et les risques du monde contemporain?“, Défense nationale et sécurité collective, vol.62, n°11, Novembre2006, p.161.
[8]Hans Gunter Brauch ,Op,cit, p 62.
[9] أمين المشافية، وسعد شاكر شبلي،” التحديات الأمنية للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب الباردة”،دار ومكتبة حامد للنشر والتوزيع،عمان، 2012، ص16.
[10]سليمان عبد الله الحربي، “مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته (دراسة نظرية في المفاهيم و الأطر”،المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 19،صيف 2008، ص28.
[11]فوزي حسن الزبيدي، “منهجية تقييم مخاطر الأمن القومي”، مجلة رؤى استراتيجية، العدد11،جويلية 2015، ص22.
[12]“Le Petite Robert: Dictionnaire Alphabétique et Analogique de la Langue Française“,Edition firmindidol, Paris, 1979, P 1720.
[13]قاسم حجاج، “التدخل الإنساني للجيش الوطني الشعبي في مواجهة الكوارث الطبيعية”،ورقة بحث قدمت في الملتقى الدولي حول: “الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر، 12-13 نوفمبر2014، ص ص 2-3.
[14] LivierNay,“Le xique de Science politique vie etInstitutions politiques“, Europe Media Duplication SAS, Toulouse, 2008,p 482.
[15]إلياس أبو جودة، “الأمن البشري وسيادة الدول”،مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2008، ص ص 29-34.
[16] سليمان عبد الله الحربي، مرجع سابق، ص29.
[17] أدمام شهرزاد، “الطبيعة اللاتماثلية للتهديدات الأمنية الجديدة”، مجلة الندوة للدراسات القانونية، العدد1، 2013، ص1.
[18] سليمان عبد الله الحربي، مرجع سابق، ص ص 29-30.
[19]Toni Pfanner,“Asymmetrical warfare from the perspective of humanitarian law and humanitarian action“, International Review of the Red Cross, V87,N875, Marche 2005, p 151.
[20] Frank G.Hoffman,“Conflict in The 21 Century: The Rise of Hybrid Wars“, Potomac Institute for Policy Studies, Virginia, December, 2007(, pp 8-15.
[21] عبد النور بن عنتر، “تهديدات هجينة”، تم تصفح الموقع يوم: 13 أفريل 2015. الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/opinion/2014/10/4/%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8% sthash.U01YhMjl.dpuf
[22] Thomas Copeland,Is the “New Terrorism” Really New?An Analysis of the New Paradigm for Terrorism, The Journal of Conflict Studies, Winter 2001, Vol. XXI, No. 2, p93.
[23] David Tucker,What’s New About the New Terrorism and How Dangerous Is It?, Terrorism and Political Violence,13(Autumn, 2001), pp. 1–14
[24] Brian Forst, “Terrorism, Crime and Public Policy“,Cambridge University Press, UK, 2000, p9.
[25] لندةعكروم ، مرجع سابق، ص ص84-85.
[26] أديبة محمد صالح، الجريمة المنظمة دراسة مقارنة قانونية، السليمانية: مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، 2009، ص 12.
عثمان علي حسن، الإرهاب الدولي ومظاهره القانونية والسياسية في ضوء أحكام القانون الدولي، كردستان: مطبعة مناره ، 2006، ص111-112. [27]
* هناك ثلاث معاني للهجرة في اللغة الإنجليزية: الهجرة من منظور الدول المستقبلة (the Receiving Countries) ويطلق عليها في هذه الحالة التوطين (Immigration)، أما عن الهجرة بالنسبة للدول المرسلة (the Sending Countries) فيطلق عليها (Emigration)، في حين من منظور الدول الأخرى والعالم ككل يطلق عليها (Migration)، وهو الأكثر استخداما. أنظر: مصطفى عبدالله أبو القاسم خشيم، “الهجرة في إطار العلاقات الدولية”، مجلة الدراسات، العدد 28، ص ص 23-25.
[28] لندة عكروم، مرجع سابق، ص ص90-91.
[29] المرجع نفسه، ص ص 121-127.
البحث الثاني: من اعداد الدكتور العربي العربي – جامعة عبد الحميد ابن باديس، مستغانم
تعيش منطقة المغرب العربي على غرار مناطق إقليمية عديدة في العالم تهديدات تقليدية وأخرى لا تماثلية جديدة فرضتها التغيرات في بنية النظام الدولي وملامحه، وكذلك البناءات المعرفية والأبعاد المفاهيمية لتطور المجتمع الدولي والتغير في بنية العلاقات الجديدة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة.
إن الأهمية الاستراتيجية والجيو-سياسية لمنطقة المغرب العربي، جعلها منطقة ارتطام جيو-سياسي ورقعة للصراع العلني أو الخفي بين القوى الكبرى منذ قرون خلت. ولعل مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية لها سمات بارزة في واقع هذه الدول وصراعاتها، واستمرار معضلاتها الأمنية من خلال تنامي التهديدات على مستويات أفقية وعمودية.
إن تعرض المنطقة المغاربية لتهديدات لاتماثلية جعلها منطقة رخوة في العديد من المسائل الأمنية، خاصة بعد الأحداث التي شهدتها الدول العربية عقب ما سُمي بالربيع العربي، انطلاقًا من ثورة الياسمين بتونس، ثم تدهور الأوضاع في ليبيا وصعوبة التحكم فيها، بعد الانفلات الأمني الناتج عن انهيار المؤسسات الأمنية التي سيطرت على مقاليد الأمور وزمامها لعقود من الزمن تحت إمرة العقيد القذافي. يضاف إلى هذه الارباكات الأمنية، قلاقل أخرى لا تقل أهمية.
وعليه فإن هذه الدراسة تروم التعرض لبعض هذه التهديدات، وتأثيراتها على الأمن في المنطقة المغاربية من خلال الإجابة على الإشكالات التالية:
ماهي تأثيرات هذه التهديدات، ومجالات التقاطع بينها في استقرار المنطقة المغاربية سياسيًا، اقتصاديًا واجتماعيًا؟
-ماهي أنجع السبُل وأفضل الآليات لمواجهة هذه التهديدات؟
أما فرضية هذه الدراسة فهي:
كلما زاد الاقتصاد تطورًا، كلما تآكلت الأحْيِزة المكانية لمجالات اللا أمن وعدم الاستقرار.
أولاً: التهديدات اللاتماثلية في منطقة المغرب العربي.
1-توغل التنظيمات العقائدية المتطرفة، وتغذية الفكر الإرهابي المتشدِّدْ.
لقد تفشت في السنوات الأخيرة ظاهرة الإرهاب الدولي وتطورت، ولم يقتصر تطورها على زيادة العمليات الإرهابية وتصاعد أرقام ضحاياها، بل شمل أسلوب تنفيذ هذه العمليات كما شمل تنفيذ المنظمات والجهات التي تباشر هذا العمل الإرهابي. لدرجة أن بعض الدول صارت ترعى وتباشر هذه العمليات الإرهابية. وبالتالي صار الإرهاب الدولي حقيقة مؤسفة من الصعب مقاومته والقضاء عليه.
على الرغم من تطور هذه الظاهرة وانتشارها، إلا أنه لا يوجد تعريف جامع مانع للإرهاب يتفق عليه الجميع، لكونه شكلاً من أشكال أو أساليب الصراع السياسي من ناحية، ولإختلاف وجهات النظر والأبعاد الفكرية من جهة أخرى.
لكن علم الاجتماع عرف الإرهاب الدولي، على أنهالتهديد باستخدام القوة، أو استخدامها بواسطة جماعة أو أكثر ضد المجتمع المحلى، أوالدولي لتحقيق أهداف معينة ضد إرادته وعلى غير رغبته، وهو فعل رمزي بمعنى أن الفعلالإرهابي يسعى إلى إحداث أثار كبيرة بالرغم من محدودية نطاقه.
إن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد السياسي، جعل الأرضية مناسبة لاستقطاب الحركات الارهابية لعدد كبير من المواطنين المستائين من الوضع العام في البلاد المغاربية وسخطهم عليه. إلى جانب استغلال الظرف الأمني الهَّشْ في عدد من الدول المغاربية والرغبة في السيطرة عليها. فتبقى هذه المناطق محطات إغراء لاستمرار نشاط هذه الحركات. بل وتعزيز الفكر المتشدِّد والمتطرف، مهما كان نوعه، أو توجهاته.
لقد عمل تنظيم القاعدة على اختراق القارة الافريقية مع بداية 1991، من خلال التواجد في فكر بعض التنظيمات الجهادية على غرار الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي أعلنت انضمامها رسميًا للقاعدة شهر سبتمبر 2006. وفي 26 سبتمبر 2007 غيَّر تنظيم القاعدة اسمه ليصبح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
إن الجزائر من الدول التي اكتوت بنيران الارهاب، لذلك بادرت في اجتماع خبراء منطقة المتوسط لمكافحة هذه الظاهرة سنة 1998، بتقديم وثيقة تحتوي على مجوعة من المبادئ لمكافحة الإرهاب بغية تحقيق فضاء متوسطي مستقر وآمن يعمل على تقوية الشراكة السياسية والأمنية ويمكن تلخيص أهم مبادئه في:
أ- الانضمام للاتفاقيات الدولية حول الإرهاب وتطبيقها.
ب- تأييد الوسائل الدولية لحقوق الإنسان.
ج- تبادل المعلومات عبر القنوات المناسبة قصد مكافحة الإرهاب.
د- العمل على تحقيق دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ه- التعاون والشراكة في مكافحة الإرهاب من خلال عمل تشاوري من اجل:
1) تفكيك الشبكات والعصابات الإرهابية.
2) الوقاية من استعمال مناطق دول المتوسط من اجل التخطيط والتمويل أو تبني الإعمال الإرهابية.
3) منع جمع الأموال ومراقبة حركتها عبر البنوك.
4) منع طبع ونشر وتوزيع أو تسويق الوثائق التحريضية.
5) تجنيب استعمال وسائل الإعلام من أجل الدعاية للإرهاب.
6) الحذر من ألا يكون حق اللجوء حمايةً للإرهابيين وضرورة تطبيق التشريعات الوطنية الخاصة بها.
7) التحذير من استعمال فضاء(شنعن) الأوروبي في سفر وتنقل الأعضاء المشتبه فيهم للشبكات الإرهابية وشبكات الدعم.
8) التكوين والتنسيق بين دول البحر الأبيض المتوسط لمكافحة الإرهاب.
كل هذه التدابير يحملها التصور الجزائري، من خلال هذه الوثيقة وإن كان الواقع أثبت أن تطبيقها يعرف تأخرا وتراجعا بدليل مواصلة التهديد والخطر للجماعة المسلحة وانتشار الأعمال الإرهابية الى تراب دول أوروبية ومواصلة تهديدها للأمن والاستقرار في المتوسط.
إلا أن دخول الدول العربية في زوبعة الربيع العربي وتزعزع الاستقرار في هذه الدول ومنها المغاربية، وعلى الرغم من البعد الجغرافي لدولة التنظيم الاسلامي بسوريا والعراق، استطاعت استمالة العديد من الميليشيات المتواجدة في ليبيا عبر سرت وبنغازي ومناطق أخرى، وقد أعلنت الولاء لها، ما يشكل تهديدا حقيقيا لأمن شمال إفريقيا ككل.
لكن وعلى الرغم من الاستراتيجيات التي تنشدها الدول الغربية بغية القضاء على هذه التنظيمات المتشددة وتقدم صورةً على محاربتها والعمل على تفتيتها ومن ثم محقها، ([1]) إلاّ أن الخفي في نواياها هو تغذية نمو هذه الحركات وتشجيع تطويرها وبالتالي تقوية شوكتها حتى تتمكن من بسط نفوذها على مناطق جغرافية محدَّدة بشكل يخدم مصالح الدول الغربية وفق مقاربات للسيطرة على منافذ مهمة بإفريقيا “البحرية خصوصا”، ومن ثم على خيراتها “النفطية – المعادن – التربة الفلاحية – أماكن للطاقات المتجددة”.
إن دعم هذه الحركات من قبل موازين قوى مختلفة، أبرز تباين في التوجهات الايديولوجية لهذه التنظيمات وعَكَسَ ميزان القوى للدول الداعمة والمحتضنة لها. من خلال القيام بوظائف ساهمت في استمراريتها وفق مصالح مرسومة لدول معينة وفق أجندات غربية. ولعل استعمال الدين كغطاء لشرعنة السلوكيات يمنحها الدعم من قبل شريحة واسعة من الشباب المتعطش للحرية الذي يعاني التهميش والبطالة والقمع السياسي.
إن زعزعة الاستقرار في منطقة المغرب العربي يمكنها أن تأخذ شكل دوافع عرقية أو طائفية أو إيديولوجية كونهما يساهمان في إحداث رجَّات في أُسس العقيدة المجتمعية، والثقافة السياسية لدى الفعالين السياسيين، وبمخرجات المشهد السياسي، تجعله حبيس البحث عن الحلول ومعالجة المؤثرات السلبية لتلك الأحداث لفترات زمنية لا تكون في صالح هذه الدول ولا تساهم في استقرارها.
إن التكتل الدولي الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامي دليل على انتهاء مهمته في المنطقة بعد أن أصبحت منطقة رمادٍ ورجلاٍ مريضٍ يمكن اقتسام تركته دون مقاومة أو عناء. ونقل ساحة المعركة إلى منطقة المغرب العربي، من خلال البوابة الليبية. فتدخل حلف الناتو وسهَّل عملية إسقاط النظام، وتفككت المؤسسات، وأُشْعِلَت نار الاختلافات بين التيارات السياسية والعرقية قصد تقسيم الدولة الليبية وتفتيت وحدتها، تمهيدا لإضعافها وانتهاك سيادتها. وبعد ذلك يسهل الدخول إلى تونس وتقويض أمنها، ثم تصديره إلى الجزائر والدول المغاربية الأخرى.
لقد نجحت بعض الدول في مواجهة الإرهاب داخل حدودها الوطنية، ([2]) لكن الإرهاب العالمي أو العابر للحدود زاد قوةً وفاعلية، فعولمة الإرهاب ظاهرة أكثر حداثة من الظواهر المعولمة الأخرى كالاقتصاد والتهريب والجريمة والأوبئة.
2- ظاهرة الهجرة غير الشرعية التأثيرات ومجالات التقاطع.
أ-الهجرة عبر التاريخ: إنالانتقال السكاني من مكان إلى آخر ظاهرة لازمت البشرية منذ القدم، وتزداد أهميته مع ظهور التباين في الخيرات والثروات، بغية تحسين ظروف الحياة للمهاجر وأسرته. ولم تكن المسافات وتباعد الأماكن يوما عائقا أمام هذه الظاهرة، وكذلك قدرة الدول على استقبال الوافدين، عل الرغم من عدم وجود تنظيمات دولية جعلت للتنقل والترحال شروطا إدارية وتنظيمية.
أما في العصر الحديث ومع ظهور الدولة وفرض سيادتها على حيز مكاني معين، أصبحت شروط التنقل وفق شروط تضعها الدول المعنية حسب مصالحها الاقتصادية والسياسية، وظهرت تشريعات تزمع تنظيم هذه الظاهرة وتأطيرها.
أما في القرن 19م ومع ظهور الثورة الصناعية، واحتياج القارة الأوربية للعمالة، وجد العمال العرب تسهيلات كبرى للانتقال إلى أوربا خاصة منهم سكان دول المغرب العربي، وعرف موجات هجرات واسعة بين الشمال والجنوب. ما دفع بفرنسا إلى النظر إلى هذه الدول بمثابة امتداد طبيعي لها فاستعمرتها واحتلتها، كما جنَّدت ما بين 80 إلى 90 ألف مغاربي في جيوشها لمحاربة النازية. ([3])
في القرن العشرين، وبعد الحربين العالميتين فقدت الدول الأوربية العديد من سكانها، فبدأت في البحث عن البديل، فاتجهت شطر دول المغرب العربي وشمال الصحراء للحصول على اليد العاملة وكانت عمليات الهجرة الجماعية تحددها حاجات المجتمعات الشمالية، واستفاد المهاجرون من الكثير من التسهيلات، أغرتهم على محاولة الالتحاق بهم. لكن كثرة عددهم، وبداية غلق العديد من المناجم في أوربا، كفرنسا وبلجيكا، خلق نوعا من البطالة فأصبح ينظر إليهم مزاحمون للعمال الأصليون وسبب بطالتهم.
وغدت الهجرة غير الشرعية مشكلة تؤرق العديد من دول العالم نتيجة أثارها الاقتصادية السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية للدول التي تعاني منها. وتعد دول شمال إفريقيا من الدول المتضررة بهذه الظاهرة، لكونها تشكل ممرات ومنافذ أساسية للعمالة الإفريقية التي تمر بها لتصل إلى الضفة الجنوبية للمتوسط.
كما أن الاختلاف في الرؤى والطموحات، أدى بالدول الأوربية إلى اتخاذ إجراءات صارمة للحدِّ من الهجرات الوافدة. وأصبح المتواجدون بطريقة غير شرعية يشكلون تهديدا أمنيا للدول الأوربية دفعهم إلى انتهاج سياسة أمنية عبر مقرارات القانون الجديد للهجرة، الذي يتبنى إجراءات صارمة حول مسألة التجمع العائلي، إبرام اتفاقيات مع دول الجنوب لترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
وفي العقد الأخير من القرن العشرين، وبعد تطبيق اتفاقية شنغن، تمَّ السماح بموجبها التنقل بحرية للأشخاص المنتمون للفضاء الأوربي. لكن انضمام إسبانيا والبرتغال خلق مشكلةً بسبب العدد الكبير من المهاجرين الوافدين عليهم. فاتخذت إجراءات قانونية عديدة، لكنها لم تحل المشكلة، بل زادت موجات الهجرة غير الشرعية. ([4])
ب/ تعريف الهجرة غير الشرعية.
من الناحية القانونية: هي تلك الهجرة التي تتم بطرق غير قانونية، نظرا لصعوبة السفر وصعوبة الهجرة الشرعية، حيث تعقدت إجراءات السفر، وأصبحت الهجرة الشرعية شبه مستحيلة. ([5])
هي الهجرة المخالفة للقوانين والنظم، لحركة الأفراد وتنقلاتهم بين الدول. وقد تكون بدخول شخص إلى حدود دولة ما بطريقة شرعية لفترة معينة، إلا أنه يستقر فيها دون حصوله على موافقة الدولة المستقبلة. أو يدخلها بطريقة غير شرعية، كالتسلل عبر الطرق البرية الصحراوية أو الجبلية، أو عبر البحار والمناطق الساحلية، أو جوا. فالهجرة غير الشرعية هي حركة الأفراد وتنقلهم بصفة غير رسمية.
من الناحية الاجتماعية: قد لا ينظر إليها بأنها محرمة دينيًا، اجتماعيًا وأخلاقيًا. فالعديد من الشباب يقومون بجمع الأموال من أقاربهم للقيام بهذه المهمة رغم الأخطار. ويراد بها أحيانا الهجرة السرية.
ج/ أسباب الهجرة غير الشرعية. ([6])
? 1- انتشار مظاهر التباين في مستويات المعيشة بين الدول المتخلفة والدول المتقدمة.
? 2- طبيعة الشروط الاجتماعية والاقتصادية بين الدول، كالفقر والبطالة، وعوامل الجذب كالثراء الفاحش.
? 3- الفساد والاستبداد، والتوزيع غير العادل للثروات، وانتهاك الحقوق والحريات في الدول المصدرة للعمالة.
? 4-الصورة التي يظهر عليها بعض المهاجرين عند عودتهم، وضع اقتصادي مريح، عودتهم بسيارات فارهـة، شراء عقارات، تزويج الأبناء والبنات، القيام بمشروعات تنموية…
? 5- تزايد عدد السماسرة والوسطاء، والمنظمات المتاجرة في البشر ” عصابات تهريب الأشخاص، ودور شبكات الجريمة المنظمة في تشجيع ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
? 6-تشديد شروط وضوابط قبول الهجرة في دول المقصد.
? 7-إعجاب الشباب بالحضارة الغربية، واعتقادهم أنها الفردوس المنتظر، لإنهاء المعاناة والشقاء الذي يعيشون فيه، وتحقيق الثروة التي يحلمون بها. إلا أنه غالبا ما ينتهي بالسجن، أو الترحيل في أغلال من حديد، أو شحن جثمانه في تابوت.
د/ حجم الهجرة غير الشرعية.
على الرغم من المجهودات إلا أنه لم يتم التوصل إلى معرفة العدد الإجمالي لهذه الظاهرة. قدرتها منظمة العمل الدولية بــــ15% من إجمالي المهاجرين في العالم. وحسب تقديرات الأمم المتحدة فإنها تصل إلى 180 مليون شخص. وتقدر منظمة الهجرة الدولية، حجم الهجرة غير القانونية إلى الاتحاد الأوربي بحوالي 1500 مهاجر سنويا. ([7]) ويرى الباحث الإسباني يورن زو، أن عدد المهاجرين المغاربة في إسبانيا يزيد عن 200 ألف مهاجر، ويقدر عدد المهاجرين غير السريين أكثر من اثنا عشر ألف شخص سنويا. ويقدر عدد المفقودين ما بين 1997- 2001، على سبيل المثال لا الحصر حوالي 3923 شخص، وهو عدد يفوق ضحايا بعض الحروب.
ه/ أشكال الهجرة غير المشروعة.
1- هجرات الشباب الذكور. 2- هجرات الإناث.
3: هجرات الأطفال- عكس هجرات الشباب والذكور، فالقانون الإسباني لا يسمح بتهجير الأطفال وترحيلهم إلى بلدانهم، إلا وفق شروط معينة، وخوفا من التعرض لمشاكل في بلدانهم. وخصت مراكز للإيواء والرعاية. وأصبحت النساء الحاملات تهرع للهجرة قصد وضع أولادهم فوق التراب الأوربي حتى يتمتعن بالرعاية الصحية ومن ثم الإقامة.
و- الطرق والوسائل المستعملة في الهجرة غير الشرعية.
? 1: الطـرق التقـليدية:
? أ/ جماعات التهريب المنظمة: مقابل أموال ضخمة، واتفاقات شفهية غير آمنة عبر زوارققديمة، وبأعداد هائلة.أو عبر الطرق الفردية والتسلل عبر الحدود والترانزيت: من خلال جماعات أيضا. جوازات سفر مزورة، تمزيق جوازات السفر، وطلب اللجوء السياسي، أو الإقامة غير الشرعية.
? 2/ الطرق الاجتماعية: من خلالالتحايل الاجتماعي والهجرة عن طريق الزواج. أوربا الشرقية قبل انضمامها للإتحاد الأوربي، الزواج من أوربيات…
ن/ آثار الهجرة غير الشرعية. ([8])
إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية عادة ما ترتبط بالاستقرار، فكلما ساء الوضع الأمني بالمنطقة المغاربية كلما انتعشت ظاهرة الهجرة السرية، والعكس صحيح. كما أن الهجرة السرية أصبحت تثير مشاكل أمنية لدول العبور ودول المقر، لارتباطها بالجماعات الإجرامية وحتى إمكانية تسلل إرهابيين ضمن قوافل الهجرة الغير شرعية. ومن نتائجها:
? 1- مشكلات اقتصادية، اجتماعية، سياسية وأمنية.
? 2- تقاطعها مع الإرهاب والجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات.
ي/ كيفية معالجتها.
إن الأوضاع المـُزرية والكوارث الطبيعية والأمراض الفتاكة ونقص الرعاية وغياب المؤسسات الحكومية عن المناطق البعيدة والحدودية، دفعت بجحافل من المهاجرين للانتقال من الجنوب إلى الشمال متخذةً دول الشمال الافريقي كمعابر للوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط قصد تحسين وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية. وقد حظيت هذه الظاهرة بتغطية إعلامية شملت كل الوسائط فاضحةً معاناة هؤلاء المهاجرين من تردٍّ لحقوق الانسان في بلدانهم، وظروف اجتماعية قاسية. دفع دول الاتحاد الأوروبي الضغط على دول العبور لتعزيز إجراءات ضبط الحدود التي أصبحت سهلة الاختراق. ولمعالجة هذه الظاهرة يمكن انتهاج الأساليب والآليات التالية:
1- من خلال التركيز على المشاريع التنموية لمعالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للمشكلة، واتباع سياسة تهدف إلى إصلاح الهياكل والمؤسسات، والبرامج والمخططات.
2- إنشاء صناديق تنموية لإقراض الشباب وإنجاح مشاريعهم التنموية.
3- إعداد حملات للتوعية مع منظمة الهجرة الدولية، ومنظمة العمل الدولية، وحكومات الدول المستقبلة للعمالة.
4- عقد اتفاقات مع الدول المستقبلة.
5- تقنين وضعية المهاجرين.
6- توسيع مجالات التعاون مع الدول المستقبلة، كالاتحاد الأوربي، مع عقد اتفاقات ومذكرات تفاهم، وتشجيعها على وضع مشاريع تنموية في الدول منبع الهجرة.
3-جدلية العلاقة بين الأمن والجريمة المنظمـــــة
1- نشأة الجريمة المنظمة: يقال إنها نشأت في صقلية في أواخر القرن الثالث عشر تزامنا مع نشوء المافيا الإيطالية خلال فترة احتلال الفرنسيين للجزيرة سنة 1282م. وهناك روايتان لنشأة المافيا الإيطالية:
الرواية الأولى: تكونت في الجزيرة منظمة سرية لمقاومة الفرنسيين الغزاة تحت قيادة رجل وطني يسمى “جان بروسيدا” لهذه المنظمة شعار “Mozte alla Francia Italia Anela” وتعني الموت للفرنسيين وهي صرخة إيطالية. وتختصر في كلمة “Mafia”.
الرواية الثانية: ذكر رئيس عائلة بونانو في نيويورك، أنه في عام 1282م بينما كانت فتاة إيطالية تتجول اختطفها أحد الجنود واعتدى عليها، فصاحت أمها تطلب النجدة” Mafia, Mafia” ، فأصبحت الكلمة رمزا لمقاومة الطغيان. لكن بعد تحرير صقلية، اتخذ اسم المافيا كستار للمنظمات الإجرامية.
وقد ازداد دور هذه المنظمات بازدياد الهجرة الداخلية والخارجية، خاصة إلى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية منذ 1870م، وزادت نشاطاتها في تهريب المخدرات.
*وتطورت في الأربعينات، وازدهرت خلال الثمانينات والتسعينات، نتيجة تطور الاتصالات والتكنولوجيا وانهيار الاتحاد السوفيتي. إن تفكك المنظمات الإجرامية في الكتلة الشرقية كالمنظمات الأوكرانية، الجورجية، الأرمينية، وممارستها لأنشطة مختلفة كالمخدرات، تهريب الأسلحة، التزوير، المهاجرين، تبييض الأموال.
إن زيادة درجة الاعتمادية بين دول الاتحاد الأوربي، وحرية تبادل البضائع والأشخاص، وارتفاع حدَّة مشاكل التنمية في دول العالم الثالث أتاحت الفرصة للجريمة من توسيع نشاطاتها.
فالمنظمات الاجرامية في إفريقيا، وعصابات الإجرام الكولومبية تقوم بتحويل 80% من كوكايين العالم.
إنتواجد دول فاشلة على مستوى الساحل الافريقي عزَّز انتشار الجريمة المنظمة وتفاعلها مع الارهاب. نتيجةً للعجز المؤسساتي لدى هذه الدول خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، وفتحها المجال لممارسة أنواع مختلفة للجريمة المتخطية للحدود مع سهولة تقاطع الأنشطة غير الشرعية وصعوبة مراقبتها على مستوى الحدود للدول المغاربية التي زادت مشاكلها وتفاقمت حدَّتها.
2- تعريف الجريمة المنظمة: قبل صدور اتفاقية الأمم المتحدة عام 2000 حول الجريمة المنظمة لم يكن لها تعريف موحد. لكن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15/11/2000 وضعت تعريفًا موحدًا فحواه، ([9]) “هي الجريمة التي ترتكبها جماعة إجرامية منظمة وذات هيكل تنظيمي، وهي موجودة لفترة من الزمن، وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة والأفعال المـُـجرمة وفقًا لهذه الاتفاقية من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مادية أخرى”.
3-أشكال الجريمة المنظمة العابرة للأوطان: ([10])
أ-التجارة في المخدرات: وهي من أعقد التهديدات وأكثرها خطورة. وتشهد الأرقام والاحصائيات على تحول هذه التجارة من أمريكا الجنوبية إلى إفريقيا الغربية، ومن ثَّمَ إلى الشمال باتجاه أوربا والشرق الأوسط عبر الجزائر وليبيا ومصر، مستغلين ضعف التكم في الحدود والسيطرة عليها.
ب-تجارة السجائر المهربة وبعض السلع والتي مصدرها الجزائر: حيث يؤكد الكثير من المهتمين خصوصا لدى السلطات الجزائرية بوجود علاقة بين تهريب السجائر والبنزين وبعض المواد الغذائية وأنشطة الجماعة الإرهابية.
ج-المتاجرة بالبشر: تشير الكثير من الدراسات، على أن تهريب الأطفال والنساء والشباب يمر عبر الدول المغاربية. كما يسلك المهربون طريق الجزائر، مالي، تونس لتكون الوجهة أوربا، حيث يشتغلون في الجنس والعمل الرخيص.
د-تجارة الأسلحة: تبرز تجارة الأسلحة لأعلى نسبة في العالم في هذه المنطقة حيث يلجأ المتمردون إلى البحث عن الأسلحة والأموال لدعم الأقلية التابعة لهذه الجماعات المتمردة، أو للدفاع عن النفس من قطاع الطرق وعصابات الإجرام المنتشرة في هذه المناطق، ويلعب التمويل الخارجي دورًا كبيرًا في اشتعال الحرب. ويعتبر انهيار ليبيا عاملاً مهمًا في انتشار ما يقارب خمسة ملايين قطعة سلاح في منطقة الساحل تباع بأسعار بخسة ويمكن لأي اقتناءها واستعمالها.
4-هندسة الحرب في ليبيا، وتأثيراتها الأمنية.
يعتبر التطاحن بين الاخوة الأعداء في ليبيا خطرًا داهمًا على أمن المنطقة المغاربية. ([11]) وعلى الرغم من توقيع الاتفاق على إنهاء الصراع الذي دام لفترة طويلة، وكلَّف خسائر بشرية ومادية صعبت من تقريب وجهات النظر بين الفرقاء بسبب الفجوة الواسعة بينهما. فاتفاق الصخيرات نصَّ على توحيد سلطة طرابلس وسلطة طبرق المتقاتلتين في حكومة وحدة وطنية، تقود المرحلة الانتقالية لمدة عامين، وتنتهي بانتخابات تشريعية. لكن آليات تنفيذ مضامين هذا الاتفاق لا تزال غير واضحة، ما يهدِّد بانفجار غير مرتقب.
إلى جانب التباينات الحادَّة وسط كل من معسكر طرابلس ومعسكر طبرق التي تحول دون توحيد قراراتهم، وبالتالي فإن الاتفاق الأخير نفسه هَشّْ للغاية وقد لا يطول. دون أن ننسى مشكلات أمنية عويصة مثل محاربة داعش ومثيلاتها من الجماعات المتطرفة، ومشكلة نزع السلاح ودمج الميليشيات المسلحة في الجيش.
إن الأوضاع الأمنية الهشَّة في ليبيا جعلتها منطقة يتوافد عليها الآلاف من المهاجرين من مختلف الجنسيات خاصة المغاربية، الافريقية والسورية قصد الوصول إلى الدول المشاطئة لجنوب المتوسط مستغلين غياب الرقابة الأمنية على السواحل. كما أن الوضع الأمني غير المتحكم فيه في تونس يشجع مسار هذه الظاهرة وانتشارها، وعليه فتونس اليوم تعكف على بناء جدار اسمنتي لتأمين حدودها مع ليبيا، منعا لتسلل متشدِّدين قد يقومون بأعمال تخريبية بالأراضي التونسية.
5-خطر التدخل الأجنبي على الأمن المغاربي.
ترغب العديد من الدول وعلى رأسها فرنسا استرجاع المجد الضائع، حيث لا زالت تطمع في استرجاع مستعمراتها القديمة لكن عبر طرق جديدة. وقوى دولية أخرى تروم ايجاد مناطق نفوذٍ تستطيع من خلالها استغلال ثرواتها وبناء قوتها لتعزيز مقاربة الهيمنة والسيطرة.
إن الدول المسْتعمَرة لم تسترجع “استقلالها” إلاَّ من خلال الكفاح المسلح، الذي أصبح وسيلة تعتمدها الدول الغربية اليوم “التدخل العسكري” للعودة إلى مستعمراتها بالأمس، وهي (فرنسا –
ايطاليا – بريطانيا) بإشراف وتنسيق من الولايات المتحدة الأمريكية. ([12]) فنحن اليوم كما ذكر الأستاذ “Walter Russell Mead” نعيش العودة إلى مرحلة مدارس الجغرافيا السياسية التقليدية، ومفاهيم القوة وفق الواقعيون الجدد ومن سار في فلكهم. ([13])
إن من مبادئ سياسة الجزائر الخارجية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبالمقابل فهي ترفض رفضًا تاما التدخل الأجنبي مهما كان نوعه أو مبرراته. فرفضت إقامة الولايات المتحدة فوق أراضيها لقاعدة “أفريكوم” بحجة مكافحة الارهاب.بل دعت الجزائر دول الساحل الإفريقي إلى ضرورة تأمين الحدود من مخاطر الإرهاب وتهريب السلاح والهجرة السرية، بعيدا عن الوصاية الأمريكية التي تنطوي نواياها على أهدافٍ أبعد من مراقبة الحركات الإرهابية ومحاربة التهريب، إلى المس بسيادة الدول وكرامة شعوبها.
وكانت دومًا ترفض التدخل الخارجي مهما كان شكله أو مبرراته. فوقفت ضد تدخل حلف الناتو في ليبيا لإسقاط نظام القذافي، ولجأت دائمًا إلى تفضيل الحلول السياسية والدبلوماسية على الحلول العسكرية. أي اختيار بديل الأمن الناعم بدل توظيف آليات الأمن الخشن.
كما أنها كانت دائمًا تدعو إلى ضرورة التنسيق سواء على المستوى المغاربي أو الافريقي، وإقامة خطة مشتركة للدفاع دون الارتماء في أحضان القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وِفْق مبررات العجز وعدم القدرة.
ثانيًا: أساليـــــب المواجهـــــة، والاستراتيجيات الناجعة.
أ- المتطلبات السياسية والاقتصادية.
1-ضرورة اقتناع صانع القرار في الدول المغاربية ([14]) بأهمية العمل الجماعي والتنسيق الإقليمي في تعزيز الأمن والسلم في المنطقة المغاربية.
2-دعم جهود التنمية في الدول المغاربية وتعزيز قدرتها لمواجهة مختلف التهديدات.
3- الدول المغاربية وعلى رأسها الجزائر مدعوة إلى تسريع استكمال بناء الاتحاد المغاربي وتفعيل مؤسساته وهياكله، وتجاوز الخلافات البينية، وإيجاد حلول للمسائل العالقة والمعيقة لمسار التكامل المغاربي (قضية الصحراء الغربية).
4- أهمية التنمية المستدامة وتقوية التعاون العابر للحدود ودعم المشاريع المهيكلة الكبرى ذات البعد الإقليمي وضرورة التآزر الإنساني في مواجهة الحالات الطارئة.
5- تحسيس المجتمعات المدنية([15]) بأهمية قيام الاتحاد المغاربي ومنحهم دورًا في بناء السياسات الأمنية، لأنها تستطيع أن تقرب المسافات وتبني الجسور من خلال الروابط الثقافية والاجتماعية، وليس الاعتماد بصفة كلية على الحكومات والدول.
6- العمل على تعزيز صناعة هوية موحدة لدول المغرب العربي، واستغلال العوائد الاقتصادية لتجسيد الاستقرار الاجتماعي، والحصول على السلطة والتمكين لتعزيز الأمن في الاقليم.
7-تعزيز مبادئ المواطنة، حقوق الانسان وقبول الآخر، وقيام الاعلام بالدور الإيجابي وليس السلبي.
8-ضرورة اقتناع الدول المغاربية، بأن المجتمع الدولي يتجه نحو التكتلات وليس الانفرادية والانعزال.
9- العمل على بناء شراكة اقتصادية عبر إقامة منطقة للتبادل الحر، وتقديم إعانات مالية لدول الجنوب بغية تقليص الهوة في مجال التنمية بين ضفتي المتوسط. من خلال تشجيع الاستثمارات الأوربية وتوجيهها إلى الدول المغاربية لخلق فضاء للاستقرار والأمن، والشكل التالي يبرز هذا التوجه:
-ضرورة تفعيل مشروع الاتحاد المغاربي وتنشيط مؤسساته قصد التعاون الأمني ومواجهة التحدِّيات.
ب- الأساليب الأمنية والعسكرية.
1-إلزامية تطبيق اتفاقية الجزائر لمكافحة الإرهاب والوقاية منه الموقعة في14 جويلية 1999 ومختلف الاتفاقيات الإقليمية لمكافحة الإرهاب.
2- وضع خارطة أمنية للمنطقة تعتمد على التنسيق بغية مواجهة التحدّيات كتهريب الأسلحة وتجارة المخدرات، التي تُدِّرُ أموالاً تساهم في تأمين طرق الصحراء لجماعات التهريب، ما دفع بالتفكير إلى تشديد نقاط المراقبة وتكثيف التفتيش. ففي 2011 تم الاتفاق على نشر 5 آلاف جندي على الحدود بالاتفاق مع النيجر ومالي وموريتانيا، بغية تأمين الحدود من تسلل العناصر الإرهابية على غرار تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وفي اجتماع لرؤساء أركان الجيوش لدول الساحل الأربعة المنعقد بالجزائر شهر أبريل 2011، تقرر دعم الوحدة العسكرية في ولاية تمنراست بالجنوب الجزائري بخمسة آلاف جندي إضافي.
3- التهديدات الأمنية في المنطقة المغاربية تستدعي تضافر الجهود، وتنسيق السياسات الأمنية بين دول المغرب العربي لمواجهة التحديات الأمنية، تلافيًا للتدخل الأجنبي في المنطقة. ويكون التعاون الأمني على أساس إرادة سياسية متجاوزة للأنانيات الضيقة، والخلافات البينية من أجل إرساء دعائم الأمن والسلم في المنطقة المغاربية في إطار الاتحاد المغاربي أو على الأقل بين دولتين أو أكثر لأنه مؤشر من مؤشرات نجاح النظام الأمني الإقليمي، وذلك في إطار التنسيق الأمني وليس الأمن التنسيقي ([16]) الذي يدل على أن السياق الإقليمي في حالة تنافسية وسيطة، لا تتضمن تعاونا واضحا ولا صراعا مكشوفا.
3- وضع آليات فعالة لمكافحة الإرهاب مع تعزيز المراقبة الحدودية بما يضمن الحدَّ من تهريب الأسلحة، تبيض الأموال والجريمة المنظمة.
4- تشجيع تبادل المعلومات الأمنية بمختلف أشكالها وأنواعها. كتنسيق دول غرب المتوسط 5+5 لوضع آليات للتعاون الاستعلاماتي بغية احتواء انتشار ظاهرة الارهاب.
5- ضمان تطبيق مبدأ المطاردة الحثيثة على أساس اتفاقيات جماعية.
6- تفعيل التعاون الإقليمي بين الدول المغاربية في مجال الاستخبارات، ورصد ومتابعة النشاطات الإرهابية داخل النطاق الاقليمي المغاربي.
7- تعزيز التعاون وفق استراتيجيات أمنية فعالة، والعمل على إدارة الأزمة الليبية من خلال توسيع نطاق التعاون الإقليمي، بغية ايجاد مخرج يخدم مصالح الجميع قبل فوات الآوان.
8-وجود نواة لقيادة عسكرية مشتركة تتوخى التنسيق في القضايا الأمنية على غرار حلف الناتو بغية وضع استراتيجيات لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
9- مبادرة حلف الناتو للحوار المتوسطي مع 06 دول وهي (موريتانيا والمغرب وتونس ومصر وإسرائيل والأردن) في إطار المادة الرابعة من ميثاق واشنطن 1949، والخاصة بالتعاون غير العسكري وغير المرتبط بالأمن الجماعي للدول الأعضاء، بهدف بناء الثقة العملياتية بين دول الضفتين للمتوسط عن طريق الحوار السياسي وتبادل الزيارات العسكرية، وتكوين الإطارات العسكرية لدول الجنوب، والمناورات المشتركة الهادفة لخلق توافق عملياتي بين الجيوش.
10- التنسيق مع القوى الدولية الكبرى، لكن وفق أجندات وطنية ([17]) وليس الذوبان في استراتيجيات تخدم مصالحها على غرار “أفريكوم” وهي القيادة العسكرية الأمريكية الموحدة في إفريقيا والتي تم الإعلان عنها في 07 فيفري2007، والتي تهدف إلى تطوير التعاون العسكري مع الدول الإفريقية والقيام بعمليات عسكرية حربية عند الاقتضاء في القارة الإفريقية.
6-الكوارث الطبيعية: إن التغير المناخي كانت له تأثيرات سلبية على مناطق عديدة من العالم ومنها المنطقة المغاربية فكانت عرضةً للفيضانات في العديد من المناسبات، وعجزت السلطات في العديد من المرات عن مواجهتها. وأسراب الجراد الكاسحة التي تغزو مناطق يمكنها أن تتجاوز 29 مليون كلم2، أي ما يعادل 20% من اليابسة. وكان آخر موجات الجراد التي ضربت المنطقة المغاربية في 2004 و2005.
وحسب إحصائيات واردة عن الأمم المتحدة فإن ارتفاع درجة الحرارة ارتفعت بـــــ1° درجة مئوية خلال 30 سنة الماضية ما فرض مقاربات بنائية للتأقلم مع الظواهر المرتبطة بالتغيرات المناخية الموضوعة في الحسبان، كالماء – العنصر الحيوي في حياة الشعوب واستقرارها. ([18])
7-الجفاف / التصحر: إن الماء هو مصدر الحياة. نقصه يعني انعدامها، وما يترتب على ذلك من صراعات وصدامات محتملة في منطقة المغرب العربي.
وحسب تقرير للأمم المتحدة فان أكثر المناطق تأثرا بنقص المياه تقع في شمال أفريقيا وغرب وجنوب آسيا. فبالنسبة لـ 25 في المائة من سكان أفريقيا، يعانون أزمة للمياه مزمنة وشديدة: 13 في المائة من السكان يعانون من أزمة مياه تتصل بالجفاف مرة كل جيل، و 17 في المائة يعيشون بدون إمدادات مياه متجددة وحتى داخل الدولة الواحدة الأمر يختلف حيث أن الناس الذين يعيشون في الأحياء الشعبية الفقيرة يحصلون على كميات محدودة جدا من المياه الآمنة من أجل الاستعمالات المنزلية. فقاطن أو قاطنة الأحياء الشعبية قد لا يكون تحت تصرفه أو تصرفها يوميا أكثر من 5 إلى 10 لترات، في حين أن الشخص المتوسط الدخل أو المرتفع الدخل في المدينة ذاتها قد يستعمل حوالي 50 حتى 150 لترا في اليوم، إن لم يكن أكثر من ذلك المياه،” المياه المعبئة في المغرب العربي تعادل 46 مليار م³، 65% منها تأتي من مياه المجاري المائية، ومع موجات الجفاف المتكرر في العقدين الأخيرين فإنها قد تسببت في خسائر مهمة بالنسبة للمياه السطحية. إلى جانب كوارث أخرى لا تقل أهمية كالتصحر والجفاف ([19]) الذي دفع بتدفق السكان من الأرياف إلى المدن. وكذلك الهجرة من دول الجنوب إلى الشمال كالطوارق في الجزائر، ليبيا ونيجيريا والأزمة الأمنية التي ترتبت على ذلك، وأثرها البالغ في مسار الصراع، وتغيير المعادلة في المنطقة.
الخاتمة
إن التغيرات الجوهرية التي عرفتها المنطقة المغاربية، كانت سببًا في جعلها ساحة لتهديدات غير تقليدية أثَّرت على التموقع الجيو-سياسي للوحدات المختلفة الفاعلة في المنطقة. وكانت الدول أكبر المتأثرين بهذه الأحداث والتغيرات.
إن الانفلات الأمني، وتدهور القدرات العسكرية للدول التي كانت مسرحًا لأحداث “الربيع العربي”، زاد من حدَّة التهديدات اللاتماثلية وعقَّد من مجال التحكم فيها، والتنسيق بين الدول المـُـعرضة لاستراتيجيات هذه الحركات وسياساتها. حيث أضحت لا تعترف بالحدود ولا تقف عندها، بل زاد التشابك بين مكوناتها، وارتفعت درجة الاعتمادية فيما بينها. ولعل أفضل الآليات لمواجهة هذه التهديدات، هي آليات اقتصادية واجتماعية، قبل أن تكون آليات عسكرية وأمنية، التي أثبتت فشلها في العديد من المحطَّات الأزماتية، وعبر مراحل تاريخية مختلفة.
إن إنجاح المشاريع التنموية بمختلف أشكالها، واحترام حقوق الانسان كفيل بصناعة سياج قوي تكون له القدرة على مواجهة هذه التهديدات، وتفكيكها، وبالتالي الاستثمار في البناء الذي هو أصعب وأهَّم، ولا يقوى عليه إلاَّ الحكماء، عكس الاستثمار في الهدم الذي يحسنه الجميع، ولا يقف أمامه الضعفاء.
[1]- العربي بجيجة، الاتحاد المغاربي: أية تحديات تهدد استقراره الأمني، مركز الصحراء للدراسات والاستشارات، 22 فيفري 2016، متاح على: الاتحاد المغاربي: أية تحديات تهدد استقراره الأمني | الصحراء
[2]- عبد النور بن عنتر، البعدالمتوسطي للأمن الجزائري، الجزائر، أوروبا والحلف الأطلسي (الجزائر: المكتبة العصرية للطباعة والنشر).
[3] – محمد نظيف، الهجرة بين الحاجيات وعوائق الاندماج، في: مجلة المعرفة، موقع الجزيرة (ملفات خاصة)، الجمعة 29/1/ 1426ه.
[4]-Saoudi Badis, «les variétés sécuritaires et leurs impacts sur la souveraineté des Etats de la méditerranée», Séminaire international, l’Algérie et la sécurité dans la méditerranée Réalité et perspectives, Faculté de droits et de sciences politiques, Université Mentouri-Constantine, 28/29 Avril 2008.
[5] – هشام بشير، “الهجرة العربية غير الشرعية إلى أوربا، أسبابها، تداعياتها، سبل مواجهتها”، في: مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام، العدد، 178، جانفي، 2010.
[6] – جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، مكافحة الهجرة غير المشروعة، ط1 (الرياض: جامعة نايف للعلوم الأمنية، 1431ه، 2010) ص ص 51 – 53.
[7] – أسامة بدير، “ظاهرة الهجرة غير الشرعية”، في: مجلة الديوان، 26 جانفي 2010.
[8] – اللواء محمد فتحي عيد، التجارب الدولية في مكافحة الهجرة غير الشرعية، ط1 (الرياض: جامعة نايف للعلوم الأمنية، 1431ه، 2010) ص ص 68 – 71.
[9]- نشأة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وطرق مكافحتها، الجمهورية اللبنانية، وزارة العدل، النيابة العامة التمييزية. تاريخ التصفح، 05/03/2016 ساعة التصفح 10:40. ص 05. متاح على: مذكرة بحث نشأة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وطرق مكافحتها
[10]- Hanspeter Mattes, Domestic Security in the Maghreb: Deficits and Counter-Measures, No: 186, January 2012, German Institute of Global and Area Studies (GIGA), P. 15.
[11]- Haim Malka, “Bracing for after Shocks: North African Politics and Security”, Global Forecast, Center for Strategic and International studies, 2011. P. 68.
[12]- العربي بجيجة، “الاتحاد المغاربي: أية تحديات تهدد استقراره الأمني”، مركز الصحراء للدراسات والاستشارات، 22 فيفري 2016، متاح على: الاتحاد المغاربي: أية تحديات تهدد استقراره الأمني | الصحراء
[13]- Walter Russell Mead, “the Return of Geopoliticsthe Revenge of the Revisionist Powers”, In: Foreign Affairs,MAY/JUNE 2014 ISSUE. Available at:
The Return of Geopolitics | Foreign Affairs
[14]- سليمان عبد الله الحربي، مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته (بيروت: مجلة المنظمة العربية للترجمة، لبنان) بدون سنة، ص. 14.
[15]- Shafeeq choucair, The Arab Maghreb and Current Regional Transformations, Aljazeera Center for Studies, Doha on 17-18 February 2013, P. 06.
[16]- سليمان عبد الله الحربي، مفهوم الأمن: مستوياته وصيغه وتهديداته، مرجع سابق، ص 15.
[17]- وليام لويس، تر. عبد الله جمعة الحاج، تحدي الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 1996) ص. 88.
[18]- Ali agoumi, Vulnérabilité des pays du Maghreb face aux changements climatique, mars 2009. International Institute for Sustainable Development | IISD
[19]- عصام عبد الشافي، “تعقيدات غياب الأمن في الساحل والصحراء”، في: مجلة السياسة الدولية، العدد 195، يناير 2014، ص 150. مجلة السياسه الدوليه