يقوم النظام السياسي الأمريكي في جوهره على مبدأ الرقابة والتوازن Check and Balance ، حيث كان لدي الآباء المؤسسين تخوف من أن تركز السلطة في يد الرئيس والمؤسسة التنفيذية سبعني نهاية الحربية التي أسست عليها الولايات المتحدة، ولذلك حرصوا أن يقيدها الدستور عبر إعطاء غيرها صلاحيات واسعة للرقابة عليها، وفقها إذا ما نماين في استخدام تلك الصلاحيات، أو سعت للسيطرة على صلاحيات المؤسستين التشريعية والتنفيذية على نحو لا يسمح لأي منها بالانفراد بصنع القرار الأمریکي.
ولهذا، فإن عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تتسم بالتعقيد والتشابك لتداخل صلاحيات وثانير اكثر من مؤسسة رسمية وغير رسمية (جماعات الضغط، ومراكز الأبحاث على سبيل المثال). لاسيما أن الدستور لم يحدد أدوارا محددة لكل مؤسسة من المؤسسان المشاركة والمؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية، إذ إن الممارسة العملية لصنع السياسة الخارجية كشفت عن تزايد اور مقدسية، وتراجع أخرى، وظهور مؤسسات جديدة بشفي كل مرحلة زمنية.
وخلال العقد الأخير من القرن الحادي والعشرين، بدأت السياسة الخارجية الأمريكية تشهد تحولات في موازين قوة الفاعلين المشاركين في عملية صنع هذه السياسة، بعد العديد من الإخفاقات التي واجهتها السياسات الأمريكية خلال الإدارات الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة بعد عقب نهاية الحرب الباردة، وانفراد الولايات المتحدة بالهيئة على النظام الحوار الذي أسسته عقب نهاية الحرب العالمية الثانية الخدمة مصالحها وأهدافها.
وقد شهدت عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، أخيرا، مزيدا من الإخلال في العلاقة بين المؤسستين التشريعية الكونجرس الأمريكي بمجلسيه) والتنفيذية (الرئيس)، لمصلحة الأخيرة، وبداية الحديث عن الرئاسة الإمبريالية في ظل هيمنة الرئيس على عملية صنع القرار الأمريكي والتحرك بعيدا عن رقابة مجلسي النواب والشيوع، وهو الأمر الذي أحدث العديد من الإخفاقات الأمريكية الخارجية، والانخراط العسكري في عمليات عسكرية وحروب لا نهائية كانت لها تداعياتها الجمعية على الداخل الأمريگي، الذي أضحى معارضا لكثير من التحركات الأمريكية الخارجية. ولذا بدأت المؤسسة التشريعية باستعادة دورها في عملية صنع القرار الأمريكي الخارج وفرض المزيد من الضغوط على الرئيس، حتى لو كان حزبه في المسيطر على أحد مجلسي الكونجرس أو كليهما، في ظل الانقسام الحربي والسياسي، ليس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بل داخل كل حزب أيضا، وظهور ثبارات وأفكار متباينة داخلهما.
ومع إخفاقات ثيار التدخل الليبرالي الذي يهيمن على مؤسسات صنع القرار الأمريكي، عقب نهاية الحرب الباردة، وذلك المؤمن بالاستثناء الأمريكي، وأن الولايات المتحدة دولة لا غنى عنها في النظام الدولي، مما يفرض عليها الانخراط في الشئون الدولية، وتحمل تكلفة صون النظام الدولي الذي تهيمن عليه منفردة، وأمن حلفائها، والتدخلات العسكرية لنشر القيم التي تؤمن بها واشنطن، حدث تراجع في دور الخبراء والأكاديميين، ودور مراكز الفكر والرأي الأمريكي في عملية صنع القرار الأمریکی الخارج ولكن الجدل لا يزال مستمرا داخل الأروقة البحثية والأكاديمية، وكذلك السياسية، وهو مدى أهمية القراء والمؤسسات البحثية والأكاديمية في عملية صنع القرار الأمريكي خارجيا، ولم يحسم هذا الجدل حتى وقتنا هذا، لاسيما في ظل حاجة الإدارات الأمريكية باختلاف انتماءاتها الحربية إلى أفكارهم في وقت تواجه فيه العديد من التمديدات الداخلية والخارجية، التي تفرض سرعة التحرك، خاصة مع تحقيق القرى المنافسة للولايات المتحدة تجاحات تعزز من مكانتها في النظام الدولي الذي يشهد تحولات لا تزال في مرحلة التطور، وإن كان دور الخبراء والنخبة المؤسسية سيواجه مزيدا من الفحص والتقييد خلال الفترات القادمة، لاسيما مع التحول الجيلى داخل الولايات المتحدة.