اليوم، تقوم الصين باستثمارات كثيرة في إفريقيا وأميركا اللاتينية وعدد من دول جنوب شرق آسيا، وهي مشاريع مفيدة ومهمة للصين، لكن على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي، قد تكون الاستثمارات في قطاعات الاقتصاد والبنى التحتية والعلوم والتكنولوجيا في روسيا قيّمة جداً بالنسبة إلى موسكو وبكين في آن، وبهذه الطريقة لن يسمح البلدان للخبراء المعادين للصين في روسيا أو للسياسيين والخبراء الاستراتيجيين الغربيين بفصل روسيا عن الصين.
تدرك السلطات الروسية وبوتين شخصياً أن تنامي نفوذ الصين، تلك الدولة العملاقة على حدود روسيا، لا يطرح تحدياً صعباً فحسب بل يشكّل فرصة حقيقية أيضاً، وفي الفترة الأخيرة، نجحت الصين في مواكبة أوروبا والولايات المتحدة في مجالات عدة من التكنولوجيا المتطورة، كما أنها أخذت على عاتقها مهمة التفوق على الدول الغربية (في قطاعات تكنولوجيا الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية وسواها).
على صعيد آخر، يُعتبر توسّع الصين في آسيا الوسطى عبر مشاريع “حزام واحد، طريق واحد” تحدياً وفرصة بالنسبة إلى روسيا، فلم تكن آسيا الوسطى منطقة خاضعة لسيطرة روسيا وحدها، بل بدأت دول هذه المنطقة تتقرب من الولايات المتحدة والغرب والصين، وستتغير المعالم الإقليمية كلها أيضاً بسبب انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان، واحتمال توسّع نفوذ “طالبان” في ذلك البلد، وطموحات تركيا الجيوسياسية.
وقد تتولى بكين دوراً أكثر أهمية في المجالات العسكرية والسياسية في المنطقة نتيجة اقتراب عضو مسلم في حلف الناتو من الحدود الصينية نظراً إلى وجود نحو 30 مليون مسلم في الصين، وتحديداً على حدودها مع دول آسيا الوسطى، ولن تكون روسيا الجهة الوحيدة التي تضمن استقرار المنطقة، إذ ستحاول الولايات المتحدة بدورها أن تحافظ على وجودها هناك وأن تؤثر على الأحداث الإقليمية بطريقة مباشرة أو عبر دعم تركيا، وفي المرحلة الأولى قد تفكر روسيا والصين بتقوية العنصر العسكري في منظمة شنغهاي للتعاون.