يعتبر مفهوم الإثنية واحد من أكثر المفاهيم تعقيداً من حيث المضمون والدلالة بالإضافة إلى تداخله مع مصطلحات أخرى مثل الأقلية والأمة والقبيلة، ويرجع الاهتمام بمفهوم التعددية الإثنية إلى اعتبارها ظاهرة تاريخية تمثل أرضية للصراع و عدم الاستقرار في بعض الدول قد يصل إلى نشوب حرب أهلية داخل البلاد.
أولاً: مفهوم التعددية
تُعَرَّفْ التعددية لغة بأنها مشتقة من كلمة عدَّ والتي تعني حسب وأحصى وهي ترمي إلى عدم الواحدية أو التفرد ووجود شيء قابل للإحصاء قل أو كثر. وقد أشار معجم “أكسفورد” بالإنجليزية و”larousse “بالفرنسية إلى المعنى نفسه باعتبار التعدد هو عدم الأحادية على كافة الأصعدة. أما اصطلاحاً يعرفها معجم المصطلحات الاجتماعية بأنها تعدد لأشكال الروح الاجتماعية في نطاق كل جماعة وتعدد الجماعات داخل المجتمع وتعدد داخل الجماعات نفسها وتتعدد أشكال التعددية فنجد التعددية الاجتماعية ملازمة للتعددية العرقية والدينية واللغوية لطبيعة المجتمع.
وعرَّفَ معجم المصطلحات السياسية التعددية بأنها تعني من الناحية الإجتماعية “وجود مؤسسات وجماعات غير متجانسة في المجتمع المعاصر لها إهتمامات دينية ثنية وثقافية متنوعة واقتصادية، فالتعددية هي سمة لمجتمع تكون فيه الجماعات الإثنية في انفصال، لكنها تشارك في الحياة الإقتصادية والسياسية. ويبدو المصطلح جديداً ليكون عنصراً للتحليل في النقاش الخاص بالتركيبات الإثنية والثقافية، لأنه يفصح عن وضع قائم بقدر ما يشير إلى خيار أيديولوجي.
أما دينكين ميتشل – Mitchell Dunkin فيرى أن التعددية هي اصطلاح يطلق على المجتمعات التي تتألف من جماعات إجتماعية مختلفة، لها أديانها ولغاتها وتاريخها المشترك وتقاليدها وعاداتها الخاصة بها، بينما ذهب إدوارد شيلز – Edward Shils إلى أن التعددية تعني “مراكز القوى الكثيرة والمتناقضة في المجتمع والتي تؤثر في سير الأمور فيه” .
وانطلق جورج قرم – Georges Corm من البعد الديني والطائفي في تحديده للمجتمع التعددي حيث يرى أنه ”ذلك المجتمع الذي تتعايش فيه، ضمن كيان سياسي واحد، جماعتان أو أكثر متباينة الإنتماء طائفيا ولها وزنها عدديا“.
وتعرف التعددية أيضاً بأنها: “ظاهرة إنسانية تاريخية تعرفها كل المجتمعات بسبب إختلاف طبيعة ومصالح البشر، وهذه التعددية لها وجهان: الأول إيجابي نموذج التوازن حيث تعمل التعددية كقوة تدعم وتعمق التطور السياسي- وهو ما يظهر جليا في الدول المتقدمة والثاني سلبي نموذج الصراع حيث تمثل التعددية خطرا يهدد مشروعات التنمية والاستقلال، وتفتح الباب أمام الأطماع الخارجية، ومثال ذلك في كثير من دول العالم الثالث. و يمكن التمييز بين هذين النموذجين من المجتمعات التعددية كما هو موضح في الجدول أدناه. وتجدر الإشارة إلى أن كل من النموذجين لا يعدو أن يكون تعبيرا عن نمط مثالي من الأنماط المثالية التي قدمها ماكس فيبر – Max Weber، أي أنها نماذج أو أنماط مجردة .
مقارنة بين نموذج الصراع ونموذج التوازن في المجتمعات التعددية
عنصر المقارنة | نموذج الصراع | نموذج التوازن |
أساس المجتمع | هيكل هش من الجماعات غير المستقرة يضم مزيجاً من الجماعات التي تعيش داخل وحدة سياسية واحدة تتماسك كل منها بثقافتها ولغتها ودينها وأفكارها . | هيكل قوي من الجماعات المستقرة والمستقلة والوسيطة بين الفرد والدولة |
السمة الرئيسية | تعدد ثقافي وتباينات لغوية أو عرقية أو طائفية أو لها حدود مرسومة تتميز بالثبات | تجانس ثقافي على صعيد القيم والمعتقدات السياسية العليا،ى وتباينات متحركة مرتبطة بالرأي العام والعملية الانتخابية |
نمط العلاقات | الاجتماعية نظام تدريجي جامد للعلاقات بين الجماعات يقوم على التنافس المحض دون ضوابط ولا يؤمن بالمشاركة أو بالمساواة، أي تنظيم غير ديمقراطي . | علاقات تعاون وانسجام وتوازن مستقر بين الجماعات نتيجة المشاركة في السلطة وفي صياغة القرارات أى تنظيم ديمقراطي للعلاقات الاجتماعية |
طبيعة السلطة | مركزة في أيدي جماعة أو فئة محدودة . | منتشرة وموزعة بين الجماعات والقوى السياسية والاجتماعية . |
وضع الدولة | تعلو فوق المجتمع وتفرض بعض الإجراءات لتنظيم العلاقات بين الجماعات المكونة حتى لا تصبح علاقات عدائية بحته | . الروابط والعلاقات بين الجماعات في الأساس والدولة ككيان سياسي ليست سوى تعبير عن هذه العلاقات التكاملية |
أساس التكامل | ليس لغياب القيم طواعية بل مفروضاً نظرا المشتركة والإحساس بالانتماء المجتمعي سواء بين النخب أو المواطنين | الالتزام بالقيم المشتركة والإحساس بالانتماء المجتمعي بين النخب واحترام حكم القانون، والالتزام بالعمل التدريجي |
آلية الحفاظ على النظام | القسر والإكراه وضبط الصراع بواسطة الجماعة السائدة . | التكامل والتماسك الاجتماعي الذي ينبع من الاتفاق والرضا . |
أسلوب تغيير نمط العلاقات الاجتماعية السائدة | التغيرات في الهيكل الاجتماعي تفترض التغيرات السياسية والتي تتم دائما باستخدام العنف | التغيير يتم باستخدام الوسائل السلمية القانونية مثل الانتخابات. |
ثانيا: مفهوم الإثنية
تعبر الإثنية عن هوية اجتماعية تتميز بممارسات ثقافية معينة ومعتقدات متفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع الآخرين. وتعتبر المرة الأولى التي استخدم فيها مفهوم الجماعة الاثنية عام 1909 وذلك حسب وثيقة إعلان حقوق شعوب روسيا الصادر عام 1917 والذي تم فيها الإشارة إلى الأقلية الإثنية ضمن إطار المبادئ الذى ينظم العلاقات بين القوميات المختلفة داخل الاتحاد السوفيتى وتميزها عن باقي الأقليات القومية. وفي سنة 1935 تم استخدام كلمة إثنية فى الأدبيات الأمريكية للإشارة إلى المهاجرين إلى الأرض الجديدة، وظهرت النظريات القومية – Ethnic Nationalism فى الأدبيات الأوربية لتفسير أسباب اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية 1914 و1939، حيث سادت فى هذه الفترة النزعة القومية مثل النازية الألمانية ونظريات التفوق العرقي، والذي أدى فى نهاية الأمر إلى نبذ التمايزات العرقية والدينية وأيضا التاريخية والاتجاه إلى تدشين الاتحاد الأوربي.
ويرجع الأصل اللغوى لكلمة إثنية أوEthnicity كما يطلق عليها بالانجليزية، إلى الكلمة اليونانية Ethno , وهى تعني شعب أو أمة أو جنس، وقد شاع استخدام هذه الكلمة فى اللغة الانجليزية فى القرن الرابع عشر واستخدمت للإشارة إلى الأفراد المهمشين والمكروهين .
وقد ترجم هذا المصطلح إلى العديد من اللغات الأوربية مثل : الفرنسية ((Ethnique،الإسبانية((Ethnia ، الإيطالية(Ethnico ) و الألمانية(Ethnish). وفي اللغة العربية نجد العديد من الباحثين إستخدموا مصطلح الإثنية كمرادف للعرقية التي ترتكز على صلات الدم والسلالة والعرق. ومع تطور علم الوراثة والبحوث الاثنوغرافية أصبح العرق مصطلح بيولوجي والاثنية هي أشمل من العرق. في حين يعتبر كثير من الباحثين أن مفهوم الهوية شديد الارتباط بالاثنية من حيث المفهوم (مجموعة من الأوصاف والسلوكيات التي تميز الشخص عن غيره)، لذا يعتقد هؤلاء الباحثون أنه لا يمكن فصل الهوية عن الاثنية لأنها تعبر عن السمات التّي تميز الجماعة الاثنية عن الجماعات الأخرى.
ثالثا: مفهوم الجماعات الاثنية
وفقا للموسوعة الأمريكية، فإنَّ الجماعة الاثنية هي جماعة تتميز عن غيرها إما بالعرق أو القومية أو اللغة أو الأصل أو الدولة القومية، وبالتالي فإن الإثنية لا يشترط فيها أن تكون ذات أغلبية أو أقلية، وإنما تميزها بصفات معينة. وعرفتها منظمة اليونسكو على أنها كل قطاع من المجتمع يتمايز عن الاخرين بواسطة الثقافة أو اللغة أو الخصائص الطبيعية، بينما عرفتها الموسوعة البريطانية بأنَّها جماعة اجتماعية أو فئة من الأفراد فى إطار مجتمع أكبر تجمعهم روابط مشتركة من العرق واللغة والقومية أو الثقافة.
كما عرَّف شارمرهورن – Shermerhorn الإثنية بأنها: “مجموعة من الأفراد يعيشون في مجتمع أكبر، لهم سلف مشترك (سلالة واحدة) وتاريخ وذكريات مشتركة وثقافة مشتركة تتركز على واحد أو أكثر من العناصر الرمزية للثقافة ”element Symbolic“ مما يجعلهم يشعرون بالأهلية. ومن هذه العناصر القرابة والجوار أو التماس الفيزيقي“Physical contiguity“ واللغة أو اللهجات المختلفة والقبيلة والإنتماء القبلي والديني، أو أي تركيب من هذه العناصر.
ومن الناحية الديناميكية، يرى الباحث ف.بارث – Barth. F أنَّ الجماعات الإثنية لا تعبر عن مجموعة جامدة وثابتة، بل هي تجمعات بشرية غير ثابتة، أعضاؤها يتغيرون على المدى الزمني البعيد وذلك لأن عضويتها وحدودها مرتبطة بالتغيرات التي تطرأ على الأوضاع الإجتماعية.
وتعرَّف الجماعة الإثنية في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية بأنها جماعة تعتنق ثقافة تقليدية مشتركة وشعور بالذات، وتعتبر جماعة فرعية من المجتمع العام، ويختلف أعضاؤها عن باقي أعضاء المجتمع فيما يتعلق ببعض الخواص الثقافية، وقد يكون لأفراد هذه الجماعة لغتهم الخاصة ودينهم وعاداتهم المميزة، والأهم من ذلك شعورهم بالتوحد كجماعة تقليدية متميزة. ويتفــق هذا التعريف مع تعريف الإثنية الذي ورد في القاموس الحديث لعلم الاجتماع في التركيز علي: ١- أهمية الجانب الثقافي في تكوين الجماعة الإثنية. ٢- أهمية الشعور بالذات كجماعة واحدة. حيث عُرِّفت الإثنية في القاموس الحديث لعلم الاجتماع على أنها ”جماعة ذات ثقافة تقليدية خاصة بها وذات شعور بذاتيتها كجماعة فرعية في المجتمع الأكبر، ويختلف أعضاؤها في سماتهم الثقافية.“ ويعرف برودلي – Broadly ”الإثنية بأنها حالة من الانتماء إلى جماعة اجتماعية معينة تمتاز بارتكازها على بعض السمات المميزة لها مثل اللغة أو الدين أو السلف المشترك“.
رابعاً: المفاهيم الأخرى المتصلة بمفهوم الإثنية
هناك العديد من المفاهيم التي كثيراً ما تتداخل وتتشابه مع مفهوم الإثنية، وأهمّها: (الأمّة، والقبيلة، والعشيرة، والعنصرية، والعِرْقية، والقومية، والأقلية)، ومن الصعوبة بمكانٍ تحديد مفاهيمها منعزلةً بعضها عن بعض؛ لأنها نشأت وتطوّرت في مراحل وظروف مختلفة.
إذا نظرنا إلى مفهوم العرقية نجد أن لفظ عرق في المعجم الوسيط لفظ ينطوي على دلالة فيزيقية حيث يعني ”أصل كل شيء“، ويقال أعرق فلان في الكرم تكون بمعنى: كان له أصل فيه، ويقال عارقه أي فاخره بأصله، كما يقال ”أعرق الشجر“ أي امتدت عروقه في الأرض. وفي الحديث النبوي الشريف: ”تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس“ رواه ابن ماجه. وهجاء جرير للفرزدق بقوله: عرق الفرزدق شر العروق ٠٠٠ خبيث الثري كابي الأزندي . ويتضح من ذلك أن الجماعة العرقية ترتكز على أساس فيزيقي حيث أن مفهوم العرق ينطوي في الأساس على مدلول بيولوجي يعكس قدرًا كبيرًا من الانحدار القرابي بين مجموعة من الأجيال المتعاقبة.
أمّا مفهوم القومية – nationalism: فقد أشار قاموس أكسفورد الانجليزي بأن القومية هى الإرادة والرغبة لجماعة بشرية معينة تشترك فى العنصر والثقافة واللغة …. إلخ، فى تأسيس دولة مستقلة. ويتضح من هذا المفهوم أن القومية تمثل تطوّر من التعبير عن مجموعة بشرية ذات أصول مشتركة، إلى التعبير عن جماعة بشرية تقطن معاً في بلدٍ واحد، ومن ثم فإن مفهوم القومية أصبح متداخلاً مع: الأمّة Nation والشعب People بمفهومهما السياسي.
بينما مصطلح الأمّة – Nation لاتينيّ الأصل natio، يعني جماعةً من الناس يتشاركون في خصائص وقيمٍ معيّنة مثل اللغة والتاريخ والتراث والدّين والوطن، لكنّ جزءاً من المفهوم الحديث للأمّة أصبح يعني: «الدولة أو الوطن»، وهو المعنى المستخدم في ميثاق الأمم المتحدة، حيث بدأ بالتعبير: «نحن شعوب الأمم المتحدة We the Peoples of The United Nations»، ويُعْنى بالأمم هنا: الدول الحديث.
أما مصطلح «الأقلية»: فقد عرفت الموسوعة البريطانية الأقليات:بأنها جماعات من الأقوام الذين يتمايزون عرقيا, دينياً، أو لغوياً أو قومياً عن بقية الأفراد في المجتمع الذين يعيشون فيه.و كذلك الموسوعة الفرنسية لاروس – larousse…بأنها تلك التي تكون أقل هيمنة من الناحية العددية بحيث لا يكون لها إلا القليل من الأصوات.
و في المفهوم الإحصائي العددي يشار إلى الأقلية باعتبارها دلالة على فئة متميزة بخصائص معينة يقل حجمها عن مجموع عدد السكان العام مثل فئة العمر بين (70-80 سنة) أو فئة من يزيد طوله عن 2 متر وكثيراً ما تضاف صفة الإثنية بعد مصطلح الأقلية لتمييز مجموعة ما من الوجهة الاجتماعية بخصائص معينة سواء منها ما يتعلق بالسمات الثقافية وربما القيمية أو بصفات جسمانية.
أما «القبيلة» فتعرف على أنها بناء سياسي مستقل يقوم على فكرة الانتماء لجسد مشترك يعمل أفرادها في ظل حكومة واحدة تحكمهم وذلك بهدف تحقيق أهداف مشتركة توحدهم في حالات الحرب أو التعرض للتهديد تحت إدارة مركزية موحدة سواء عائلة أو عشيرة أو جماعة محلية، وتختلف الجماعات العرقية بهذا المعنى عن القبيلة التي تكاد تنعزل عن جيرانها ولا تميل إلي التوحد والتفاعل معهم.
المصادر والمراجع:
محمد مهدي عاشور، التعددية الإثنية في جنوب إفريقيا، بنغازي: دار الكتب الوطنية، الطبعة الأولى ،2004.
نبيلة سالك، الاليات المؤسساتية لادارة التعدد الاثنى، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراة العلوم فى العلوم السياسية.
محمد عبدالوهاب عبد الوالي، إشكالية مفهوم الجماعة الإثنية.